Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتحول النيجر إلى أوكرانيا ثانية ضمن الصراع الروسي - الغربي؟

يمكن أن يصبح انهيار الحكم الديمقراطي في نيامي جبهة أخرى بالنسبة لروسيا ومحفزاً لتوسيع نفوذها في أفريقيا

حاولت روسيا الاستفادة من المشاعر المناهضة للغرب لتعزيز نفوذها في أفريقيا (غيتي)

ملخص

سيكون من الضروري للقوى الغربية إعادة تقييم استراتيجيتها في غرب أفريقيا بالتركيز على معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار

أحد المظاهر اللافتة المرافقة للانقلاب الذي نفذه أفراد من الحرس الرئاسي في النيجر بإطاحة الرئيس المنتخب محمد بازوم وتنصيب مجلس عسكري يسمى "المجلس الوطني لحماية الوطن"، كان ملامح العداء للغرب، فبينما سير محتجون مؤيدون للرئيس المعزول محمد بازوم تظاهرات في النيجر، اندلعت مشاهد عنف واحتجاجات أخرى أمام السفارة الفرنسية في نيامي قادها آلاف الأشخاص الداعمين للانقلاب العسكري، بهتافات ضد نفوذ فرنسا في مستعمرتها السابقة، إذ يرون أنها استغلت ثروات بلدهم مثل اليورانيوم والنفط والذهب، بينما أطلقوا هتافات أخرى داعمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ودان المجتمع الدولي الانقلاب العسكري الذي من الممكن أن يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في أفريقيا خصوصاً منطقة الساحل، وتفاقم سوء الوضع الأمني الدولي الواسع الذي يشمل روسيا وأوكرانيا، كونه جزءاً من صراع يمتد عبر غرب أفريقيا، من هذه الدولة غير الساحلية التي تقع على الحدود مع ليبيا والجزائر ونيجيريا وتشاد وبوركينا فاسو ومالي وبنين، حيث تشن هذه الدول أيضاً حملات ضد الجماعات الإرهابية.

نشر النفوذ

وحصلت النيجر على دعم غربي كبير بعد تولي بازوم منصبه في عام 2021، بعد تاريخ طويل من الانقلابات العسكرية منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1960، كانت النيجر واحدة من آخر الدول التي تعاونت مع الغرب في منطقة الساحل الأفريقي، وهي منطقة تعاني منذ فترة طويلة من عدم الاستقرار وسط تصاعد الحركات المتطرفة وحركات التمرد والانقلابات. وكان بازوم حليفاً قوياً للغرب في قتاله ضد المتشددين، وكان شريكاً اقتصادياً قوياً أيضاً، وقال ماثيو ساسكس، الباحث لدى معهد "غريفيث آسيا" في جامعة غريفيث بأستراليا، "النيجر هي آخر قطعة دومينو سقطت في سلسلة انقلابات عبر منطقة جنوب الصحراء الكبرى". وأضاف ساسكس أن "هذا الانقلاب الأخير هو ضربة للنفوذ الأميركي في المنطقة، فقد استضافت النيجر لاعبين دوليين إضافة إلى القوات الأميركية الخاصة. ويمكن أن يصبح انهيار الحكم الديمقراطي في النيجر جبهة أخرى في آلة الحرب الروسية، ومحفزاً لمزيد من نشر نفوذ الكرملين في أفريقيا، في مواجهة عدد من الدول الغربية المحتشدة لمساعدة أوكرانيا".

من جهته قال مؤسس شركة "إكسكاليبور إنسايت"، الباحث في مجال الطاقة، دانييل فوبير إن "عدم الاستقرار في منطقة الساحل قد يهدد في نهاية المطاف أمن الطاقة في أوروبا، إذ يمكن أن تتولد أزمة طاقة جديدة، إذا فعلت روسيا في أفريقيا ما تفعله في أوكرانيا". وأضاف فوبير "إذا كان بإمكانهم شن مثل هذه الحرب في أوروبا، فلماذا لا يفعلون ذلك في أفريقيا، في ظل عدم الاهتمام اللازم من جانب فرنسا والدول الغربية الأخرى".


مبعوثون جدد

وأعلن الاتحاد الأوروبي في 16 مايو (أيار) الماضي، تعيين رئيسي بعثتين جديدتين له، أحدهما هي كاتيا دومينيك رئيسةً لـ"بعثة الاتحاد الأوروبي لبناء القدرات في النيجر"، وتستمر في المهمة حتى 30 سبتمبر (أيلول) 2024. وذكر مجلس الاتحاد الأوروبي أن "البعثة بغرض بناء القدرات المدنية تأسست في الثامن من أغسطس (آب) 2012 بناءً على طلب حكومة النيجر لتعزيز قطاع الأمن الداخلي ودعم قدراته في مكافحة التهديدات الأمنية الكبيرة، وتشمل أكثر من 100 خبير دولي، معظمهم من قوات الأمن الأوروبية وإدارات العدل".
وأورد المجلس أن البعثة "دعمت قوى الأمن الداخلي النيجرية والسلطات الوطنية وكذلك الجهات الفاعلة غير الحكومية من خلال مجموعة متنوعة من البرامج والأنشطة المختلفة، باعتباره عنصراً أساسياً في استراتيجية الاتحاد الأوروبي للأمن والتنمية في منطقة الساحل، ويعمل في شراكة وثيقة وعلى جميع المستويات مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي الأخرى وأصحاب المصلحة الأمنيين الموجودين في منطقة الساحل".
أما المبعوث الثاني، فهو رولف إم هاي بيريرا هولمبو، وعُيّن رئيساً لـ"البعثة الاستشارية للاتحاد الأوروبي لإصلاح قطاع الأمن المدني في أوكرانيا"، ويستمر حتى 31 مايو 2024. وأوضح مجلس الاتحاد الأوروبي أن البعثة المدنية تأسست في 22 يوليو (تموز) 2014، "لتقديم المشورة لهيئات أمن الدولة الأوكرانية بشأن الأمن والشرطة والقضاء والملاحقة القضائية ومكافحة الفساد وحقوق الإنسان". وأوضح المجلس أن "هدف البعثة العام هو دعم أوكرانيا في تطوير خدمات أمنية مستدامة وخاضعة للمساءلة وفعالة تعزز سيادة القانون وتركز على دعم الحدود، بما في ذلك ممرات التضامن بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا".
وأشار إلى أن البعثة "قدمت دعماً مادياً لوكالات إنفاذ القانون ويسرت تسليم تبرعات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى الشرطة الأوكرانية وسلطات الحدود والوكالات الأخرى".

مظهر خادع

من ناحية أخرى، حطمت الإطاحة ببازوم الأمل في أن النيجر، يمكن أن تكون منارة للاستقرار في منطقة الساحل المضطربة، خصوصاً أنها كانت شريكاً لفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي في مكافحة الإرهاب في تلك المنطقة، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وبعد إجبار القوات الفرنسية على الخروج من مالي إثر إنهاء "عملية برخان"، تحول ما لا يقل عن 1500 جندي فرنسي إلى النيجر، كما أطلق الاتحاد الأوروبي أخيراً مهمة عسكرية مدتها ثلاث سنوات تسمى "بعثة الاتحاد الأوروبي للشراكة العسكرية في النيجر" لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، ويشارك في المهمة الجيش الألماني بحوالى 100 جندي يتمركزون حالياً في قاعدة جوية مهمة في العاصمة النيجرية نيامي.
وذكرت أستاذة دراسات السلام في معهد "جوان كروك" للسلام والعدل بجامعة نوتردام، كاثرين بولتون، أن "النيجر كانت أقوى شريك للغرب مناهض للاستبداد والجماعات المتشددة في منطقة الساحل، لكن في السياسة، يكون المظهر خادعاً أحياناً". وأوضحت بولتون أن "نموذج النيجر يظهر أن أي بلد ليس بالضرورة أن يكون ضعيفاً حتى يبدو غير مستقر سياسياً، والقادة العسكريون في أفريقيا على دراية بالشؤون السياسية الحالية مثل القادة العسكريين في أي مكان، ويرون أنه في ظل المناخ العالمي المخيف الحالي والمعلومات المضللة التي تفتح الأبواب للفاشية في كل مكان، فإنه قد لا يكون هناك سبب منطقي للانقلاب، ولكن قد يكون ذلك لحاجتهم لاستجداء الدعم الشعبي لا سيما المناهض للتدخلات الخارجية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وترى بولتون أنه "على رغم الانقلابات المتتالية في مالي وبوركينا فاسو والسودان وتشاد وغينيا، مع العلم أن كل انقلاب عسكري فريد من نوعه ويتأثر بمزيج معقد من الديناميات المحلية والوطنية والإقليمية والدولية، يمكن ملاحظة بعض العناصر المشتركة كعوامل مسهمة في زيادة الانقلابات العسكرية، لا سيما في غرب أفريقيا، حيث تزايد الفقر وعدم المساواة والفساد وسوء الحكم وضعف المؤسسات السياسية وأزمة القيادة".
وزادت "يفضل سكان هذه الدول التدخل الروسي على النفوذ الغربي، ويمكن أن يكون لذلك عديد من التداعيات على الغرب، بما في ذلك فقدان النفوذ والمخاوف الاقتصادية والأمنية. وفي مواجهة هذه التحديات، سيكون من الضروري للقوى الغربية إعادة تقييم استراتيجيتها في غرب أفريقيا بالتركيز على معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار، مثل عدم المساواة الاقتصادية والحكم الضعيف، إضافة إلى الجهود العسكرية لمكافحة الإرهاب. وقد يشمل ذلك أيضاً إيجاد طرق للعمل مع روسيا أو الحد من نفوذها من خلال الوسائل الدبلوماسية أو غيرها من القنوات".

ذريعة الانقلاب

قال قادة الانقلاب في النيجر إنهم أطاحوا بالرئيس محمد بازوم لأنه لم يكن قادراً على تأمين البلاد ضد عنف الجماعات المتطرفة المتزايد، لكن بعض المراقبين يرون أن تلك ذريعة للاستيلاء على السلطة، وأن الأمر يتعلق بالصراعات الداخلية أكثر من تأمين النيجر. وقال الأستاذ في جامعة نيامي، أحمد بوبكر "لم نكن نتوقع حدوث انقلاب في النيجر لأنه لا يوجد وضع اجتماعي أو سياسي أو أمني يبرر استيلاء العسكر على السلطة". وقال إن "الجنرال عبد الرحمن تياني يريد أن يحل محل الرئيس بازوم، وهو يتولى الآن مسؤولية الدولة، ومع أن الوضع الأمني في النيجر ليس على ما يرام، لكنه ليس سيئاً مثل بوركينا فاسو أو مالي، اللتين تقاتلان أيضاً تمرد التنظيمات المتشددة المرتبطة بالقاعدة وداعش".
وقال رئيس أركان القوات المسلحة في النيجر، عبده صديقو عيسى، في بيان أصدره أخيراً إن "القيادة العسكرية للقوات المسلحة في النيجر تدعم الانقلاب بالموافقة على إعلان قوات الدفاع والأمن من أجل تجنب مواجهة دامية بين مختلف القوات يمكن أن تؤدي إلى حمام دم وتؤثر في أمن السكان".
وأعلن ضباط في الجيش النيجري إغلاق الحدود البرية حتى يتحسن الوضع الأمني، وقال العقيد في سلاح الجو النيجري، الرائد أمادو عبد الرحمن، عبر التلفزيون الحكومي إن "الحدود أغلقت نتيجة التدهور المستمر للوضع الأمني وتبعات السياسات الاقتصادية والاجتماعية السابقة السيئة".
من جانبه اتهم الجنرال محمد تومبا، وهو أحد الضباط الذين أطاحوا ببازوم، المجتمع الدولي بأنه يضع خطة للعدوان على النيجر، مؤكداً أنهم سيدافعون عن البلاد. ولكن الباحثة في مركز "فرانكوبايكس" لحل النزاعات وبعثات السلام، تاتيانا سميرنوفا، قالت "من بين جميع البلدان في المنطقة، فإن النيجر هي الأكثر عرضة للخطر إذا ابتعدت من الغرب، نظراً إلى ملايين الدولارات من المساعدات العسكرية التي تتدفق عليها من المجتمع الدولي". كما ذكر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن "الترتيبات الأمنية والاقتصادية المستمرة بين النيجر والولايات المتحدة تتوقف على إطلاق سراح بازوم، الذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية، وعلى الاستعادة الفورية للنظام الديمقراطي في النيجر".

مشاعر مناهضة

ويعتقد عديد من النيجريين أن فرنسا، المستعمرة السابقة لبلدهم، استمرت في العمل كقوة إمبريالية، وسلبتها الموارد الطبيعية، وظلت تملي على قادتها كيف يقودون الاقتصاد، حتى أصبحت النيجر أفقر دول العالم وتتلقى مئات الملايين من الدولارات كمساعدات كل عام، بينما يرى آخرون أن المصالح الاقتصادية ليست في خطر، وتوقعوا أن تواصل فرنسا استخراج اليورانيوم من المناجم وأن يستمر الجيش النيجري في تأمين قوافل اليورانيوم وحمايتها. وفي ظل احتمال عدم قدرة الجيش على ممارسة ضغوط على فرنسا، فإن الاحتمال الآخر هو أن يفتح قادة الانقلاب الباب أمام موسكو أو شركة "فاغنر" شبه العسكرية، ويسهم في ذلك وجودها في كل من ليبيا وتشاد ونيجيريا وبوركينا فاسو ومالي.
ودلل أصحاب الاحتمال الأخير بأن روسيا حاولت في السنوات الأخيرة الاستفادة من المشاعر المناهضة للغرب لتعزيز نفوذها في جميع أنحاء القارة، وأن الحركة المناهضة لفرنسا والمؤيدة لروسيا ليست جديدة في المنطقة. ولوحظ ذلك في دول مختلفة في منطقة الساحل في السنوات الماضية، كان آخرها في بوركينا فاسو حيث طالبت الحكومة العسكرية برحيل القوات الفرنسية من البلاد في وقت سابق من هذا العام.
وعلى رغم أن المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، قالت إن "الولايات المتحدة لا ترى أي مؤشرات يعتد بها على تورط روسيا أو قوات مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة في انقلاب النيجر"، ولكن الارتباط يأتي من تبعات الانقلاب بتوسيع مصالح روسيا في أفريقيا خصوصاً في دول الساحل. وهذا ما أشار إليه زعيم تنظيم "فاغنر" يفغيني بريغوجين الذي سارع إلى دعم الانقلاب في النيجر، مشيداً به باعتباره انتفاضة للشعب الأفريقي ضد "المستعمرين السابقين الذين ملأوا هذه البلدان بالإرهابيين وقطاع الطرق المختلفين". وكان بريغوجين أشار بعد أكثر من شهر على قيادته التمرد في مسيرة إلى موسكو، إلى أنه مستعد لزيادة وجود "فاغنر" في أفريقيا، مدعياً أن قواته يمكنها استعادة النظام وتدمير الجماعات الإرهابية.
وقال الزميل المقيم في "المجلس الأطلسي"، رسلان طراد إن "الأحداث في النيجر ستكون في صالح روسيا، نظراً للمشاعر المعادية لفرنسا في المنطقة، مما يمكن أن تستخدمه سلطة الانقلاب لدفع التحرك نحو المساعدة الأمنية الروسية".

المزيد من تقارير