Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب أهلية حول المثلية في لبنان ولكن غير طائفية

 بيان ثقافي يحتج ويتهم وآخر يؤيد ويدافع... والشرارة "باربي"

من إحدى التظاهرات المؤيدة للمثلية في بيروت (أ ف ب)

منذ أن بادر نواب لبنانيون "تغييريون" ومستقلون وعلمانيون، بطرح مشروع  قانون في المجلس النيابي يقضي بحماية المثليين في لبنان وعدم ملاحقتهم وتجريمهم وسجنهم، في رد واضح على مشروع وزير الثقافة محمد وسام مرتضى، تتلاحق المواقف والعرائض والبيانات بين رفض مطلق لقرار وزير الثقافة واتهامه بالرجعية و"الظلامية"، وتأييد مطلق له، لا سيما من مؤسسات وجمعيات رسمية ودينية محافظة، إسلامية ومسيحية. ولعلها من المرات القليلة، يتخطى اللبنانيون، الرافضون والمؤيدون، جدار الطائفية، فيتفقون حول موقفين متناقضين، مثلما اتفق سابقاً رؤساء الطوائف اللبنانية ، مسيحية وإسلامية، على رفض الزواج المدني متخطين أيضاً كل الأزمات الدينية والسياسية التي تفصل بينهم.

أطلق الشرارة الأولى إذاً وزير الثقافة الذي يمثل الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) في لقاء المقر البطريركي في الديمان (8-8-2023)، وقد شارك فيه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وبعض الوزراء، برعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي، معترضاً على عرض فيلم "باربي" في الصالات اللبنانية، حفاظاً على الأخلاق العامة ورفضاً لترويج المثلية والتحول الجنسي اللذين، بحسب قوله، يمهد لهما الفيلم، علماً أنه لم يشاهده، مكتفياً بما سمع أو قرأ، وآخذاً بتصريحات السيد حسن نصرالله قبل أيام، حول ضرورة محاربة المثلية ومواجهة موجتها التي بلغت لبنان علانية. ونجح وزير الثقافة في اختيار الزمن والمكان الملائمين لإطلاق مشروعه، مما جعله ينال رضى المرجعية المارونية. وقال بعضهم إن الوزير نجح في "توريط" البطريرك بحملته ضد المثلية تحت شعار الأخلاق الوطنية. ولكن بدا واضحاً أن البطريرك لم يعترض البتة.

وقبل نشر البيانات والعرائض لقي موقف وزير الثقافة احتجاجاً كبيراً لدى أهل الثقافة والفن وحتى بعض السياسيين. لكن هذا الاحتجاج لم يؤت ثماراً، ما دام أن وزير الثقافة أطلق موقفه في حضور الرئيس ميقاتي والبطريرك الماروني، وفي عقر البطريركية. بل هو سرعان ما لقي تأييداً غير معلن من المرجعيات المارونية التي تحارب المثلية وتدينها، على خلاف البابا الكاثوليكي الذي يدعو إلى مسامحة المثليين وفهم ظروفهم الجسدية والنفسية.

بيانان متناقضان

وعقب تحرك النواب التغييرين ودعوتهم إلى إصدار مشروع قانون يحمي المثليين من العقوبات والسجن، تنادى عدد من المثقفين العلمانيين والمدنيين، من شتى المشارب والطوائف والأحزاب، ورفعوا بياناً شديد اللهجة، ملؤه التحليل وعمق النظر، يدينون فيه "القرار الظلامي" لوزير الثقافة، واعترضوا فيه على منع فيلم "باربي" الذي يعرض في العالم أجمع وفي معظم الدول العربية. وجاء في البيان: "فيما تتعرض حياة اللبنانيين للخطر بسبب السلاح والتفلت من العقاب، وتتعرض معيشتهم لانخفاض مريع بسبب النهب والسرقة، فإن عقولهم تتعرض، هي الأخرى، لهجمة لا تقل خطراً وفتكاً".

ورأى البيان أن "سياسات التدخل والمنع في تزايُد يكاد يصبح منهجياً، والعدوان هذه المرة إنما يستهدف الأعمال الفنية والسينمائية، والإبداعية بمعنى الكلمة الأوسع. فما بات مسموحاً به في بلدان مجاورة، كانت حتى الأمس تعتبر لبنان منارة للحرية، غدا مقموعاً في لبنان نفسه. وبدل الاقتداء بالتجارب التي تفوقنا حريةً وتقدماً في العالم، صرنا لا نقتدي إلا بالنماذج التي تفوقنا تخلفاً وضيقاً في المنطقة".

ووصف البيان وزير الثقافة بـ"الرقيب الأعلى الذي يدفع حياتنا الثقافية إلى الانحطاط، محرضاً على ظاهرات لا يفهم منها سوى أنها تناقض وعيه المتعصب وأيديولوجيته الرجعية".

 وأضاف البيان: "إلى الوزير هذا، يقف كثيرون، دينيون وزمنيون، يتولون رعاية انحطاطنا والتدخل في حريات المواطنين، بما فيها حرياتهم الأكثر حميمية (...). وتنتظم الأفعال هذه، في آخر المطاف، في نهج واحد يهاجم من مواقع شتى ويتحدث بألسنة كثيرة، ولو أن الهدف يبقى واحداً. والهدف المذكور هو بالضبط سلبُنا الحريات التي أعطت بلدنا بعض خصوصياته في الماضي، كما أعطتنا ذاك الشعور بكرامة التجرؤ على المسلمات والمحرمات، وإخضاعنا لسلطات بعضها مسلح بالبنادق وبعضها مسلح بالعقائد والمعتقدات القاتلة".

أما نحن، الموقعين أدناه، من عاملين وعاملات في ميادين الكتابة والصحافة والسينما والفنون والآداب والتعليم، فنعلن تمسكنا بحرياتنا، وبالحريات عموماً، بالدرجة نفسها التي ندين فيها هذه المكارثية الجَهولة التي تنقض علينا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ختام البيان: "إن هذه "الثقافة" المناهضة للثقافة ينبغي أن تسقط وأن يسقط معها من يرمزون إليها ومن يقفون وراءها. هذا إذا شئنا أن نكون أحراراً في بلد حر". أما البيان المضاد والذي وقعه مثقفون لبنانيون من مواقع وطوائف عدة، ومؤسسات رسمية ودينية، وبعضها يدور في فلك الثنائي الشيعي، فحمل عنواناً مباشراً هو "رفضاً لترويج الشذوذ وتشريعه"، وبدا شديد اللهجة ومؤيداً بل وداعماً لقرار وزير الثقافة، وجاء في مطلعه أنه صدر "غيرة على المجتمع وللحث على احترام الإيمان وصيانة تقاليدنا والعلاقات الطبيعية المؤسسَة للاستقرار". ومما جاء فيه: "نستنكر دعوات التنصل من الآخر مهما كانت عناوينُها، ونستهجن كل الاستهجان الدعوات الرامية إلى ترويج الشذوذ وتشريعه، وهي المساعي المتمثلة في محاولات التسلل إلى المنهج التربوي أو إلى وعي اللبنانيين وعقلهم الباطني، إنْ من خلال عرض أفلام كفيلم "باربي" أو عبر تقديم اقتراحات قوانين تهدف إلى نفي الصفة الجرمية عن الجُماع المنافي للطبيعة".

 وأضاف البيان: "إن هذه الممارسات المموهة بدواعي الحداثة والحرية الشخصية وحقوق الإنسان، ليست سوى ممارسات مشبوهة تناقض الدستور والقيم اللبنانية التي هي في صلب التكوين الديني والأخلاقي والأُسَري والاجتماعي للبنانيين. ولا يخفى على أحد أن الترويج لهذا التساهل القانوني يهدف إلى ضرب أخلاق مجتمعنا والانحدار به إلى درك التهتك والانحلال". وحمل البيان في ختامه أن الموقعين عليه: "يؤيدون ويدعمون موقف وزير الثقافة محمد وسام المرتضى وتحركه في تفنيده للاقتراح المروج للشذوذ، وفي جهوده الرامية إلى حماية القيم والوحدة الوطنية".

ولعل قراءة للبيانين المتعارضين بل والمتناقضين، وللمواقف المحتجة والمؤيدة، توضح الحال التي يتخبط فيها لبنان، وهي حال غرائبية جداً. تختلف المرجعيات اللبنانية طائفياً ودينياً، اختلافاً معلناً، وتنقسم حول مفهوم الوطن والهوية والانتماء، لكنها سرعان ما تتحد طائفياً في شأن مواجهة المثلية والزواج المدني وما يهدد الأخلاق العامة... فعلاً إنها لحالة غرائبية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة