Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محمل الحج الشامي... طريق "الزيت والشمع" بين دمشق ومكة

طقوس المسيرة تبدأ بعد عيد الفطر ورحلة الجمال تستغرق 4 أشهر

محمل الحج الشامي كان يمر في طريقه بأحياء وأسوار مدينة دمشق قبل انطلاقه برحلة الحج (اندبندنت عربية)

ملخص

بدأت حكاية محمل الحج الشامي بتجمع قوافل الحجيج في مدينة دمشق حيث تلتقي قوافل المسلمين من آسيا وجنوب أوروبا قبل أن تنطلق إلى الأراضي المقدسة

من نافذة الطائرة يمكن لقاصدي مكة والمشاعر المقدسة رؤية الصحارى والوديان وهي تطويها أكثر وسائل النقل تطوراً. لن يشعر الحجيج وسط عمل أجهزة تكييف توفر مزيداً من الراحة والاسترخاء لهم بمرور الوقت أو حرارة الطقس، متجاوزين إلى حد شاسع مشقة السفر وأهواله، فليس عليهم سوى الصبر لسويعات قليلة تفصلهم عن مقصدهم نحو أداء مناسك الحج.

في دمشق ومع نبش ذاكرة المدينة وذكرياتها مع رحلة الحج لن يبدو السفر كما عليه قبل قرن مضى، حين كانت الجمال والبغال الوسائل المتاحة والوحيدة للسفر، ومعها ولد "محمل الحج الشامي"، لتستغرق الرحلة قرابة أربعة أشهر متواصلة ذهاباً وإياباً.

بدأت حكاية "محمل الحج" عندما كانت تتجمع قوافل الحج في مدينة دمشق، جنوب سوريا، حيث تلتقي قوافل المسلمين الواصلة من آسيا وجنوب أوروبا لتلتقي بالمحمل الشامي، وحين تكتمل القوافل تنطلق بقافلة واحدة إلى مكة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتروي المتخصصة السورية في الشؤون التراثية نجلاء الخضراء لـ"اندبندنت عربية" تفاصيل الطقس التراثي الدفين في أعماق ذكريات العاصمة دمشق، وما له من مكانة لدى أهل الشام، حيث تبدأ مراسم محمل الحج من اليوم الأول لعيد الفطر باسم مراسم أطلق عليها "الزيت والشمع" تصطف الفرق العسكرية أمام المسجد الأموي ووسط الاحتفال يخرج الدمشقيون ماء الورد والزيت والشموع للمحمل، وينقل الشمع من الدار التي سكب بها في حي شهير باسم "كفر سوسة" مع ماء الورد من بساتين "المزة"، وقد تحولت اليوم إلى أحد أشهر أحياء دمشق السكنية، كما يخرج المحتفلون أغراض كالملبس المحشو بالجوز (حلوى)، ويحمل اسم يوم (الشمع) بعد لف الشموع بالشال الكشميري ليقدم كهدية إلى الحرمين.

وتضيف الخضراء أنه وفق المصادر التاريخية يتلو يوم (الشمع)، اليوم الثالث من شوال يسمى (السنجق) والمقصود بها الراية أو اللواء، ويخرج باحتفال مهيب إلى دائرة المشيرية ليوضع في قصر المشير، أما اليوم الرابع فهو يوم (المحمل) ويطوف بأحياء دمشق، وقتذاك، بداية من حي الميدان وباب نصر وقرية القدم، وصولاً إلى جامع العسالي، ويوضع تحت قبته 10 أيام ريثما يتم تجمع الحجيج. وتقول "أعداد كبيرة كانت تفيض إلى دمشق للالتحاق بمحمل الحج، وكان يطلق على الوافدين من خارج الشام بالروم أو العجم، ويبدأ التجمع بدمشق قبل بضعة أشهر من انطلاق المحمل، ومنهم من كان يصل بعد شهر رمضان، وينزلون إلى زوايا خاصة بهم تسمى بأسمائهم، مثل زاوية المغاربة والهنود الموجودة بمحلة السويقية، والسنود والموصليين، وغيرها".

رحلة المحمل

في غضون ذلك، يقدر عدد الحجيج ضمن محمل الحج بين 20 و40 ألف حاج، وكان يتزايد بحسب الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى الطبيعية بزيادة العدد أو نقصانه. وثمة مشاركة واسعة لمهنيين أو فئات اجتماعية تحرص على تلبية حاجات الحجيج، منها عائلة سعد الدين، وهي أكثر العائلات ارتباطاً بمحامل الحج وفق ما تصف "الخضراء"، ولعل منزل العائلة كان وقتها محطة مهمة للمحمل الشريف بالذهاب والإياب.

 

 

وتمضي نجلاء الخضراء في حديثها قائلة "يوضع المحمل على جمل يخرج من عند آل سعد الدين، وهو جمل ذو مظهر جميل، ولا يستخدم لأية أعمال إلا للحج، ومن الفئات الأخرى التي تعمل على السهر وخدمة الحجيج وراحتهم وحمايتهم (السقاة) يحملون قرب المياه من الأنهار والآبار والبرك، وكذلك (البراكون) الذين ينقلون الحجيج من طريق البغال وغيرها من وسائل النقل، علاوة على ما يسمى (العكامة) أصحاب الجمال والهوادج وأصحاب المشاعل الذين يحملون القناديل ومشاعل الزيت، وأصحاب الخيام، وغيرهم".

المحمل بالأبيض والأسود

محمل الحج المحمول على ظهر الجمل وبكل تفاصيله وطقوسه الدمشقية المحفورة بذاكرة المدينة ظل على رغم اندثاره مصدر إلهام للأدباء والكتاب والروائيين حتى استقى صناع الدراما ذات البيئة الشامية رحلة الحجيج، ووثقت خلالها الدراما السورية هذا الطقس الغارق بالقدم.

هنا يحكي المؤرخ أحمد حلمي العلاف في كتابه "دمشق في مطلع القرن العشرين" إلى تحمل الدولة العثمانية في عهدها لكلفة الحج وتعهد إمارته لواحد من كبار العسكريين في دمشق أو زعماء العشائر العربية في فلسطين، ويهيأ الأمير للخروج بالحج قبل حلول الموسم بثلاثة أشهر يزور بها المناطق الجنوبية من دمشق لجمع المال اللازم، وهي مهمة صعبة وخطرة لأنه من واجباته أن يدفع عن الحجاج اعتداءات القبائل التي تنوي بهم شراً.

 

 

وكتب المؤرخ العلاف حول مسير المحمل "كان أمير الحج يخرج من سرايا الحكم، أو تسمى المشيرية، على رأس موكب الحج بين 15 و17 شوال، ويتخذ طريق الميدان نحو باب مصلى، مروراً ببوابة مصر إلى قرية المزيريب، وبعد خروج المحمل من يومين إلى خمسة أيام يتلوه قافلة الحج الحلبي، ومعهم حجاج العجم، حتى تجتمع جميع القوافل وتسير بموكب واحد، وتستغرق من شهر شوال إلى صفر".

طريق العودة

وبعد أداء مناسك الحج يخرج أهل دمشق مهللين مكبرين ويصطفون على جوانب الطرق من بوابة مصر بالعسالي حتى جدار الحكومة مكان القصر العدلي اليوم. وتشير المتخصصة نجلاء الخضراء إلى إطلاق مدفعية قلعة دمشق 20 طلقة، ويمر المحمل بدار سعد الدين ويقف الجمل ويطعمونه اللوز والسكر "وتزدان البيوت بالزينة على الأبواب والجدران، ويقدم الحجاج الهدايا من ماء زمزم أو المسابح أو سجاجيد الصلاة أو الحناء، أو أية هدايا تذكارية من مكة أو المدينة المنورة".

وتسرد أن رحلة المحمل تستغرق 40 يوماً من دمشق إلى المدينة المنورة، وعشرة أيام من المدينة إلى مكة و20 في الأقل بقضاء المناسك وزيارة قبر النبي، وكان يقضي الحاج 50 يوماً.

وتختتم حديثها بالقول "عندما طورت المواصلات مدت خط حديدي لتأمين راحة الحجاج من دمشق إلى الحجاز، وفرض إعانة (ريال واحد) فقط كأجر للطريق آنذاك، وتوقف الخط عن العمل في نهاية الحرب العالمية الثانية بسبب أعمال التخريب، وفي العقد الثامن من القرن العشرين استخدمت الحافلات ولم تكن الطرق معبدة، وواجه الحجاج معها مصاعب حتى العقد التاسع من القرن العشرين، ثم استخدمت الطائرات".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير