ملخص
رضخ المواطن اللبناني طويلاً لمزاجية موزعي الكابلات في الأحياء وللقنوات المحلية التي لجأت إلى قطع البث للحصول على مقابل خدماتها، فكيف هي الحال الآن؟
كما في أزمات أخرى واجهها اللبنانيون ظهر موزعو الكابلات منذ تسعينيات القرن الماضي كحل لتسهيل أمور المواطنين، وتوفير فرص مشاهدة مختلف القنوات الراغبين في متابعتها لكنهم لا يستطيعون الإيفاء باشتراكاتها المالية، ومع تأزم الأوضاع الاقتصادية بدت حال الفوضى مستفحلة على وقع غياب لغة القانون.
حالياً يبدو أن قطاع الكابلات غير المنظم يمر بمزيد من المطبات، إذ يرجح بعض الموزعين أن عمره بات قصيراً في ظل قدرة المواطن على الاشتراك الشهري في الإنترنت والحصول على خدمات البث والمنصات الرقمية كافة، وزاد الوضع سوءاً بالنسبة إلى موزعي الكابلات في ظل أزمة القنوات المحلية ومطالبتها بحقوق الملكية الفكرية.
ومن الواضح أن المواطن اللبناني الذي رضخ طويلاً لمزاجية موزعي الكابلات في الأحياء والقنوات المحلية التي لجأت إلى قطع البث للحصول على مطالبها، أوجد الحلول التي تسمح له بمتابعة ما يحلو له من قنوات ومنصات بحرية تامة.
بدائل فرضتها الظروف
وطوال العقود القليلة الماضية اعتمد اللبنانيون على موزعي الكابلات في الأحياء وخضعوا فيها لمزاجهم ما بين اختيار قنوات بعينها أو وقف بث أخرى بحسب أهوائهم الخاصة، بغض النظر عن رغبة المواطن، قبل أن يعثروا على البدائل التي تحررهم من تلك القيود.
أحد موزعي الكابلات في العاصمة بيروت يدعى عماد دندن قال إن معظم المواطنين تخلوا عن الاشتراك الشهري بتوافر الإنترنت لديهم، فيفضلون الاعتماد على "نتفليكس" أو "شاهد" أو غيرهما من خدمات البث لمتابعة ما يحلو لهم من الأفلام والبرامج والمسلسلات التي هي من صلب اهتماماتهم وترضي أذواقهم في المرحلة الحالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف، "تراجعت معدلات الاشتراكات الشهرية بشكل ملحوظ خلال الأشهر الأخيرة حتى إن مباريات المونديال الأخيرة لم تستقطب اشتراكات إضافية للقنوات التي تبثها، وكما كان يتوقع فالكل استطاع مشاهدتها على الإنترنت بكل بساطة ومن دون حاجة إلى شراء بطاقات اشتراك في القنوات التي تنقلها والتي كان يؤمنها آنذاك، ومن أصل 200 مشترك لم يتمكن من بيع إلا 30 بطاقة اشتراك لمشاهدة المباريات".
أما بالنسبة إلى أزمة القنوات المحلية التي تفاقمت منذ أشهر عدة فاعتبر أنها تتجه إلى الحلحلة، مضيفاً "الحل قد لا يكون إلا عبر تسديد ما تطلبه لقاء المحتوى الذي تقدمه".
وقال، "أتقاضى دولارين (وفق تسعيرة الدولار في السوق السوداء)، كبدل اشتراك شهري، وهذا لا يكفي أبداً لتغطية نفقات الكهرباء وأجور العاملين وغيرها من النفقات التشغيلية، ومن المستحيل أن نتمكن من الاستمرار ما لم نرفع بدل الاشتراك الشهري إلى خمسة دولارات أو ستة، خصوصاً بعد تسديد بدل حقوق الملكية الفكرية لقاء الحصول على محتوى القنوات المحلية".
وقد يزيد الوضع سوءاً أكثر مع تراجع معدلات الاشتراكات الشهرية بين اللبنانيين، فمنهم من فضل شراء الأطباق اللاقطة (الدش) الخاصة بدلاً من الاشتراك مع موزع الحي، ومنهم من يكتفي بالاعتماد على الإنترنت لمتابعة أية قناة، خصوصاً أن هذا لا يشكل عبئاً مادياً أكبر عليهم لأن توافر الإنترنت وحده يكفي ولا حاجة إلى أكثر من ذلك.
