Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودانيون أنهكتهم الحرب وتلاحقهم عيون "المرشدين"

جواسيس الأحياء يتعاونون مع أطراف الصراع وبائعات الشاي يشاركن في السلب والنهب

هواجس الجاسوسية تسيطر على السودانيين عند مشاهدة أي شخص يتحدث مع جندي من أحد طرفي الصراع (أ ف ب)

ملخص

بائعات الشاي داخل الأحياء السكنية في الخرطوم اكتسبن أهمية كبيرة في الحرب السودانية.. تعرف عليها

ظهرت بعض اللفتات الإنسانية الملهمة في الحرب السودانية من خلال استنهاض قيم التضامن والإيثار في المجتمع السوداني باحتضان المواطنين للفارين من مناطق الصراع وتقاسم المأوى والمأكل والحياة المعيشية معهم، لكن في الوقت نفسه هيمن على العائلات هواجس وشكوك حول وجود عيون لقوات "الدعم السريع" داخل الأحياء ترشدهم لمنازل بعينها وأشخاص يستهدفونهم.

فوبيا الجاسوسية

وفي إطار دوامة الهواجس والشكوك المتبادلة في ما يشبه فوبيا "الجاسوسية" التي تنتاب الجميع، يتعامل أفراد قوات "الدعم السريع" بحساسية مفرطة مع أي تجمع شبابي على الشوارع الرئيسة أو الفرعية خوفاً من أن يكونوا عملاء من الاستخبارات العسكرية التابعة لـ "الجيش السوداني".

ويتجمع الشباب عند مداخل ومخارج الأحياء لحمايتها خوفاً من انتشار اللصوص وعصابات السرقة، في حين يستعين أفراد الدعم السريع بمحترفين للاستيلاء على منازل وممتلكات المواطنين، إذ شوهدت مجموعة منهم يصطحبون فنيين في الميكانيكا لمساعدتهم في صيانة بعض السيارات وإعادة تشغيلها، وهي التي عطلها أصحابها مخافة سرقتها.

وتتداول وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع الماضية عشرات القصص والحكايات ممن فروا من منازلهم أو طردوا منها عنوة بواسطة قوات "الدعم السريع"، مع التأكيد بأن ثمة عصابات من المنفلتين والمجرمين تتحالف سراً مع أولئك الجنود ويتبعونهم.

حكايات جواسيس

ويتناول بعض منهم أحاديث عن أشخاص (نساء ورجال) يتعاونون مع قوات "الدعم السريع"، بل إن بعضهم شوهد مرتدياً لباسهم العسكري، على رغم عملهم داخل الأحياء قبل اندلاع الحرب كحراس وخفراء بالبيوت والمساجد أو المتاجر، وكذلك بائعات الشاي في الشوارع.

في السياق تروي المواطنة (ر . م . ا) من سكان حي كافوري أنها شاهدت بائعة شاي تدخل البيوت مع قوات الدعم الشريع، على رغم أنها كانت ترابط أمام منزلها لفترة طويلة قبل الحرب، موضحة أنه بسؤالها عن سبب مساعدتها لهم أخبرتها أنها تدخل معهم "مكرهة" لتطبخ لهم، وأنها اقتحموا أحد المنازل ويحتفظون بعدد من الجرحى داخله.

وتابعت المواطنة حديثها عن بائعة الشاي قائلة "أخبرتني أنها شاهدت جميع محتويات المنزل مبعثرة على الأرض، وأن الجنود أخرجوا كل الأدوات الكهربائية من تليفزيونات وثلاجات وحزموها في الصالة تمهيداً لترحيلها إلى مكان ما".

واستبعدت المواطنة السودانية أن تكون بائعة الشاي "مكرهة" على دخول المنزل والطهي وتحضير الوجبات لجنود "الدعم السريع"، لافتة إلى أنها تشعر أن هناك نوعاً من التعاون مع القوات، وهو ما يعتبر غطاء قوياً لها لسرقة ما تريده من البيوت.

قصص كثيرة جرى تداولها عن دور وتعاون بائعات الشاي بالشوارع مع جنود "الدعم السريع"، وتزويدهم بمعلومات عن سكان الأحياء والمناطق اللاتي يعملن بها، ففي تسجيل صوتي لأحد أصحاب المنازل بحي المزاد ببحري، روى كيف أنه رجع إلى منزله الذي غادره بعد احتدام المعارك لأخذ بعض المستندات والأوراق المهمة الخاصة بأفراد أسرته، لكنه فوجئ باحتلال الجنود لبيته، غير أنه لاحظ وهو بالداخل أن بائعة الشاي التي كانت تعمل في الحي منهمكة في إعداد الطعام لهم داخل مطبخ منزله.

 وأشار صاحب التسجيل إلى أنه شاهد بعض أفراد "الدعم السريع" منهمكون في كسر خزانته الخاصة به من دون أن يتوقفوا عند دخوله، ولم يخف الرجل شعوره المرير بالقهر وخيانة بائعة الشاي أيضاً.

عيون ومرشدين

رسائل متبادلة عدة على وسائل التواصل لمواطنين وشباب داخل الأحياء والمناطق التي تستباح تؤكد أن جنود الدعم السريع يستغلون ساعات ولحظات كل هدنة ليمارسوا نوعاً آخر من الحرب، يتسربون خلالها في مجموعات صغيرة تضم ما بين فردين أو ثلاثة إلى داخل الأحياء ليقوموا بترويع السكان بهدف تشريدهم من منازلهم ومن ثم احتلاها ونهبها.

تحض رسائل التواصل الاجتماعي الناس على حراسة مناطقهم وأحيائهم وعدم الابتعاد عنها، مع التركيز على الوجود في الشوارع الرئيسة، والمداخل في شكل تجمعات كبيرة كأسلوب يسهم في منع أفراد "الدعم السريع" من التسلل والتوغل داخلها وصولاً إلى البيوت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتنوه الرسائل بوجود متعاونين وجواسيس أغلبهم من مدمني تعاطي "الأيس" والمخدرات يمدون أفراد الدعم السريع بالمعلومات عن أماكن وجود السيارات أو البيوت الفارغة، وكذلك منازل الأغنياء داخل الأحياء، كما أنهم يترصدون أبناء الحي وتصرفاتهم ورد فعلهم والوشاية بهم، بما في ذلك بعض النساء المتجولات في الشوارع الداخلية بادعاءات مختلفة كالبحث عن العمل أو المساعدة مخافة أن يكن مصادراً لجمع المعلومات عن أحوال الحي.

على نحو متصل أشار (ص. م. أ) من منطقة أم درمان (أبو سعد المربعات) إلى وجود مرشدين يعملون مع جنود "الدعم السريع" ويزودونهم بالمعلومات قائلاً "فوجئنا بوصول مسلحين تابعين لهم تتقدمهم سيارة (عربة) مظللة تقوم بدور المرشد، إلى أحد الشوارع الفرعية في الحي، لكنها توقفت عند مدخل الشارع، بينما تقدم إلينا المسلحون يسألون عن منازل بالاسم (فلان وفلان وفلان)"، لافتاً إلى أن جميع البيوت التي سألوا عنها داخلها سيارات، ثم بدأوا دهم تلك المنازل وترهيب سكانها للحصول على مفاتيح سياراتهم".

وتابع القول "ألجمتنا الدهشة بسؤالهم عن أولئك الأشخاص بالاسم من أين لهم أسمائهم ومواقع منازلهم التي حضروا إليها مباشرة، وقاموا بمصادرة سلاح شخصي من أحدهم، وهشموا وحملوا ما استطاعوا بما في ذلك عبوات جازولين، لكن ولحسن الحظ لم يتأذ أحد من السكان".

عقاب فوري

في الخرطوم بحري (الحلفايا) روى لنا المحامي (ش. ع .ا) أنه شاهد مداهمة حية لمسلحين في عدد من المباني والشقق بشكل انتقائي على رغم وجود سكانها داخلها، من دون المساس ببعض المنازل والشقق المجاورة وبدا واضحاً أنهم جاءوا مستهدفين منازل بعينها بناء على معلومات مسبقة.

وغير بعيد ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي عن انفجار مصنع للعطور بالمنطقة الصناعية بأم درمان أثناء محاولة اللصوص نهبه، فأدى ذلك إلى وفاة أكثر من 120 شخصاً من النساء والرجال والشباب الذين اقتحموا المصنع بغرض السرقة، إذ تفحمت جثثهم تماماً، بسبب إشعال "سيجارة" من أحدهم أمام مستودع مادة الكحول (السبيرتو) التي تستخدم في صناعة وتركيب العطور، وعبر المتداخلون عن أملهم في أن تكون هذه الحادثة عظة للصوص والنهابين.

في المقابل دعت مقاطع صوتية منسوبة لبعض أفراد "الدعم السريع" إلى تفتيش وتأديب شباب الأحياء الذين يقوم بـ"تتريس الشوارع" أي إغلاقها، وتتهمهم بأنهم استخبارات للجيش خصوصاً من يتجمعون في الشوارع الرئيسة، وتوعدت التسجيلات شباب أحياء بعينها لأنهم يرشدون قوات الجيش عن أماكن وجودهم.

إثر تداول معلومات حول عمليات نهب وسطو تعرضت لها أحياء أبو روف أدت إلى مقتل أحد الشباب دفاعاً عن ممتلكاته، أصدرت قوات "الدعم السريع" تنويهاً على موقعها الإلكتروني ووسائل التواصل تنفي فيه وجود أي جنود تابعين لها في تلك المناطق من أم درمان.

وفي التنويه اتهمت قوات "الدعم السريع" من سمتهم "الانقلابيين وفلول النظام البائد المتطرفين، بنقل عناصر تابعة لهم في زي قواتهم ونشرهم في تلك المناطق بغرض إثارة الفوضى والقيام بعمليات تخريب لإلصاق التهمة بهم من أجل استعادة نظامهم المستبد".

بيئة خصبة

في السياق أوضح المحلل الأمني بمركز الدراسات الاستراتيجية اللواء أمين إسماعيل مجذوب  أن ظهور عصابات النهب والسرقة وتحالفاتها أمر متوقع في ظل الحروب التي تعتبر بالنسبة إليهم مرتعاً وبيئة خصبة لممارسة أنشطتهم الإجرامية، بخاصة في ظل الانفلات الأمني.

ولفت مجذوب إلى أن الخرطوم تضم مجموعات من النازحين السابقين والطبقات الفقيرة في بعض الأحياء الطرفية المعدمة، تشكل حزاماً طرفياً يحيط بمدن العاصمة الثلاث، إلى جانب المجموعات الإجرامية التي خرجت من السجون كان بعضهم يقضي عقوبات بأحكام سجن طويلة ولهم سجلات إجرامية طويلة في السلب والنهب .

وأوضح المحلل الأمني أن معظم عمليات النهب التي تمت بالأحياء وغيرها حتى البنوك والمؤسسات كانت مبادرة الكسر والتهجم تبدأ بواسطة قوات "الدعم السريع" المتمردة ثم تتبعها العصابات لتجهز على الفتات المتبقي، معتبراً أن عملية كسر وإفراغ السجون كانت واحدة من أكبر الأخطاء التي سمحت بخروج عتاة المجرمين وهم من دون وسائل لكسب العيش، مشيراً إلى أنه من المواضيع المهمة التي يجب معالجتها على الفور بعد توقف الحرب ضمن خطط إعادة بسط الأمن والاستقرار.

دور الشرطة

وأضاف مجذوب أن الشرطة في حال الحروب والنزاعات المسلحة العميقة التي تستخدم فيها الأسلحة الثقيلة كالمدافع والطائرات لا يكون لها دور واضح، ولا يمكن مقارنة الوضع الحالي لتلك الأجهزة الأمنية بما كان عليه وضعها في النظام السابق الذي أنشأ وحدات مقاتلة للأجهزة الشرطية.

وأشار المحلل الأمني إلى أنه في ظل الحروب غالباً ما توضع الأجهزة الأمنية تحت مظلة القوات المسلحة، وبالتالي فإن الشرطة الآن تعمل تحت إمرة الجيش وتنشر عند الحاجة، باعتبار أن مسؤوليتها ليست المشاركة في القتال بل الاضطلاع بالأعمال الجنائية، معتبراً أن محاولة تسليح الشباب بغرض الحماية الذاتية لمناطقهم وبشكل غير مقنن وغير متحكم فيه، قد يؤدي إلى أضرار أكثر من المنافع ويشكل تهديدات إضافية عليهم وعلى الأحياء نفسها.

من جانبها أطلقت وزارة الداخلية السودانية منصة إلكترونية تتيح لقوات الشرطة تلقي البلاغات عن الجرائم في جميع أنحاء البلاد إبان حرب ردع ميليشيات الدعم السريع المتمردة.

ومنذ بدء معارك الخرطوم والحرب التي اشتعلت بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، طاولت عمليات النهب كل شيء في العاصمة الخرطوم من البنوك والأسواق والمتاجر، وكذلك نهبت السيارات والأموال والحلي والمجوهرات، وطاول النهب كبرى الشركات والمصانع، وحي السفارات ومقار ومنازل البعثات الدبلوماسية الأجنبية.

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة