Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يتمكن العراق من تجاوز "محنة" الغاز الإيراني؟

"معظم التلكؤ الحاصل في استثمار الغاز العراقي رغم التعاقدات الحكومية مع شركات عالمية يعود إلى ضغط اللوبي الإيراني داخل الأوساط السياسية في بغداد"

ملخص

يمثل ملف تصدير الغاز إلى العراق أبرز أسلحة طهران في كسر الحصار المفروض عليها أميركياً

يتزايد الاحتقان في الشارع العراقي مع تردي تجهيز الطاقة الكهربائية، نتيجة انقطاع إمدادات الغاز الإيراني، الأمر الذي يضع حكومة محمد شياع السوداني بمواجهة غليان الشارع في حال استمرار الأزمة مدة أطول.
ودفع الاحتقان الكبير حكومة السوداني إلى البحث عن تدابير عاجلة لتجاوز الأزمة الأخيرة، حيث قال، أمس الثلاثاء، إن العراق وقع اتفاقاً مع طهران يتم بموجبه مقايضة الغاز الإيراني بالنفط الخام العراقي لإنهاء المشكلة المتكررة بخصوص تأخر المدفوعات لإيران بسبب ضرورة الحصول على الموافقة الأميركية.
وفيما أشار السوداني إلى أن إيران خفضت صادراتها من الغاز إلى العراق بأكثر من 50 في المئة اعتباراً من الأول من يوليو (تموز) الحالي لعدم تمكن بغداد من الحصول على موافقة الولايات المتحدة على صرف الأموال المستحقة عليها، أعلن استئناف توريد الغاز الإيراني، مؤكداً أن الكميات "ستتصاعد وتم توقيع اتفاق بهذا الشأن".

وقال السوداني في خطاب متلفز، إن العراق يدين لإيران بنحو 11 مليار يورو ولكنه يواجه صعوبة في سداد هذه الديون بسبب العقوبات الأميركية التي لا تسمح لطهران سوى بالحصول على أموال لشراء سلع غير خاضعة للعقوبات مثل الغذاء والدواء.

سطوة طهران على ملف الطاقة

وتتزايد التساؤلات في ما إذا كانت الخطوات الأخيرة ستسهم في تحسين منظومة الكهرباء في البلاد، فضلاً عن تساؤلات في شأن إمكانية تخلص العراق من السطوة الإيرانية المستمرة على ملف الطاقة والبحث عن بدائل. ويستبعد مراقبون أن يمثل العقد الجديد بين بغداد وطهران حلاً نهائياً للأزمة، خصوصاً أن عدم امتلاك العراق منظومة وطنية للطاقة يمكن إيران من استخدام هذا الملف في السيطرة على سياسات البلاد، ويجعل أمنه الاقتصادي وإدارة ملفات التنمية رهينة بيد صانعي القرار في طهران.
وتتحدث الحكومات العراقية بشكل مستمر عن سعيها الوصول إلى اكتفاء ذاتي من الغاز، فضلاً عن تدعيم شبكة الطاقة بالربط الكهربائي مع دول الخليج العربي، إلا أن أياً من تلك الوعود لم يتم تحقيقها طوال السنوات الماضية.
ويعتقد مراقبون أن الضغوط الإيرانية هي التي تعرقل إمكانية التوصل إلى نتائج حقيقية في سياق بحث العراق عن بدائل للطاقة، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعانيها نتيجة العقوبات المفروضة عليها، واستخدامها العراق طوال السنوات الماضية كرئة اقتصادية داعمة لها.
وكانت بغداد أعلنت في 10 يوليو الحالي، إبرام اتفاق مع شركة "توتال إنرجيز" الفرنسية بقيمة 27 مليار دولار لتنفيذ استثمارات في قطاعات الغاز والنفط والطاقة المتجددة.
ولا تعد تلك المرة الأولى التي يوقع فيها العراق اتفاقاً مماثلاً، إذ يعود الاتفاق مع الشركة الفرنسية إلى عام 2021 إلا أن خلافات حول حصة العراق في المشروع أدت إلى تأخيره.
 
ضغط على واشنطن

من ناحية ثانية وعلى رغم تبرير الحكومة الإيرانية موقفها بحجة عدم وصول مستحقات الغاز المصدر إلى العراق، يرى مراقبون أن مسارين آخرين يسهمان أيضاً في عدم التزام طهران توريد الغاز للعراق، يتعلق الأول بالطلب الداخلي المتزايد على الغاز، وهو ما دفعها في فترات سابقة إلى قطع إمدادات الغاز مع أرمينيا وتركيا ودولاً أخرى.
أما المسار الثاني، فيرتبط بمساعي إيران إلى الاعتماد على القوى الموالية لها في العراق بالضغط على واشنطن للتخفيف من قيود التحويلات المالية بينها وبين بغداد، وهو الأمر الذي لا تبدو بوادر نجاحه متوافرة، خصوصاً مع اتجاه العراق نحو توقيع عقد جديد مع طهران يتم فيه تبادل الغاز المصاحب بالنفط الخام.
وتحاول طهران منذ سنوات إخراج العراق من معادلة الضغوط الأميركية الواقعة عليها، حيث قال السفير الإيراني في بغداد، محمد كاظم آل صادق في 10 يوليو، "ترتفع وتيرة الأصوات الوطنية المطالبة بإخراج ورقة الكهرباء من التعامل السياسي الأميركي واستغلاله لضرب الشعوب مع تزايد درجات الحرارة". وأضاف في تغريدة على "تويتر"، أن تلك الأصوات "وهي تطالب بتحقيق السيادة الاقتصادية للعراق، تضع الإصبع على الجرح في تشخيص دقيق للأزمة، تستحق الشكر كما تشكر الحكومة العراقية على جهدها لتحقيق المصالح المشتركة".

مخاوف حلفاء طهران

في السياق، وضع توقف توريد الغاز الإيراني للعراق، قوى "الإطار التنسيقي" تحت ضغط هائل خلال الأيام الماضية، خصوصاً مع تسببه بانهيار منظومة الكهرباء في البلاد مع وصول درجات الحرارة إلى نحو 50 درجة مئوية. ويصل الانقطاع في التيار الكهربائي إلى نحو 16 ساعة يومياً، في حين تغطي إمدادات الغاز الإيراني نحو ثلث حاجة العراق لتشغيل محطاته مقابل حصول طهران على نحو خمسة مليارات دولار من هذا النشاط.
ويبدو أن المخاوف من أن يمثل هذا الملف مرة أخرى محفزاً لاحتجاجات جديدة، دفعت الأطراف الموالية لإيران إلى الإسراع في مواجهته من خلال الحديث مرة أخرى عن "مؤامرة" تحاك ضد حكومة السوداني، محملة واشنطن في بيان رسمي مسؤولية تراجع منظومة الطاقة في البلاد.
وقال "الإطار التنسيقي"، التكتل الأكبر الموالي لإيران في العراق، "بعد المتابعة والتقصي وتبيان الأسباب يدعو الإطار التنسيقي الحكومة العراقية ومن خلال وزارة الخارجية إلى الاتصال بالجانب الأميركي وحمله على الإطلاق الفوري للمستحقات المالية المترتبة عن استيراد الغاز الإيراني من دون تأخير أو مماطلة".
ودعا الإطار في بيان إلى "عدم استخدام هذا الملف سياسياً لتلافي انعكاساته السلبية على المواطن العراقي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ثلاث وسائل للمواجهة

وعلى رغم كل تلك الأزمات المتعلقة بالغاز الإيراني، لا يبدو أن طهران أو حلفاءها سيسمحان بتحقيق أي مشاريع للربط كهربائي مع دول الخليج العربي، خصوصاً أن تنويع مصادر الطاقة سيوفر للعراق بدائل أقل كلفة من الغاز الإيراني وسيسهم في التخلص من استخدام طهران هذا الملف كوسيلة ضغط سياسية واقتصادية، بحسب مراقبين.
ويتحدث الباحث السياسي سليم سوزة عن ثلاث وسائل تتمكن من خلالها طهران من مواجهة بحث العراق عن بدائل لغازها، يتمثل الأول بخيارات سياسية من خلال السياسيين الموالين لها في العراق، في حين تستخدم خيارات عسكرية من خلال ضغط ميليشياتها، أما الخيار الأخير فيتعلق بالضغوط الاقتصادية من خلال قدرتها على إيذاء العراق عبر قطع الغاز والماء والمنتجات والمحاصيل التي تصدرها إلى البلاد.

ويؤكد سوزة أن "معظم التلكؤ الحاصل في استثمار الغاز العراقي وصناعته محلياً على رغم التعاقدات الحكومية المستمرة مع شركات عالمية يعود إلى ضغط اللوبي الإيراني داخل الأوساط السياسية العراقية"، لافتاً إلى أن هذا الملف يعد "أبرز أسلحة طهران في كسر الحصار المفروض عليها أميركياً".
ويشير إلى أن الأصوات السياسية المدعومة إيرانياً لطالما هاجمت ملف الربط مع دول الخليج وشنت حملة سياسية وشعبية للتشويش عليه والنيل منه "باعتباره مشروعاً يمس السيادة العراقية".
ويتابع أنه في حال نجاح حكومة الإطار في ربط العراق كهربائياً مع بعض دول الخليج، "ستحرص إيران على ألا يكون هذا المشروع بديلاً لمشاريع إيران الكهربائية في العراق".
ولا يستبعد سوزة أن يمثل هذا الملف "محفزاً لاندلاع تظاهرات غاضبة"، إلا أنها لن تكون بمستوى تظاهرات الكهرباء في البصرة عام 2018 أو احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

ملف فشل كبير

ولطالما تحدثت أطراف سياسية ومسلحة موالية لإيران عن "دعم مجاني" وفرته طهران للعراق في فترة الحرب مع تنظيم "داعش"، وهو ما أثار موجة سخرية في وسائل التواصل الاجتماعي دفعت ناشطين إلى التذكير بتلك التصريحات تزامناً مع دفاع عديد من منصات الميليشيات عن موقف طهران الأخير.
ويعتقد رئيس مركز "كلواذا" للدراسات باسل حسين، أن قطع طهران إمدادات الغاز في هذا التوقيت "يمثل حرجاً كبيراً بالنسبة إلى القوى الموالية لها في العراق"، مبيناً أن ما يجري قدم لحلفاء طهران درساً قاسياً وهو أن "إيران تقدم مصالحها القومية قبل كل شيء وإن كان على حساب حلفائها وأتباعها".
ويلفت حسين إلى أن الغاز الإيراني "يباع بأضعاف السعر العالمي وهو أمر مريب وينبغي أن يخضع للمساءلة والنقاش".
ويمثل ملف الكهرباء في العراق "أحجية وملف فشل ذريع للسلطة" على حد تعبير حسين الذي يتابع قائلاً، إن هذا الملف "كلف العراق نحو 81 مليار دولار خلال العقدين الماضيين من دون أي نجاح، وهو ما يدفع السلطة إلى التهرب من مواجهة تساؤلات العراقيين بإلقاء اللوم على واشنطن".
وبحسب حسين، فإن "الاتهامات الموجهة إلى واشنطن غايتها التغاضي عن حقيقة مفادها أن طهران غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها في تزويد العراق بالغاز أثناء الصيف بسبب حاجتها إليه، وهو ما قامت به في السابق مع أرمينيا وتركيا".
ويشير حسين إلى إشكالية كبرى في العقد الإيراني مع العراق، تتعلق بالشروط التي تفرضها طهران من خلال "إلزام العراق دفع 90 في المئة من الطاقة التصديرية للأنابيب في حال لم يكن قادراً على تسلم الغاز الإيراني بسبب عطل في المحطات أو الأنابيب الناقلة، في حين لا يترتب شيء على الجانب الإيراني إذا قطعت الغاز من دون سابق إنذار".

وفي حين يعبر حسين عن استغرابه من موقف "الإطار التنسيقي" الذي يؤكد انحيازه الواضح لإيران في هذا الملف، لا يستبعد أن يمثل هذا الملف "محفزاً لاحتجاجات واسعة في العراق خلال الفترة المقبلة".
وطوال السنوات الماضية مثل ملف الطاقة الكهربائية المحفز الأكبر لعديد من الاحتجاجات في المدن العراقية خصوصاً مع الاتهامات الكبيرة بالفساد في إدارة هذا الملف وعدم حسمه على رغم الوعود التي تمتد حتى السنوات الأولى لتدخل الأميركي في البلاد في عام 2003.

المزيد من متابعات