Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حقول النفط الناضبة تعمق جراح تونس الاقتصادية

الأرقام تنبئ بتداعيات وخيمة للبلد الواقع بين أكبر منتجين في شمال أفريقيا

لم تشهد الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي أية أعمال حفر جديدة (المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية)

ملخص

المخزونات على وشك النفاد واستهلاك السوق المحلية يضع البلاد على مشارف نهاية الموارد النفطية

يبعث التراجع اللافت في إنتاج تونس من النفط على القلق، جنباً إلى جنب مع عجز الميزان التجاري في ملف الطاقة، مما قد يعمق من معاناة البلاد مالياً واقتصادياً، بخاصة في ظل اختلال موازنة الدعم وتأثيرها في المؤشرات الكلية للاقتصاد التونسي.

بحسب أحدث البيانات الإحصائية الصادرة من وزارة الصناعة والمناجم والطاقة التونسية في مايو (أيار) الماضي، فإن الوضع زاد سوءاً وتعقيداً من خلال المؤشرين، تراجع الإنتاج وارتفاع العجز، في وقت يجمع المتخصصون في شأن الطاقة على أن الأسباب الجذرية للوضع المتدهور لا تعود فقط إلى التغيرات الجيوسياسية (تأزم النزاع الروسي - الأوكراني)، بل أيضاً إلى قرب نضوب معظم الحقول والآبار النفطية في تونس مما يطرح رهانات عدة على تأثر اقتصاد البلد المستهلك للوقود سلباً.

تقلص الإنتاج

تقلص إنتاج تونس من النفط الخام بتسعة في المئة، في مايو الماضي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وبلغ مستوى 652 ألف طن مكافئ نفط وفق ما كشفت عنه وزارة الصناعة والطاقة التونسية.

تراجع إنتاج تونس من النفط ليصل إلى مستوى 33.8 ألف برميل في أواخر مايو 2023 من 41.9 ألف برميل يومياً في مايو 2021 و36.9 ألف برميل في مايو 2022.

وشمل التراجع معظم الحقول الرئيسة المنتجة للنفط وتضم حقل المنزل، الذي دخل حيز الإنتاج، منذ 2021، بنسبة 46 في المئة، وتراجع أداء حقل البرمة بدوره، بنسبة 17 في المئة وعشتار بنسبة 14 في المئة وMLD بنسبة 31 في المئة، كما تقلص إنتاج حقل الشروق بنسبة 28 في المئة وآدم بنسبة تسعة في المئة ومسكار بنسبة تسعة في المئة، في حين سجلت حقول أخرى تحسناً في الإنتاج على غرار نوارة بنسبة 51 في المئة، وغريب بـ29 في المئة، وسرسينا بـ34 في المئة.

اختلال ميزان الطاقة

وتعمق عجز الميزان التجاري في مجال الطاقة لتونس خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي ليصل إلى مستوى 3.519 مليار دينار (1.173 مليار دولار) مقابل 2.085 مليار دينار (695 مليون دولار) خلال الفترة نفسها من العام الماضي بنسبة نمو 14 في المئة، فيما لم تتجاوز نسبة تغطية الواردات للصادرات 29 في المئة مع نهاية شهر مايو الماضي مقابل 43 في المئة خلال الشهر ذاته من العام الماضي.

وتراجعت نسبة الاكتفاء الذاتي من الطاقة في غضون ثلاث سنوات من 59 في المئة في 2021 إلى 53 في المئة في مايو 2023، وتقلصت الموارد من الغاز الطبيعي (الإنتاج الوطني إضافة إلى الإتاوة المفروضة على الغاز الجزائري) بنسبة ثمانية في المئة، نهاية مايو الماضي.

وسجل إنتاج الغاز التجاري الجاف، حتى نهاية مايو الماضي، تراجعاً مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022 بنسبة 11 في المئة، والإتاوة المفروضة على أنبوب الغاز الجزائري، الذي يمر من التراب التونسي نحو إيطاليا، بتراجع بنسبة اثنين في المئة.

وتراجعت الإتاوة التونسية المفروضة على الغاز الجزائري، بشكل ملحوظ، خلال النصف الأول من عام 2020 لتأثر أوروبا وخصوصاً إيطاليا حينها بالجائحة الصحية المتعلقة بانتشار "كوفيد-19"، وانعكاس ذلك على الطلب من الطاقة بالتالي كميات الغاز الطبيعي التي تمر من الجزائر نحو إيطاليا عبر تونس.

وشهدت المقتنيات من الغاز الطبيعي الجزائري تراجعاً بنسبة ستة في المئة ما بين نهاية مايو 2022 ومايو 2023 وبلغت 851 ألف طن مكافئ نفط، وتراجع التزود الوطني من الغاز الطبيعي بنسبة 10 في المئة ووصل إلى مستوى 1803 آلاف طن مكافئ نفط.

تراجع محير للاستكشافات

وعلى مستوى الاستكشاف والتطوير فإن الوضع يبدو كارثياً، إذ مرت الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي من دون حفر أية آبار تطويرية مقابل بئر واحدة في الفترة ذاتها من العام الماضي، ويعزى ذلك وفق المتخصصين إلى العوائق الإدارية والوضع السياسي والاقتصادي في البلاد.

في غضون ذلك وعلى رغم من ارتخاء أسعار النفط العالمية التي نزلت من مستوى 104.4 دولار للبرميل في مايو 2022 إلى 80.8 دولار للبريل في مايو 2023، فإن ارتفاع سعر صرف الدولار أثر نسبياً في فاتورة تونس من المحروقات مما سيؤثر لاحقاً في موازنة الدعم، لا سيما أن سعر الدولار قفز من مستوى 2.97 دينار إلى 3.09 دينار بين مايو 2022 و2023.

اعتمدت الحكومة الحالية لدى إعداد موازنة 2023 على فرضية معدل سعر برميل النفط (خام برنت) بـ89 دولاراً لكامل العام في المتوسط.

وتعاني تونس في الأعوام الأخيرة، لا سيما منذ اندلاع النزاع الروسي - الأوكراني في فبراير (شباط) 2022 وأدى إلى ارتفاع في أسعار النفط العالمية، عديداً من المشكلات بشكل لافت في موازنة دعم المحروقات التي بلغت مستويات قياسية لم تعد حكومة نجلاء بودن قادرة على تحملها.

ظلم الطبيعة

منحت تونس مخزونات نفطية متواضعة وعلى وشك النضوب، على رغم وقوعها جغرافياً بين أكبر دولتين منتجتين للنفط والغاز، ليبيا والجزائر، في شمال أفريقيا، وعلى رغم أن هناك حدوداً مشتركة تستوجب أن تكون التركيبة الجيولوجية لهذه الدول متجانسة ومتشابهة إلا أن تونس تفتقر إلى حقول نفط مهمة تقيها تقلبات الأسواق العالمية.

ويقر أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية والمتخصص في شأن الطاقة فتحي النوري، بأن الموارد النفطية الحالية لا تكفي البلاد، وأن هناك اختلالاً كبيراً في عجز الميزان التجاري.

وأكد أن تونس على مشارف استهلاك كل مواردها النفطية والمقدرة بنحو 2.5 مليار برميل نفط، وأنه تم استهلاك زهاء ملياري برميل منذ اكتشاف أول حقل "البرمة" في ستينيات القرن الماضي.

واعترف النوري بوجود تقلص تدرجي ولافت للموارد النفطية التونسية على رغم أن الدراسات الجيولوجية والعلمية الحديثة تشير إلى إمكانية مواصلة استغلال 500 ألف برميل فقط. وقال إن نسق إنتاج أبرز الحقول النفطية يتراجع بنسبة سبعة في المئة سنوياً في ظل ارتفاع الطلب الداخلي، الأمر الذي سيؤثر في النشاط الاقتصادي للبلاد والتعويل أكثر على التوريد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يرى المتخصص في مجال الطاقة أن كلفة التوريد ستكون باهظة ولها انعكاسات خطرة على الميزان الجاري، الأمر الذي تركز عليه المؤسسات المالية الدولية وبخاصة وكالات التصنيف الدولية.

وبالأرقام يستعرض المتحدث أن عجز الميزان التجاري في مجال الطاقة وصل نحو 10 مليارات دينار (3.6 مليار دولار) مما يشكل عبئاً كبيراً على الموازنة العامة وبخاصة مخصصات الدعم، مشيراً إلى أن 59 في المئة من عجز الميزان التجاري العام للبلاد يأتي بدرجة كبيرة من واردات الغاز والنفط.

وضعية صعبة

من جانبه، كشف المدير العام للمحروقات بوزارة الصناعة والمناجم والطاقة رشيد بن دالي عن أن الإنتاج الوطني من منتجات النفط يقدر في الوقت الراهن بـ35 ألف برميل يومياً، فيما يصل استهلاك المواد البترولية زهاء 90 ألف برميل يومياً، في حين أن قدرة إنتاج الشركة التونسية لصناعات التكرير تبلغ 32 ألف برميل فقط يومياً.

وكشف بن دالي عن "أن تونس لجأت حالياً إلى استعمال مخزونها الاستراتيجي الاحتياطي للمواد البترولية، حتى تتمكن من تأمين الطلب وتزويد البلد بالمنتجات البترولية".

وأضاف أن هذه الوضعية دقيقة، في إشارة منه إلى ندرة المواد البترولية والظرف المالي الحالي الذي تعيشه تونس والأزمة الأوكرانية الروسية، وهي كلها ضغوط ترزح تحتها خزانة الدولة، كما يقول.

وتابع موضحاً "بسبب الطلب الدولي على منتجات النفط فإن بائعي هذه المواد يطلبون حالياً الدفع الفوري، وهو ما يجبرنا على تسوية الشحنة عند التسلم على رغم الوضع المالي للبلاد".

كانت رئيسة الحكومة نجلاء بودن أشرفت قبل أيام على جلسة عمل خصصت لمواصلة متابعة نشاط قطاع الطاقة والمناجم، بقصر الحكومة بالقصبة، وتم خلال هذه الجلسة استعراض برنامج العمل خلال الفترة المقبلة، خصوصاً في ما يتعلق بتأمين تزويد السوق بمختلف حاجاتها من المواد البترولية.

وأكدت رئيسة الحكومة ضرورة استحثاث نسق الاستثمارات وإنجاز المشاريع في قطاع الطاقة والطاقات المتجددة والمناجم، علاوة على النهوض بأنشطة الاستكشاف والبحث في مجال المحروقات.

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز