Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخلل المغناطيسي... عندما تفقد الكرة الأرضية صوابها

الكوكب الأزرق على موعد مع انعكاس قطبي آخر ستكون له تبعاته على البشر والحجر وسيكون السبب في مزيد من التغيرات الإيكولوجية

المجال المغناطيسي للأرض هو عبارة عن التيارات الكهربائية داخل القلب الحديدي المنصهر للأرض جنباً إلى جنب مع الحركة الطبيعية (غيتي)

ملخص

الكوكب الأزرق على موعد مع انعكاس قطبي آخر ستكون له تبعاته على البشر والحجر وسيكون السبب في مزيد من التغيرات الإيكولوجية

ما الذي يحدث حول الكرة الأرضية في الفترة الأخيرة؟

تبدو من حولنا ظواهر غريبة أحياناً ومثيرة أحياناً أخرى، بعضها يشعر به الإنسان، والبعض الآخر تستشعره الحيوانات، بصورة أشد.

أما البشر فيشعرون بحالة من الصراع النفسي الداخلي، وبمواجهة بين رغبات الإقدام ودعوات الإحجام، وعلى الصعيد الجسماني ينتاب الجميع شعور بالإرهاق الدائم، مهما كان عدد ساعات نوم المرء، فيصحو وكأنه لم ينم أو يسترح، ومن يتعرض لوعكة صحية يجد أن أمدها أطول من العادة ولا تؤثر فيها الأدوية بشكل فعال.

عطفاً على ذلك، يقطع الأطباء بأن هناك مؤثرات خارجية باتت تتفاعل مع إفرازات الغدد الكظرية في جسم الإنسان، إضافة إلى الكورتيزول المسؤول عن تنظيم قدرة الجسد على مقاومة أتعاب المهام اليومية، فيما هرمون الأدرينالين يرتفع أخيراً بشكل غير مسبوق عند عشرات ملايين البشر، مما يعني أن هناك مخاوف داخلية غير ظاهرة للعيان، تؤدي بدورها إلى رفع منسوب السكر في الدم، وزيادة فرص العصبية والتوتر، مما يعزز الخلافات والصراعات بين الشخص ومحيطه، وهي حالة تنتقل أخيراً من الأفراد إلى الجماعات والدول.

أضف إلى ما تقدم أن هناك ظواهر تابعها العالم في الأشهر الماضية ولا تزال مستمرة، ترتبط بتصرفات الحيوانات في البر والبحر والجو، والتي نقلتها شاشات التلفزة العالمية، عبر السير أو الطير أو السباحة في حلقات دائرية.

وفي الأيام القليلة الماضية تابع العالم جيوش "صرصور الغيط" التي اجتاحت ولاية نيفادا الأميركية، وبأعداد مهولة.

وبالنظر إلى القارة الأوروبية، يجد المتابع الفئران تجتاح العاصمة الفرنسية باريس، وبموجات ضخمة، ولا تكتفي بالبقاء في المجارير، بل تهاجم المنازل.

وإذا ارتحلنا إلى أقصى الشرق حيث قارة أستراليا نجد الثعابين والعناكب تنتشر بالطرقات، وتتسلق جدران المنازل.

هل هناك خلل ما في كوكبنا الأزرق؟

أغلب الظن أن كهرومغناطيسية الكرة الأرضية يشوبها قلق وأرق، تستشعره كل الكائنات الحية، هذا الخلل يمكن أن يؤدي إلى اضطراب بيئي كبير، يقلب الموازين الأيديولوجية للأحياء، الأمر الذي يمكن أن يقود عما قريب إلى جعل أماكن بعينها فوق سطح الأرض غير صالحة للسكنى البشرية.

ما قصة المجال المغناطيسي المحيط بالكرة الأرضية، وما علاقته بالإنسان، وهل الأمر قدر مقدور أي لا بد من حدوث تغير في أقطاب الأرض كما حدث قبل آلاف السنين، وعديد من الأسئلة التي نحاول استكشاف أبعادها في هذه القراءة.

ما الذي نعنيه بالمجال المغناطيسي للأرض؟

باختصار غير مخل، ومن دون الإغراق في تفاصيل علمية، يعني المجال المغناطيسي للأرض، التيارات الكهربائية داخل القلب الحديدي المنصهر للأرض جنباً إلى جنب مع الحركة الطبيعية الناتجة من دوران الأرض والتي تؤدي إلى وجود مجال مغناطيسي.

ويذهب علماء الفيزياء إلى أنه من الممكن وصف الكرة الأرضية بأنها مغناطيس كبير ينبعث منه مجال مغناطيسي خاص بين قطبيه، يسمى الغلاف المغناطيسي، ويمتد في الفضاء لما يزيد على 36 ألف ميل.

هل من فائدة بعينها من هذا المجال المغناطيسي للبشر؟

ذلك كذلك قولاً وفعلاً، والبداية من عند وقايته للكرة الأرضية من الجسيمات المشحونة والإشعاعات المنبعثة من السطح الخارجي للشمس، وهي ما تعرف بالعواصف الشمسية التي لو وصلت للأرض لتسببت في أعطاب بالغة، وحال غياب المجال المغناطيسي ستصبح الأرض خلواً من الحماية الطبيعية في مواجهة تلك القوى الشمسية العاصفة والمدمرة.

أدرك البشر في وقت مبكر أهمية المجال المغناطيسي، على صعيد عديد من القطاعات المهمة في تسيير الحياة، فعلى سبيل المثال استخدم الصينيون في القرن الثاني عشر البوصلات لتحديد الاتجاهات. وفي عام 1699 صمم إدموند هالي أول خريطة لتستخدمها السفن أثناء إبحارها في المحيط الأطلسي. أدرك هالي أن المجال المغناطيسي يتغير باستمرار، ومن ثم اقترح وجود طبقة سائلة في مركز الأرض. وبالوصول إلى عام 1831 اكتشف جيمس كليرك روس القطب الشمالي المغناطيسي في كندا.

ولا يبدو المجال المغناطيسي للأرض شيئاً يمكننا رؤيته أو سماعه، لكن العلماء وجدوا طريقة لاستخدام الإشارات المغناطيسية للكوكب للتحكم في مجموعة من الأصوات، فقد تمت الاستعانة ببيانات من أقمار اصطناعية وجرى التعبير عن المجال المغناطيسي بشكل صوتي، فجاء الصوت مخيفاً بعض الشيء.

لكن وعلى رغم ذلك فقد كشف تقرير علمي أخير، نشره موقع METRO البريطاني في شهر مارس (آذار) من عام 2019، أن البشر يمتلكون "إحساساً مغناطيسياً" خفياً مشابهاً لإحساس عديد من الحيوانات، وهي الميزة التي ربما ساعدت أسلافنا في البيئات الصحراوية على التنقل من دون أن يضيعوا في الصحراء.

هل يعني ذلك أن جسم الإنسان، وتحديداً الدماغ، يحتوي على بوصلة ربانية موصولة بمغناطيسية الأرض؟

بعد سلسلة من التجارب على أكثر من 20 متطوعاً اكتشف العلماء عبر تسجيلات الدماغ الكهربائية استجابة خفية بدا أنها مضبوطة على المجال المغناطيسي لنصف الكرة الشمالي، حيث أجريت التجربة.

خلصت الدراسة إلى أن المجال المغناطيسي للأرض يمكن أن يستشعره الإنسان كما هو الحال في الطيور المهاجرة والسلاحف البحرية.

لكن لم يقدر لهؤلاء العلماء معرفة وقت تعرض المشاركين لتغيير المجالات المغناطيسية في أدمغتهم، الأمر الذي يظهر أن أبعاد العلاقة بين الإنسان والمجال المغناطيسي للأرض لا تزال غامضة، وفي حاجة إلى مزيد من الدراسات المعمقة.

هل تغير الأرض أقطابها المغناطيسية؟

من بين القصص والمرويات المثيرة، لا سيما في الأدب الشعبي والسمعي قصة انقلاب أقطاب الأرض، وظهور الشمس في الغرب، كعلامة على نهاية الحياة البشرية على الأرض.

يتساءل القارئ: هل لهذه القصة واقع من حقيقة في البعد الزمني المستقبلي؟

قبل الجواب عن المستقبل ربما يعن لنا العودة إلى الماضي والتساؤل عما جرى لتلك الأقطاب عبر التاريخ الماضي، لا سيما البعيد بنوع خاص.

في فبراير (شباط) من عام 2021 أظهرت دراسة جديدة أن انعكاس الأقطاب المغناطيسية للأرض مع الانهيار الموقت للمجال المغناطيسي للعالم قد حدث بالفعل قبل نحو 42 ألف عام، وربما كان هذا هو سبب التغيرات البيئية التي جرت بها المقادير فوق الكوكب الأزرق، وما صاحبها من عواصف شمسية أدت إلى انقراض إنسان نياندرتال أو الإنسان البدائي، وهو أحد أنواع جنس "هومو" الذي استوطن أوروبا وأجزاء من غرب آسيا، وكانت آخر سلالة له على الأرض في أوروبا منذ 24 ألف سنة.

الدراسة التي نحن بصددها قام عليها فريق من الباحثين من جامعة "نيو ساوث ويلز" في سيدني بأستراليا، وتشير إلى أنه قبل 42 ألف سنة حدث ما يعرف باسم رحلة "لاشامب"، وفيها انعكس القطبان الشمالي والجنوبي لنحو 800 عام قبل عودتهما إلى حالتهما الطبيعية.

الدراسة التي قام عليها الفريق العلمي تربط بين هذا الانقلاب من جهة، والتحولات المناخية الدراماتيكية التي أدت إلى تغير بيئي وانقراض جماعي من ناحية أخرى.

لكن كيف توصل فريق البحث العلمي إلى هذا الاكتشاف؟

المؤكد أن تحليل الحلقات الموجودة في أشجار الكوري النيوزيلندية القديمة، والتي حفظ بعضها في الرواسب لأكثر من 40 ألف عام، أمر ساعد في إنشاء قياس زمني يوضح كيفية تغير الغلاف الجوي للأرض مع مرور الوقت.

في هذا الصدد يقول البروفيسور كريس تورني الأستاذ في جامعة "نيوساوث ويلز"، والذي يشغل منصب مدير مركز أبحاث علوم الأرض والاستدامة بالجامعة والمؤلف الرئيس المشارك للدراسة، "باستخدام الأشجار القديمة يمكننا قياس وتأريخ الارتفاع في مستويات الكربون المشع في الغلاف الجوي الناجم عن انهيار المجال المغناطيسي للأرض".

وجد الباحثون في هذه الدراسة العلمية المتميزة كذلك أن الانعكاس الذي جرى للأقطاب المغناطيسية حول الكرة الأرضية، أدى إلى "تغير مناخي واضح"، وأظهرت نتائج العلماء أن الغطاء الجليدي ونمو الأنهار الجليدية في أميركا الشمالية والتحولات في أحزمة الرياح الرئيسة وأنظمة العواصف الاستوائية تعود إلى فترة انعكاس الأقطاب المغناطيسية، والتي أطلق عليها العلماء اسم "حدث آدامز".

ولعل قيمة هذه الدراسة العلمية أنها وضعت أيدي العلماء على كثير من أسرار تلك الفترة، فقد فسر "حدث آدامز" هذا عديداً من الألغاز المرتبطة بالتطور على سطح المعمورة، وفي مقدمتها قضية انقراض إنسان نياندرتال، والظهور المفاجئ للفن التشكيلي في الكهوف حول العالم.

هل كانت هذه الكهوف خير دليل على ما جرى للبشر من جراء تغير القطبية المغناطيسية للكرة الأرضية؟

ذلك كذلك، فقد أشار الباحث في متحف جنوب أستراليا آلان كوبر في بيان له إلى أن "الكهوف تعكس بصمات الأيدي ذات الملامح الحمراء إلى أنها كانت تستخدم للوقاية من أشعة الشمس، وهي تقنية لا تزال تستخدمها حتى اليوم بعض المجموعات البشرية".

ويضيف كوبر، وهو المؤلف الرئيس المشارك "تم الحفاظ على الصور المذهلة التي تم إنشاؤها في الكهوف خلال ذلك الوقت، بينما تآكلت أعمال فنية أخرى في المناطق المفتوحة، مما جعل الفن يبدو أنه ظهر فجأة منذ 42 ألف عام".

هل اليوم شبيه بالأمس، والكرة الأرضية على موعد مع تغير مشابه للأقطاب المغناطيسية للكرة الأرضية؟

حركة سريعة في القطب المغناطيسي الشمالي

خلال السنوات الأربع الماضية، ملأت الأرجاء أنباء عن تحركات سريعة تجري في القطب المغناطيسي الشمالي، الأمر الذي فتح الباب واسعاً للحديث عن انقلاب مغناطيسي جديد... هل من مزيد من التفاصيل؟

في أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2019 أصدرت المراكز الوطنية الأميركية للمعلومات البيئية والمسح الجيولوجي البريطاني النسخة المحدثة من "النموذج المغناطيسي للعالم".

المثير في الأمر أن هذا الإصدار جاء قبل موعده المقرر بنحو عام، منبهاً إلى خطب جلل وهو تحرك المجال المغناطيسي الشمالي للأرض من مكانه نحو سيبيريا بسرعة شديدة في ظروف غامضة.

ووفقاً لموقع إدارة المحيطات والغلاف الجوي "نوا" الذي نشر النموذج المغناطيسي الجديد، فقد عرف العلماء منذ مدة طويلة أن موقع القطب الشمالي المغناطيسي لكوكب الأرض لا يتطابق تماماً مع قطبها الشمالي على خريطة العالم، لكنهم رصدوا انتقال المجال المغناطيسي من مكانه مسافة 2250 كيلومتراً، في ظاهرة محيرة لم تحدث منذ اكتشافه لأول مرة عام 1831.

ما أدهش العلماء بنوع خاص هو وتيرة تحرك القطب الشمالي المغناطيسي المتزايدة ولأول مرة في تاريخه نحو سيبيريا الروسية، حتى إنه تخطى غرينيتش.

هل من أصوات أخرى تناقلت نفس الأخبار الغريبة والعجيبة من غير مقدرة علمية على التفسير بشكل واضح؟

بعد نحو عامين من الحدث المتقدم خرجت علينا مجلة Science الأميركية الشهيرة بورقة بحثية يشير فيها الخبراء إلى الأمر ذاته، وعندهم أن هناك حركة سريعة للقطب المغناطيسي الشمالي عبر نصف الكرة الشمالي في الوقت الحالي، مما قد يشير مستقبلاً إلى انقلاب مغناطيسي آخر قادم على سطح الكوكب.

توضح الورقة العلمية للمجلة الأميركية الشهيرة أن هذه السرعة مع ضعف المجال المغناطيسي للأرض بنحو 90 في المئة في الـ170 سنة الماضية، أمر يقطع بحدوث انعكاس قادم لا محالة.

وبحسب الاختصاصي الجيومغناطيسي البريطاني سياران بيجان وفي تصريحاته لصحيفة "فايننشال تايمز"، فإن القطب المغناطيسي الشمالي للأرض، الذي كان يتحرك بسرعة أكبر من المتوقع في السنوات الأخيرة، قد تجاوز الآن خط الطول الرئيس، حيث إن الشمال المغناطيسي يتباعد عن موضعه السابق في القطب الشمالي باتجاه سيبيريا بمعدل 55 كيلومتراً سنوياً على مدى العقدين الماضيين.

يضيف بيجان "نحن لا نعرف حقاً كثيراً عن التغيرات الجوهرية التي تتحكم في هذا الأمر، في حين أنه لا يمكن للباحثين شرح التذبذبات الأساسية التي تؤثر في التململ الشديد للقطب الشمالي، إلا أنهم يستطيعون تعيين المجال المغناطيسي للأرض وحساب معدل التغيير مع مرور الوقت، مما يساعدنا على التنبؤ بكيفية توزيعه في المستقبل".

هل الانقلاب المغناطيسي قادم لا محالة؟

يبدو الجواب واضحاً على رغم كارثيته، ففي مارس الماضي أعلنت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أنها تراقب بنشاط شذوذاً غريباً في المجال المغناطيسي للأرض، إذ تمتد منطقة عملاقة ذات كثافة مغناطيسية منخفضة في السماء فوق الكوكب، بين أميركا الجنوبية وجنوب غربي أفريقيا، هذه الظاهرة الواسعة والمتنامية التي تسمى "شذوذ جنوب الأطلسي" أثارت اهتمام العلماء لسنوات.

في يوليو (تموز) 2020 أظهرت دراسة نشرت في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" أن التغيرات التي تحدث في اتجاه المجال المغناطيسي للأرض، ووصلت إلى معدلات أكبر بما يصل إلى 10 مرات من أسرع التغيرات المبلغ عنها حالياً، والتي تصل إلى درجة واحدة في السنة، سببها الرئيس هو ضعف المجال المغناطيسي للكرة الأرضية.

ماذا يعني هذا؟

مؤكد أنه يفيد بأن هذه التغيرات قد حدثت بشكل عام حول الأوقات التي عكس فيها المجال قطبيته، أو أثناء الانحرافات المغناطيسية الأرضية عندما يتحرك المحور ثنائي القطبية المقابل لخطوط المجال التي تنبثق من قطب مغناطيسي وتتقارب عند الآخر، بعيداً من مواقع الشمال والجنوب للأقطاب الجغرافية الأرضية.

الدراسة المتقدمة قام عليها الدكتور كريس ديفيز الأستاذ المساعد بجامعة ليدز، والأستاذة كاثرين كونستابل من معهد سكربيس لعلوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا، وذلك عبر أسلوب جمع بين المحاكاة الحاسوبية لعملية توليد المجال المغناطيسي، وإعادة بناء التغيرات الزمنية في المجال المغناطيسي للأرض، والتي تمتد على مدى 100 ألف عام الماضية.

لم تكن هذه هي الدراسة الوحيدة أيضاً في هذا المجال، فقد أفادت دراسة حديثة نشرت بمجلة "ساينس أدفانسز" بأن الانعكاس الأحدث في المجال المغناطيسي للأرض حدث قبل 770 ألف سنة، واستغرق ما لا يقل عن 22 ألف سنة حتى يكتمل.

والشاهد أنه مهما يكن من أمر وقوع الانقلاب، والذي يبدو وارداً لا محالة، فإنه يبقى التساؤل المخيف: ماذا عن الأضرار التي قد تتعرض لها الكرة الأرضية من جراء العواصف الشمسية والتي ستخترق جدار الأرض، من غير مانع ولا عائق من المجال المغناطيسي الذي يحمي كوكبنا في حاضرات أيامنا، ومنذ آلاف السنين؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العواصف الشمسية وغياب المجال المغناطيسي

من المعروف أنه تنطلق من الشمس باستمرار أشعة بسرعة 400 كيلومتر في الثانية، هذه الأشعة تكاد تعصف بالكرة الأرضية، وعادة ما تكون قوة ضغط الرياح الشمسية وضغط الغلاف المغناطيسي للأرض متساويين.

حين تحصل في الشمس توهجات تزداد سرعة الرياح الشمسية ويختل توازن الضغط، حيث يبدو أن ضغط الغلاف المغناطيسي على الأرض قد ازداد، مما يؤدي إلى تغير قوة التيارات.

يطلق على هذه التغيرات "عاصفة شمسية"، وقد أظهرت نتائج بعض الدراسات أنه في فترة العواصف المغناطيسية تزداد الوفيات وحالات احتشاء عضلة القلب والجلطة الدماغية بحدود 20 في المئة، وهذه مجرد بيانات إحصائية لذلك من الصعب تقدير تأثير عاصفة مغناطيسية محددة في صحة الإنسان.

غير أن يلينا تيخوميروفا من معهد بحوث الفضاء التابع لأكاديمية العلوم الروسية ترى أنه يجب على الأشخاص الذين يعانون ارتفاع مستوى ضغط الدم في أيام العواصف المغناطيسية الإكثار من شرب الماء والتقليل من استهلاك الملح، لأن الملح يحبس السوائل في الجسم ويسبب ارتفاع مستوى ضغط الدم.

سوف يؤدي ضعف المجال المغناطيسي للكرة الأرضية إلى اختلالات جوهرية في الأنظمة التكنولوجية الموجودة على متن الأقمار الاصطناعية، ويمكن أن تتعطل حال اصطدامها ببروتونات عالية الطاقة تنبعث من الشمس، وحال حدوث الانقلاب المغناطيسي المتوقع ستكون العواقب وخيمة على المجتمع الحديث، حيث سيدمر الإشعاع الكوني القادم شبكات الطاقة الكهربائية فوق سطح الأرض، وليس فقط شبكات الأقمار الاصطناعية.

على أن التساؤل الأكثر إثارة: ماذا ستكون تأثيرات هذا الانقلاب على حالة المناخ على سطح الكرة الأرضية، وهل ما شهدته منذ أكثر من أربعين ألف سنة من رياح عاصفة وفيضانات، وربما تساقط شهب ونيازك، وغيرها من العلامات التي سجلتها حضارات إنسانية غابرة، لا سيما حضارات الكهوف ستتكرر مرة أخرى؟

عند العلماء الذين عملوا على التقرير العلمي السابق الإشارة إليه، والمعروف باسم "حدث آدامز"، أن "انعكاس القطب المغناطيسي أو التغيير الشديد في نشاط الشمس سيكون من العوامل المسببة لتغير المناخ بشكل غير مسبوق، ولهذا فإن البشرية في حاجة ماسة إلى خفض انبعاثات الكربون قبل وقوع مثل هذا الحدث العشوائي مرة أخرى، وتهديد النوع الإنساني، كما سبق وتهددته عوامل الأرض المغناطيسية من قبل".

والثابت أنه على رغم أن بعض العلماء يحاولون التخفيف من المخاوف المتعلقة بالانعكاس القطبي المحتمل، مثل "مارتن آرتشر"، عالم فيزياء البلازما الفضائية بجامعة "كوين ماري" في لندن، الذي يرى أنه على المدى الطويل لن يكون الأمر كارثياً، فإنه وفي الوقت نفسه يقطع بأن الأرض يمكن أن تتعرض لجرعة إشعاعية كبيرة وخطرة، من غير الممكن التنبؤ معها بمآلات الحضارة المعاصرة.

في هذا السياق يمكن للمرء أن يتفهم لماذا تركز أكبر وكالة فضاء في العالم (ناسا)، جل جهودها لمراقبة ما يحدث من تغيرات مغناطيسية هائلة، سواء عبر متابعة لصيقة لتغيرات جوف الأرض، أو أعالي السماء، في محاولة لتحذير الناس ورفع الالتباس.

وفي الخلاصة، فإن هذه التغيرات الدراماتيكية، ومستويات الأشعة فوق البنفسجية العالية غير المسبوقة هي التي أنتجت لنا ما يعرف بـ"حضارة الكهوف"، فهل يجدي البحث العلمي في داخلها عن معرفة مزيد من قصة الانقلاب المغناطيسي للتجهز له في عالم لا يمكنه العودة للحياة فيها مرة جديدة؟

المزيد من تحقيقات ومطولات