Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا تخاطر بمركزها المالي بإغلاق حسابات المغتربين المصرفية

محللون ماليون يرون أن الخطوة تخدم المصارف الخليجية التي تتمتع بتصنيفات عالية وتفتح حسابات بالاسترليني

البنوك البريطانية تشترط عند فتح الحسابات امتلاك حق إغلاقها من دون إبداء أسباب (أ ف ب)

ملخص

هيئة السلوك المالي للبنوك شددت على ضرورة تقديم إشعار مدته شهران في الأقل قبل إغلاق أي حسابات ائتمانية للأفراد

قبل أكثر من عقد تلقى زوجان رسالتين منفصلتين من "نات ويست" أحد أكبر البنوك البريطانية، تفيدان بأن البنك قرر إغلاق حساباتهما المصرفية بعد 20 عاماً من فتحها، وعندما سألا البنك عن سبب قراره المفاجئ جاء رده ليذكرهما بسطر يكاد يرى بالعين المجردة قد لا ينتبه كثر إليه، عادة ما يكتب في آخر وثيقة فتحت الحساب يقول "للبنك الحق في إغلاق حساب العميل من دون إبداء الأسباب".

هذا الشرط كان المبرر الذي تذرع به البنك في هذا الإغلاق والذي تسبب لهما في وجع رأس كبير، إذ يجب إعادة تعيين عديد من الأوامر البنكية الدائمة والخصومات المباشرة إلى حساب آخر خارج بريطانيا، وهو أمر كان مرهقاً ويستغرق وقتاً طويلاً.

كان على الزوجين البحث عن بنك بريطاني آخر لفتح حساب جديد وبخاصة أن نجلهما الوحيد كان يقترب من العودة لبريطانيا ودخول الجامعة، وهذا يعني تحويل الأقساط الجامعية إليه كل شهر، مما يضعهما في قلق دائم، ومنذ ذلك الحين تشترط البنوك البريطانية فتح حساب مصرفي جديد للعيش في بريطانيا، إذ تطلب البنوك أدلة مثل فواتير الكهرباء والمياه والهاتف أو ما يعرف في بريطانيا بـ(Utility Bills) لإثبات الإقامة في البلاد بصورة دائمة. إغلاق الحسابات المصرفية بعد أكثر من عقدين من الزمان كان أمراً صعباً تقبله، وهو ما يدفع إلى تساؤلات حول ما إذا كان عدد من البريطانيين المغتربين قد واجهوا أمراً مماثلاً لتأتي المفاجأة بأن البنوك البريطانية شرعت فعلياً في إغلاق حساباتهم بمن فيهم "الإنجليز" الأصليون أباً عن جد.

السؤال هنا ما الذي يدفع البنوك البريطانية إلى إغلاق تلك الحسابات والمخاطرة بسمعة لندن كمركز مالي عالمي؟ وهل من الحكمة التنازل عن مدخرات وأموال يمكن لتلك البنوك استثمارها وتحقيق عوائد بمئات الملايين من الجنيهات الاسترلينية كما تفعل البنوك دوماً؟ وماذا لو كان المغترب البريطاني يمتلك عقاراً في وطنه الأم ويدفع الضرائب ويريد الحفاظ على الترتيبات المالية الخاصة به هناك في حال قرر العودة للوطن؟ وماذا لو كان لديه أبناء على نية الالتحاق بالجامعة ويتعين تحويل مصاريف الجامعة إليهم؟ وماذا لو قرر المغترب العودة إلى الوطن؟ وكيف يمكن لفروع البنوك الخليجية في بريطانيا والبنوك الخليجية في المنطقة الاستفادة من تلك الإغلاقات، وكذلك البنوك الأخرى في دول الاتحاد الأوروبي وبخاصة في دول مثل إسبانيا وألمانيا واليونان وفرنسا، إذ تتمركز أعداد كبيرة من أبناء الجالية البريطانية.

قد تدافع البنوك البريطانية عن قرارها إغلاق الحسابات المصرفية للمغتربين البريطانيين في دول الاتحاد الأوروبي بعد خروجها من الكتلة الأوروبية، ولكن كيف تبرر إغلاق حسابات البريطانيين خارج الاتحاد الأوروبي، في وقت تشدد الحكومة البريطانية على أهمية الحفاظ على مكانة مدينة لندن كمركز مالي عالمي، وهي تغلق حساب مواطنيها؟

إجراء غير مفيد

يقول عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار" وضاح الطه لـ"اندبندنت عربية"، إنه يعتقد أن هناك مبالغة في التشدد من قبل البنوك البريطانية وخصوصاً مع المواطنين البريطانيين، إذ من المفترض ألا تستدعى عملية غياب المواطن عن بلده إغلاق حسابه المصرفي، ربما يتطلب الأمر تحديث بيانات العميل أو طلب مزيد من البيانات وهذا ممكن، ولكن إغلاق الحسابات أقل ما يقال عنه بأنه "غير مفيد" ولا يخدم الاقتصاد البريطاني ولا يخدم لندن كمركز مالي عالمي.

وأضاف الطه أن إغلاق البنوك البريطانية لحسابات المغتربين سيخلق رغبة لدى المودعين البريطانيين والآخرين المقيمين في بريطانيا في البحث عن بدائل مستقرة، ومن أهم هذه البدائل البنوك في المنطقة الخليجية التي تتمتع بتصنيفات عالية، كما أن مستوى كفاية رأس المال ممتاز وتلبي الشروط العالمية، كما أن بعض المغتربين البريطانيين يعملون ويعيشون في دول الخليج العربي بشكل دائم وشبه دائم، بالتالي البدائل كثيرة وجاهزة ليس فقط في الخليج ولكن ربما في مناطق أخرى من العالم.

وتابع عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار" بالقول "من المهم الإشارة أيضاً إلى أن درجة جاذبية بعض المدن في الخليج ووجود البدائل يقللان من أهمية خسارة الحسابات في بريطانيا، وهو ما يشكل تناقضاً مع توجهات بريطانيا فمن المفترض أن تستقطب الاستثمارات وأن تحسن من قدرتها على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى أن إغلاق حسابات المغتربين البريطانيين يخلق بيئة غير صحية لاقتصاد لندن".

البنوك الخليجية تفتح حسابات بالدولار والاسترليني واليورو

من جانبه قال المحلل المصرفي حسن الريس إن إغلاق البنوك البريطانية لحسابات المغتربين البريطانيين سيخدم البنوك الخليجية التي تحتضن جالية بريطانية كبيرة مستقرة منذ سنوات طويلة، كما أن البنوك الخليجية تتيح فتح حسابات للمغتربين المقيمين على أراضيها بالجنيه الاسترليني والدولار واليورو إضافة إلى العملات المحلية، كما تتيح لهم إمكانية تحويل الأموال بين حساباتهم بالعملات التي ذكرتها.

ويقول الريس إن المغتربين البريطانيين الذين أغلقت حساباتهم في بريطانيا بإمكانهم أيضاً فتح حسابات خارجية أو ما يعرف بـ(offshore accounts)، مثل جزيرتي "إيل أوف مان" و"جيرسي" وغيرهما والتي يطلق عليها "الملاذات الضريبية"، وهي تتمتع بسلطات قضائية مستقلة ولا تتبع السلطة القضائية للمملكة المتحدة.

ويعتقد المحلل المصرفي أن البنوك السويسرية ستستفيد من إغلاق حسابات المغتربين البريطانيين الأثرياء منهم على وجه التحديد، وبخاصة أن سويسرا لا تتبع المنطقة الاقتصادية الأوروبية، وهي ليست دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي ولكنها جزء من أوروبا، إضافة إلى أن الفرنك السويسري ينظر إليه كعملة مستقرة، مما سيجعل سويسرا وجهة جاذبة لهؤلاء.

"بريكست" هو السبب الرئيس

واعترف الريس بأنه لم يسمع قط ببنوك تغلق حسابات مواطنيها فقط لكونهم يعيشون في دولة أخرى، لكنه يعتقد أن "بريكست" هو السبب الرئيس وراء إغلاق تلك الحسابات، فهؤلاء المغتربون كما يقول لديهم حسابات في بريطانيا إضافة إلى حساباتهم في دول الاتحاد الأوروبي التي يعيشون فيها بصورة دائمة، بالتالي البنوك البريطانية ترغب في تجنب الازدواج الضريبي أو الدخول في مواجهة قانونية مع الكتلة الأوروبية في ما يتعلق بدفع الضرائب. ويضيف الريس "قد يكون لدى هؤلاء المغتربين البريطانيين مداخيل في البلاد التي يقيمون ويعملون فيها ولكنهم قد لا يدفعون الضرائب في وطنهم الأم، لذلك البنوك البريطانية مستعدة للتضحية بإغلاق حسابات أفراد للإبقاء على علاقات تجارية قوية مع الكتلة الأوروبية فهي أكثر اهتماماً بحسابات الشركات".

البنوك لا تريد "صداعاً"

وبسؤال الريس إن كان إغلاق تلك الحسابات فيه نوع من التشدد المبالغ فيه، أجاب بالقول "بإمكان البنوك البريطانية مطالبة المغتربين البريطانيين بتقديم إقرارات بمداخيلهم لتحديد إن كانوا يدفعون الضرائب، ولكن البنوك البريطانية لا تريد هذا (الصداع) ولا تريد أن تأخذ دور الحكومة في تحصيل الضرائب، وتفتح على نفسها (باباً لن يغلق)، لذلك فهي تقول لكل بريطاني قدم ما يثبت بأنك تعيش في بريطانيا بشكل دائم وسنبقي حسابك المصرفي مفتوحاً، وفي حالة عدم تقديم ما يثبت ذلك سنغلق حسابك". ويضيف الريس "أما بالنسبة إلى تحويل راتب التقاعد للدولة الأوروبية التي انتقل إليها البريطاني المتقاعد للاستقرار فيها فلا يوجد أي مشكلة في هذا الجانب، إذ تقوم بريطانيا بتحويل الرواتب لأصحابها في دول الإقامة".

وتابع قائلاً "من خلال مشاهداتي هناك هجرة للمغتربين حاصلة من أوروبا الشمالية مثل آيسلندا والدنمارك والسويد وفنلندا والنرويج إلى أوروبا الجنوبية مثل إسبانيا وقبرص والبرتغال، والسبب الرئيس هو أن الضرائب أقل وكلفة المعيشة أرخص، إضافة إلى أن دول الجنوب أكثر أمناً، أضف إلى ذلك جمال الطبيعة".

إغلاق حسابات الآلاف من البريطانيين

جرى إغلاق حسابات آلاف البريطانيين الذين يعيشون في الاتحاد الأوروبي في عام 2020، إذ أبلغت بنوك مثل "لويدز" و"باركليز" و"كوتس" بنك الخدمات المصرفية الخاصة وإدارة الثروات عملاء التجزئة البريطانيين الذين يعيشون في دول الوحدة الأوروبية أنهم سيفقدون حساباتهم قبل أو عندما تنتهي الفترة الانتقالية لـ"بريكست" في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2020، كما قيل لهم إنهم لا يمكنهم الاحتفاظ بحساباتهم المصرفية في المملكة المتحدة إلا إذا كان عنوانهم الدائم في المملكة المتحدة.

في العام نفسه اتصلت مجموعة "لويدز" المصرفية التي تضم "هاليفاكس" و"بنك أوف سكوتلاند" بعملائها البالغ عددهم 130 ألف عميل في هولندا وسلوفاكيا وألمانيا وإيرلندا والبرتغال، محذرة إياهم من ضرورة اتخاذ ترتيبات بديلة لأن البنك لم يعد مسموحاً له بتقديم الخدمات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عندما كانت المملكة المتحدة عضواً في الاتحاد الأوروبي كان بالإمكان تداول الخدمات المالية في البلاد عبر المنطقة الاقتصادية الأوروبية (EEA)، لأن الدول الأعضاء ملزمة الإطار التنظيمي نفسه، ولكن بعد نهاية الفترة الانتقالية التي انتهت في ديسمبر 2020 تلزم البنوك البريطانية التي ترغب في مواصلة العمل بشكل قانوني عبر الكتلة أذونات قانونية خاصة لكل سوق من أسواق الاتحاد الأوروبي على حدة.

ونتيجة لذلك توصلت عديد من البنوك البريطانية إلى أن هذه العملية مكلفة للغاية وتتطلب كثيراً من الأعمال الورقية لعدد متواضع نسبياً من العملاء، لذلك قررت معظم البنوك البريطانية الانسحاب تماماً من سوق الخدمات المصرفية الاستهلاكية في الاتحاد الأوروبي، مما يضع عشرات الآلاف من البريطانيين عبر الكتلة في موقف حرج، إذ يتلقى عديد من المتقاعدين في إسبانيا المقيمين بشكل دائم هناك معاشاتهم التقاعدية وغيرها من الدخل عبر حساباتهم في المملكة المتحدة.

وكانت هيئة السلوك المالي للبنوك (FCA) شددت على أنه يجب على البنوك البريطانية تقديم إشعار مدته شهران في الأقل قبل إغلاق أي حسابات ائتمانية للأفراد، وقالت إن البعض منها لم يبلغ العملاء في الوقت المناسب.

وكشف المستشار المالي المتخصص للمغتربين في "بليفينز فرانكس"، جيسون بورتر، لصحيفة "التلغراف" في يوليو (تموز) 2022، عن أن البنوك استمرت في إرسال الرسائل بعد أكثر من عامين من مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي.

وقال بورتر مخاطباً المغتربين "من السابق لأوانه أن تتنفس الصعداء إذا لم تتصل بك مؤسستك المالية في المملكة المتحدة بعد".

اقرأ المزيد