ملخص
تأسس الاتحاد السوداني لكرة القدم عام 1936 وانضم للاتحاد الدولي (فيفا) عام 1948 وأول مباراة في تاريخ المنتخب القومي كانت أمام إثيوبيا عام 1955 انتهت بفوز السودان
يبدو أن دفتر الحرب السودانية سيظل مفتوحاً ما دامت قائمة، لحصر الخسائر المتوالية على الصعد كافة، إذ لم تقتصر الخسائر على الأرواح والممتلكات، والاقتصاد والعسكرة والسياسة، ناهيك عن تداعياتها الثقافية التي اجتاحت الفنون بأنواعها، لتمتد ألسنة لهبها وتحرق ما تبقى من رياضة كرة القدم.
تخرج كرة القدم عن وصفها ممارسة حيوية وسط تجمع من البشر مختلفي الأوضاع الاجتماعية والثقافية، إلى كونها ظاهرة سوسيوثقافية، كانت ولاتزال اللعبة الشعبية الأولى في السودان، لها عشاقها من الجنسين، وقد تأثرت بتحولات السياسة والاقتصاد والتطور الاجتماعي والثقافي. وبينما استبشر محبوها بانتفاضة ديسمبر (كانون الأول) 2018، التي حملت معها مشاريع تغيير اجتماعي كبير، وأنها ستخلص الرياضة العريقة ونواديها من رأس المال السياسي، وأباطرتها الذين تكسبوا من عمليات فساد كبيرة في ظل النظام السابق. ولدى محاولتها الخروج من كل ذلك فضلاً عن دائرة التعصب الأعمى أحاطتها دائرة الحرب من كل جانب.
تطور الأندية
كشفت وثائق وأدبيات كرة القدم أنها دخلت إلى السودان في فترة الحكم الثنائي الإنجليزي- المصري عام 1898 عبر الجنود الإنجليز في معسكرات الجيش البريطاني. وجاء فيها ما يلي "كان السودانيون الذي يعملون لدى الإنجليز في المهن اليومية يشاهدونهم وهم يستمتعون بلعب كرة القدم في أوقات فراغهم، فاستهوتهم هذه اللعبة وصنعوا كراتهم الخاصة من القماش ولفائف الصوف والجوارب، وكانوا يلعبون بها في الحارات من دون قوانين، وفي ميادين قريبة من المعسكرات الإنجليزية". وارتبطت كرة القدم أيضاً بكلية غردون التذكارية التي أنشأها اللورد كتشنر بين عامي 1899 و1902 كجزء من الإصلاحات التعليمية، ثم تحولت في ما بعد إلى جامعة الخرطوم، وأنشئ فيها ملعبان لكرة القدم يتبارى فيهما فريق طلاب الكلية ضد فريق العسكريين والإداريين في الكلية.
تطور الأمر إلى إنشاء الأندية وانتشارها في أحياء الخرطوم العاصمة. وفي كتاب محمد أحمد رحمة "الرياضة في عطبرة"، ذكر أن "كرة القدم دخلت مدينة عطبرة بولاية نهر النيل للمرة الأولى عام 1907 بواسطة جنود الجيش البريطاني، وفي عام 1908 أنشأت الإدارة البريطانية نادياً رياضياً خاصاً بالبريطانيين سمي نادي عطبرة الرياضي، وكان يرأسه قائد الكتيبة البريطانية مستر مدونتر، وأول فريق لكرة القدم عرفه السودان تكون من جنود الجيش البريطاني، وكان كابتن وقائد الفريق هو مستر مرل". وأضاف رحمة "تبع ذلك تأسيس فريق المريخ الأمدرماني عام 1908، ثم نادي بري عام 1918، ونادي الهلال عام 1928. وكان هناك فريق الري المصري الذي تأسس عام 1911 واستمر منافساً لفريق الجيش الإنجليزي حتى حله عام 1919".
وذكرت الوثائق "حاولت أندية العاصمة عام 1933 تكوين نقابة أو اتحاد لتنظيم نشاطات كرة القدم، بإشراف زعماء الطوائف الدينية علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي والشريف الهندي، ولكن أقلق ذلك المكون الطائفي سلطة الاستعمار، فشكلت الاتحاد السوداني لكرة القدم عام 1936 بإدارة إنجليزية خالصة، ورئاسة فخرية للحاكم العام".
وفي ذلك أورد رحمة "تأسس الاتحاد السوداني لكرة القدم عام 1936 وانضم للاتحاد الدولي (فيفا) عام 1948. وأول مباراة في تاريخ المنتخب القومي كانت أمام أثيوبيا عام 1955 انتهت بفوز السودان. أما الاتحاد الأفريقي لكرة القدم فقد تأسس في الخرطوم عام 1957 من السودان ومصر وإثيوبيا وجنوب أفريقيا، وأقيمت أول بطولة أمم أفريقية في الخرطوم في 10 فبراير (شباط) 1957".
تدخل سياسي
عاشت كرة القدم السودانية عصرها الذهبي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وحمل المنتخب اسم "صقور الجديان"، نسبة إلى أحد أنواع الصقور التي تنتشر في السودان، وتتميز بالشراسة والمقدرة على صيد الجديان والغزلان والطيران بها مسافة قبل افتراسها.
فاز "صقور الجديان" بكأس الأمم الأفريقية مرة واحدة كانت عام 1970، وشارك في بطولة كأس الأمم الأفريقية سبع مرات على مدار تاريخه، كان آخرها عام 1978، ثم غاب لفترة طويلة عن النهائيات حتى عاد عام 2008. لكن منذ تلك الفترة وكرة القدم السودانية تعيش تذبذباً كبيراً على المستويين المحلي والدولي، وتراجع أداء أكبر الأندية الهلال والمريخ، مما انعكس على أداء المنتخب الوطني السوداني بسبب نقص الإمكانات المادية والبنية التحتية الرياضية. ويعود التدهور كذلك إلى بعض حالات التداخل السياسي مع الرياضي. يتذكر مشجعون عاصروا عهد الرئيس جعفر النميري، أنه كان يتدخل كثيراً في الرياضة، ونسبة لذلك تعرضت كرة القدم لنكبات كثيرة.
وللنميري قصة شهيرة تتحدث عنها جماهير كرة القدم باستمرار، قال أحد المشجعين محمد أحمد مختار إنه "في إحدى مباريات عام 1976، بين الهلال والمريخ، كان الرئيس جعفر النميري الذي عرف بتشجيعه فريق المريخ، يجلس في المقصورة الرئيسة، فحدث اشتباك بين لاعبين من الفريقين، وطرد حكم المباراة حارس فريق المريخ لتتوقف المباراة لمدة نصف ساعة". وتابع مختار "بعد استئناف المباراة، فاز فريق الهلال بهدف سجله اللاعب الشهير علي قاقرين، فهتف مشجعو الهلال بشعار (أبوكم مين؟ علي قاقرين)، وهو تحريف لهتاف سياسي مشهور، حينذاك عن الرئيس جعفر النميري، وهو (أبوكم مين؟ نميري)، فأصدر وزير الرياضة آنذاك قراراً بإلغاء نتيجة المباراة".
وأضاف "بعد فترة قصيرة أصدر النميري بياناً في مؤتمر الشباب العام في دار الاتحاد الاشتراكي الذي ينشط به الرياضيون، حمل قرارات شملت تجميد قانون الرياضة لسنة 1970، وحل مجالس إدارات الاتحادات والأندية الرياضية وتسريح اللاعبين، وتجميد حسابات الاتحادات والأندية عدا الاتحاد الرياضي العسكري، وتجميد المنافسات الرياضية، وإيقاف حركة الوفود الرياضية للدورات والمؤتمرات، والتحول إلى ما يسمى بـ (الرياضة الجماهيرية)، داخل المناطق السكنية فقط".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توقف النشاط
ومع أن النميري تراجع عن قراراته في يناير (كانون الثاني) 1977، لكن هذه الحادثة تركت ندبة على جبين كرة القدم السودانية وعكس تأثيرها في ما يجري في البلاد، وانعكس عدم الاستقرار في الأوضاع السياسية والاقتصادية وفترات الحروب على أداء الفرق الرياضية.
وعن تضرر الرياضة جراء الحرب الحالية، قال مدير عام إحدى الإذاعات الرياضية يوسف السماني "ليس هناك شيء لم يتضرر في السودان بفعل الحرب، وتأثرت كرة القدم بتوقف النشاط خصوصاً أن هناك أربعة أندية ستشارك في البطولات الأفريقية، ولن تتمكن من إحراز النتائج لأنها لم تعمل على إعداد فرقها لهذه البطولات".
ويوضح السماني "هناك ضرر كبير أصاب البنية التحتية للرياضة، خصوصاً المدينة الرياضية التي لم تفتتح بعد وكان يُتوقع أن تكون أكبر مدينة رياضية في أفريقيا، وبدأ العمل فيها قبل حوالى 30 عاماً، لكنها تعثرت بسبب الفساد، ثم باتخاذها ثكنة عسكرية لتدور حولها عديد من المعارك مما أدى إلى تدميرها، والسودان يحتاج لسنوات حتى يجبر الضرر الذي أصاب الرياضة".
وأشار إلى أن "الدوري الممتاز كان متواصلاً وتوقف بسبب الحرب، كما توقف إعداد الفرق المشاركة في البطولات الأفريقية، إضافة إلى أن عديداً من اللاعبين الأجانب أنهوا عقودهم مع الأندية السودانية كما ان هناك لاعبين تعاقدوا مع أندية أجنبية".
خسائر فادحة
من جانبه، قال الناقد المحلل الرياضي سيف بركة "المعاناة بسبب الحرب مستمرة على الصعد كافة، بل تتزايد يوماً بعد يوم، وضاعفت الخسائر الفادحة من معاناة الرياضة السودانية خصوصاً كرة القدم التي تعاني في الأصل من تراجع كبير في الفترة الأخيرة، إذ لم يكتمل الموسم الرياضي الذي حدد لنهايته 31 مايو (أيار) الماضي".
وأضاف بركة أن "العاصمة الخرطوم مركز ثقل رياضي مهم أصيبت بشلل تام، وتحولت بعض المنشآت الرياضية إلى أماكن اشتباكات (المدينة الرياضية). ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالأضرار النفسية لدى اللاعبين كبيرة منها عدم خوض التدريبات، كما أن وضع الأجانب أصبح معقداً، بعضهم غادر والبعض الآخر في الانتظار، إضافة إلى المعاناة الاقتصادية".
وأبدى الناقد الرياضي تفاؤله "مع ذلك هناك ضوء أخضر في آخر النفق، إذ إن المنتخبات الوطنية والألعاب الأولمبية واصلت مشاركتها، وأكمل الهلال مشواره العربي، وأكد اتحاد الكرة المشاركة الأفريقية للأندية والمنتخبات، وهذا مؤشر جيد يمكن للرياضة أن تسهم في صنع بارقة سلام في ظل الحرب".
وأبان "تعتمد كرة القدم في السودان على رجال الأعمال، وجيوب الأفراد من (تبرعات أقطاب، ومشجعين، وجهات حكومية) في تسيير نشاطها، والتزامات الأندية تتحمل عبئها مجالس الإدارات، فالمنتخبات يصرف عليها اتحاد كرة القدم السوداني الذي يصله تمويل سنوي من الفيفا".
وعن وضع الأندية قال "الهلال منخرط بمعسكر في تونس، والمريخ في مدينة حلفا شمال السودان بانتظار إجراءات الدخول إلى مصر لبداية الإعداد، أما فريق حي العرب وحيدوب فقد أكدا المشاركة الأفريقية لكن لم تتضح الرؤية في بداية الإعداد للموسم الجديد، لكن مجلس إدارة الفريقين يسعى من أجل إيجاد حلول".
وأكد بركة أن الرياضيين وأسرهم تعرضوا مثل بقية المواطنين إما لوابل النيران وهم في منازلهم على إثر المعارك بين طرفي النزاع، أو للتعدي على بعضها بعد مغادرتهم، إلا أنه ليس هناك إحصاءات دقيقة.
عقبة المشاركة
وعن دور النادي خلال الحرب، قال "المريخ أجلى جميع الأجانب في النادي، قبل أن يتم إجلاء الدبلوماسيين والمنظمات الأجنبية". وأوضح أنهم بانتظار اكتمال الإجراءات للدخول إلى مصر للإعداد لأنه مع ظروف الحرب، ما من ولاية أو مدينة سودانية مهيأة في الوقت الحالي لاستقبال معسكر أي ناد، ولم يحسم مجلس إدارة النادي قرار مشاركة الفريق في دوري أبطال أفريقيا، مع حرصه على عدم الابتعاد من أجواء التنافس الأفريقي وألا تقف الحرب عقبة في طريق وجود الفريق في البطولة الأفريقية".