Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تختار تخصصك في عصر الذكاء الاصطناعي؟

حيرة ورعب يحاصران الطلاب بسبب التقنيات التكنولوجية والروبوتات

على المدى البعيد سينهي الذكاء الاصطناعي عدداً من الوظائف بالفعل (أ ف ب)

ملخص

هل هناك تخصصات بعينها يجب أن يتجه إليه الطلبة في الدراسة الجامعية لتأمين مستقبلهم الوظيفي بعد سيطرة أنظمة الذكاء الاصطناعي؟

كانت النصيحة الأولى التي توجه لخريجي المرحلة الثانوية (البكالوريا)، هي السعي نحو دراسة البرمجة، باعتبارها علم الحاضر والمستقبل الأكثر طلباً، إذ كانت السوق وقتها تعاني قلة في أعداد خريجي هذا التخصص مع زيادة كبيرة في الطلب على هذا العالم الذي كان يتحول حينها إلى عصب رئيس في كبرى الشركات، سواء كانت طبية أو تسويقية أو حتى خاصة بالسلاح، لكن هل لا تزال تلك النصيحة صالحة حتى الآن؟ في عصر الذكاء الاصطناعي الذي يتنبأ البعض بأنه ربما يقف عائقاً أمام فرص عمل المبرمجين خلال سنوات عدة، نظراً للتطور الشديد في هذا المجال، وفي المقابل يجد آخرون أن هذا التصور مبالغ فيه وأن للذكاء الاصطناعي حدوداً بخاصة أنه يعمل بالتوجيهات البشرية في أي مهمة توكل إليه، كما أن دراسة النظم هي أساس تطوير تلك التقنيات.

ما بين هذا الرأي وذاك تتفجر نقاشات حول مستقبل بعض التخصصات في ظل هذه الثورة التكنولوجية التي تتطور بسرعة مذهلة وخلال أشهر قليلة باتت مسيطرة على الأحاديث اليومية لزملاء المهنة الواحدة الذين يبدون قلقهم من أن تحل الآلة محلهم، حين أصبح من الصعب توقع ما يخبئه المستقبل لأصحاب تخصصات شديدة التعقيد والتفرد كانوا يحسبون أنفسهم في مأمن.

تخصصات بلا مستقبل

يبدو أن هذا هو التوقيت المناسب للحديث عن مجالات الدراسة التي من الأفضل أن يستهدفها الطلاب الذين تسيطر عليهم الحيرة الطبيعية ومعها تضاف مشاعر مثل القلق وعدم اليقين ومزيد من البحث لاختيار تخصص دراسي يكون متوافقاً مع معايير سوق العمل سريعة التغير، بخاصة من يهوون التقنيات والتكنولوجيا كي لا يشعروا بالانفصام التام عن الواقع. كما أنه الوقت الحقيقي لتطوير المناهج لتحقق فائدة حقيقية للدارسين وكي لا تبدو متأخرة للغاية عن هذا العالم الذي يتابع الناس كل يوم أحدث تفاصيله على الهواء مباشرة.

الواقع أن النقاش يحتدم حالياً حول جدوى دراسة أنظمة الكمبيوتر والبرمجة، في ظل تنامي الاعتماد على بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي في عدد من الشركات التي لا تهتم كثيراً بفكرة التفرد والمعايير العالية، وتهدف إلى تقليل عدد العمالة على المدى البعيد والقريب أيضاً، والأمر نفسه بالنسبة إلى أقسام الغرافيك والرسم الديجيتال، فهناك شركات كل ما يهمها أن تخرج منتجاً يؤدي الغرض منه، وسيكون من الرائع لها أن تتعامل مع تقنيات صماء تنفذ المهام عوضاً عن توظيف شخص يتقاضى راتباً ويطمح في زيادته مع الوقت ولديه متطلبات تتعلق بالإجازات والحوافز والحقوق المهنية والتأمين الطبي والاجتماعي ويحتكم لقانون العمل وغيرها من "المنغصات" بالنسبة إلى المؤسسات الهادفة للربح، لكن بالطبع حتى الآن المؤسسات التي ترغب في صناعة مواد متفردة تهتم كثيراً بالتعاقد مع مبدعين لديهم بصمتهم الخاصة.

الأكاديمي عصام الجوهري الحاصل على الدكتوراه في علوم الحاسب يقول إن الذكاء الاصطناعي بات الشغل الشاغل للعالم أخيراً بالنسبة إلى غير المتخصصين في حين أن العاملين بالتكنولوجيا كانوا سابقين بطبيعة الحال لمعرفة أبعاده منذ زمن، لافتاً إلى أنه تابع أخيراً معارض فنية بالكامل من إنتاج أنظمته، لكن بالطبع اللمسة الفردية للعمل الإبداعي الذي يصنعه الإنسان شيء آخر تماماً، وهي تتمتع بخصوصية وتتميز بروح.

الأمر ذاته تؤكد عليه شيرين خالد، وهي فنانة ترسم بطريقة الديجيتال، وقد حققت سمعة جيدة واسماً في هذا المجال وتعاقدت مع شركات عدة لها وزنها، لكنها تشعر حالياً بخيبة الأمل "يصلني إحساس أن المجال الذي احترفته ودرست من أجله سنوات وحضرت ورش عمل متعددة لكي أتقنه وأحقق فيه نجاحاً قد وجهت ضربة قوية إليه بين يوم وليلة، وما أنجزه في ساعات وأيام يمكن لبرنامج واحد أن يتقنه في دقائق، أعلم أن بصمة الفنان وروحه تنطق في أعماله، لكنني لا أضمن أبداً أن تستمر الشركات التي أتعاون معها في الاستعانة بي في ظل هذا التقدم الذي لا يتوقف".

لا داعي للهلع

ما تقوله شيرين خالد نطالع حوله تجارب عملية يوماً بعد يوم حتى بات من الصعب التفرقة بين الحقيقي والمزيف، حتى في ما يتعلق بأصوات المطربين، فمن السهل أن نستمع حالياً لأغنية مهرجانات بصوت فيروز أو أم كلثوم وبعض البرامج تتقن بالفعل تقليد الصوت الأصلي بصورة شبه مثالية، والأمر ينسحب على الفن التشكيلي وغيره، ومن هنا تحاول الأستاذة سلمى الغيطاني المحاضرة في قسم الصحافة بالجامعة الأميركية والمدير التنفيذي بمركز كمال أدهم للصحافة أن تفسر سبب تلك التخوفات التي تشعر بها بعض التخصصات حيال تهديد الذكاء الاصطناعي لها، وهي أمور بطبيعة الحال تؤثر في اختيارات التخصص الدراسي مستقبلاً لمن حولهم، إذ لم يعودوا متأكدين من توجيه نصيحة سليمة للمعارف تتعلق بكيفية اختيار مجال الدراسة الجامعية.

 

 

وتقول الغيطاني "ظاهرياً لا يمكن إنكار أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يقدم منتجاً إبداعياً في شتى أنواع مجالات الإبداع، لكنه لا يمتلك القدرة على التفكير بالطريقة البشرية، فيجب أن يستقبل أولاً معلومات وبيانات يضعها له الإنسان كما أنه في حاجة إلى مراجعة بشرية كذلك".

وترى أن الخوف مصدره الأساسي عدم الوعي وقلة الفهم لأبعاد تلك التكنولوجيا، ضاربة المثل باختراع الآلة الحاسبة، حين كانت التخوفات من أن الاعتماد عليها سيقضي على المهارات الحسابية لدى الدارسين، وفيما بعد "غوغل" بقدراته على البحث حين قيل إنه سينهى العمل بوسائل أرشيفية أخرى.

وتتابع الباحثة المحاضرة في قسم الصحافة بالجامعة الأميركية أنه "من الطبيعي أن يمر الناس بفترة من التخبط لاعتقادهم أن تلك التقنيات ستحل بشكل كامل محل عدد من الوظائف البشرية، لكن في المقابل يجب التشجيع على تجربتها بإدخال بيانات مختلفة وانتظار النتائج ومضاهاتها بغيرها، لنعرف ما هي حدودها بل ونستعملها لتوفير الوقت والمجهود، لنخرج بأفضل منتج بدلاً من أن نقلق منها، بخاصة أن هناك بعض النواقص في تلك الأنظمة فهي لديها أخطاء وفي بعض الأوقات يحدث لها ما يشبه "الهلوسة" وتخرج نتائج مضللة تماماً وغير واقعية".

تخصصات ووظائف بديلة

نحو 750 ألف طالب مصري اجتاحوا امتحانات المرحلة الثانوية التي أعلنت نتائجها قبل أيام بنسبة نجاح تتجاوز الـ78 في المئة، وفي حين أن الغالبية منهم عبروا عن صدمتهم تجاه المجاميع التي حصلوا عليها نظراً لأن النظام التعليمي في تلك المرحلة بات صارماً لا سيما لمن ينتسبون للمدارس الحكومية، إلا أنهم يحاولون بشتى الطرق الوصول إلى أفضل خيار في ما يتعلق بمستقبلهم الدراسي، وجرت العادة أن من اختاروا القسم العلمي بشقيه "العلوم والرياضة" يركزون أولاً على كليات مثل الطب والصيدلة والهندسة، وفي ما بعد بالنسبة إلى قسم علمي رياضة، تأتي رغبات الالتحاق بكليات الحاسب الآلي والنظم وعددها يصل للعشرات في مصر، إضافة إلى 13 كلية متخصصة في الذكاء الاصطناعي، كما استحدثت نحو سبع جامعات تكنولوجية العام الماضي، إضافة لأقسام التكنولوجيا في الكليات المتعددة، إذ يحاول الطلبة تأمين مستقبلهم الوظيفي بالتقديم في تخصص يلائم تغيرات العصر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا الصدد، يؤكد الجوهري أنه بالفعل على المدى البعيد سينهي الذكاء الاصطناعي عدداً من الوظائف بالفعل، لكنه أيضاً يشدد على أن هناك 140 وظيفة جديدة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي ستستحدث طبقاً لتقارير عالمية عدة، وبينها تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي عن وظائف المستقبل التي ستكون متاحة للمتخصصين في مجال تكنولوجيا المعلومات والبيانات والنظم الخبيرة والروبوتات، ويتابع المتخصص في نظم المعلومات الذي له باع طويل في صناعة البرمجيات "الأفضل للمقدمين على التخصص الدراسي التركيز على علم الرياضيات والمنطق واللغات الأجنبية في إطار تعلمهم بكليات الحاسبات والمعلومات وهندسة النظم وهندسة البرمجيات لأنها المستقبل، ومن أكثر المجالات المطلوبة في سوق العمل سواء عالمياً أو محليا".

المؤكد أن تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل عام ليست وليدة هذا العام، فالعمل على تطويرها بدأ منذ أكثر من ثلاثة عقود في الأقل، لكن الطفرة التي حدثت فيها جعلتها اليوم محط الأنظار ومنبع القلق، وربما الرعب بخاصة بعد استقالة أحد أبرز مطوريها في شركة "غوغل" الملقب بالأب الروحي للذكاء الاصطناعي جيفري هينتو، محذراً من عواقبها.

ويعطي الجوهري لمحة عن هذا العلم بتأكيد أنه علم قديم لكن اهتمام العالم بتطبيقاته جاء خلال العقد الأخير بعد تطور الحاسبات من حيث القدرة وبعد توافر محتوى ضخم وكم كبير من البيانات في المؤسسات أو منصات التواصل الاجتماعي أو الحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية.

وأوضح "إسهام المنطقة العربية يظل معظمه في البحث العلمي وأوراق الأبحاث وطبعاً الاستخدام والاستهلاك للتطبيقات العالمية لكن لم تنتج المنطقة العربية أدوات أو تطبيقات انتشرت عالمياً، إنما هناك بعض التطبيقات المحلية في دول عدة مثل مصر والسعودية والإمارات".

المترجمون في خطر؟

لا أحد يمكن أن يتجاهل مشهد الممرضة الصينية التي انهالت ضرباً على أحد الروبوتات في مستشفى كبير، بعد أن استغني عنها وإعطاء مهنتها له، وعلى رغم تداول أنباء عن اعتراف عدد من زملاء الممرضة بأنها تعاني مرضاً عقلياً إلا أن الواقع يقول إن هناك ما يعرف بغزو الروبوتات في المراكز الصحية بالبلاد، إذ تسند لها مهام مثل أخذ المواعيد وترتيب الأدوار مقابل تقليص الأيدي العاملة البشرية.

كما يتواصل إضراب كتاب وممثلي "هوليوود" منذ أسابيع للمطالبة بزيادة الأجور ورفضاً لتدخل الذكاء الاصطناعي في المجال بشكل كبير، مما يهدد بدوره مهناً بشرية كثيرة في تلك الصناعة، كما أثبتت أنظمة الذكاء الاصطناعي تطوراً وتميزاً في الترجمة من لغة إلى أخرى.

مجال الترجمة بالتحديد من المجالات التي يقبل عليه الطلبة نظراً لأن المهن المتعلقة به دوماً عليها طلب وهي تدخل في مؤسسات مختلفة ومتباينة التخصصات مما يتيح فرص عمل مفتوحة.

 

 

لا تزال المدير التنفيذي في مركز كمال أدهم للصحافة بالجامعة الأميركية بالقاهرة، تؤكد أنه مع كل تطور هناك مهن تختفي وأخرى يصعد نجمها، فهناك مهن بديلة تستحدث وتصبح فرصاً للآخرين، فمثلاً قلصت أعداد سعاة البريد بعد ظهور البريد الإلكتروني، لكن في المقابل ابتكرت مهام جديدة لتلك التخصصات، لكنها في الوقت نفسه تشير إلى أنه في بعض المجالات يمكن تقليص العمالة، وبينها بعض المهام الصحافية التي يمكن أن يقوم بها الذكاء الاصطناعي التوليدي وبينها الترجمة على سبيل المثال، وتجميع المعلومات والبيانات والأخبار وعليه يمكن توفير أكثر من موظف واستبدالهم بشخص واحد فقط أو شخصين يقومون بالمراجعة والإشراف.

من جهتها تقدم الغيطاني نصيحة للمهتمين بالحفاظ على وظائفهم في المستقبل، وهي أن يكون لديهم بعد نظر وأن يحرصوا على التعلم بصفة مستمرة وتطوير الذات ووضع لمسة فردية إبداعية على عملهم.

هكذا تؤمن مستقبلك الوظيفي

 تضيف سلمى الغيطاني "أقول دائماً بأن على الطلبة أن يختاروا التخصص بناءً على تفضيلاتهم الشخصية ثم يمكنهم التميز بطريقتهم وبالاطلاع الدائم، ومتابعة الجديد، كما أن هناك بعض الشركات التي تعتمد على مهام يتم إنتاجها بطريقة روتينية ولا تتطلب عملية إبداعية أو جودة بمستوى ملائم، بالتالي ستجد أقرب فرصة وتستبدل موظفيها بأنظمة الذكاء الاصطناعي توفيراً للنفقات، إذ سيتم القضاء حتماً على أكبر قدر ممكن من العنصر البشري لديها عاجلاً أم آجلاً".

كما دعت إلى عدم تخوف المعلمين من تقنيات الذكاء الاصطناعي، بل على العكس تشجيع الطلاب على الاستكشاف وتطويع تلك التكنولوجيا في العملية التعليمية كي يتدرب الطلبة على عدم إساءة استخدامه، بل يستعملونه في البحث ومقارنة نتائجه كي لا ينفصلوا عن الركب".

وهي تلك النقطة التي يشدد عليها الجوهري، حين ينبه إلى أن الذكاء الاصطناعي بالأساس أداة مساعدة للإنسان وليس منافساً له، وأن أي مهنة يمكن التفوق فيها بالعلم والمعرفة والإتقان، مؤكداً أن المهن الإبداعية والحرفية لن يستطيع الذكاء الاصطناعي منافستها بسهولة.

كما ينوه الجوهري إلى أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بشكل عام حتى الآن تعد مكلفة، لكن من المتوقع مثل أي تكنولوجيا أن تنخفض أسعارها مع الوقت. وأضاف "ما يهمني أن نستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وما يفيد البشرية في الصحة وفي الصناعة والتعليم وأن نبتعد عن التطبيقات التي ليس لها قيمة ونلتزم المواثيق الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، سواء العالمية أو المحلية".

المزيد من تحقيقات ومطولات