Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أغضب الوجود الإيراني في السودان حسني مبارك؟ (1-3)

وثائق بريطانية رصدت هجوم الرئيس المصري الأسبق على الترابي في مطلع التسعينيات

الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك تعرض لحملة إعلامية إيرانية شرسة في التسعينيات (أ ف ب)

ملخص

في مطلع عام 1993 تناولت وسائل الإعلام المصرية تصريحات نسبت إلى الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك اتهم فيها السودان بالسماح لسفن حربية إيرانية بالوجود في بورتسودان... التفاصيل الكاملة تشير إليها وثائق الخارجية البريطانية

فرصة ذهبية سودانية مقدمة على طبق من فضة التهمتها إيران كخطوة أولى بعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين الخرطوم وطهران في أعقاب إطاحة نظام جعفر النميـري، في أبريل (نيسان) 1985، إذ كانت إيران تعيش ظروف حرب دامية مع العراق. وباستثناء سوريا وليبيا، كانت العلاقات الإيرانية مع الدول العربية، بما فيها السودان، إما متوقفة أو متوترة، وذلك بسبب اصطفاف معظم العواصم العربية بجانب بغداد في الحرب العراقية - الإيرانية (1980-1988).

لكن مع وصول الصادق المهدي إلى رئاسة الحكومة السودانية، وزيارته إلى إيران عام 1986 عادت العلاقات بين الخرطوم وطهران بسرعة، وشهدت تطوراً ملحوظاً. وخلال ديسمبر (كانون الأول) 1991، أجرى الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر رفسنجاني زيارة رسمية إلى الخرطوم، يرافقه وفد مكون من 150 شخصاً منهم قائد "الحرس الثوري" آنذاك.

زيارة رفسنجاني ومرافقيه استمرت ستة أيام، أعلن في ختامها "أن الثورة الإسلامية السودانية تقف بجانب الثورة الإيرانية الرائدة"، مضيفاً "سيكون السودان مصدراً للنهضة والثورة في العالم الإسلامي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

آنذاك كلفت طهران علي أكبر محتشمي بور سفيراً لها في الخرطوم. ومحتشمي بور من أبرز تلاميذ المدرسة الخمينية ومحسوب على التيار الإسلامي المتطرف الذي عمل على تصدير الثورة الإيرانية للدول العربية. وكان مساهماً بارزاً في عملية تدشين ميليشيات "حزب الله" اللبناني حين كان سفيراً لدى دمشق (1982-1985). وعمل على فتح الطريق أمام "فيلق القدس"، الجناح الخارجي لـ"الحرس الثوري" لمباشرة نشاطاته في الخرطوم، وعلى توطيد علاقات ميليشيات "حزب الله" مع أطراف الإسلام السياسي السوداني، ومنها حسن الترابي.

كانت طهران في تلك الحقبة في حاجة إلى توسيع علاقاتها الدبلوماسية مع الدول العربية لمواجهة الإعلام القومي العربي الذي كان يروج للحرب بين العراق وإيران على أنها حرب قومية بين العرب والفرس من جانب، ومن جانب آخر كان المتشددون في طهران ينتظرون فرصتهم لتصدير الثورة الإيرانية، فوجدوا الفرصة مواتية للتسلل إلى السودان وجعله قاعدة لتحـركاتهم الأيديولوجية علـى السـاحة الأفريقية والتموضع خلف مصر للإخلال بالتوازن الإقليمي في هذه المنطقة، الأمر الذي استفز المصريين حينها وأثار أزمة بين القاهرة والخرطوم في تلك الفترة.

مبارك: "هناك سفن إيرانية راسية في بورتسودان"

في مطلع عام 1993 تناولت وسائل الإعلام المصرية تصريحات نسبت إلى الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك مفادها أن هناك سفناً إيرانية راسية في بورتسودان، إذ تشير بعض الوثائق البريطانية، المفرج عنها حديثاً، إلى هذه القضية. والوثائق هي مراسلات وتقارير دبلوماسية مرسلة من قبل السفارات البريطانية لدى الخرطوم والقاهرة وطهران إلى مرجعيتها في لندن.

جاء في إحدى هذه الوثائق ما نصه "لم تتلق السفارة المصرية هنا بعد توجيهات من القاهرة حول التصريحات المنسوبة إلى الرئيس مبارك من قبل وسائل الإعلام المحلية قبل أسبوعين، والتي مفادها أن هناك سفناً إيرانية (يفترض أنها عسكرية) في بورتسودان. وقد نفى السودانيون بالطبع وجود مثل هذه السفن".

 

ويضيف التقرير "سافر زميلي الأميركي إلى بورتسودان الأسبوع الماضي، وأثناء زيارته أجرى حواراً طويلاً مع موظفي القنصلية المصرية العامة الذين يعتقد أنهم ضباط استخبارات بشكل أساسي. وذكر أنهم يتخذون وجهة نظر متساهلة للغاية في شأن مسألة الوجود الإيراني في بورتسودان. وقالوا إنهم لم يروا قط أي سفن عسكرية إيرانية في الميناء وأنهم لا يشعرون بالقلق غير المبرر إزاء المستوى العام للنشاط الإيراني في بورتسودان، والذي ربما يكون كثير منه مرتبطاً بخطط تنموية".

القنصل المصري في بورتسودان ينفي تصريحات مبارك

وحول موقف القنصل المصري العام وآرائه المتباينة مع قيادته في القاهرة، يقول التقرير البريطاني "موقف القنصل المصري العام هنا (الذي يعرف نفسه سراً أنه ناصح لنا) يشير إلى أن التقارير عن النشاط الإيراني هنا (بورتسودان)، وربما عن منشآت أخرى غير مؤكدة وتصدر عن القاهرة، وليس من واقع على الأرض".

 

على رغم نفي التقرير البريطاني الذي اعتمد على تصريحات سرية لدبلوماسيين مصريين وتقرير للسفير الأميركي حول نشاطات الحرس الثوري الإيراني في بورتسودان، فإن تقارير صحافية عربية وغربية تناولت فيما بعد قضية النفوذ الإيراني في السودان، وأكدت التعاون مع التيارات الإسلامية هناك، كما وردت تفاصيل أكثر حول هذه القضية عام 2012 في كتاب "Iran's Revolutionary Guard: The Threat That Grows While America Sleeps" للكاتب الأميركي ستيفن أوهيرن.

يذكر أوهيرن "أن عملية ‏التقارب الإيراني - السوداني وفرت الفرص لوجود (الحرس الثوري) ومكنته من إيجاد تحالفات مع المسلمين السنة هناك. وسعى (فيلق القدس)، ومعه (حزب الله) اللبناني إلى تكريس نفوذهما في أفريقيا مستغلين علاقات طهران مع النظام الإسلامي في الخرطوم، حيث نقل (الحرس الثوري) الإيراني كميات كبيرة من الأسلحة والمواد عبر الصحراء السودانية والحدود المصرية سيئة الحراسة، ومن هناك إلى شبه جزيرة سيناء".

يذكر أحد التقارير البريطانية أن مبارك كان ينتقد الترابي بشدة، ويتهمه بتلقي الأموال من إيران لزعزعة الأمن المصري، "‏مبارك ينتقد الترابي الذي كان يأخذ أموالاً من إيران بشدة، يذهب نصفها إلى جيبه الخاص، والنصف الآخر لتمويل زعزعة الأمن في مصر".‏

حملة إعلامية شرسة تستهدف مبارك

بعد انتهاء الحرب الإيرانية - العراقية عام 1988 هدأت الساحة الإيرانية، لكن المنطقة العربية أصبحت ملتهبة، وشهدت اصطفافات عربية جديدة بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990. كانت مصر وسوريا بجانب الكويت وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، كما حاولت القاهرة وطهران تلطيف الأجواء بغية إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، لكن سرعان ما عادت الحرب الإعلامية بين البلدين من جديد.

 

يحتفظ الأرشيف الوطني البريطاني بنصوص مترجمة عن الصحف الإيرانية المتشددة والإصلاحية، والتي كانت تهاجم باستمرار النظام في مصر، وعلى رأسه مبارك. وجاء في إحدى الوثائق المرسلة من السفارة البريطانية لدى طهران إلى مرجعيتها بلندن "أرفق طيه نسخة من افتتاحية صحيفة (الجمهورية الإسلامية) تشير إلى أن بعض عناصر الصحافة الإيرانية غير مستعدة لتحسين العلاقات الإيرانية - المصرية. إن الهجوم (الإعلامي) الإيراني الأخير، كما سترى، هجوم شخصي آخر على الرئيس مبارك على وجه الخصوص. ويأتي ذلك في وقت بدأ فيه المسؤولون المصريون والإيرانيون يتأملون في أن يكونوا قد نجحوا في الحد من الضرر الذي لحق بالعلاقات الثنائية بعد المناوشات الإعلامية في ديسمبر، وكانوا سعداء بذلك. أخبرني المسؤول المصري أن الافتتاحية قد دهورت الأمور بشكل سيئ للغاية في القاهرة، حيث اعتقدوا أنهم توصلوا (مع طهران) إلى تفاهم بعدم الشروع في أي إساءة علنية أخرى. وقد أخبره مسؤولو وزارة الخارجية الإيرانية أنهم لم يكونوا سعداء أيضاً بنشر الافتتاحية، لكنهم كانوا محدودين في قدرتهم على منع العناصر الأكثر تطرفاً، ووقف هذا التيار المعادي لمصر".

صحيفة "الجمهورية الإسلامية"

وتنقل لنا الوثيقة مقتطفات مترجمة من صحيفتي "الجمهورية الإسلامية" المتشددة وصحيفة "سلام" الإصلاحية، جاء في افتتاحية الأولى "عندما ارتكب الرئيس المصري الأسبق أنور السادات الخيانة واعترف بإسرائيل، اعتقد الصهاينة أن المشكلة قد انتهت، وأن مصر لن تشاهد أبداً مشهد مواجهة مع إسرائيل مرة أخرى، لكن وابل الطلقات التي أطلقها خالد الإسلامبولي، الضابط المصري الشجاع، كان أول اختبار... التظاهرات الحاشدة للطلاب المصريين في القاهرة ضد إسرائيل على رأس جدول أعمال القضايا المصرية. هذه هي قوة الإسلام التي ستأخذ أرض مصر العظيمة من الصهاينة وتعيدها إلى حضن الإسلام والمسلمين".

 

صحيفة "سلام" الإصلاحية

أما صحيفة "سلام" الإصلاحية فاستغلت هي الأخرى الشعارات التي رددها الطلاب المصريون في تظاهرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني، وكتبت في افتتاحية عددها الصادر في 13 يناير (كانون الثاني) 1993 ما نصه "تشكل هذه الشعارات اعترافاً كبيراً يشير إلى أنه لا أحد في مصر يؤمن باتفاق كامب ديفيد المخزي، لكن مبارك يخادع ويقول إن (مصر مفتوحة لأي شخص يرغب في تحرير القدس). إذا كان الأمر كذلك، ما كان ينبغي أن يتعرض الشباب المصري الشجاع للتعذيب والقتل في زنزانات نظام القاهرة التي تشبه زنزانات العصور الوسطى... مبارك مخادع، لكنه أدرك جيداً أن زمن حكم المخادعين في مصر قد انتهى... إن الشعب الإيراني وجميع الأمم التي تتوق إلى مجد الإسلام مستعدة لمرافقة شعب مصر العظيم لتحرير فلسطين. يجب أن يطمئن الجميع إلى أن (جيش محمد قادم)... وقد دعا مبارك المتحمسين لتحرير القدس للذهاب إلى مصر. سيفعلون ذلك بالتأكيد، ولكن ليس بدعوة من مبارك، الذي هو في خدمة إسرائيل بالكامل. من المؤكد أن مقاتلينا الشجعان سيسافرون إلى مصر لفتح الجبهة الغربية ضد المحتلين الصهاينة. وبعبارة أخرى، من المؤكد أن المسلمين المصريين الشجعان هم الذين سيستقبلونهم حاملين رايات الإسلام في أيديهم".

‏كرر الرئيس المصري الراحل مبارك الحديث عن التهديد الإيراني/ الأصولي للشرق الأدنى والمغرب العربي خلال زيارته نهاية مارس (آذار) 1993 إلى ألمانيا.

 

يشير تقرير السفارة البريطانية لدى الكويت إلى زيارة مبارك في الفترة من 10 إلى 11 مايو (أيار) 1993 إلى الكويت، محاولاً حث زعماء دول مجلس التعاون في الخليج العربي على رص الصفوف في مواجهة طهران وبغداد، شارحاً لهم خطورة تيارات الإسلام السياسي. وكانت زيارة مبارك للكويت قد جاءت ضمن جولة خليجية، حيث التقى أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح وولي العهد حينها الشيخ سعد العبدالله ووزير الخارجية حينها الشيخ صباح الأحمد جابر الصباح ورؤساء تحرير الصحف المحلية.

"ركزت التغطية الصحافية على دعوته (مبارك) إلى دول الخليج للحفاظ على جبهة موحدة ضد التهديد العراقي والإيراني. وكانت مصر مستعدة لتقديم أية مساعدة تحتاج إليها دول مجلس التعاون الخليجي، لكنها لم تستطع فرض أي شيء على دول الخليج العربي. واتهم مبارك إيران بدعم وتمويل مجرمين ومرتزقة، وأنها تسعى إلى زعزعة استقرار بلاده. ووفقاً للصحافة، نقلاً عن مصادر كويتية مجهولة، قال مبارك للأمير إن بعض الجماعات الإسلامية الخليجية تمول بشكل غير مباشر الجماعات الإرهابية الأصولية".

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق