Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينجح بايدن في تطبيق "نموذج إسرائيل" على أوكرانيا؟

ربما يكون أهون الشرين لكنه لا يخلو من أخطار وقوع واشنطن في الفخ

جنود اوكرانيون يحضرون لاطلاق راجمة صواريخ باتجاه المواقع الروسية في دونيتسك، الأربعاء 12 يوليو الحالي (أ ب)

ملخص

تفيد الشراكة على النمط الإسرائيلي صانعي السياسة الأميركيين من خلال زيادة نفوذهم على أوكرانيا

عقب الفشل في تحديد جدول زمني لضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتعهد بدلاً من ذلك بالتدفق المستمر للمساعدات من مجموعة الدول السبع، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عقب لقائه مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه يتصور ترتيباً أمنياً مع بلاده مشابهاً لنوع الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل أو ما يسمى "نموذج إسرائيل"، وهو ما يثير تساؤلات عما إذا كان بايدن يمكنه حشد نفس المستوى من الشراكة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتمويل الحرب الجارية في أوكرانيا، فما "النموذج الإسرائيلي"، وهل يمكن حال تطبيقه على أوكرانيا أن يردع روسيا، ويجنب أميركا أخطار مواجهة مع موسكو أم أنه لا يخلو من المخاطر؟

لماذا الآن؟

حينما أعلن الرئيس بايدن وقادة مجموعة دول السبع عن برنامج أمني كبير لتعزيز دفاعات أوكرانيا على المدى الطويل، من خلال وعد بسنوات من التمويل العسكري والاقتصادي والإنساني الإضافي، كان في الواقع يشير إلى ترتيبات أمنية مع أوكرانيا مشابهة لنوع الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، وهو ما تحدث عنه بوضوح خلال اجتماعه مع الرئيس الأوكراني، وكرره خلال خطابه في جامعة فيلنيوس حين قال، إن "زيلينسكي يفهم الآن أنه سواء كانت أوكرانيا عضواً في حلف الناتو أم لا، فإن الأمر سواء، طالما أن لديه التزامات غربية، على الطريقة التي تضمن بها الولايات المتحدة التفوق الأمني لإسرائيل على جيرانها".
ويبدو أن هذا الخيار الذي كان قيد البحث والدراسة منذ أسابيع في واشنطن، كان "أهون الشرين"، إذ كان موقف الولايات المتحدة وألمانيا واضحاً في رفض التعهد بأي توقيت زمني لانضمام أوكرانيا لحلف الناتو، بالتالي كان "نموذج إسرائيل" هو الخيار المناسب من وجهة النظر الأميركية لردع روسيا عن أي هجوم في المستقبل من خلال تعزيز دفاعات أوكرانيا وتقوية تحالفاتها، على أن توقع كل دولة من مجموعة السبع ترتيباتها الأمنية الثنائية الخاصة بها مع أوكرانيا، وهو أمر قد يؤدي إلى حدوث تعقيدات سياسية مع استمرار الحرب خلال عامها الثاني.

أسئلة ومخاوف

وفيما قال مسؤولو إدارة بايدن لصحيفة "نيويورك تايمز"، إنهم يتوقعون أن تنضم دول أخرى بعد هذا الإعلان، وأن المفاوضات بين واشنطن وكييف في شأن ملامح الحزمة الأمنية الثنائية ستبدأ قريباً، ثارت أسئلة ومخاوف عدة في واشنطن، حيث لم يكن من الواضح ما إذا كان بوسع بايدن حشد نفس المستوى من الشراكة بين الحزبين لتمويل الحرب الجارية في أوكرانيا، بعد أن امتنع بعض الجمهوريين في الكونغرس عن التصويت على منح مليارات الدولارات التي أرسلها دافعو الضرائب الأميركيون بالفعل لدعم أوكرانيا ضد روسيا، كما قال رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي في وقت سابق، إنه لا ينبغي أن تتلقى كييف "شيكاً على بياض". وشكك عديد من المرشحين الجمهوريين للرئاسة، الذين يأملون إطاحة الرئيس بايدن من المنصب، في حكمة إرسال الأموال والأسلحة إلى كييف.

كما ترك قرار الناتو الغامض حول عضوية أوكرانيا في الحلف، الذي وصفه البعض بأنه "ضعيف ومشوش"، بعض المحللين العسكريين يناقشون كيف ستبدو علاقة أوكرانيا بالحلف في المستقبل القريب وما إذا كانت علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة والحلف هي النموذج الأفضل للتطبيق، على رغم أن آخرين يرون "نموذج إسرائيل" مناسباً الآن، مثل ماكس بيرغمان، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الذي يقود برنامج أوروبا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، والذي أشار إلى أن الالتزامات الثنائية طويلة الأجل من أعضاء مجموعة السبع قد تكون مهمة في إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه لا يمكن أن ينتصر في حرب طويلة الأمد.

ما نموذج إسرائيل؟

إسرائيل ليست عضواً في الناتو وليس لديها معاهدة دفاع رسمية مع الولايات المتحدة، لكن أميركا صنفتها منذ عقود على أنها حليف رئيس من خارج الناتو، ووقعت عدة اتفاقيات تعاون دفاعي معها، وقدمت لها أسلحة متطورة ومليارات الدولارات من المساعدات العسكرية. ومنذ الستينيات، وصف كل رئيس أميركي العلاقات مع إسرائيل من حيث الدعم القوي والتعاون العميق، بأنها "علاقة خاصة" مثل علاقة أميركا مع بريطانيا، ما أدى إلى تنسيق وثيق بين وكالات التجسس الأميركية والإسرائيلية وساعد إسرائيل على تطوير جيشها ليصبح متقدماً من الناحية التكنولوجية.

وعلى رغم أن المساعدات العسكرية الأميركية تتطلب عادة شراء أسلحة أميركية الصنع، فقد سمح لإسرائيل باستخدام بعض هذه الأموال لشراء أسلحة إسرائيلية مصنعة محلياً، مما يسهم في نمو صناعتها الدفاعية، وعلى مدى أكثر من ستة عقود قدمت الولايات المتحدة نحو 158 مليار دولار من المساعدات العسكرية لإسرائيل. ووقع البلدان في عام 2016 في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما وعقب التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015، مذكرة تفاهم لمدة 10 سنوات، تلتزم بمقتضاها الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بمساعدات عسكرية بقيمة 38 مليار دولار حتى عام 2028، إضافة إلى خمسة مليارات دولار في تمويل الدفاع الصاروخي، في حين أرسلت إدارة بايدن أكثر من 41 مليار دولار من المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا منذ بداية الحرب، فضلاً عن مليارات أخرى للمساعدات الاقتصادية والإنسانية.

لماذا إسرائيل؟

ووفقاً لإيما آشفورد وكيلي غريكو الخبيرتين في برنامج إعادة تصور الاستراتيجية الأميركية الكبرى في مركز ستيمسون، فإن "النموذج الإسرائيلي لم يكن خياراً سياسياً مقصوداً لكن الدعم الأميركي المتزايد لإسرائيل تطور مع مرور الوقت إلى ضمانات أمنية ودعم سياسي قوي وعمليات نقل أسلحة كبيرة، حيث لم يبدأ التسليح الأميركي لإسرائيل، كما يفترض كثيرون حتى الستينيات، ولم تحول الضمانات الأمنية المكتوبة تلك العلاقة إلى تحالف استراتيجي غير رسمي حتى السبعينيات والثمانينيات".

ونتجت قرارات الدعم الأميركي لإسرائيل عن منطق السياسة الواقعية وليس من الضرورات الأخلاقية أو الأيديولوجية، كما لم يظهر اللوبي القوي المؤيد لإسرائيل في أميركا إلا بعد عقود، ولهذا تأسست العلاقة على "قيمة إسرائيل كحليف خلال الحرب الباردة"، لأن العلاقات الوثيقة مع إسرائيل ساعدت في تحقيق أهداف أكبر وهي احتواء القوة والنفوذ السوفياتيين في الشرق الأوسط وإنشاء نظام إقليمي بقيادة الولايات المتحدة، ومن ثم تطور النموذج الإسرائيلي على هذه الخلفية الاستراتيجية بثلاث سمات محددة.

ثلاث سمات

أولى هذه السمات هي أن إسرائيل ليست حليفاً رسمياً عبر معاهدة ولكنها "شبه حليف" للولايات المتحدة، حيث لم تدخل الولايات المتحدة وإسرائيل أبداً في تحالف توثقه معاهدة مع التزامات الدفاع المتبادل على غرار المادة الخامسة في حلف الناتو، لكن العلاقات الوثيقة بين البلدين ترسخت في شيء أكثر من مجرد علاقة تبادلية عبر عنها الرئيس جون كينيدي لوزيرة الخارجية الإسرائيلية غولدا مائير عام 1962 قائلاً، إن للولايات المتحدة علاقة خاصة مع إسرائيل في الشرق الأوسط، لا يمكن مقارنتها إلا بالعلاقة التي تربطها ببريطانيا، وأعاد القادة الأميركيون والإسرائيليون التأكيد باستمرار على فكرة "الرابطة غير القابلة للكسر" بين البلدين، في إشارة إلى القيم والمصالح المشتركة والصداقة.

وعلى رغم عدم وجود التزام رسمي بمعاهدة، قدمت الولايات المتحدة ضمانات أمنية مكتوبة لإسرائيل عقب "حرب أكتوبر" والخطر الذي مثلته عليها، ففي عام 1975، وقع البلدان مذكرة تفاهم تعهدت فيها واشنطن التزاماً أميركياً طويل الأمد لبقاء إسرائيل وأمنها، لتشمل كل جهد أميركي من أجل تحقيق استجابة كاملة بتفويض من الكونغرس، بما يسمح على أساس مستمر وطويل الأجل، بتوفير معدات عسكرية لإسرائيل ومتطلبات الدفاع الأخرى، ومتطلباتها من الطاقة، وحاجاتها الاقتصادية، ثم بعد أربع سنوات، وتزامناً مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، التزمت الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بالدعم الذي تراه مناسباً في حالة انتهاك السلام.

وفي عام 1981 أسست مذكرة تفاهم إضافية، الآلية المؤسسية لتوثيق التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال مجموعة التخطيط العسكري السياسي المشترك، ومجموعة التخطيط للمساعدة الأمنية المشتركة، ومجموعة التنمية الاقتصادية المشتركة، ما وسع بشكل فعال الضمانات الأمنية لإسرائيل.

ضمانات غير ملزمة

ومع ذلك، فإن الضمانات الأمنية الأميركية لإسرائيل ليست ملزمة، ومن الناحية العملية، فإن جميع التزامات الضمانات الأميركية غامضة، وهي تشبه المادة الخامسة في ميثاق حلف الناتو، التي تتطلب من الأعضاء اتخاذ الإجراءات الضرورية لدعم حليف إذا تعرض للهجوم، لكنها لا تضع الأعضاء تحت أي التزام قانوني بالقتال مباشرة، وعلى رغم أن إدارة بايدن غالباً ما تشير إلى التزام الولايات المتحدة بالمادة الخامسة على أنه "التزام صارم"، فإنها عملياً لا تجعل التدخل العسكري الأميركي تلقائياً.

ونتيجة لذلك، فإن صدقية الضمانات الأمنية الأميركية لإسرائيل ودول الناتو على حد سواء تنبع من الأفعال وليس الأقوال، وقد هدفت الضمانات الأمنية الأميركية لإسرائيل إلى إبقاء واشنطن بعيدة، بالتالي تجنب إثارة نفور الدول العربية من واشنطن، في حين أن التزام الولايات المتحدة بدول حلف الناتو قد يفترض دائماً دوراً قتالياً أميركياً مباشراً بحسب تقرير نشرته الخبيرتان آشفورد وغريكو في موقع معهد ستيمسون.
ومع إجراءات مكلفة لتزويد إسرائيل بدعم سياسي قوي ومليارات الدولارات من المساعدات العسكرية، أصبحت الضمانات الأمنية الأميركية لإسرائيل أكثر صدقية، لكنها أيضاً تحمل تحدياً في أنها تنقل بصدقية إلى الخصوم أن الولايات المتحدة ستحترم التزامها الأمني، وأن واشنطن لا تخادع. وفي مواجهة هذا التحدي، ترسل الولايات المتحدة إشارات مكلفة تتمثل في رسائل وإيماءات وأفعال بما يكفي للإشارة إلى أن الالتزام ليس خدعة، والأهم من ذلك، أن الطبيعة العامة للعلاقة بين الجانبين تجعل الأمر أكثر كلفة بالنسبة لقادة الولايات المتحدة لأن التراجع سيجعلهم يدفعون ثمناً باهظاً من حيث سمعة أميركا كشريك استراتيجي موثوق، وقد يؤدي هذا التراجع إلى تداعيات سياسية محلية في الداخل الأميركي.

هل ينجح مع أوكرانيا؟

يمكن أن يكون تسليح دولة بدلاً من التحالف معها رسمياً وسيلة فعالة لتعزيز الدفاع والردع من دون التعرض لمخاطر الالتزام بمعاهدات، لكن الفهم الأعمق للتحول الذي حدث في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل على مدى نصف القرن الماضي يشير إلى أنه من المحتمل أن يكون هناك إيجابيات وسلبيات لتطبيق النموذج الإسرائيلي في أوكرانيا إذا اتبعت إدارة بايدن هذا المسار الذي لا يخلو من مزالق.

فمن ناحية، تبدو الفائدة الأكثر وضوحاً لبناء علاقة مع أوكرانيا على غرار إسرائيل، هي أنها إحدى أكثر الطرق فعالية لتعزيز الردع الأوكراني وتمكين هذا البلد من الدفاع عن نفسه، وهو ما أمضت الولايات المتحدة بالفعل الأشهر الـ18 الماضية في بناء مثل هذه العلاقة مع أوكرانيا، وهناك بعض أوجه التشابه هنا، ففي حالة إسرائيل، التزمت الولايات المتحدة الحفاظ على "التفوق العسكري النوعي" بالاعتماد على التقنيات المتقدمة من أميركا للتعويض عن النقص الكمي.

وفي حالة أوكرانيا، فإن الطرق التي تدعمها بها الولايات المتحدة عبر توفير أفضل الأسلحة يحافظ على التفوق النوعي لها على رغم أنها لم تمكن أوكرانيا من كسب الحرب، لكنها كانت ضرورية في مساعدة كييف على تدمير وصد القوات الروسية الأكبر والأكثر تجهيزاً.

وبحسب غرانت روملي الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، يمكن للكونغرس أن يمرر اتفاقية مساعدات عسكرية طويلة الأجل من شأنها أن تساعد الأوكرانيين في بناء جيشهم على مدى سنوات، وتعزيز نمو صناعة الدفاع الأوكرانية من خلال السماح لها بشراء الأسلحة من الشركات المصنعة المحلية وهو ما يماثل النموذج الإسرائيلي ويعطي رسالة ردع قوية لروسيا.

مرونة أكبر

ومن شأن شراكة الأسلحة والإمداد مع أوكرانيا بدلاً من الشراكة الأمنية الرسمية أن تحل معضلة مماثلة لتلك التي واجهها صناع السياسة الأميركيون في ما يتعلق بسياسة إسرائيل في الستينيات والسبعينيات، إذ سيوفر هذا طريقة للحفاظ على توازن القوى الإقليمي وتعزيز الردع الأوكراني من دون المخاطرة باحتمال الوقوع في فخ في أي حرب مستقبلية، فقد كان صناع القرار السياسي الأميركي في الستينيات حريصين على الحفاظ على حريتهم في المناورة مع السياسة الإسرائيلية، بينما يعد التحالف الرسمي أقل مرونة بكثير من الشراكة غير الرسمية المبنية على عمليات نقل الأسلحة.

وهناك أدلة على أن أوكرانيا كانت على استعداد للقيام بعمليات محفوفة بالمخاطر ضد روسيا، مثل التورط الواضح للقوات المتحالفة مع أوكرانيا في تدمير خط أنابيب "نورد ستريم"، ولهذا يمكن للنموذج الإسرائيلي، المطبق على أوكرانيا، أن يوفر بديلاً لعضوية الناتو، مع الحفاظ على قدر أكبر من المرونة لواضعي السياسات في المستقبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


زيادة النفوذ الأميركي

كما تفيد الشراكة على النمط الإسرائيلي صانعي السياسة الأميركيين من خلال زيادة نفوذهم على أوكرانيا، ففي نقاط مختلفة خلال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، كان قادة الولايات المتحدة قادرين على استخدام شحنات الأسلحة المستقبلية للضغط على إسرائيل أو كبح جماحها في شأن القضايا الرئيسة، مثلما فعل الرئيس جيمي كارتر، حينما شجع إسرائيل على الانسحاب من لبنان خلال غزوها في عام 1978 وفقاً لروايته، كما لعبت مبيعات الأسلحة دوراً مهماً في قدرة القادة الأميركيين على إبرام صفقات سلام مثل اتفاقيات "كامب ديفيد"، وعلى هذا النحو من المحتمل أن تنطبق فوائد مماثلة في الحالة الأوكرانية، إذ إن الدولة التي تعتمد على الأسلحة والتدريب الغربي لا تستطيع تجاهل كل الرغبات الغربية، مما يضمن بقاء مصالح الولايات المتحدة في المستقبل.
ويمكن كذلك استخدام نموذج إسرائيل كورقة مساومة لتشجيع المفاوضات نحو وقف محتمل لإطلاق النار أو إنهاء الحرب، مثلما حدث بعد حرب عام 1973، حينما سعى الرئيس ريتشارد نيكسون إلى استخدام المساعدة كورقة مساومة على الحكومة الإسرائيلية لتشجيعها على التحرك نحو اتفاق سلام، ولهذا فإن التدفق الثابت والمؤكد للأسلحة قد يشجع أوكرانيا على التفكير بالانخراط في مفاوضات لإنهاء الحرب.
وفي الوقت الحالي، ليس لدى أوكرانيا أي ضمان بأنها ستستمر في تلقي الأسلحة إذا انتهت الحرب، مما يخلق حافزاً سلبياً ضاراً لمواصلة القتال حتى بكلفة عالية.

هل يردع روسيا؟

يجادل كثير من المحللين والنقاد بأن نموذج إسرائيل لن يردع روسيا، وأن الردع الفعال الوحيد هو عضوية الناتو لأوكرانيا، ووفقاً لإيان بريجنسكي، الباحث في المجلس الأطلسي، فإنه "إذا تم تطبيق النموذج الإسرائيلي على كييف، فسيترك أوكرانيا إلى أجل غير مسمى في المنطقة الرمادية من حالة من انعدام الأمن، التي حفزت بشكل متكرر طموحات بوتين لشن أعمال عنيفة.

لكن هناك اختلافاً جوهرياً بين أوكرانيا وإسرائيل يتمثل في أن إسرائيل تمتلك رادعاً نووياً مستقلاً بينما تخلت أوكرانيا عن أسلحتها النووية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وعلى رغم أن هذا التمييز قد يكون أقل أهمية مما يبدو للوهلة الأولى، فإن الأسلحة النووية هي الضامن النهائي، بخاصة عندما تهدد روسيا بالتصعيد النووي بين حين وآخر.

ومع ذلك، تبدو هذه الأسلحة غير مجدية نسبياً في الحرب التقليدية باستثناء ردع دولة أخرى مسلحة نووياً عن استخدامها، وإذا كانت إسرائيل اعتمدت في صراعاتها على القوات والأسلحة التقليدية في مواجهة دول غير نووية أو مسلحين فلسطينيين ولم تضطر إلى اللجوء للقوة النووية، فإن تزويد أوكرانيا بضمان يشبه النموذج الإسرائيلي من الولايات المتحدة لن يتطلب أسلحة نووية، بل يتطلب صدقية وقوة تقليدية.

جوانب سلبية

في الوقت ذاته، هناك جوانب سلبية حتى لأنواع العلاقات الأمنية غير المباشرة التي تتمتع بها الولايات المتحدة مع إسرائيل، حيث توضح حالة إسرائيل أن هذا النهج لا يحل بالضرورة مشكلات إدارة التحالف الأساسية، ولا يمنع الوقوع في شرك صراعات مستقبلية، حيث تصرفت إسرائيل غالباً بطرق تتعارض مع المصالح الأميركية، ووجدت الولايات المتحدة أن قدرتها على تقييد إسرائيل أمر صعب أحياناً، وعلى سبيل المثال يظهر فشلت الولايات المتحدة في منع النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة للضفة الغربية، وكانت هناك مرات عدة بحث فيها المسؤولون الإسرائيليون اتخاذ إجراء عسكري يحتمل أن يجر الولايات المتحدة إلى حرب، مثل الضربات الإسرائيلية عام 1981 ضد مفاعل نووي عراقي، أو المناقشات على مدى العقد الماضي حول الضربات المحتملة ضد البرنامج النووي الإيراني، وفي كل حالة، رغم عدم وجود ضمان أمني رسمي لإسرائيل، فإن العلاقات الحالية وفرت أساساً سياسياً واجتماعياً قوياً في واشنطن كان من الممكن أن يؤدي في النهاية إلى الحرب، وهكذا يحمل النموذج الإسرائيلي عديداً من المخاطر نفسها التي تحملها الأشكال التقليدية للضمانات الأمنية في شكل أقل حدة.

وعلاوة على ذلك، خلق التفاعل السياسي والعسكري المتسق بين أميركا وإسرائيل صورة شعبية لتلك العلاقة على أساس "القيم الديمقراطية المشتركة"، مما يجعل الرؤساء يواجهون ضغوطاً كبيرة من الكونغرس والبنتاغون وحتى مقاولي الدفاع إذا كانوا يرغبون في فرض نفوذ على إسرائيل، وبمرور الوقت، قد يجد صانعو السياسة أنه حتى الضمانات الأمنية غير الرسمية لأوكرانيا يمكن أن تصبح أكثر تقييداً وأقل مرونة.

أخطار أخرى

ويخشى مراقبون من أنه إذا لم يتم ربط الأسلحة والتمويل بشكل فعال بطريقة لإنهاء الصراع، أي الالتزام بترتيب أمني على غرار إسرائيل من دون محادثات سلام، فإن ذلك من شأنه أن يمكن الأوكرانيين من إطالة أمد الصراع لأنه سيقضي على أقوى ورقة مساومة لواشنطن مع كييف لإقناعها بتقديم تنازلات في مفاوضات السلام.

وبينما خدمت العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل المصالح الأميركية، إلا أنها في أوقات أخرى أعاقتها، فقد أدى العمق المتزايد للعلاقة إلى تقليل حرية المناورة المتاحة لواضعي السياسات الأميركية وخلق أخطار الوقوع في الفخ واختطاف السياسات بشكل أكثر شيوعاً، لكن هذا وحده ليس سبباً لتنحية تطبيق النموذج الإسرائيلي على أوكرانيا، فضلاً عن العودة إلى خيار الناتو.

المزيد من تحقيقات ومطولات