ملخص
هل ينجح العراق في رفع الحظر الأوروبي عن ناقله الوطني؟ وما الأسباب التي أوصلته إلى هذه النتيجة؟
يبدو أن الأزمات التي عصفت بالعراق خلال العقدين الماضيين انعكست في أحد تجلياتها على واقع الطيران في البلاد على رغم محاولات استعادة مكانته كأعرق وأقدم شركات هذا المجال في الشرق الأوسط والعالم.
تعد الخطوط الجوية العراقية واحدة من أهم وأقدم شركات الطيران العاملة في الشرق الأوسط والعالم، إذ إنها أسست عام 1945 لتطلق أولى رحلاتها الجوية مع مطلع 1946، تحديداً في الـ28 من يناير (كانون الثاني).
منذ نهاية القرن الماضي، يواجه الناقل الوطني العراقي الذي يقوم برحلات داخلية، فضلاً عن رحلات إلى الدول العربية والإقليمية بشكل يومي، تحديات كبيرة، إذ يعاني ضعف القدرات المالية والمادية والافتقار إلى الخبرات الفنية والإمكانات للنهوض بقطاع النقل لمستوى يرقى إلى تحقيق المتطلبات الدولية، بحسب متخصصين في الشأن العراقي.
دوامة الديون
وفي مايو (أيار) الماضي، دعت هيئة النزاهة العراقية إلى "إعادة النظر في جميع العقود التي أبرمتها الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية في مجال الخدمات الأرضية مع عدد من شركات الشحن والوقود والإعاشة"، مبينة أن الشركة غارقة في الديون، في حين أن هناك حاجة لـ170 مليون دولار لإصلاح 18 طائرة متوقفة من أصل 35 طائرة تابعة لها مع خسائر تتجاوز 36 مليون دولار لتعاقدها مع شركة "منزيز" البريطانية.
دائرة الوقاية في الهيئة أفادت ضمن تقرير أعدته عن الزيارات التي أجراها فريقها الميداني لمقر الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية واللقاء بمديرها العام، نشرته هيئة النزاهة الأربعاء في الـ24 من مايو (أيار) 2023، بـ"إبرام الشركة ثلاثة عقود تشغيل مشترك ليست ذات جدوى مع شركات أجنبية ومحلية".
وأوضحت الدائرة أنه "منحت الشركة الأولى حق بيع السلع والبضائع على متن طائراتها، فيما تم التعاقد مع الشركة الثانية لتقديم خدمات الشحن الجوي لتشغيل رحلات القطاعين العام والخاص بنسبة أرباح 74 في المئة لمصلحة الشركة ناهزت 2 مليار و200 مليون دينار (1681162.78 دولار أميركي)، ونسبة 26 في المئة للخطوط الجوية بلغت ما يقارب 750 مليون دينار (573123.68 دولار).
ولفتت إلى أن "الشركة الثانية نفذت نشاط شحن جوي لجلب خمس شحنات أدوية فقط لوزارة الصحة خلال فترة انتشار وباء كورونا". أما العقد الثالث، فكان مع شركة تركية لـ"توفير خدمات الطيران الخاص والإسعاف الجوي لشخصيات الـVIP".
وزاد التقرير أن العقد الذي أبرمته الخطوط الجوية مع شركة "منزيز" البريطانية للقيام بالعمليات اللازمة لتقديم الخدمات الأرضية إلى مطاري بغداد والموصل "كبد شركة الخطوط الجويـة خسائر بلغت 36.556.976 دولار، فضلاً عن منح الامتياز الحصري لتقديم الخدمات الأرضية لمدة 10 أعوام للشركة وفق قانوني الشركات والاستثمار بنسبة 30 في المئة للخطوط الجوية، و70 في المئة للشركة البريطانيـة".
وأوضح أن "التعاقد أخذ وقتاً طويلاً، مما أدى إلى حرمان الخطوط من فرصة التعاقد مع شركات أخرى، كما أن الشركة تأخرت عن دفع مبلغ 6.5 مليون يورو إلى الخطوط الجوية تمثل قيمة عقد بيع المعدات الأرضية التي تم شراؤها لمؤتمر القمة العربية عام 2012".
تعدد مناشئ الطائرات
تقرير دائرة الوقاية في هيئة النزاهة حث على "مراعاة الدراسة المعدة من اتحاد النقل الجوي الدولي (أياتا) بخصوص تقليل طرز طائرات شركة الخطوط الجوية، للنهوض بواقع حالها وإمكان إدارتها بشكل أسهل بعيداً من التشتت عند التعاقد لصيانتها، والاستفادة من طواقمها".
في هذا السياق، لفت التقرير إلى أن تعدد المناشئ والأحجام والطرز التي تصل إلى سبعة أنواع، أدى إلى "حصول مشكلات في إدارتها وصيانتها وأن عدم اعتمادها كناقل وطني وحيد فسح المجال لدخول شركات منافسة"، مشيراً إلى "توقف 18 من أصل 35 طائرة بسبب سوء الإدارة والتخطيط".
واقترح التقرير قيام الخطوط الجوية بـ"وضع استراتيجية عمل واضحة للنهوض بواقعها اقتصادياً وفنياً والعمل على تحسين جودة الخدمات المقدمة ومعالجة المخالفات المؤشرة على أدائها وإعادة النظر بهيكليتها والحد من الترهل الوظيفي لتتمكن من منافسة الشركات العالمية".
كما شدد على أن "سياسة الشركة الحالية بعيدة من تحقيق هذا الهدف وأن مستوى الخدمة المقدمة لا يتناسب مع عدد موظفيها الكبير البالغ 4149 موظفاً الذي يتجاوز الحاجة الفعلية بأكثر من الضعف بحسب تقييم ’أياتا‘ وأن إيراداتها المالية بالكاد تسد رواتب موظفيها بعدما كانت تحقق أرباحاً كبيرة".
التقرير رصد ديوناً وقروضاً كبيرة في ذمة الشركة، إذ تبلغ الديون المترتبة لمصلحة القطاع العام أكثر من 128 مليون دولار إضافة إلى حوالى 196 مليار دينار عراقي، منـوهاً إلى أنها "تحملت فوائد كبيرة عن القروض التي حصلت عليها من مصرفي الرافدين والرشيد منذ عام 2012 وحتى الآن".
وتابعت هيئة النزاهة في تقريرها أن "فوائد القروض التي سددتها الشركة تجاوزت 56.142 مليون دولار والمتبقي منها أكثر من 67 مليون دولار، فيما بلغت الديون لمصلحتها أكثر من 18.5 مليون دولار إضافة إلى حوالى 4 مليارات دينار عراقي بذمة عدد من دوائر الدولة من عام 2004 ولغاية الـ31 من مارس (آذار) 2023، مشيراً إلى "وجود عدد من العقارات غير المستغلة العائدة لها التي من الممكن الاستفادة منها في زيادة مواردها".
التقرير أكد ضرورة "الالتزام بصيانة الطائرات وفق الجداول الزمنية المحددة لكل طائرة لتجنب توقفها ولجوء القسم الفني إلى اعتماد طريقة ’المناقلة‘ لقطع غيار بعض الطائرات العاطلة لصيانة طائرات أخرى، الأمر الذي يؤدي إلى اندثارها، إضافة إلى التعاقد مع الشركة المصنعة مباشرة لصيانة الطائرات وتوفير الأدوات الاحتياطية من دون الحاجة إلى شركات وسيطة".
متوقفة عن العمل
وتابع أن "معظم الطائرات متوقفة عن العمل بسبب عطل محركاتها، فيما توقفت معظم طائرات ’بوينغ -737‘ لعدم إجراء الصيانة الدورية في الوقت المناسب وتركها إلى أن وصلت ساعات تشغيل محركاتها إلى مستوى يفوق المستوى الطبيعي، مما أدى إلى تضرر محركاتها بشكل كبير وتعطل منظومة الهبوط في بعض الطائرات، وتبلغ كلفة صيانتها مليون دولار للطائرة الواحدة ويصل مجموع المبالغ اللازمة لتصليح الأعطال إلى 170 مليون دولار".
كما اقترح التقرير "تفعيل التشغيل المشترك عبر دخول الشركة العامة للخطوط الجوية في تعاقدات مجدية لتحقيق المنفعة، بدلاً من منح عقود الخدمات الأرضية والإعاشة والوقود والشحن التي كانت تقدمها سابقاً إلى شركات مقابل نسبة (30 في المئة) إلى الخطوط الجوية، وتوجه الشركة إلى العمل في مجال الشحن الجوي من خلال شراء طائرات مخصصة لهذا الغرض، لعدم امتلاكها أية طائرة شحن".
وأشار إلى "توقف مشروع توسيع دائرة الشحن الجوي وجعلها قرية شحن بسبب ضعف أداء الشركة المنفذة وعدم تنفيذ الالتزامات التعاقدية، مطالباً بالانضمام إلى المنظمات العالمية واعتماد أسعار النشرات العالمية دورياً لتحديد أسعار الوقود وصيانة الطائرات، والتزام جميع مفاصلها دليل السلامة الخاص بعد رصد استمرار مخالفات معايير السلامة والجودة في بعض الأقسام على جميع الصعد بما يسهم في رفع الحظر الأوروبي عنها، إضافة إلى تحديث نظام الحجز الآلي لتلافي التلاعب وضمان السيطرة على الحجوزات كافة التي تتم عبر الوكلاء في الداخل والخارج، والتعاقد مع الشركات المعتمدة للتزود بالوقود في المطارات الخارجية من دون اللجوء إلى شركات وسيطة".
تأخير المواعيد
وشدد التقرير على أهمية "التزام مواعيد الطيران المحددة بعد تسجيل تأخير في مواعيد الرحلات من دون وجود مسوغات منطقية، وصدور جداول الرحلات من القسم التجاري في وقت متأخر وقيام شعبة التأمين والمفقودات بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتذليل إجراءات التعويض والابتعاد عن الروتين لتوقف تعويض الحقائب المتضررة والمفقودة منذ عام 2020 الذي يؤثر سلباً في سمعة الشركة"، مشيراً إلى "ارتفاع كلفة وجبات الطعام المقدمة إلى المسافرين والطواقم".
وفي هذا السياق، يشير المواطن البغدادي محمد موسى إلى أن الخطوط الجوية العراقية تتأخر في بعض رحلاتها فضلاً عن أن الطعام الذي يقدم إلى المسافرين ليس بالمستوى المطلوب، إذ إن هناك حاجة ملحة لتطوير الناقل الوطني الذي يمثل واجهة البلد، مبيناً أن الخطوط الجوية العراقية لا تصل إلى بلدان عدة على رغم أنها أقدم الخطوط في العالم، تحديداً في الشرق الأوسط.
ولجأ موسى عند سفره إلى بلدان أوروبية أو خليجية إلى الاستعانة بالخطوط الجوية الأخرى بسبب ما تتمتع به من جودة والتزام المواعيد وأوقات الطيران فضلاً عن الخدمات التي تقدمها على متن الطائرة أثناء الرحلة.
سوء الإدارة
لكن المتحدث باسم ائتلاف النصر عقيل الرديني أشار إلى أن الخطوط الجوية العراقية لها باع طويل وسعت منذ إنشائها إلى أن يكون عملها بشكل مهني ورصين، معرباً عن أسفه لما بعد 2003، إذ عانت سوء الإدارة التي جعلتها في هذا المستوى فهناك الأخطاء الإدارية والفنية التي تحصل ومنعت الخطوط الجوية العراقية من دخول بعض الدول بسبب عدم التزامها المعايير الدولية التي تقرها الخطوط الجوية العالمية ومؤكداً "نحتاج إلى إدارة رصينة ذات خبرة عالية ومحاسبة أي مقصر لأن الخطوط الجوية هي واجهة العراق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطالب بـالاهتمام بالخطوط الوطنية التي لم تسجل حادثة عرضية منذ إنشائها والتي لم تتعرض لإسقاط طائرة أو مشكلات كبيرة، مردفاً أن هناك سوء إدارة يؤدي أحياناً إلى تأخير الطائرات وأوضح أن "الخطوط الجوية خطوط عريقة تمتلك طائرات حديثة وبين الحين والآخر يتم تحديث الأسطول الجوي العراقي وهذه بادرة جيدة ونحن نجد رغبة لدى العراقيين في الاستفادة من الناقل الوطني على عكس بعض الخطوط الأخرى العاملة في مطار بغداد ونحن نشاهد هذا".
العمود الفقري
لكن الخبير في الشأن الاقتصادي بسام العراقي لفت إلى أن شركات النقل الجوي تعتبر العمود الفقري لصناعة السفر والسياحة وتنمية التجارة الداخلية والخارجية، كما أنها تمثل مصدراً مهماً للإيرادات المالية بسبب تزايد الطلب والدور الفاعل لنقل المسافرين والبضائع من مكان إلى آخر بسرعة وأمان.
وأضاف "تقود أنشطة النقل الجوي الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة منذ عام 1990 وما بعده بحيث تعاني ضعف القدرات المالية والمادية والافتقار إلى الخبرات الفنية والإمكانات للنهوض بقطاع النقل لمستوى يرقى إلى تحقيق المتطلبات الدولية ويسهم في رفع ركيزة النمو الاقتصادي، فوجود قطاع نقل فاعل هو متطلب أساسي لضمان التطور الاقتصادي، خصوصاً أن مستوى تطور الدول يقاس بتطور قطاع النقل فيها".
ورأى العراقي أن هذه التحديات التي تواجه الخطوط الوطنية انعكست في ضعف الأداء التشغيلي وعدم تحقيقها الأرباح المالية المتوقعة من هذا النشاط المهم، ومن أجل النهوض بهذه الشركة العريقة يتطلب ذلك تحسين كفاءة أدائها ليتوافق مع المعايير الدولية والسعي إلى بناء تحالفات مع الشركات العالمية في مجال النقل الجوي واتباع أساليب علمية حديثة لمواكبة التطورات العالمية في مجال نقل المسافرين جواً واعتماد الأساليب التقنية الحديثة في عرض خدماتها للمسافرين.
تمديد الحظر الأوروبي
في يونيو (حزيران) الماضي، أعلن وزير النقل الأسبق عضو البرلمان العراقي الحالي عامر عبدالجبار إسماعيل، تمديد الحظر الجوي على النقال الوطني في الأجواء الأوروبية.
وقال عبدالجبار في بيان له إن وكالة سلطة الطيران الأوروبية الـEASA أصدرت تمديد الحظر على شركة الخطوط الجوية العراقية.
ووقع الحظر الجوي على شركة الخطوط الجوية العراقية في الدول الأوروبية منذ عام 1991 بعد غزو نظام صدام حسين لدولة الكويت وفرض عقوبات دولية على البلاد إثر ذلك، لكن النائب الحالي أشار إلى أنه لم يتم رفعه إلا عام 2009 إبان عملنا في وزارة النقل 2008/ 2010.
وذكر أنه "بعد مغادرتنا الوزارة نهاية 2010 بدأ منحنى الأداء لهذا القطاع بالتراجع حتى تكلل في أغسطس (آب) من عام 2015 بإعادة الحظر مجدداً".
ونوه إسماعيل إلى أنه "منذ عام 2015 لم تدرك الحكومات المتعاقبة بأن الحظر ليس شأناً سياسياً ولا قضية عشائرية ولا ينفع سفر التوسل والترجي ولا تحتاج جاهاً أو صاحب حظ"، موضحاً أن "كل ما في الأمر أن هناك لوائح للمنظمة الدولية للطيران المدني ICAO ولوكالة سلامة الملاحة الجوية الأوروبية EASA لا بد من تطبيقها".
الحاضنة الدولية
وقالت وزارة النقل العراقية في بيان لها إن "وزير النقل رزاق محيبس السعداوي ترأس الاجتماع الدوري للجنة متابعة ملف رفع الحظر الأوروبي عن شركة الخطوط الجوية العراقية بحضور أعضاء اللجنة ورؤساء الأقسام في الشركة لبحث عدد من الملفات الخاصة ضمن إطار الحظر الجوي".
وأضافت أن الاجتماع "استعرض عدداً من الملفات التي تتعلق بعمل الناقل الوطني، فيما شدد الوزير خلال الاجتماع على ضرورة استكمال جميع الإجراءات المتعلقة بتطبيق متطلبات ومعايير سلطات الطيران المحلية والدولية، بخاصة متطلبات (EASA)، في إطار المساعي لرفع الحظر عن رحلات الناقل الوطني إلى قارة أوروبا".