Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف خٌدعت وسائل الإعلام بإلقاء اللوم على مشتبهين وهميين 'من شمال إفريقيا' في طعن شرطي إيطالي

في غضون ساعات تم توجيه اتهام إلى طالبين أمريكيين، لكن هذا لم يكن مهما لأن اليمين المتطرف كان قد نشر تلفيقاته في وسائل الإعلام الرئيسية

الهواتف الذكية أدوات اتصال لكنها أيضا وسائل لنشر الأخبار وتلك المفبركة (أ.ف.ب) 

أضحت السياسة الإيطالية غريبة نوعا ما خلال نهاية الأسبوع الماضي. أدركت هذا في يوم السبت عندما بدأ حسابي في تويتر يرن بصوت سياسي يميني متطرف يسحب بعض تغريدات الكراهية التي سبق أن نشرها.  كان ذلك حدثا نادرا ومدعاةً للاحتفال، حتى لو أن السبب المباشر لذلك الهراء هو مأساة إنسانية مروعة ودرسًا مفيدًا في كيفية مساهمة الصحافة غير المسؤولة بإثارة الكراهية.

لقد بدأ الأمر بالقتل الوحشي لماريو سيرسيلو ريغا، نائب عميد الشرطة البالغ من العمر 35 عامًا، أثناء تأدية واجبه في حي براتي في روما، في الساعات الأولى من يوم 26 يوليو. في غضون ساعات – أي بحلول الساعة التاسعة صباحًا في الغالب -  قامت الصحافة الإيطالية بنشر تفاصيل الحادث.

كانت الشرطة تبحث عن شابين، وصفا بشكل مختلف على أنهما من أصول "شمال إفريقية" أو "مغاربية". وقد نشرت الصحف تفاصيل طولهما وتسريحة شعرهما وحتى ملابسهما. قالت إن أحدهما كان يرتدي قميصًا أسود والآخر لباسا بنفسجيا). وبعد نشر هذه التفاصيل هاجت حسابات اليمين المتطرف على تويتر.

كان لابد أن يكون ذلك صحيحًا، لأن جميع وسائل الإعلام الإيطالية قالت ذلك، من الصحف الرئيسية المحترمة مثل ريبوبليكا إلى وكالات الصحافة الكبرى أجي وأجنبريس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي غضون دقائق من ظهور التقارير، أعرب وزير الداخلية اليميني ماتيو سالفيني عن أمله في أن يتم القبض على المشتبهين. نشر سالفيني تغريدة رافقها برابط مقال في صحيفة "إل ميساجيرو" السائدة والتي عرّفت المشتبه بهما على أنهما من شمال إفريقيا. بدورها عبرت جورجيا ميلوني زعيمة المجموعة اليمينة المتطرفة فراتيلي ديتاليا، (صاحبة التغريدة التي تم سحبها) عن غضبها من "هذين الحيوانين، ربما المغاربيين."

وقد حذا حذوها آخرون من حزبها، من بينهم اليميني الأشد تطرفا لوكا مارسيلا، المستشار في حزب "كازا باوند". انتقد مارسيلا الجمعيات الخيرية والسياسيين الذين أنقذوا اللاجئين من الغرق، وتساءل عما إذا كانوا قد "ساعدوا القتلة على بلوغ الشاطئ". وفي تطور مثير للسخرية انضم إليهم حتى رئيس الوزراء اليساري السابق باولو جنتيلوني.

من تلك النقطة اكتسبت الرواية مصداقيتها وانتشرت في جميع أنحاء العالم. ففي المملكة المتحدة قامت كل من ديلي ميل وبي بي سي بنشرها، وهذا ليس مستغربا بالنظر إلى إجماع الصحافة والسياسيين الإيطاليين تقريبا على القصة.

لكن في غضون ساعات، ألقت الشرطة القبض على اثنين من المشتبه بهم – وهما طالبان أمريكيان بعيدان كل البعد عن كونهما من شمال إفريقيا - وقد اعترفا بسرعة ووجهت إليهم التهم.

إن الدرس الأول والواضح من هذه القصة المؤسفة هو أنها سلطت الضوء على المعضلة التي تواجه اليوم وسائل الإعلام. فطبيعة النشر الالكتروني والاندفاع نحو جذب القراء يجعل غرف الأخبار تستعجل في نشر الأخبار بمجرد وصولها. وإذا تم نشر قصاصة مسبقا من قبل مصدر يتمتع في ظاهره بالمصداقية، فإن غريزة التأني للتدقيق في الحقائق تتلاشى.

لهذا السبب أجد أن عادتي في الرجوع إلى المصادر الأولية للأخبار – كما هو معمول به في الصحافة قبل حوالي 15 عامًا - كانت غير مرحب بها وغريبة. بهذه الطريقة وصفت الصحافة البريطانية - لسنوات! –ايان هانتلي (المدان بقتل طفلتين عام 2002) بأنه متحول جنسياً بناءً على معلومة سطر واحد نشرت في إحدى الصحف. استمرت الصحف في استخدام ذلك الوصف حتى هدد بمقاضاتها.

قد يفسر هذا أيضًا سبب انتقال العمل الصحافي لبوريس جونسون من وضع قوي إلى أقوى، على الرغم من كونه معروفًا على نطاق واسع بالاستمتاع بثني الحقيقة – وليس الموز فحسب. (في إشارة إلى ادعائه ذات مرة أن الاتحاد ينوي فرض "شروط تقنية" بخصوص درجة انحناء الموز).

لكن هناك أمر مخيف في هذه القضية، وهو أن هذا الوصف الدقيق للمشتبه فيهما تم إسناده بشكل شامل تقريبا إلى "مصادر الشرطة،" على سبيل المثال. وفقًا لـصحيفة إل بوست، يبدو أن الإشارة الأولى لمصادر الشرطة جاءت من موقع آنفوديفيسا الذي يصف نفسه "بوابةٍ لقوات الشرطة والأمن" والذي يحمل إعلانا لإبراء الذمة يشير إلى أنه ليس من الصحافة بمعناها المقصود في القانون الإيطالي.

اكتسبت القصة مزيدًا من الزخم بعد نشرها على صفحة في الفيسبوك لمجموعة بونتو، التي حددت هوية الجناة في أربعة أفراد، ثلاثة مغاربة وواحد جزائري، وأرفقت معها صورة زعمت أنها للشرطة. ربما كانت مزحة بذوق سيء للغاية، لكن هذه المجموعة هي لضباط شرطة يستخدمون تطبيق مرور ويديرها ضابطان في الخدمة.

لم تدم تدوينة تلك المجموع أكثر من بضع دقائق. لكن قبل حذفها، تم نسخها وإعادة نشرها على صفحة أخرى تدعى "سنتحد جميعنا" (UNITI Saremo TUTTO ) ويديرها يميني متطرف. بقيت التدوينة على هذه الصفحة لعدة ساعات وحصدت حوالي 5000 من المشاركات.

وما زاد الطين بلة هو أنه بحلول الوقت الذي انتقلت فيه للتغريد حول القصة في يوم السبت، عندما اتضح أن الجناة مواطنان أمريكيان وليسا من شمال إفريقيا، كانت مصادر اليمين المتطرف قد انتقلت سلفاً إلى الإشارة لصحيفة ديلي ميل من اليوم السابق كـ "دليل" على أن مصادري الإيطالية الأحدث كانت خاطئة. هذا يقتضي بوضوح أن تتحرك المؤسسات الإخبارية بسرعة أكبر لحذف - أو على الأقل تعديل - القصص الأصلية، في بعض المواقع ما زالت قائمة.

إن الوضع كله مرتبك للغاية، وليس خطأ الصحافة لوحدها. لكن يجب عليها أن تتحمل بعض المسؤولية، لأن اليمين الآن بصدد اختلاق الأخبار وحياكتها حيثما تخدم أجندته، ثم يعمل على تعميم افتراءاته حتى لا يعد أحد يميز بين الخبر الصحيح والمزيف.

في هذه الحالة، منعت الإجراءات السريعة التي اتخذتها الشرطة الإيطالية من وقوع الأسوأ. لكن هذا لن يكون عليه الحال دائما، وقد حان الوقت لأن تفكر وسائل الإعلام - جميع وسائل الإعلام - بعناية أكبر في كيفية الاستجابة عندما يكون هناك أشخاص يسعون بنشاط لإفساد وصول الأخبار إلى الجمهور.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء