Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حريق الغضب الدائم في فرنسا الحائرة

باريس لا تستطيع التعامل مع المهاجرين / المواطنين داخل البلد كما كانت تعامل أهلهم في المستعمرات

ملخص

الرئيس إيمانويل ماكرون رأى أن "ما بعد الحداثة دمر فكرة الأسطورة الوطنية"

فرنسا مريضة، والأطباء مختلفون على تشخيص المرض وتوصيف العلاج، العالم ينظر إليها بإعجاب كمنارة ثقافية ورثت أثينا سقراط وأفلاطون وأرسطو، والفرنسيون غاضبون على كل شيء ومن لا شيء. "يريدون المساواة لكنهم يتذوقون الامتيازات" كما قال الجنرال شارل ديغول، "طليان بمزاج سيئ" بحسب جان كوكتو.

قلعوا بلاط الشوارع في باريس خلال "ثورة الطلبة" أيام الجنرال ديغول، وهم يبدون على استعداد دائم لتكرار الثورة الفرنسية والهجوم على الباستيل (سجن أنشئ في فرنسا بين عامي 1370 و1383 كحصن للدفاع عن باريس). نزلوا إلى الشوارع على مدى أشهر احتجاجاً على رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، كأنهم لا يريدون أن يعملوا. وهم يحرقون اليوم باريس ومارسيليا ومدناً أخرى عدة رداً على جريمة ارتكبها شرطي يخضع للمحاكمة بتهمة "القتل القصد".

وليس إحراق فرنسا مجرد رد فعل على مقتل الفتى نائل بمقدار ما هو تعبير عن غضب كامن جاهز للانفجار في أية لحظة، ويعتقد السوسيولوجي الفرنسي أوليفييه غالان من "المركز الوطني للأبحاث العلمية" "ألا شيء يمكن أن يجعل الفرنسيين راضين ومكتفين، واللاثقة عنصر بنيوي ثابت ومؤسس جيداً في المجتمع الفرنسي".

ذلك أن الآراء متعددة ومختلفة جداً حول أسباب اللاثقة وعدم الرضا. الرئيس إيمانويل ماكرون رأى في حديث مع مجلة "دير شبيغل" أن "ما بعد الحداثة دمر فكرة الأسطورة الوطنية" في حين أن "في السياسة الفرنسية صورة ملك لم يرد الشعب الفرنسي موته". وترجمة ذلك هي الحاجة إلى رئيس/ ملك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والواقع أن في كل فرنسي شيئاً من الملك لويس، وروبسبير (ماكسيميليان دي روبسبير) الثوري، ونابليون الإمبراطور الفاتح. اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبن يختصر كل مشكلات فرنسا في عنصر واحد هو وجود ملايين المهاجرين، وهذا ما ردده وزير الداخلية الحالي جيرار دارمانان بالقول "الراديكالية الإسلامية هي الخطر الأكبر الذي ينخز الجمهورية، وأنا أشعر بالقلق عندما أرى أناساً يعيشون على أراضينا ويسعون إلى العيش في مجتمع آخر غير مجتمع الأمة الفرنسية"، وعلى العكس يقرر "المجلس الوطني للدراسات الديموغرافية" أن "أكثرية المسلمين في فرنسا مندمجة جيداً ثقافياً واجتماعياً وأقل اقتصادياً".

اليسار بكل أطيافه المعتدلة والمتشددة يرى المشكلة في النظام الليبرالي الرأسمالي المتوحش، وخدمة الحكومات لأصحاب الرساميل والشركات والمصارف. سكان الضواحي ونسبة المهاجرين فيهم كبيرة، يعيدون المشكلة إلى التمييز العنصري والبطالة وكل أنواع التمييز ضد المهاجرين من الجزائر والمغرب وتونس وبلدان أفريقية أخرى كانت ضمن المستعمرات الفرنسية.

ولكل تشخيص وصفة علاج، ولا مشكلة في الدستور، فالنظام ديمقراطي، والحريات العامة واسعة، لكن ما تعانيه فرنسا هو عدم القدرة على التأقلم والتكيف مع فقدان الإمبراطورية والمستعمرات، والتعثر في التزام دور جديد ملائم للواقع في الداخل وفي العالم. الجنرال ديغول الذي كان يميز بين "عظمة فرنسا" وحال الفرنسيين رأى "أن فرنسا لم تعد قوة عظمى ولذلك يجب أن تكون لها سياسة عظمى"، وهذا ما يحاوله ماكرون من دون نجاح ضمن برنامج "أمة فرنسية أكثر استقلالاً في إطار أوروبا أقوى".

فرنسا تحترق، والمفارقة أن الذين يحرقون كل ما أمامهم ليسوا متفقين على ما يريدون وربما لا يعرفون ما يريدون. والدرس الذي دقت الساعة لتعلمه هو أن فرنسا لا تستطيع التعامل مع المهاجرين/ المواطنين داخل البلد كما كانت تعامل أهلهم في المستعمرات.

المزيد من تحلیل