Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يغرق اليمين الإيطالي ليبيا في مستنقع الهجرة غير الشرعية؟

يرفض مراقبون تحميل السلطات الليبية أعباء إبعاد تونس للمهاجرين غير النظاميين

بعض من المهاجرين الأفارقة الذين أبعدتهم السلطات التونسية باتجاه الأراضي الليبية (أ ف ب)

ملخص

اتهمت جهات حقوقية السلطات الليبية والتونسية بتنفيذ طرد جماعي وقسري بحق المهاجرين

فر العديد من المهاجرين غير النظاميين من تونس باتجاه الشريط الحدودي الليبي، إثر توقيع السلطات التونسية مذكرة تفاهم الأحد الماضي، مع الاتحاد الأوروبي تهدف إلى الحد من الهجرة غير الشرعية والتعاون في مجالات اقتصادية أخرى، لا سيما أن تونس البلد الذي يعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة أصبحت حدوده البحرية القريبة من إيطاليا نقطة انطلاق تسيل لعاب المهاجرين غير النظاميين نحو البلدان الأوروبية. وسبق أن أكدت "المنظمة الدولية للهجرة" أن "2406 مهاجرين لقوا حتفهم أو فقدوا في البحر الأبيض المتوسط في عام  2022، بينما تم تسجيل ما لا يقل عن 1166 حالة وفاة أو تسجيل في عداد المفقودين في النصف الأول من عام 2023".

استنفار ليبي

وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن "قوات الأمن التونسية طردت جماعياً عدة مئات من المهاجرين وطالبي اللجوء الأفارقة السود، بينهم أطفال ونساء حوامل، منذ 2 يوليو (تموز) الحالي إلى منطقة عازلة نائية على الحدود التونسية الليبية، وتضم المجموعة أشخاصاً لديهم وضع نظامي وغير نظامي في تونس، طُردوا من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة".
وأوضحت المنظمة ذاتها، أن "الأشخاص المطرودين من جنسيات أفريقية عدة  كساحل العاج والكاميرون ومالي وغينيا وتشاد والسودان والسنغال وغيرها، وبينهم 29 طفلاً على الأقل وثلاث نساء حوامل، بحسب الأشخاص الذين تمت مقابلتهم".
وأظهر مقطع فيديو الأحد الماضي، انتشار العديد من المهاجرين غير النظاميين على طول الشريط الحدودي التونسي الليبي محاولين التسلل نحو الأراضي الليبية، ليعلن حرس الحدود التابع لوزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية (غرب) العثور على عدد من المهاجرين تائهين في الصحراء، إثر إجبارهم من قبل السلطات التونسية على الدخول إلى ليبيا وفق تعبير الجهاز.
وأفاد جهاز حرس الحدود بتسليم 81 مهاجراً غير قانوني من جنسيات أفريقية مختلفة، بينهم نساء وأطفال، للمنظمة الدولية للهجرة لنقلهم إلى العاصمة طرابلس تمهيداً لعودتهم الطوعية لبلدانهم.
وكان قائد جهاز حرس الحدود محمد المرحاني أكد "إدخال عدد من المهاجرين المبعدين من تونس باتجاه حدود ليبيا ومنها إلى منطقة العسة الليبية".


إدانة حقوقية

من جهة أخرى، طالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، النائب العام الليبي بفتح تحقيق شامل مع وزير الداخلية بحكومة الوحدة التي يرأسها عبد الحميد الدبيية، عماد الطرابلسي، بشأن دخول 360 مهاجراً  غير نظامي من تونس إلى ليبيا.
وأشارت اللجنة في بيان على موقعها الرسمي أن "المهاجرين أبعِدوا من قبل السلطات التونسية إلى المنطقة الحدودية، من بينهم نساء وأطفال"، واصفةً تصرف الطرابلسي بـ "التواطؤ مع الجانب التونسي ما أدى إلى تحميل ليبيا المسؤولية الواجبة على السلطات التونسية، إضافة إلى المسؤوليات الإنسانية المُلقاة على عاتقها".

وأوضحت اللجنة أن "الاحتجاج إثر عثور حرس الحدود (الليبي) على المهاجرين تائهين بالمنطقة الحدودية مع تونس ما هو إلا للتغطية على جريمة التواطؤ مع الجانب التونسي الذي قام بطرد جماعي وقسري لهؤلاء المهاجرين".

أعباء إضافية

ولم يخف مراقبون للشأن الليبي خوفهم من تبعات الاتفاقية الدولية الموقعة بين كل من تونس ورئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته، على ليبيا، البلد الذي يعاني من غياب الدولة منذ عام 2011، إذ يروا أنها "نقطة سيستغلها اليمين المتطرف الإيطالي لإغراق ليبيا في مستنقع الهجرة غير الشرعية، بخاصة أن جزءاً من الاتفاقية الدولية بين تونس والاتحاد الأوروبي يلزم الطرف الأول باستقبال المهاجرين المرفوضين من أوروبا الذين سيستغلون هشاشة الوضع الأمني للتسلل نحو الأراضي الليبية ومحاولة الوصول نحو أوروبا من جديد". وهو طرح استبعد حدوثه مختصون بالهجرة غير الشرعية، باعتبار أن اليمين المتطرف الإيطالي الموجود في السلطة التنفيذية يعلم جيداً أن إيطاليا لديها مصالح مشتركة مع ليبيا بخاصة في مجال الطاقة والغاز غرب ليبيا قرب الحدود التونسية (تحديداً شركة إيني الإيطالية).
في السياق، أكد رئيس مركز "تمكين" للدراسات الاستراتيجية، محمد المصباحي، أن "اليمين المتطرف الإيطالي سيغرق ليبيا بالمهاجرين غير النظاميين عبر اتفاقية تونس، لأن الأخيرة تعاني من أوضاع اقتصادية حرجة جراء شروط الإقراض التي فرضها البنك الدولي عليها، وعليه فلن تكون قادرة على تلبية حاجات هؤلاء المهاجرين المبعدين من أوروبا، والذين تُلزم تونس بحسب الاتفاقية الدولية بينها وبين الاتحاد الأوروبي باستقبالهم على أراضيها".
وأوضح المصباحي أن "من ينفي ذلك عليه فقط الرجوع إلى تصريحات رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بخصوص الهجرة غير الشرعية، إذ سبق وتعهدت بعد فوزها مباشرة بوقف الهجرة غير الشرعية من أفريقيا ووضع حد للاتجار بالبشر في البحر الأبيض المتوسط، لا سيما من خلال تجنب الهجرة غير الشرعية من ليبيا، حيث شددت على أن الوقت حان لمنع المهربين من أن يكونوا هم من يقرر من يدخل إيطاليا، فيما قال وزير الداخلية في حكومتها إنه قد يمنع السفن الإنسانية من جلب المهاجرين الذين تم إنقاذهم إلى إيطاليا". وتابع المصباحي أن ميلوني وفريقها الحكومي اليميني بتوقيعهم الاتفاقية الدولية المشتركة مع تونس يؤكدون أنهم سائرون على نفس سياسية اليمين المتطرف الإيطالي المعروف بمعاداته المهاجرين غير الشرعيين، وتونس باستقبالها للمهاجرين المرفوضين من أوروبا لن تكون سوى دولة عبور لهم، لأنهم حتماً سيدخلون إلى الأراضي الليبية عبر الحدود البرية أو البحرية المشتركة بين البلدين، لتنشط بذلك تجارة البشر، بخاصة وأن الحدود الليبية مع تونس تحرسها قوات غير نظامية وتنتعش بذلك الجريمة المنظمة وتعود العمليات المتطرفة من جديد في ليبيا عبر استقطاب هؤلاء المهاجرين المبعدين من أوروبا ضمن تنظيمات إرهابية، حتى تبقي ليبيا غارقة في الفوضى".

ودعا رئيس مركز "تمكين" للدراسات الاستراتيجية "الحكومات الليبية الموجودة على الأرض إلى إنشاء خلية أزمة ليبية تونسية في أسرع وقت ممكن تبدأ بدعم تونس اقتصادياً حتى لا تضطر إلى توقيع مثل هكذا اتفاقات تحت أي ضغط، ثم التوجه في مرحلة ثانية لإقامة تعاون مشترك بين الجهات الأمنية لتبادل المعلومات بخصوص تحركات المهاجرين غير النظاميين حتى لا يسقط البلدين بين فكي سياسات اليمين المتطرف الأوروبي الذي يهدف إلى توطين المهاجرين غير النظاميين في تونس وليبيا لضرب التركيبة الديمغرافية للشعبين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


غياب الدولة

ويساند هذا التوجه المستشار القانوني بالمنظمة الليبية لحقوق الإنسان، جابر أبو عجيلة الذي نوه بأن "اليمين المتطرف الإيطالي يدير أزمة الهجرة غير الشرعية عبر الحدود التونسية - الليبية"، مستنكراً "تنصل تونس من التزاماتها الإنسانية أمام المجتمع الدولي في حماية المهاجرين غير النظاميين بخاصة أن منظمة هيومن رايتس ووتش، أكدت ضلوع السلطات الرسمية التونسية في ترك مهاجرين على الحدود الصحراوية المشتركة بين البلدين لمصيرهم وسط درجات حرارة عالية ما اضطرهم إلى التسلل إلى ليبيا التي بدأت منذ الآن في تكبد تبعات موافقة تونس على أن تكون حارساً للمياه الأوروبية".
وقال أبو عجيلة إن "اليمين المتطرف الأوروبي استغل الوضع الاقتصادي للجمهورية التونسية ليتخلص من أعباء الهجرة غير الشرعية بخاصة أن أوروبا تعاني من أزمة طاقة وغلاء المعيشة، فالدول الغربية عموماً وإيطاليا خصوصاً، تعرف جيداً الوضع في ليبيا، وتربطها علاقات بتجار البشر المنتشرين جنوب ليبيا وغربها". وأكد أبو عجيلة أن "سيكون لهذه التجاوزات أثر بالغ على تاريخ ومستقبل ليبيا عبر التغيرات التي ستطرأ على النسيج الاجتماعي للمجتمع الليبي".

ظاهرة قديمة

من جهته، قال المختص بشؤون الهجرة غير الشرعية، محمود الكاديكي إن "اليمين المتطرف الأوروبي إذا عمل على التخلص من أزمة المهاجرين غير النظاميين في ليبيا سيعود الضرر على القارة العجوز برمتها وستكون إيطاليا أول المتضررين باعتبار الشراكة الثقيلة التي تربطها بليبيا".
ولم ينف الكاديكي "كره اليمين المتطرف للمهاجرين غير النظاميين"، لكنه رأى أنه "من غير المنطقي أن تضحي إيطاليا بشريك اقتصادي مثل ليبيا، واستغرب إعلان الجميع حالة الطوارئ في ليبيا على خلفية دخول مهاجرين مبعدين من تونس إلى ليبيا وكأن الأمر يحصل للمرة الأولى". وأشار إلى أن "ليبيا منذ عهد القذافي تعاني من هذه الظاهرة التي تفاقمت بعد سقوط نظامه حيث يصل الآن عدد مراكز الإيواء في البلد إلى 15 مركزاً موزعين على كافة التراب الليبي"، مؤكداً أن "حرس الحدود بالمنطقة الشرقية تمكن الإثنين الماضي من إحباط قارب للهجرة غير الشرعية في البحر الأبيض المتوسط ما يعني أن نزيف الهجرة غير الشرعية متواصل على الأراضي الليبية ولا علاقة لاتفاقية تونس مع الاتحاد الأوروبي بتحمل الدولة الليبية لأعباء هذه الظاهرة الموجودة أساساً منذ سنوات".
وأبرز الكاديكي أن "إيطاليا تواجه أزمة طاقة جراء الحرب في أوكرانيا، وليبيا تُعد رابع أكبر منتج للنفط في أفريقيا، وأي أزمة يمكن أن تنشأ جراء تدفق المهاجرين على ليبيا الذين من السهل أن يشكلوا خلايا إرهابية قد تستهدف قطاع النفط، وستكون إيطاليا أول المتضررين بخاصة أن شركة إيني للطاقة تعمل على زيادة استثماراتها في قطاع النفط والغاز في ليبيا، بالتالي فإن غرق البلد في مستنقع انعدام الاستقرار السياسي والأمني يهدد إيطاليا ومصالحها في البحر الأبيض المتوسط".
وعن الاتفاقية الدولية بين تونس والاتحاد الأوروبي قال الكاديكي إنها "ستكون مثلها مثل بقية الاتفاقيات السابقة التي أبرمتها إيطاليا في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، غير قابلة للتنفيذ، فإيطاليا لم تف بعهودها تجاه ليبيا منذ أول اتفاقية في عام 2003 ثم اتفاقية 2008 واتفاقية 2017 التي أُبرمت مع المجلس الرئاسي في إطار دعم ليبيا في مكافحة الهجرة غير الشرعية، واتفاقية تونس أيضاً ستحذو حذو الاتفاقيات الإيطالية الليبية.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن "ليبيا وتونس تشكلان مجرد دول عبور ومعلوم أن دول جنوب غربي المتوسط هي دائماً من يدفع ثمن الهجرة غير الشرعية من قبل دول الشمال وذلك بإعادة المهاجرين والعمل على توطينهم من جديد، وليبيا منذ عام 2012 غارقة في مستنقع الهجرة غير الشرعية الذي استغله تنظيم داعش للتنقل والتغلغل في ليبيا وبخاصة في سرت قبل أن يتم القضاء عليه في عام 2016".
وأكدت المنظمة الدولية للهجرة في تقريرها السنوي الصادر منتصف شهر مايو (أيار) الماضي أن أعداد المهاجرين غير النظاميين في ليبيا خلال العام الحالي تجاوز الـ 700 ألف مهاجر موزعين على مناطق مختلفة من البلاد، وسط قلق متصاعد من تفاقم مشكلة انتشار العمالة "غير المقننة" بخاصة أن السلطات  الليبية أعلنت أخيراً عن تجاوز العمالة الوافدة في ليبيا 2 مليون شخص أغلبهم لا يخضعون للإجراءات القانونية.

وذكرت المنظمة ذاتها أن أكثر من 53 في المئة من المهاجرين موجودون في غرب البلاد، بينما يوجد 34 في المئة منهم في الشرق، و13 في المئة فقط في الجنوب، مضيفة أن عدد المهاجرين مستمر بالزيادة مقارنة بما كان عليه في ديسمبر (كانون الأول) 2022.

المزيد من متابعات