حذّر عالم من جامعة كامبريدج من أنّ "تحلّل" الطبقة الجليدية في جرينلاند يطرح خطر ارتفاع مستوى مياه البحار ويهدّد المدن الساحليّة عالميّاً.
وذكر بيتر وادهامز، بروفيسور في فيزياء المحيطات ورئيس "مجموعة فيزياء المحيط القطبي" في جامعة كامبريدج أنّه رصد تغييراتٍ جذرية مباشرة في الظروف المناخية عند القطب الشمالي.
وعمل العالِم البالغ من العمر 71 عاماً الذي قاد 55 بعثة إلى تلك المنطقة خلال مسيرته المهنية، على مقارنة تدفّق المياه الناتج عن ذوبان الجليد مع شلالات نياغارا بالترافق مع اختفاء الجليد في المنطقة.
وتحدّث وادهامز إلى مجموعة "برس أسوسييشن" من موقعٍ قرب مستوطنة "كانجرلوسواك" في القسم الجنوبي الغربي من جرينلاند قائلاً أنّ المنطقة شهدت "تغييراتٍ هائلة" منذ زيارته الأخيرة قبل خمس سنوات. وأضاف، "من المؤكّد أنّ ما يحدث الآن يتمثّل في تسارع معدّل فقدان الجليد أكثر من كل الأوقات السابقة".
وأردف وادهامز، "يعتمد معدّل ارتفاع مستوى البحار عالمياً بشكلٍ كامل الآن على فقدان الطبقة الجليدية في جرينلاند، وسيكون ذلك سريعاً للغاية. عندما كنت هناك للمرة الأولى منذ 30 عاماً، لم أرصد حدوث ذوبان في الطبقة الجليدية في جرينلاند حتّى خلال فصل الصيف."
وكذلك ذكر البروفسور الذي زار القطب الشمالي عام 1969 أنّ ذوبان الجليد انتقل من الأطراف المنخفضة في الطبقة الجليدية في جرينلاند، إلى سطحها في الوسط، مضيفاً أنّها "تتدفّق كأنها شلالات نياغارا من نوع ما، عبر ثقوب في الغطاء الجليدي كلّه."
وأتت تعليقاته بعد أن سجّلت درجات الحرارة مستوياتٍ قياسيّة ضربت العالم خلال الشهور الماضية.
وبحسب "المنظمة العالمية للأرصاد الجوية"، كان شهر يوليو (تموز) 2019 مساوياً (وربما تجاوز) الرقم القياسي لأكثر الأشهر قيظاً في التاريخ. وجاء ذلك عقب صدور بياناتٍ تظهر بأنّ العالم قد شهد شهر يونيو (حزيران) الأشد حرارة تاريخيّاً على الإطلاق. وسجّلت كلّ من بلجيكا وألمانيا ولوكسمبورغ وهولندا والمملكة المتحدة معدلاتٍ قياسيّة جديدة في درجات الحرارة في 25 يوليو (تموز) الماضي.
وفي سياق مشابه، أورد "مكتب الأرصاد الجوية" في المملكة المتحدة أنّه سجّل درجة حرارة قياسية بلغت 38,7 درجات مئوية في حديقة جامعة كامبريدج النباتيّة، ما يشكّل أعلى درجات حرارة تُسجّل رسمياً في المملكة المتحدة. وكذلك اندلعت حرائق الغابات في مناطق سيبيريا في روسيا خلال شهر يوليو المنصرم، وشوهدت أعمدة الدخان من الجوّ.
في تطوّر متصل، أورد "المركز الوطني الأميركي لبيانات الثلوج والجليد"، حدوث تطابق بين معدّلات فقدان المساحة الجليدية في القطب الشمالي خلال النصف الأول من يوليو 2019، وبين تلك التي سُجّلت في 2012 الذي رُصِدَ فيه أدنى مستوى من مساحة الجليد البحري في سجّل الأقمار الاصطناعية لدرجات الحرارة في سبتمبر (أيلول).
وفي سياق تعليق مفصّل، أورد وادهامز أنّ 300 كيلومتر مكعّب من الجليد يزول من الطبقة الجليدية في جرينلاند سنوياً. وحذّر البروفسور أنّه في حال ذابت الطبقة الجليدية في جرينلاند بكاملها، سيرتفع مستوى البحر سبعة أمتار ويتسبّب بفيضان في غالبيّة المدن الساحلية عالميّاً. وأضاف، "إنّها تذوب وتذوب بشكلٍ متسارع".
وعلى نحوٍ مُشابِه، وفي حديث عن الظروف المناخية العالمية، ذكر بيتري تالاس، الأمين العام لـ"المنظمة العالمية للأرصاد الجوية"، أن تلك المعطيات "ليست خيالاً علمياً، بل واقعاً حقيقياً للتغيّر المناخي. يحدث الأمر الآن وسيزداد سوءاً في المستقبل، ما لم تتخذ تدابير مناخية طارئة".
في جرينلاند، ذكر وادهامز أنّ المنطقة تشهد "وباءً هائلاً من الجبال الجليدية التي تنطلق (من تلك المنطقة)"، إذ يدفع تدفّق المياه تلك الكتل الثلجية الضخمة نحو البحر. وأضاف، "غالبيّة الأنهار الجليدية الأخرى في العالم زالت بالفعل. ويعني ذلك أنه لم يعد هنالك من مياه تأتي من أنهار جليدية اخرى كي تنضاف إلى المسطحات المائية الكبرى عالمياً... إذاً، تشكّل جرينلاند اليوم العامل الرئيسي في ارتفاع مستوى البحار وسيستمرّ الأمر على هذا المنوال إلى أن يزول الجليد كلياً (من تلك البلاد)".
واستطراداً، وثّق وادهامز مشاهدته "تيّاراً جارفاً" يمرّ تحت جسرٍ في كانجرلوسواك، بالترافق مع ظهور "جليد أسود" يأتي من وجود أوساخ متراكمة على مدار قرون مديدة، وتقبع تحت الجليد الذائب. وأشار البروفسور إلى إن "لون بعضه قاتم فعلاً، ما يعني أنّه يعكس بشكلٍ أقلّ أشعة الشمس المتساقطة عليه. واستطراداً، يعني الأمر نفسه أنّه يمتصّ الأشعة ويسرّع في عمليّة ارتفاع الحرارة". ويعمل وادهامز في جرينلاند للمساعدة على انتقاء موقع مناسب لسباق عالمي جديد للسيارات الكهربائية.
وسيشهد سباق "اكستريم إي" تنافساً بين فرق سيارات كهربائيّة تواجه بعضها بعضاً في القطب الشمالي وجبال الهيمالايا والصحراء وغابات الأمازون المطرية وفي إحدى جزر المحيط الهندي.
ومن المتوقع أن يجري السباق في مواقع سبق أن تضرّرت بفعل تأثيرات التغيّر المناخي، ويهدف إلى تسليط الضوء على التحديات المناخية التي تواجه العالم.
وأعرب وادهامز عن أسفه حيال التغييرات في القطب الشمالي معترفاً بأنّ الناس اقتنعوا بصورةٍ خاطئة بأنّ ذلك لن يتغّير أبداً. وعلّق وادهامز على ذلك مشيراً إلى "إنّه أمر محزن جداً... لن تتمكنوا من رؤية تلك الأمور التي تمكّنت من رؤيتها في شبابي". واعتبر أنّ الحلّ لمواجهة ذوبان الجليد يكمن في إزالة ثاني اكسيد الكربون من الجوّ عوضاً عن الاكتفاء بخفض انبعاثات الكربون. وخلص وادهامز إلى القول إنّ "المشكلة تتمثّل في أنّ أحداً لم يقترح طريقة عمليّة لإعادة الجليد... إنه الأمر الذي يتوجّب إنجازه... ويتمثل في تبريد حرارة الكوكب بكامله."
© The Independent