عقب توقيع قوى إعلان الحرية والتغيير على الإعلان الدستوري في السودان، السبت الماضي، وإعلان الجدول الزمني لتشكيل الحكومة، تتجه دفة العمل العام من قبل الفاعلين في الحراك الشعبي إلى مرحلة البناء النقابي والمهني بصورة مستقلة، غابت عن السودان لأكثر من ثلاثة عقود.
وعلى الرغم من الأصوات المتوجسة من طول الفترة التي ستُشكّل هياكل الحكم خلالها، والتي ستبدأ في 18 أغسطس (آب) المقبل وتستمر حتى الأول من سبتمبر (أيلول)، إلا أن حالة من التفاؤل تسود المكونات السياسية وقطاعات كبيرة من المجتمع.
بناء نقابي
يقول الصحافي وعضو اللجنة التمهيدية لاستعادة نقابة الصحافيين السودانيين ماهر أبوالجوخ إن "إرجاء التوقيع النهائي والمصادقة على الوثيقة الدستورية بشكلها النهائي بين الطرفين حتى 17 أغسطس مرتبط بمعطيات عدة، أهمها اعتماد تدابير سريان أحكام الوثيقة الدستورية، خصوصاً في ما يتصل بالقضاء".
ويوضح "إذا وُقّع على الوثيقة الدستورية بصورتها النهائية، فإن شاغلي المواقع القيادية حالياً في السلطة القضائية ومفوضيات الخدمة القضائية والمحكمة الدستورية والمحكمة العليا سيكونون جزءًا من مؤسسات المرحلة الانتقالية، في حين أنهم يمثلون تعيينات رأس النظام السابق. والأمر ذاته ينطبق على مكونات أخرى على رأسها النقابات والاتحادات المهنية، إلى جانب مدراء الجامعات الحكومية. جميع هذه الأجهزة كانت جزءًا لا يتجزأ من سياسة تعيين المنتسبين لحزب المؤتمر الوطني الذي كان يتزعمه الرئيس عمر البشير، في الوظائف المهمة في الدولة، التي عُرفت بسياسة التمكين".
ويشير أبو الجوخ إلى أن "الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية التي وقع عليها المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، ينصان على ضرورة تفكيك مظاهر وصور التمكين التي أقامها النظام السابق. بالتالي، فإن تفكيك هذه المؤسسات بات واجباً دستورياً بحكم الإعلان الموقع، وهو ما سيتم خلال الفترة التي تسبق تشكيل وتكوين هياكل الدولة".
ويرى أبو الجوخ أن "طول أمد هذه الفترة سيساعد في حل أي مشاكل أو ارتباك قد يسود المشهد، إذ لا بد من التعلم من تجربة التسرع في التوقيع على الإعلان السياسي بين المجلس وقوى التغيير الشهر الماضي، التي أحدثت أخطاءً احتاج الطرفان إلى تداركها أكثر من أسبوعين. وهذا ما أدخل المشهد السياسي في حالة ارتباك، استفاد منها عناصر النظام البائد، وحاولوا قطع الطريق على العملية السياسية".
ويؤكد أن "الأخطاء في الممارسة السياسية تكلفة إصلاحها بسيطة وسهلة، لكن الأخطاء في تكوين المؤسسات الدستورية والاستعجال في عملية تكوينها ستكون نتيجته طعناً في شرعية تلك الأجهزة، وبالتالي سيجعلها أجهزة غير مؤهلة. ومن وجهة نظري، جاء هذا التأخير لتجنب حدوث أي احتجاجات أو طعون ستطال هذه الأجهزة الدستورية".
ترتيبات داخلية
يمكن قراءة التأخير في تشكيل هياكل الحكم بحاجة المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير إلى بعض الوقت لإكمال الترتيبات والاتفاق على ترشيحاتهما بشأن أعضاء مجلس السيادة.
ويوضح أبو الجوخ أن "المجلس يبحث الآن عن صيغة جديدة تكفل له تحديد دور العضوين اللّذين لن يشغلا عضوية مجلس السيادة، ومن الواضح أن أحد هذه المعالجات ستكون تعيين أحدهم في موقع وزير الدفاع. أما موقع العضو الثاني، فسيكون القائد العام الذي أُشير إليه في الوثيقة الدستورية".
الأمر ذاته ينطبق على قوى الحرية والتغيير التي تعمل على التوصل إلى مرشحين يحظون بدعم من مكونات القوى الراغبة في المشاركة، بما في ذلك الفصائل العسكرية المسلحة المنضوية تحت لواء "الجبهة الثورية"، وذلك للحيلولة دون المطالبة بإعادة تشكيل هذه المؤسسات مرة أخرى بعد التوصل إلى اتفاق سلام.
ويفسر مراقبون تلك العملية بأنها "تأتي في سياق عملية طويلة ومعقدة، تحتاج تشاوراً بين الجميع".
رفض المسلحين للاتفاق
في غضون ذلك، أعلنت "الجبهة الثورية السودانية"، الأحد، رفضها وثيقة الإعلان الدستوري لتجاوزها مبادئ محورية في قضية السلام، وفقاً لبيان صادر عنها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت الجبهة "لا نستطيع قبول الوثيقة الدستورية بشكلها الراهن، لأنها تجاوزت مبادئ محورية في أمر السلام، بل وضعت عراقيل أمام تنفيذ أي اتفاق سلام مقبل".
وأضافت أن "التوقيع على الإعلان الدستوري تم من دون إدراج رؤية السلام كاملة في الوثيقتين، في محاولة التفاف على ما اتُّفق عليه في مشاورات (العاصمة الإثيوبية) أديس أبابا".
أبعاد المحاصصة
يطالب المحلل السياسي أنور سليمان من جانبه الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة كافة بالالتزام بإعلان الحرية والتغيير، الذي مثل الإطار الفكري للحراك الشعبي.
ويوضح "ذلك الإعلان التفت حوله الجماهير لأنه وضع شروطاً واضحة لتجنيب الثورة المحاصصات الحزبية الضيقة، وطمع السياسيين في البحث عن مكاسب حزبية ضيقة"، داعياً إلى "إعلاء الأجندة الوطنية على اعتبار أنها فترة انتقالية، هدفها نقل البلاد من مرحلة الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية".
ويشير سليمان إلى أن سعي الكيانات المهنية إلى تأسيس نقاباتها واتحاداتها بصورة تتماشى مع متطلبات المرحلة، يتم بمهنية واحترافية عاليتين تبشّران بأن الفترة المقبلة ستشهد بناء مؤسسات قوية قادرة على تلبية حاجات الخدمة المدنية بصورة عامة، والعاملين في القطاعات الفئوية المختلفة بصورة خاصة.
أوليات الحكومة الانتقالية
يوضح القيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير منذر أبو المعالي أن الفترة التي تسبق الأول من سبتمبر، ستفرد فيها قوى الحرية والتغيير المساحة للحوارات مع جميع الفصائل المسلحة، وذلك بعد دمج المبادئ العامة لعملية السلام في الوثيقة الدستورية.
ويؤكد أن "أول مهمة للحكومة المقبلة ستتمثل في تحقيق السلام بالجلوس مع جميع المسلحين وفق الوثيقة الدستورية"، مضيفاً أنهم يعملون الآن "على ترتيب عملية الترشيحات للمناصب التنفيذية من كفاءات وطنية مستقلة وتكوين مجلس السيادة، وفق رؤية الحرية والتغيير".