Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة النفايات في دائرة مفرغة... و"روائح الموت" تعبق في بيروت

يجمع خبراء بيئيون على أن الفرز في المنازل هو الحل الأنسب خصوصاً أن نصف النفايات مكونة من مواد عضوية

كمية النفايات الضخمة المكدسة في بيروت باتت تشكل خطراً وتهدد بعودة الأزمة من جديد مع غياب الحلول المستدامة وانعدام المشاريع والخطط الحكومية الآنية. وبات من الواضح أنه لا يمكن تجنب مأساة بيئية لا سبيل لمعالجتها في ضوء سياسات تعتمد الترقيع في ملف النفايات الذي يشغل بال اللبنانيين منذ عام 2015.

وخلال الأشهر الماضية، ومع تراكم النفايات شيئاً فشيئاً وتحللها تدريجاً، باتت الرائحة تفوح في ضواحي بيروت، وهي أول ما يتنشقه المسافرون فور وصولهم إلى لبنان.

وعلى بعد كيلومترات من مطمر برج حمود، يتفادى السكان أحياناً فتح الشبابيك أو الجلوس على شرفات منازلهم.

"روائح الموت"

فقد اعتادت نديمة يزبك خلال الأشهر الماضية على تنشق رائحة نفايات كريهة تتسلل إلى داخل متجرها، ما خلق لديها شعوراً بالقرف والاشمئزاز، خصوصاً أن "روائح الموت" هذه تعرقل عملها في بيع المناقيش في منطقة برج حمود، شمال بيروت.

ومن على كرسي بلاستيكي أمام متجرها الصغير، تقول يزبك (66 سنة) لوكالة الصحافة الفرنسية "رائحة مليئة بالبكتيريا كلها قرف يجب أن يجدوا حلاً لها، الطقم السياسي لدينا لا ينفع، جميعهم كاذبون ونصابون".

وتضيف "يؤثر الأمر في عملي طبعاً، هناك الكثير من الذباب، لا أستطيع أن أُخرج الأكل من البراد، وأستخدم الأدوية المضادة للحشرات كل الوقت".

محلول بيولوجي

إيمي مناسا، الخبير اللبناني - الفرنسي في الهندسة الزراعية يقول من جهته إن "الرائحة ناتجة من مياه الصرف الصحي ومخلفات المنازل وتحلّل النفايات العضوية".

ولاقى تقريره موجة سخرية على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ رأى البعض أنه لم يكتشف شيئاً جديداً، بل قال ما يعرفه اللبنانيون أساساً. كما سخروا من حل طرحه بوضع محلول معين على النفايات لإزالة الرائحة.

وكتب أحدهم متسائلاً "خبير دولي ليحدد مصدر رائحة الزبالة؟ أليس هناك من لبناني يشمها؟".

انعكاسات صحية

ولا تقتصر المسألة على رائحة كريهة فقط، بل قد يكون لها انعكاسات على الصحة، لذلك يصر ميناسا على أن الحل الذي يطرحه لإزالة الرائحة مؤقت، يقضي بوضع محلول بيولوجي في موقعين لتنظيف شاحنات نقل النفايات، فضلاً عن رشها في أجواء موقع تحويل المواد العضوية إلى سماد في منطقة برج حمود.

ويعود ميناسا ليؤكد أن الحل "ليس في الرش إلى الأبد"، خصوصاً أنه يجب بخ المحلول الذي يطرحه 24 ساعة، يومياً للحصول على نتيجة.

والحل الأنسب، وفق قوله، هو "فرز النفايات في المنازل، للتقليل من الكميات التي تصل إلى المكبات".

مواد عضوية

ويُجمع خبراء بيئيون على أنّ نصف النفايات في لبنان مكوّنة من مواد عضوية، ومن الممكن معالجتها بشكل أفضل إذا جرى فرزها في المنازل قبل رميها.

ويقول وزير البيئة اللبناني فادي جريصاتي إنه يُعاد تدوير ثمانية في المئة فقط من النفايات في لبنان.

ووضع جريصاتي، الذي تسلم منصبه في يناير (كانون الثاني) 2019، خطة تقضي بتشجيع اللبنانيين على فرز نفاياتهم، إضافةً إلى إقامة موقع جديد لإعداد السماد قرب المطار عام 2020.

وتقضي إحدى "الخيارات المعقولة"، بحسب جريصاتي، بتوسيع مكب برج حمود، لكن هذا يعني تدمير ميناء للصيد، قريب منه.

اعتراض على المحارق

وكان ناشطون بيئيون في لبنان اعترضوا على خطة لإنشاء محارق، ما من شأنه أن يرفع نسبة التلوث.

ويشكك البعض في جدية المسؤولين لإيجاد حل للأزمة، خصوصاً أنهم قرروا وقف العمل في مراصد تحديد جودة الهواء كجزء من ميزانية تقشفية لعام 2019.

ويدين كلود جبر من تحرك "طلعت ريحتكم" الذي قاد احتجاجات 2015، المسؤولين باعتبار أنهم "لا يبحثون سوى عن مصالحهم التجارية وغياب الرغبة السياسية الحقيقية في إيجاد حلول بديلة".

ويسخر جبر الذي يسكن في منطقة برج حمود، من الحل الذي طرحه ميناسا، قائلاً "كأن الواحد منّا يجلس في مكان تفوح رائحته، ولا يقوم سوى برش العطر".

ويضيف "لدينا الطاقة والخبرات لننتج من الزبالة ونعيد استهلاكها كمواد أولية"، ويتساءل "لماذا لا يمكننا أن نستفيد منها بطريقة لا تؤذي البيئة؟".

تفاقم الأزمة

في عام 2015، شهد لبنان أزمة نفايات، تراكمت خلالها في شوارع بيروت وفاحت رائحتها، من دون أن تجد الحكومة حلاً مستداماً لها، بل عمدت إلى فتح مطمرين جديدين في برج حمود وعلى شاطئ الكوستا برافا القريب من المطار جنوب العاصمة.

ومع تصاعد الأزمة، عمد باحثون في الجامعة الأميركية في بيروت إلى قياس نسبة الهيدروجين المكبرت، نوع من الغاز ذو رائحة كريهة، في الهواء في منطقة برج حمود، ليجدوا أن النسبة كانت أعلى من المتوقع، وفق ما يقول ميكيلي سيتون، الخبير في الفضلات والمياه في الجامعة، الذي أكد أن "إزالة الرائحة فقط ليست حلاً مستداماً، ما تقوله هذا الروائح للعالم ولأهل بيروت إن هناك حاجة ملحة إلى إيجاد طرق أخرى لإدارة أزمة النفايات".

وفي عام 2018، أظهرت دراسة أُجريت في شمال الصين أن الأشخاص، خصوصاً الأطفال، الذين يعيشون قرب مكبات النفايات أكثر عرضة للمرض عبر الإصابة بنقص في المناعة أو خلل في وظائف الرئتين، والأخير ناتج بشكل أساسي من انبعاث غاز الهيدروجين المكبرت.

المزيد من العالم العربي