Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بغداد بين زمنين: الماضي يفر والحاضر لا يسر

هل تدرك أمانة العاصمة العراقية قيمة "الجوهرة المدورة"؟

"منذ عقود وموروثنا الحضاري يتعرض للاندثار وآن الأوان لمتخذي القرار العمل على تقويم الوضع" (اندبندنت عربية)

ملخص

هل تدرك أمانة العاصمة العراقية قيمة "الجوهرة المدورة"؟

يتداول العراقيون فيديو موثقاً لساحة الرصافي في شارع الرشيد، وهو مركز مهم في العاصمة العراقية يكشف عن الواقع المرير لذلك الميدان في قلب بغداد حول تمثال الشاعر العراقي الشهير معروف عبدالغني الرصافي، حيث يعيش هذا الشارع اليوم في قمة الفوضى والرثاثة بعد أن تحول إلى مركز لتوريد البضائع التي تنقل من المحافظات إلى بغداد حيث تلقى على أرصفة الشارع بشكل عشوائي ما جعل المكان موضع تهكم أهالي بغداد وغضبهم بسبب انتهاك حرمة المكان الحضارية وسوء استخدامه ليمسي تدريجاً تجمع أزبال، ويمثل الأمر إهانة لبغداد وشاعرها الرصافي الذي لا علاقة له من قريب أو بعيد بالتجارة.

 

بغداد بين زمنين

هذا المشهد يكاد يتكرر في مناطق أخرى كثيرة من بغداد والمحافظات حتى بات مظهراً للفوضى التي تشهدها المدن والأقضية العراقية، ويصفها المختصون من مهندسين ومخططي المدن بأنها تعيش أزمة تلد أخرى، لا مناص من مناقشتها من قبل معماريي بغداد، وإحراج القائمين على "أمانة بغداد" المسؤولة عن إدارة المدينة الأكبر في العراق التي يمتد تاريخها لعهد العباسيين الزاهر (726-1258)، ويتعدى سكانها، وفق المختصين، 10 ملايين نسمة، وهي مدينة تاريخية بناها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عام 146 هجري الموافق 726 ميلادي ليتخطى عمرها اليوم 13 قرناً، وتقف عند رصيد حضاري مهم يمنحها القوة والديمومة من وجهة نظر كثيرين من العرب ومحبي بغداد وعاشقيها من بينهم أمينها الأسبق علاء محمود التميمي الذي يقول "قوة بغداد كعاصمة تأتي من عمقها التاريخي وتراثها العلمي حين أسهمت خلال ما يزيد على خمسة قرون، كعاصمة عباسية، في كثير من الإسهامات الحضارية والعلوم والتاريخ المشرق لنهضتها، وحافظت على طابعها ومبانيها منذ 1258 سنة غزوها وسقوطها الأول على يد المغول حتى عام 1917، إلا في استثناء واحد عام 1910 حين قام أحد ولاة بغداد العثمانيين بهدم سور بغداد الشرقي واستخدم حجارته لبناء سد لدرء فيضان دجلة، لكن بغداد التي قامت في جانب الرصافة بدأت تتوسع خلال القرن الـ20، وقوة بغداد تكمن في موقعها الجغرافي حيث يمرّ فيها طريق الحرير نحو الصين، ومن خلال إمكاناتها المتنوعة كعاصمة للعراق، ذي الإمكانات الاقتصادية الكبيرة، كذلك هناك عنصر قوة لبغداد إذ إن غالبية سكانها من فئة الشباب بنسبة تزيد على 70 في المئة، فهي مدينة شابة، وسيكون استثمار طاقات الشباب معين قوة لها، وهي حالياً تعود للحياة بعد أن ماتت ست مرات خلال تاريخها بعد احتلالها من غزاة قساة، ثم عودتها وامتلاك حريتها في العصر الحديث نتيجة إيمان أهلها بها، كل عناصر قوتها هذه تُمكّن صانع  القرار فيها من أن يستغل هذه القوة ويوظفها اقتصادياً وسياسياً، ويؤمل في أن تصبح خلال الأعوام العشرة المقبلة أحد البلدان الديمقراطية على رغم أنها تعيش حالياً مشكلات كثيرة في بنيتها التحتية، ومشكلات قانونية بين المحافظة والأمانة ومع السلطة المركزية، وهي متوقعة جراء عقود من الأنظمة الصارمة الديكتاتورية التي عاشها العراقيون، لكن الحرية التي تعيشها راهناً ضمانة بناء البلاد مستقبلاً".

 

10 ملايين ساكن

مدينة بغداد الحالية، على رغم كل الأزمات التي تعيشها، فإنها تتوسع بصورة كبيرة، وسكانها موزعون على 476 محلة سكنية، وتمتد مسؤولية أمانة العاصمة على مساحة 816 كيلومتراً مربعاً، ويرجح المختصون، خلال السنوات الـ 10 المقبلة، أنه ستكون لها مسارات مختلفة للنمو السلبي والإيجابي معاً، ويقول التميمي "بعد التوسع المتوقع، سيتجاور السكان فيها 10 ملايين نسمة، وبالتخيط العمراني لأي مدينة يتخطى سكانها هذا الرقم، تحتاج إلى تعاملات خاصة مع السكن ومستلزمات العيش بدقة مع وجود سلسلة من المخاطر التي تعيشها بغداد وفي مقدمها التصحر ونقص المياه والتحدي السكاني والترييف الذي تعانيه في عموم أحياء بغداد وحاراتها لا سيما الرصافة التي تعاني من زيادة مضطردة في السكان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهذه المخاطر تراكمت وباتت تهديداً للعيش في العاصمة المفتوحة قسراً للترييف، ما دفع المعنيين للتحذير من سياسة الأمانة التي لا يجدون فيها جدية لمعالجة خطر الانفجار السكاني، وعدم اعتمادها على خريطة طريق علمية رصينة لوقف الهدر في المدينة، لا سيما ظاهرة البناء العشوائي والتوسع الأفقي وأزمة نقص الماء الصالح للشرب مما أثار جدلاً واسعاً بين أهل بغداد، لا سيما المولودين والساكنين فيها، وسواهم ممن وفدوا إليها حديثاً، حتى أُتخمت بالوافدين إليها بحثاً عن موارد الرزق المفقودة في معظم المحافظات.

تغيرات سياحية شكلية

وعمدت "أمانة بغداد" وبلدياتها إلى تغيرات سياحية غير متوافقة مع تراث العاصمة، بطريقة وصفها المعماري ومخطط المدن المهندس تغلب الوائلي بأنها "ترقيعية"، مضيفاً "تجاهلت الأمانة الدراسات الكثيرة السابقة التي خلصت إلى مشاريع ودراسات تنسجم مع التنمية المتوازنة للنهوض بمستوى العمران والحياة في بغداد، فإعلان الأمانة عن مشروع تأهيل مركز المدينة التاريخية يدعونا إلى أن نحذر من سطحية التعامل مع المباني التاريخية في المنطقة، بموجب ما وردنا من تفاصيل ما يسمى المواصفات، ومن دون تفاصيل معلنة تثير علامات استفهام حول مدى شرعية أن تقوم بالمشروع جهة واحدة هي الممولة والمخططة والمصممة والمنفذة والمشرفة في آن واحد من دون رقابة، ولا أحد يعترض أو يناقش من الجهات العلمية المختصة. فأهل بغداد ليسوا أقلّ حرصاً على تراثهم من أهالي الموصل الذين دأبوا على مراقبة ترميم جامع النوري مع اليونسكو على سبيل المثال، فهذا المشروع الحيوي لبغداد يتطلب إصدار مواصفات جديدة وتفصيلية. من حقنا أن نطالب الأمانة، ومن واجبها أن تجيب المختصين الشركاء في مدينتهم، فهذه ليست أسرار دولة بل حقوق مواطنين، فالموروث العمراني أمانة والأمانة مسؤولة عن حفظها".

مركز المدينة التاريخي

وتابع الوائلي "هناك استهانة بأصول المهنة، كما في هذا المثال الصارخ حول العمل في المدينة التاريخية، وعلى طريقة تعامل الجهات التنفيذية مع الموروث التاريخي والعمراني سواء كانت هذه الجهة أمانة بغداد أو وزارة الثقافة التي تقف موقف المتفرجة، حتى دوائر الأوقاف التي تتصرف بأوقافها من دون مراعاة أية معايير، فمنذ عقود وموروثنا الحضاري يتعرض للاندثار بسبب ذلك، وقد آن الأوان لمتخذي القرار العمل على تقويم الوضع ووقف النزيف المستمر من خلال إجراءات محددة وصارمة، فالموروث الحضاري ليس بمقاولة تغيير أرصفة وصيانة واجهات من جني الأرباح كما يراها البعض، هي مسؤولية تاريخية ينبغي التصدي لها بعناية ومسؤولية".

 

هذا الحوار المستمر حول أزمات بغداد والصراع بين الجهة التنفيذية المتمثلة بأمانة بغداد، التي تقدر ممتلكاتها من مباني الدولة بين أربعة إلى خمسة مليارات دولار، وموروث لتأريخ طويل لا يقدر بثمن، من جهة، وبين المهندسين ومخططي المدن الاستشاريين، حوار محتدم يظل مفتوحاً طالما أن الأزمات تتعمق والحلول شكلية، فالمختصون يؤكدون أن شارع الرشيد مثلاً، متحف للعمارة البغدادية في القرن الـ20، لكنه أصبح شاهداً على ترديها في القرن الـ21، كما يرى ذلك تغلب الوائلي الذي يشن حملة علمية إصلاحية مع مجموعة حيوية من المهندسين ليعلّق جرس إنذار أمام مبنى الأمانة التي لا تكترث بما يقولونه ويتهمونها علناً بالفساد وتردي أدائها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات