Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نتائج غير متوقعة لسياسات التغير المناخي

ارتفاع مستويات التلوث قد يتطلب إعادة هيكلة مراكز المدن الرئيسة وربما منع سيارات البنزين والديزل منها واستخدام تلك الكهربائية

سياسات الطاقة المتجددة مازالت في مرحلة التجربة واحتمال أن تكون سياسات خاطئة كبير (أ ف ب)

ملخص

بعض سياسات التغير المناخي مثل سياسات الدولة التي قتلت الطيور لأنها تأكل الحبوب، فانتشرت الحشرات التي دمرت المحاصيل، وبعض الدول التي قتلت فيها الثعالب، فانتشرت الأرانب

التجربة علمتني أن أذكر هذه المقدمة في كل مرة أتكلم فيها عن سياسات التغير المناخي:

العالم يحتاج إلى كل مصادر الطاقة بما في ذلك الطاقة الشمسية والهوائية والجوفية، وبخاصة النووية، وذلك لأن الطلب على الطاقة سيزيد باستمرار. والعالم يحتاج إلى كل أنواع التقنية التي تزيد من كفاءة إنتاج واستهلاك الطاقة. كما أن العالم يحتاج إلى كل تقنيات المواصلات بما في ذلك السيارات الكهربائية والهيدروجينية والهجينة.

وبغض النظر عما إذا كان الشخص يؤمن بوجود التغير المناخي أم لا، أو ما إذا كان يؤمن بوجوده كظاهرة طبيعية أو بسبب الأنشطة الإنسانية، هناك حقيقة لابد من التعامل معها، وهي ارتفاع مستويات التلوث في المدن الكبيرة، التي لابد من تخفيفها قبل فوات الأوان. وهذا قد يتطلب إعادة هيكلة مراكز المدن الرئيسة، وربما منع سيارات البنزين والديزل منها واستخدام السيارات الكهربائية.  باختصار، التغير المناخي شيء، والتلوث في المدن شيء آخر.

المشكلة في المبالغات، وأحياناً الكذب الصريح. المشكلة في تبني سياسات مكلفة ليس لها نتيجة. المشكلة في تعارض السياسات الاقتصادية والأمنية الخارجية مع سياسات التغير المناخي. المشكلة في "النفاق البيئي" و"الجنون المناخي"!.

وعلينا أن نعترف أن سياسات الطاقة المتجددة جديدة، ومازالت في مرحلة التجربة، ومن ثم فإن احتمال أن تكون سياسات خاطئة كبير. المشكلة في أن جزءاً منها معروف منذ البداية أنه خاطئ، إلا أن السياسيين أصروا على تبني هذه السياسات. كما أن هناك لوبي قوياً لبعض الصناعات التي تستفيد من هذه السياسات الخاطئة. والهدف هنا مالي بحت، ولا علاقة له بالتغير المناخي.

محور مقال اليوم عن النتائج المتوقعة من سياسات التغير المناخي. طبعاً أغلب هذه النتائج كانت متوقعة من قبل قلة من الخبراء، لكن من تبنى هذه السياسات لم يصدقوا الخبراء، أو خضعوا لضغوط لوبيات، وفوجئوا لاحقاً بنتائج لم يتوقعوها هم، وتثبت كلام الخبراء.

منذ سنوات عدة، كتبت مقالاً في الـ"فايننشال تايمز" يحذر الحكومات من أن تقديم إعانات سخية لمشتري السيارات الكهربائية يعني في النهاية انخفاض كبير في إيرادات الضرائب على البنزين والديزل. لم يهتم أحد وقتها، لكن الأمر تفاقم لدرجة أن ولاية تكساس ستبدأ بفرض رسوم جديدة على السيارات الكهربائية، تساوي الضرائب السنوية على البنزين لو كانت السيارة تسير بالبنزين.  تكساس الولاية الـ14 التي تقوم بفرض رسوم من هذا النوع.

طبعاً الضرائب على المنتجات النفطية في أوروبا والولايات المتحدة عالية، لدرجة أن ما تجمعه الحكومات الفيدرالية والمحلية يتجاوز 80 مليار دولار. ولاية تكساس تجمع نحو أربعة مليارات دولار سنوياً من هذه الضرائب. وكانت حكومتا النرويج وبريطانيا قد بدأتا العام الماضي بإجراء دراسات للتعويض عن انخفاض إيرادات ضرائب البنزين والديزل وكيفية فرض ضرائب على السيارات الكهربائية.

في المقالة نفسها، حذرتُ صناع القرار من أن الزيادة الكبيرة في أعداد السيارات الكهربائية تعني اعتماد قطاع المواصلات في بلادهم على الصين، وقطاع المواصلات أهم من قطاع الطاقة. نتج من ذلك قيام بعض الحكومات، منها حكومة الرئيس جو بايدن، بتبني قرارات مكلفة جداً بحجة الأمن القومي، لفتح مناجم داخل الولايات المتحدة لإنتاج معادن لازمة لبطاريات السيارات الكهربائية. لكن هذا أغضب حماة البيئة!

لكن قصة اليوم هي الأغرب، حين أعرب عدد من الوزراء البريطانيين عن قلقهم بشأن استيراد السيارات الكهربائية الصينية أو قطع غيارها، خوفاً من قيام الصين بالتجسس على المواطنين والمسؤولين البريطانيين. وأزعم أن هذا الموضوع وحده يقلق كل مسؤول أمني الآن في دول العالم كافة، بما في ذلك دول الخليج: السيارات الكهربائية تمكّن أي دولة مصنعة من التجسس بسهولة، والحقيقة أن إيلون ماسك يعرف عن أسرار حياة الأميركيين أكثر مما تعرفه الـ"إف بي آي! ولهذا السبب منع الجيش الصيني منسوبيه من الدخول إلى معسكرات أو سكن الجنود لوجود كاميرات مراقبة ومجسات في سيارات "تيسلا"، ترسل المعلومات للشركة الأم باستمرار. أحد الأسباب الرئيسة للمراقبة المستمرة للسيارة هو "القيادة الذاتية" التي تتطلب تواصلاً دائماً مع كل ما حولها.

طبعاً يمكن القول إن هذا ينطبق على أي سيارة، ولكن الفكرة أن تخوف الغرب من الصين بهذا الشأن قد يحد من نمو السيارات الكهربائية، كون الصين تتوسع عالمياً في هذا الشأن بسيارات أقل تكلفة مما ينتج في الغرب. وطبعاً الأمر لا ينطبق فقط على السيارات، ولكن على كل أجهزة الكومبيوتر والتلفزيون والهواتف، حتى المايكروويف!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من ناحية أخرى، أعلنت الحكومة اليابانية المركزية وبعض الحكومات المحلية، وقف تطوير مزارع رياح حماية لطيور نادرة من الجوارح، وذلك بعد أن ثبت خطر عنفات الرياح على هذه الطيور. يأتي هذا القرار بعد اتخاذ قرار مهم منذ فترة بالتركيز على طاقة الرياح لتوليد الكهرباء، وبشكل يتناسق مع سياسات التغير المناخي. مشكلة عنفات الرياح مع الطيور معروفة عالمياً، ولكن دولاً وولايات عدة تجاهلت الموضوع! وهناك سؤال لا يمكن مناقشته بالتفصيل هنا لضيق المساحة: لماذا لجأت الحكومات إلى مزارع الرياح البحرية المرتفعة التكاليف؟ الجواب: بسبب المعارضة الشعبية لوجودها بالقرب من المدن والقرى!

منعت بعض المدن الأميركية بخاصة كاليفورنيا، أي مبان جديدة من وضع أنابيب غاز فيها، بحيث تعتمد المباني الجديدة على الكهرباء فقط، تبع ذلك منع لاستخدام مواقد وأفران الغاز. هذه السياسات نوع من الجنون المناخي لأن انقطاع الكهرباء يعني توقفاً شبه كامل للحياة المدنية.

ثم تبنت حكومة الرئيس بايدن مشروعاً يقضي بوضع شروط صارمة على مواقد الغاز، زاعمة أن الهدف هو تحسين الكفاءة للتقليل من انبعاثات الكربون. لكن الخبراء وشركات البناء اتفقوا على أنها الخطوة الأولى لمنع مواقد وأفران الغاز من الولايات المتحدة، إما من طريق صعوبة مقابلة القانون أو من طريق قوانين تمنعها مباشرة.

الحكومة تدرك أن المستهلك قد لا يهتم بالأمور البيئية، فطالبت وزارة الطاقة بإجراء دراسات توضح حجم الوفورات التي يحصل عليها المستهلك في حال تحول مشروع القانون الحالي إلى قانون ملزم. دراسات وزارة الطاقة استنتجت أن المستهلك سيوفر 13 سنتاً شهرياً نتيجة استخدام الكهرباء بدل الغاز! ولكن المشكلة ليست هنا!

جددت وزارة الطاقة هذه الدراسات ونشرت نتائجها منذ أيام، فإذا بـ 13 سنتاً تنخفض إلى تسع سنتات! هذا يعني أنه في حال تطبيق القانون الجديد، فإن وفورات المستهلك الأميركي من موقد أو فرن الغاز الجديد خلال 20 سنة، سيكون 21.60! نعم، واحداً وعشرين دولاراً وستين سنتاً خلال 20 عاماً!

عادت موجة الذكاء الاصطناعي للظهور بقوة في الأشهر الأخيرة، الأمر الذي جعل البعض يقولون بأن الذكاء الاصطناعي سيحل مشكلة التغير المناخي، وإن على الدول تبنيه لحل مشكلات الطاقة والبيئة. وتفنن البعض في تخيل الحلول التي سيقدمها الذكاء الاصطناعي، وسنجد كثيراً من هذا الكلام في مؤتمر المناخ المقبل "كوب 28".

ولكن البيانات تشير الآن إلى أن هذه التقنية تستهلك الطاقة بشكل كبير، وزيادة استهلاك الطاقة تعني أن مشكلة التغير المناخي باقية، لماذا؟ لأن زيادة استهلاك الطاقة عالمياً تعني أن الزيادة في الطاقة المتجددة تكفي بالكاد لهذه الزيادات، ومن ثم فإنها لا تحل محل الوقود الأحفوري. وبما أن الطاقة المتجددة متقطعة وتتم تغطية فترات التقطع بالوقود الأحفوري، فهذا يعني أن انبعاثات الكربون في زيادة. المقصود هنا أن كمية الطاقة التي سيستخدمها الذكاء الاصطناعي قد تكون أكبر من الكميات التي من المفروض أن يوفرها.

هذه الفضيحة حصلت في اسكتلندا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث توقفت 71 عنفة رياح عن العمل بسبب مشكلة فنية، فقامت الشركة بتركيب محركات ديزل لتدويرها وإظهارها بأنها تعمل. الشركة ادعت أنها تريد أن تدور العنفات حتى لا تتجمد! سواء كان السبب فنياً كما ذكر، فإنه من النتائج غير المتوقعة، أو كان محاولة الإبقاء على الإعانات الحكومية، وهو أيضاً من النتائج غير المتوقعة، ولكنه يؤكد حقيقة مفادها بأن الإعانات الحكومية تؤدي إلى الفساد الإداري في أي دولة، حتى الدول المتقدمة.

شجعت عديد من الولايات الأميركية مواطنيها على وضع ألواح شمسية على أسقف منازلهم كإحدى سياسات مكافحة التغير المناخي، ولكن هذه الألواح مكلفة، فقدمت عديداً من الحوافز تتضمن إعانات مالية مباشرة، وإمكانية بيع فائض الكهرباء إلى شركات الكهرباء. نتج من ذلك طفرة في بعض الولايات في تركيب الألواح الشمسية. الأغنياء يملكون بيوتاً كبيرة ومساحات كبيرة على السقف، ومن ثم قاموا بتركيب مساحة كبيرة من الألواح مستفيدين من الإعانات الحكومية من جهة، ومن بيعهم للفائض لشركات الكهرباء من جهة أخرى. فأفاد القانون الأغنياء، ولم يستفد الفقراء!

أما الطبقة المتوسطة فلجأت إلى البنوك مستدينة نحو 15 إلى 20 ألف دولار لتركيب الألواح. حسابات البنك تشير إلى أن فاتورة الكهرباء أقل بكثير من ذي قبل، أو ربما ليست هناك تكاليف أصلاً، وسيحصل على دفعة شهرية من شركات الكهرباء لأنه يبيع الفائض لها. من وجهة نظر البنك هناك تدفقات مالية شهرية، ويستطيع العملاء دفعها لأنهم وفروا فاتورة الكهرباء، وهناك دخل إضافي.

بعد فترة حدثت ضجة كبيرة أدت إلى تغيير القوانين، ووقف بيع الكهرباء من السكان لشركات الكهرباء إما قانونياً أو لرفض شركات الكهرباء الشراء. وذلك لأن العملية سببت مشكلات فنية ومالية، إذ بدأت بعض شركات الكهرباء تحقق خسائر لأن القانون يجبرها على شراء الكهرباء من السكان في أي وقت بسعر السوق (بالمفرق)، في وقت ليس فيه طلب على الكهرباء. نتجت من ذلك خسائر كبيرة حين توقف عدد كبير من المواطنين عن دفع الدفعات الشهرية للبنوك، كما أن هناك عدداً كبيراً من الدعاوى في المحاكم الآن على شركات الطاقة الشمسية، نتج من هذا انخفاض ملحوظ في تركيب الألواح الشمسية على الأسطح.

خلاصة القول إن بعض سياسات التغير المناخي مثل سياسات الدولة التي قتلت الطيور لأنها تأكل الحبوب، فانتشرت الحشرات التي دمرت المحاصيل، وبعض الدول التي قتلت فيها الثعالب، فانتشرت الأرانب.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء