Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انفجارات موازية... فوضى المرور في مصر

المشكلة تبدأ من إصدار رخصة القيادة... إذ يحصل عليها البعض دون تكبّد عناء الاختبار أو معرفة أبسط القواعد

أخطاء السائقين سبب رئيس في الحوادث بمصر بنسبة تبلغ 76.8% (حسام علي. إندبندنت عربية)

التصريح الرسمي الأوليّ عما جرى في محيط المعهد القومي للأورام أشار إلى أن سيارة مسرعة كانت تسير عكس الاتّجاه اصطدمت بعدد من السيارات، ما نتج عنه انفجار ضخم. التصريح الصادر عن رئيس جامعة القاهرة، الدكتور محمد عثمان الخشت، والذي يتبعه المعهد، نتج عنه انفجار موازٍ، حيث دقّ كثيرون على أوتار "هرج ومرج" الطرق وعشوائية المرور وحال الشوارع والميادين المصرية، التي تُركت نهباً لفوضى عارمة "غير خلّاقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خلافات لا أوّل لها أو آخر عبّأت الأجواء الشعبية المصرية منذ تطايرت أخبار الانفجار الذي حدث في محيط المعهد القومي للأورام في وسط القاهرة ليل يوم الأحد الماضي. ففي ضوء "العتمة" المعلوماتية الرسمية شبه الكاملة والتي لم تسدّ رمق الملايين من الباحثين عن حقيقة ما جرى حتى اليوم التالي، والإعلان عن أن السيارة كانت تحوي مواد متفجرة، اتفق الجميع على الدقّ على وتر فوضى المرور باعتبارها آفة مصر الكبرى على مدار العقدين الماضيين، والمتفاقمة حدّ الانفجار منذ تفجّر رياح ثورة يناير 2011.

حوادث الطرق

في عام 2018، وبحسب الأرقام المعلنة من قبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قبل أسابيع، فإن 8480 شخصاً أٌزهقت أرواحهم على الطريق (أرقام منظمة الصحة العالمية تشير إلى 12 ألف وفاة)، بالإضافة إلى 11803 إصابات، بعضها يسفر عنه إعاقات مدى الحياة. وبحسب شهود العيان وسكان البلاد، فإنه يكاد لا يخلو بيت مصري من ضحية واحدة في الأقل لحوادث الطرق، بين وفاة وإصابة وخسارة مادية، وبالطبع نفسيّة.

عوامل نفسية لا أوّل لها أو آخر تتداخل مع حال المرور في مصر. أستاذ الطب النفسي الدكتور أحمد علام يقول إن "قيادة السيارة تحتاج إلى حدّ أدنى من الصحة النفسية والحالة المزاجية المعقولة. حتى القيادة في أكثر المدن هدوءاً ونظاماً تحتاج قدرات من السائق للتعامل مع المواقف والانفعالات المختلفة التي يتعرّض لها على الطريق. وهذا يتطلب تركيزاً كلياً وقدرة على ضبط النفس والانفعال والتعامل مع مسببات القلق والتوتر والتصرف العقلاني حال حدوث شيء غير متوقع". ويضيف علام أن "هناك العديد من العوامل التي تؤثر سلباً على القيادة مثل الإجهاد وقلة النوم والتوتر والتفكير".

ويشير إلى أن "المجتمعات التي تشهد حروباً أو توترات أو مشكلات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية طاحنة تشهد نسب حوادث سير أعلى من الطبيعي، حيث تكون الحالة النفسية والمزاجية السيئة العامة عاملاً إضافياً للتوتر على الطريق".

التوتر على الطريق عارم، وتطبيق القانون غائب، وتقاذف الاتهامات وإنكار المسؤوليات والتمسك بالحجج والأعذار طاغٍ. طغيان العامل البشري باعتباره العامل رقم واحد في أوضاع المرور الكارثية وحال الطرق المأسوية يعكس الكثير ويحكي ما لا يمكن حكيه في سياقات مغايرة.

 

 

المشروع القومي للطرق

تغيرات إيجابية عدة طرأت على الطرق في مصر خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إذ تفخر مصر بـ"المشروع القومي للطرق"، والذي تم إقراره في 22 يونيو (حزيران) عام 2014 لتنمية 4800 كيلومتر تمثل 20.4% من إجمالي الطرق في مصر، بالإضافة إلى تطوير المناطق المحيطة بها باستثمارات تزيد قيمتها على 26 مليار جنيه مصري (نحو 1.6 مليون دولار).

تقول أستاذة علم الاجتماع الدكتورة منى فريد إن "تنمية اقتصاد واستثمارات بالمليارات وتوسعات طرق ومبانٍ ومدن دون تنمية بشر واستثمارات في وعيهم وتوسعات في تثقيفهم وإدراكهم بأنهم مواطنون مسؤولون لهم حقوق وعليهم واجبات تكون أقرب إلى الإهدار. وليس هناك أدلّ من الكم الهائل من الطرق والمحاور والجسور التي شيدت على أعلى مستوى في العامين الأخيرين، لكنها تحولت مقبرة تحصد أرواح المصريين بسبب انعدام الوعي المروري وغياب تطبيق القانون بشكل شبه كلي".

وتضيف "كنت أتمنى أن يُخصّص جانب من الإنفاق والمجهود المبذول في أعمال التنمية لجهود وأنشطة تنمية البشر، سواء بالوعي والثقافة أو تدريب القائمين على أمر تطبيق القانون، وعلى رأسهم مسؤولي المرور الذين يعانون كباقي الشعب نقصاً في إدراك أهمية القوانين وتطبيقها وضمان حقوق الناس وتنفيذ واجباتهم".

وتشير فريد إلى أن "الحابل اختلط بالنابل في مصر في العقود الأخيرة، حيث غياب المحاسبة والمراقبة، واعتبار التسيب والفوضى حرية شخصية، وتداخل مفاهيم اعتبار الفقر ذريعة للفوضى والاعتداء على حقوق الآخرين بما في ذلك حق الطريق".

حق الطريق في شوارع المحروسة وميادينها يعاني الكثير. مصدر في إدارة المرور في وزارة الداخلية، فضّل عدم ذكر اسمه، أشار إلى أن "العاملين في إدارة المرور يبذلون قصارى جهدهم، إلا أن عدد القوات ليس كافيا، والموارد المادية المتاحة تحول دون تركيب أجهزة الرادار لمراقبة السرعات والكاميرات وغيرها". ويؤكد المسؤول أن "المشكلة الأكبر والسبب الرئيس وراء الغالبية المطلقة من حوادث المرور القاتلة هي العنصر البشري، بين سرعات جنونية ورعونة قيادة وجهل بقواعد المرور من الأصل".

أصل المشكلة يبدأ من إصدار رخصة القيادة، وهي الرخصة التي يحصل عليها البعض دون تكبّد عناء الاختبار أو معرفة قواعد القيادة. نهال (22 عاماً) لا تفوّت فرصة إلا وتحكي عن الرخصة التي حصلت عليها وهي جالسة في مكتب مكيّف. تقول "حصلت على الرخصة بفضل علاقات والدي، ثم تعلمت القيادة".

مدارس تعليم القيادة بعدٌ آخر من أبعاد المشكلة. "بيزنس" تعليم قيادة السيارات يعد بمثابة جواز مرور إلى إدارة المرور بهدف إصدار الرخصة. يقول تامر إيهاب (28 عاماً)، مدرّب قيادة في مدرسة بحي مدينة نصر إن "المدرسة تؤهل المتدرب ليتعلم القيادة في 7 أيام. اليوم الأوّل إشارات وعلامات، والثاني والثالث والرابع والخامس قيادة وسط الزحام، والسادس ركنة (إيقاف السيارة) والعودة للخلف في خط مستقيم، والسابع اختبار وتقييم".

"كارو" على الطريق

تقييم حال الشارع المصري ومركباته لا يكتمل دون الإلمام بجزيئاته. أعوام ما بعد ثورة يناير 2011، وفترات عدم الاستقرار وغيبوبة منظومة تطبيق القوانين المستمرة أدت إلى مشهد أقرب ما يكون إلى الهزل. عربة "كارو" يجرّها حمار على طريق سريع تجاورها سيارة فارهة، وبينهما "توك توك" غير مرخص يسابق "تروسيكل" يحمل لوحة أرقام ألمانية، وفي المقدمة سيارة منتهية الصلاحية منذ عقدين تكاد تطير من فرط السرعة ولا تحمل لوحات رقمية، بينما سيدة على حمار تعبر الطريق وتتحدث في هاتفها المحمول.

مصطفى (32 عاماً) يعمل سائقا في تطبيق "أوبر". وعلى عكس القواعد التي يفترض العمل بها، فهو لا يربط حزام الأمان، ويستخدم هاتفه المحمول أثناء القيادة، حيث يرسل رسائل ويتابع الردود ويجري مكالمات أثناء القيادة. سؤال مقتضب حول مفهومه عن أمانه الشخصي ومن معه على الطريق، تقابله إجابة أكثر اقتضاباً محورها أنه واثق من قيادته، مدرك لقدرته، ولا داعي للقلق. وقبل أن يتفوّه بـ"القاف" الأخيرة، كان قد ارتطم بمؤخرة سيارة أمامه ليهشم جانباً منها.

تهشّم أجزاء من السيارات السائرة في الشوارع المصرية لم يعد أمراً يثير التعجب، بل ما يثير التعجب هو أن يحافظ صاحب السيارة عليها دون خدوش أو تهشمات لفترة تزيد على شهر أو شهرين في أحسن الأحوال.

أحوال الشارع، بحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تشير إلى أن السبب الرئيس لحوادث السير في مصر في عام 2018 هو العنصر البشري بنسبة 76.8%، ثم عيوب المركبة بنسبة 15.7%، فيما يحتل العنصر البيئي، أي حالة الطريق، المرتبة الثالثة والأخيرة بنسبة 2.7%.

وفي ضوء حادث محيط المعهد القومي للأورام، ورغم إعلان وزارة الداخلية أن سبب الانفجار هو سيارة محملة بالمتفجرات كانت تسير عكس الاتجاه بسرعة كبيرة وفي شارع حيوي في وسط القاهرة، إلا أن كثيرين ركزوا على جزئية السير العكسي باعتبارها تجسيداً لمأساة يومية حقيقية، اسمها فوضى المرور.

فوضى المرور تعود في المقام الأول إلى العنصر البشري، سواء أخطاء وعدم إلمام قادة السيارات بقواعد وقوانين السير، أو تكاسل وعدم اقتناع رجال المرور بتطبيق قانون المرور. وعلى الرغم من ذلك فإنه لا هؤلاء يستشعرون خطر الموت ويبدأون في احترام قواعد السير، ولا أولئك يبدون أمارات بدء تطبيق قوانين السير.

وعلى الرغم من ترسانة قوانين المرور التي تفخر بها البلاد، إلا أن البرلمان المصري يناقش هذه الأيام قانوناً جديداً ينتظر الموافقة من أجل الإقرار. يعتمد القانون الجديد على الضبط الإداري عن طريق نظام النقاط للمخالفين، وتعليق رخص القيادة في حالة ارتكاب مخالفات، وعقوبات جنائية تتراوح بين الحبس والغرامة بحسب نوع المخالفة.

يرى تقرير صدر حديثا عن منظمة الصحة العالمية إلى أن الوفيات الناجمة عن حوادث المرور لا تزال في تزايد مستمر، حيث تتسبب في 1.35 مليون حالة وفاة سنويا. ويُسلط التقرير العالمي عن حالة السلامة على الطرق 2018 الضوء على أن الإصابات الناجمة عن حوادث المرور قد باتت السبب الرئيس لإزهاق أرواح الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و29 سنة.

يقول الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية "هذه الوفيات ثمنٌ غير مقبول ندفعه مقابل حركتنا على الطرق". ويضيف "لا يوجد ما يبرر قعودنا عن العمل. فهذه المشكلة لها حلول ثابتة الجدوى. ويشكل هذا التقرير دعوة موجهة إلى الحكومات والشركاء لاتخاذ إجراءات تتسم بمزيد من القوة لتنفيذ تلك التدابير".

ويوثق التقرير العالمي عن حالة السلامة على الطرق 2018 زيادة العدد الإجمالي للوفيات رغم الاستقرار الذي شهده العالم في السنوات الأخيرة في معدلات الوفيات منسوبةً إلى عدد سكان العالم. وهذا يشير إلى أن جهود السلامة على الطرق الجارية في بعض البلدان متوسطة الدخل وتلك مرتفعة الدخل قد خففت من حِدة تلك الحالة.

ويقول مايكل روبنز بلومبرغ، مؤسس مؤسسة بلومبرغ الخيرية ورئيسها التنفيذي وسفير المنظمة العالمي المعني بالأمراض غير السارية والإصابات "السلامة على الطرق قضية لا تحظى على الإطلاق بما تستحقه من اهتمام في أي مكان، رغم أنها تشكل، في الواقع، فرصة كبيرة لإنقاذ الأرواح في جميع أنحاء العالم". ويستطرد قائلا "نحن نعرف التدخلات التي تحقق النجاح المطلوب".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات