Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسعى لتعديل قانون النقد اللبناني للحد من سلطة الحاكم بأمر الليرة

أُخذ على تشكيل اللجنة أنها ضمت وكلاء مصارف وأعضاء مجالس إدارة 

الجلسة الأولى للجنة تعديل قانون النقد والتسليف (صفحة رئاسة مجلس الوزراء).     

ملخص

شكل رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي لجنة لمشروع تعديل قانون النقد والتسليف فما الهدف وما المآخذ؟

فتح التدقيق الجنائي الباب واسعاً أمام تعديل قانون النقد والتسليف في لبنان، ويبدو أن هناك اقتناع تولد بوجوب الحد من الصلاحيات الواسعة لمنصب حاكم المصرف المركزي، ولكن خطوة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تركت انقساماً في الأوساط الحقوقية والمصرفية.

تقييد صلاحيات حاكم مصرف لبنان، كان إحدى الخلاصات الرئيسة لتقرير التدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي الذي قامت به شركة "ألفاريز آند مارسال"، وبعد مضي أسبوع على "صدمة" التدقيق الجنائي، قام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتشكيل لجنة من مجموعة من رجال القانون، والخبراء بالحقل المصرفي، وضمت اللجنة الدكتور في القانون نصري دياب، والمحامي شكيب قرطباوي (وزير عدل سابق ونقيب للمحامين)، والبروفيسور إبراهيم نجار (وزير عدل سابق)، والخبير المصرفي غسان بو عياش (نائب سابق لحاكم مصرف لبنان)، والخبير القانوني والمصرفي عبد الحفيظ منصور، والخبير المصرفي حسن صالح، ووزير العدل هنري خوري. وبدأت اللجنة أول اجتماعاتها في السراي الحكومي بغية وضع مسودة اقتراح قانون لتعديل بعض مواد قانون النقد والتسليف الصادر عام 1963 في عهد الرئيس فؤاد شهاب الذي يعود إليه الفضل بإقامة أغلبية المؤسسات الرقابية في تاريخ الجمهورية اللبنانية. وأعلن وزير العدل هنري خوري أن "اللجنة بحثت في اقتراح أفكار جديدة"، مشيراً إلى أن "الأمور الأساسية في القانون لا تمس، ولكن هناك بعض النقاط يمكن أن تطرأ عليها تعديلات تجميلية فقط".

لجنة غير متوازنة

يؤخذ على اللجنة التي ألفها الرئيس نجيب ميقاتي أنها "غير متوازنة" إذ لم تتمثل فيها جهات عدة على غرار المودعين والجمعيات الحقوقية، فيما تدور النقاشات عن مخرجات اللجنة في ظل وجود شخصيات على صلة مباشرة بالمصارف اللبنانية، إذ يشغل بعض الأعضاء موقع الوكالة القانونية لتلك المؤسسات المالية.

يشير المحامي كريم ضاهر (هيئة الدفاع عن حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت) إلى ضرورة مشاركة المحامين والقضاة في وضع القوانين، "طالما لعبت نقابة المحامين دوراً في إعداد القوانين على غرار ما حصل في قانون التجارة وغيره، إلا أنها مستبعدة حالياً عن اللجنة التي تدرس تعديل قانون النقد والتسليف"، لافتاً إلى أن "اللجنة التي شكلها رئيس الحكومة تعاني من مشكلة في التكوين، إذ يفترض فيها أن تمثل وجهات نظر مختلفة، وأحياناً متباينة من أجل الخروج بأفضل قانون ممكن، بحيث لا يكون منحازاً إلى فئة دون أخرى". ويشدد على أن "إقصاء شرائح كبرى سيؤدي إلى إرسال مشروع قانون ناقص إلى مجلس النواب، ومن ثم إقراره بما لا يراعي المصلحة العامة".

يدعو ضاهر إلى أخذ التقرير الجنائي في عين الاعتبار عند وضع أي تعديلات من أجل تجنب المخالفات والجرائم التي ارتكبت في الماضي، معبراً عن تحفظات كبيرة على التقرير الذي وضعته شركة "ألفاريز آند مارسال" كونه جاء مجتزأ، وغير شامل، ومكلفاً. ويشكك في إمكان وضع قانون في الوقت الحاضر لأن "الأمور معقدة للغاية"، و"هناك توازنات داخل النظام تفرض نفسها في كثير من الأحيان"، و"من المبكر وضع تعديلات في وقت لا يوجد لدينا حاكم أصيل، فجزء كبير من المشكلة كان في شخصية الحاكم السابق (رياض سلامة)، ومخالفته القانون، بينما الحكام السابقون تمتعوا بالرصانة، وحافظوا على المال العام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حاكم بصلاحيات استثنائية

يمنح قانون النقد والتسليف صلاحيات واسعة لحاكم مصرف لبنان. يمارس بعض تلك الصلاحيات بصورة منفردة، وأخرى بموجب ترؤسه المجلس المركزي أو الهيئات الأخرى، ولعبت العبارات العامة دوراً في تمكينه من ممارسة صلاحيات غير محدودة.

 من الناحية التنظيمية، الحاكم ينظم المصرف ويحدد دوائره ومهامه، ويعين ويقيل موظفيه من جميع الرتب، كما يمتلك صلاحيات تنفيذية، فهو المكلف تطبيق قانون النقد والتسليف وقرارات المجلس المركزي، وعلى صعيد السياسة النقدية، يمتلك دوراً مفصلياً في تحديد السياسة النقدية والتسليفية لمصرف لبنان، إضافة إلى وضع أنظمة تطبيق قانون النقد والتسليف، ناهيك عن تحديد معدلي الحسم والفائدة على التسليفات على ضوء الأوضاع الاقتصادية، وكذلك إصدار العملة، وظهر دوره الكبير خلال الانهيار المالي، فأصدر الحاكم عدداً كبيراً من التعاميم التي قيدت السحوبات، وحددت أصول استحقاقها، كما أنشأ منصة "صيرفة" لتنظيم تدخل المصرف المركزي بسوق الصرف، وطباعة كميات هائلة من الليرة اللبنانية لتغطية الرواتب. 

كما أنه يرأس المجلس المركزي، ويمتلك الصوت المرجح، وله دور استشاري في تعيين نوابه، وهو الذي يدعو إلى انعقاد المجلس المركزي، ويعد عضواً في مجموعة من الهيئات الرقابية والقضائية، ويرأس هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان التي تعمل على مكافحة تبييض الأموال، إلى جانب ترؤس الهيئة المصرفية العليا التي تتولى فرض العقوبات على المصارف التي تصل إلى الشطب من دون أي وسيلة للطعن، كما للحاكم صلاحية إحالة القضايا إلى المحكمة المصرفية الخاصة.

يتضح أن التعقيدات لازمت نظام المصرف منذ نشأته، وبقي الحديث عن محاسبة الحاكم في قانون النقد والتسليف على نطاق ضيق، إذ أشارت المادة 19 إلى أسباب إقالته وإنهاء مهامه، فتشير إلى تنحي الحاكم، أو عجزه الصحي، أو الإخلال بواجباته الوظيفية، أو ارتكاب خطأ فادح، أو الإخلال بموجبات المادة 20 التي تحظر عليه ممارسة وظيفة عامة أخرى، أو النيابة، أو أن يأخذ ويتلقى منفعة من مؤسسة خاصة. إلى ذلك، لم يتطرق القانون إلى آلية ملاحقة الحاكم ومقاضاته، مما يفتح باب الاجتهاد حول الطريقة والآلية القانونية التي تأخرت في الادعاء على سلامة، واضطرت البعض للجوء إلى القضاء الأوروبي.      

التدخل في السلطات الرقابية

لا تتوقف سلطة الحاكم عند حدود صلاحياته، وإنما تتسع لتشمل الأجهزة الرقابية المستقلة إدارياً عنه، وفي هذا السياق يمكن اقتباس ما أورده الرئيس السابق للحكومة سليم الحص الذي كان أول من رأس لجنة الرقابة على المصارف، إذ يسرد "أنشئت لجنة الرقابة على المصارف لدى مصرف لبنان بموجب القانون 28/67 الصادر في شهر مايو (أيار) 1967، الذي تضمن نصوصاً أخرى تتعلق بالإجراءات المطلوبة على صعيد الإصلاح المصرفي الذي ظهرت الحاجة إليه ملحة وضاغطة إثر وقوع أزمة "بنك أنترا" عام 1966. وكانت اللجنة مستقلة عن مصرف لبنان إدارياً، إلا أنها كانت منشأة كما يستدل من اسمها (لدى مصرف لبنان). وذلك بمعنى أنها موجودة مادياً ضمن إطار مصرف لبنان: مكاتبها في مبنى مصرف لبنان وكل موظفيها مرتبطون وظيفياً به، منه يستمدون رواتبهم ويسري عليهم النظام الذي يسري على موظفيه. مع ذلك فاللجنة برئيسها وعضويها مستقلة عن مصرف لبنان بمعنى أن حاكم المصرف لا سلطة له البتة عليهم، وليسوا مسؤولين تجاهه، وليس بينه وبينهم أي من العلاقة العمودية". ويضيف الحص في كتابه "زمن الأمل والخيبة"، "كل ما يخول القانون الحاكم هو طلب المعلومات من اللجنة أو مطالبتها بإجراء دراسة معينة تتعلق بأوضاع المصارف"، مشيراً "اللجنة مسؤولة نظرياً أمام مجلس الوزراء باعتباره الجهة التي تعين اللجنة، تلك المزاوجة بين استقلالية اللجنة وتبعية جهازها لمصرف لبنان لم تكن بالطبع صيغة فعالة، وكانت سبباً لشيء من العقم والتعقيد". ولذلك تبرز المطالبة بتكريس الاستقلالية المالية والمكانية، فيكون مقر لجنة الرقابة على المصارف خارج مبنى مصرف لبنان، بالتالي فصل السلطة النقدية عن السلطة الرقابية.   

تساؤلات حول التوقيت

يطرح مرجع رقابي طلب عدم الكشف عن اسمه تساؤلات حول توقيت طرح تعديل قانون النقد والتسليف من دون غيره من الخطوات الممكن اتخاذها لحل أزمة القطاع المصرفي، بالتالي "نحن أمام مضيعة للوقت"، لأن "تعديل صلاحيات حاكم المصرف حالياً سيفتح أبواباً كثيرة، وقد يأخذنا إلى مكان آخر". ويعتقد أن هناك حاجة لوضع بعض الضوابط لعمل المصرف المركزي وحاكميته، على أن يتعاون مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف من أجل إعداد تقارير سنوية للجنة المال والموازنة النيابية، كذلك التوجه لتحديد صلاحيات الأجهزة المختلفة، يترك لمصرف لبنان سلطة الإدارة للكتلة النقدية، والفوائد، والتضخم، والأدوات النقدية، فيما يعاد النظر في السلطة الناظمة وتوزيعها، وتمنح لجنة الرقابة على المصارف تطبيق قواعد الحوكمة، ومراقبة الملاءة والسيولة والربحية وإدارة المخاطر على أن يكون للجنة سلطة فرض العقوبات على المخالفات إلى حد الشطب التي يقررها مصرف لبنان، كما يقترح المرجع الحد من الازدواجية في المناصب وتضارب المصالح، فلا يكون للحاكم تولي مواقع عدة في آن، وإعادة النظر بعمل هيئة التحقيق الخاصة وفرض شروط صارمة على أعضائها، وعدم التمديد لهم بصورة متكررة.

  تفاعلات التدقيق الجنائي مستمرة

كشف تقرير التدقيق الجنائي خللاً كبيراً في عمل السلطة النقدية اللبنانية، أدى إلى إهدار أموال المودعين، فيما تحرك مدعي عام التمييز غسان عويدات، فأصدر مطالعة كشف فيها بصورة رسمية مضامين عامة للتقرير التمهيدي، فأشار إلى أنه بين عامي 2010-2020، "انتقلت الاحتياطات بالعملة الأجنبية من 7.2 مليار دولار، إلى ناقص 5.7 مليار دولار". وأشار إلى "تزوير في ميزانيات مصرف لبنان، فلم يتم إيراد الخسارة التي لحقت بالاحتياطات في ميزانيات البنك المركزي، بل تم إيراد الخسارة في ميزانية الدولة العامة لعام 2020 بمبلغ 51.3 مليار دولار".

أما الهندسيات المالية، فـ "كانت كلفتها مرتفعة جداً بسبب الفوائد المرتفعة والعلاوات التي تم تسديديها" بحسب مطالعة عويدات، ولفت إلى تحويل مبلغ 111.3 مليون دولار من حساب العمولات لدى مصرف لبنان إلى حسابات مصرفية مفتوحة لدى ستة بنوك وحساب مصرفي سويسري تعود إلى شركة "فوري" التي يملكها شقيقه رجا سلامة، كذلك "حول رياض سلامة بين عامي 2015-2020 مبلغ وقدره 98.8 مليون دولار من حساباته لدى مصرف لبنان إلى حسابات في سويسرا وفرنسا ولوكسمبورغ، والمملكة المتحدة". كما "ارتفعت كلفة تشغيل مصرف لبنان من 38.7 مليار ليرة لبنانية في 2016، إلى 63.5 مليار ليرة في عام 2020"، كما "ارتفعت كلفة العلاوات والمساعدات المرضية، تم تسجيل ارتفاع في هذا المضمار بنسبة 100 في المئة بين عامي 2015 و2017"، كما أن "مفوض الحكومة لم يقدم التقرير السنوي الملزم بتقديمه عن حالة مصرف لبنان".

وكشفت المطالعة كيفية تبديد احتياطي المصرف بالعملات الأجنبية، على سبيل المثال، بلغت ديون كهرباء لبنان 18 مليار دولار أميركي، أما تحويلات كهرباء لبنان فبلغت 543 مليون دولار، ووزارة الطاقة ستة مليارات دولار، أما ديون القطاع العام بلغت 235 مليون دولار، وتمويل الدعم سبعة مليار دولار، وكلفة حركة اليوروبوند سبعة مليارات دولار، ومدفوعات مصرف لبنان 470 مليون دولار أميركي.

انطلق عويدات من المعطيات السابقة، ليطلب إحالة مطالعته إلى النيابة العامة المالية، والنيابة العامة الاستئنافية في بيروت، وهيئة التحقيق الخاصة للاطلاع، وإجراء التحقيقات اللازمة.

اقرأ المزيد