لذلك يعتبر دندن أن هذا القطاع إلى زوال ولن يتمكن من الصمود أصلاً في مواجهة كل التحديات، وبما أن أهواء اللبنانيين قد تبدلت فإن أي موزع لن يستطيع الاستمرار ما لم يكن لديه مصدر رزق آخر.
ويؤمن الموزع للمشتركين القنوات المحلية والفضائية التي تبث مجاناً كقناتي "العربية" و"الجزيرة" وبعض المحطات الفرنسية، ويمكن لمن يرغب في ذلك أن يسدد بدل اشتراك إضافي لجميع المحطات المشفرة التي يرغب في مشاهدتها، وهم قلائل حالياً، وفقاً للبناني عماد دندن.
فوضى بغياب القوانين
قد لا يكون بدل الاشتراك الشهري السبب الرئيس وراء تغيير أهواء اللبنانيين واختياراتهم في المشاهدة، إنما أثرت في ذلك مزاجية موزعي الكابلات، كما أن توافر قنوات البث المتعددة والمنصات التي يمكن الاشتراك فيها لمتابعة أجمل الأفلام والبرامج أسهم في اختيارها كبدائل.
يضاف إلى ذلك أنه في مناطق معينة قد لا يتردد موزعو الكابلات في الأحياء بقطع بث قنوات معينة إذا صدرت منها مواقف لا تتماشى مع توجهاتهم وتتعارض مع انتماءاتهم، ولأن القطاع غير منظم والفوضى سائدة فيه فما من قانون قد يقف في وجههم.
لكن رئيس مجلس إدارة إحدى شركات البث في لبنان، جورج عبدالمسيح، يرى أنه لا يحق لأي موزع كابلات أو شركة بث فرض الأهواء والاختيارات الخاصة على المواطن، إلا أنه لا ينكر أن الأمور قد تختلف بين منطقة وأخرى، فقد تكون الثقافة السائدة في أي منها المعيار في الاختيار على أساس تفضيلات المواطنين واهتماماتهم، ومن واجب موزع الكابلات مراعاة جميع المشتركين فلا يكون التوزيع على هواه، ولو أراد الحفاظ على حد أدنى من المهنية. أما باقي المعايير كتلك الحزبية والسياسية والدينية وغيرها فيجب ألا يكون لها أثر في هذا الاختيار.
وبشكل عام يستمر القطاع في حال فوضى منذ تسعينيات القرن الماضي في ظل مشكلات وتحديات، تماماً كما حصل مع أصحاب المولدات الذي وجدوا بسبب أزمة انقطاع الكهرباء، وكانت المشكلة الأساس في الاحتكار الحاصل في هذا المجال.
ومضى عبدالمسيح في حديثه قائلاً إن "من اللافت أن القطاع شهد تطوراً ملحوظاً على رغم المطبات والفوضى وفي غياب القوانين الناظمة، خصوصاً عندما أصبحت الصورة رقمية مع توافر أكثر من 400 قناة، لكن في ظل الأزمة الاقتصادية تأثر الناس بالوضع المعيشي الصعب وتبدلت الأمور إلى حد كبير".
وأضاف، "أصبح بدل الاشتراك الشهري يوازي 10 دولارات أميركية للمواطن، كما شهد قطاع الإعلانات تدهوراً ملحوظاً وتراجعت معدلاته في القنوات بعد أن كانت مصدر دخل أساس لها، ولذلك بدأت المحطات تبحث عن مصادر دخل أخرى غير الإعلانات، وطالبت بحقوق الملكية الفكرية لقاء المحتوى الذي تقدمه للمواطن مما تسبب في صدام بين المحطات والموزعين والمواطنين".
وتابع، "صحيح أن شبكات كابلات الفضائيات في طريقها إلى الزوال في لبنان لكنها لا تزال حلاً عملياً لأنها تمثل بديلاً عن شراء طبق ساتلايت خاص، والذي يحتاج بدوره إلى خدمة صيانة ومتابعة".