Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مشاحنات وخلافات تضعف جبهة الـ"ناتو" الموحدة حول موضوع أوكرانيا

لا تزال تركيا تقاوم منح السويد العضوية في الحلف فيما لم ترسم حتى الآن خطة طريق لإدخال كييف إلى كنفه

جنود أوكرانيون يغيرون مواقعهم بعد إطلاق صواريخ من قاذفة صواريخ عدة "غراد بي إم-21" باتجاه المواقع الروسية قرب باخموت في منطقة دونيتسك (أ.ف.ب عبر غيتي)

ملخص

 تشكل مسألة التعامل مع الصين، وهي لاعب كبير في الأزمة الأوكرانية، مصدر قلق على المدى البعيد.

قال الأمين العام لحلف الـ "ناتو" ينس ستولتنبرغ خلال انعقاد اجتماع لوزراء دفاع الحلف في بروكسل، إن الحرب الأوكرانية بلغت "مرحلة حساسة" على خلفية شن كييف هجومها المضاد، إنما يجوز أن يقال الأمر عينه عن الحلف نفسه، فيما يسعى إلى التوسع شرقاً ويخطط للاضطلاع بدور عالمي.

وتعزّز موقع الحلف العسكري الغربي بسبب الجبهة الموحدة التي اتخذها دعماً لمقاومة أوكرانيا الغزو الروسي، لكنه يجد نفسه الآن أمام مجموعة تحديات أثارتها الحرب ويمكنها أن تدمر تلك الوحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فيما احتضنت بروكسل اجتماع وزراء الدفاع في حلف الـ "ناتو" يومي الخميس والجمعة قبل انعقاد اجتماع القمة السنوي للحلف في فيلنيوس الشهر المقبل، بدا العائق الأبرز والأكثر إلحاحاً هو الأسهل للحل: مقاومة تركيا وهنغاريا لقبول عضوية السويد في الحلف.

ومع أن الموضوع يحيد عن المسألة الرئيسة، لكنه يبرز المشاحنات المستمرة بين بعض أعضاء الـ "ناتو" حول المدى الذي قد يبلغونه في دعم أوكرانيا بصدق ومدى اعتبار روسيا، بزعامة الرئيس فلاديمير بوتين، خطراً وجودياً.

وتتحدث كل من تركيا وهنغاريا عن شكوك تساورهما في شأن السماح للسويد بدخول الحلف في إطار السعي إلى مواجهة روسيا، ويطالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السويد أن تبذل مزيداً من الجهد لوقف تحركات الجماعات الكردية المسلحة الناشطة في البلاد، وقد عبر بشكل واضح عن تحفظاته مع استمرار المفاوضات.

أما رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان فيريد بدوره أن تخفف ستوكهولم من حدة انتقاداتها لسجل بلاده في حقوق الإنسان.

ويرجح أن يسعى البلدان إلى انتزاع مزيد من التنازلات من أعضاء آخرين في الحلف.

لكن برأي الخبراء فإن التنازلات الأخرى التي تريدها بودابست وأنقرة يمكن أن تعطى لهما بسهولة، وتسعى تركيا إلى شراء أحدث طراز مقاتلات "إف-16" من الولايات المتحدة بهدف تطوير سلاحها الجوي، وما تريده هنغاريا هو أن يخفف أعضاء الاتحاد الأوروبي الضغط عليها في مسألة الإصلاحات، وبمجرد القبول بانضمام فنلندا بالفعل إلى الحلف بعدما قدمت طلب العضوية بالتزامن مع السويد، دليل على إمكان تخطي العراقيل. 

ويقول برونو ليتيه، الباحث في مركز البحث الأوروبي، صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة، "إنهم يستخدمون حق الـ ’فيتو‘ من أجل الحصول على تنازلات في مختلف المجالات، وأنا واثق أن هذه المسألة ستحل".

لكنها عقبة مزعجة، إذ تسلط مسألة عضوية السويد الضوء على الازدواجية المستمرة لبعض أعضاء الـ "ناتو" في التعامل مع روسيا، وزادت تركيا وهنغاريا اتفاقات الطاقة مع روسيا بدل أن توقفها، وتتعالى بعض الأصوات داخل الولايات المتحدة، ومن بينها صوت دونالد ترمب، وفرنسا لتعبر عن رفضها الصريح لدعم أوكرانيا، ولو استمرت الحرب حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2024 فقد تصبح هذه الأصوات أقوى. وأظهر استطلاع آراء نشرته "إيبسوس" هذا الأسبوع أن الدعم الأميركي لأوكرانيا قد يتراجع مع استمرار الغزو الذي دخل شهره الـ 16. 

وكتب كريس جاكسون، أحد كبار نواب الرئيس في "إيبسوس" عبر ملاحظة، "قد تتغير الآراء مع تطور الهجوم الأوكراني وازدياد أهمية الخبر ضمن التغطية الإخبارية الأميركية، وإعادة الأميركيين النظر في مواقفهم من الحرب". 

ويواجه الـ "ناتو" معضلة أكبر تحمل في طياتها بذور الانفجار وتتعلق بالسماح لأوكرانيا بدخول الحلف كما طلبت مراراً وتكراراً، من عدمه، ودرجة سرعة هذا الانضمام.

وتؤيد دول أوروبا الشرقية ودول البلطيق انضمام أوكرانيا، فيما لدى بعض الدول الغربية تحفظات على الموضوع، أما المؤسسة السياسية الأميركية فمنقسمة حول هذه المسألة.

ويقول المحلل الجيوسياسي يوروك إيسيك الذي يتنقل بين إسطنبول وكييف، "عندما يستحيل الموضوع واقعاً ملموساً فستحصل مقاومة حقيقية. أوكرانيا تريد ذلك وبولندا تريد أوكرانيا، لكن ألمانيا وفرنسا ستعارضان المسألة كلياً".

وفي الوقت الحالي يبدو أنه من المحتمل حصول مساومة في فيلنيوس، بحيث تمنح أوكرانيا صفة تسمح لها بالدعوة إلى عقد اجتماعات طارئة للـ "ناتو" وإن لم تملك عضوية كاملة في الحلف.

ووصف بعض المحليين في أوكرانيا وخارجها الموضوع على أنه "النموذج الإسرائيلي"، إذ يقدم الـ "ناتو" لأوكرانيا كل الأسلحة والتدريب الذي تحتاجه، إضافة إلى بعض الضمانات الأمنية، من دون الحاجة إلى منحها سبيلاً لنيل العضوية الكاملة.

ويقول ليتيه، "سنسلح أوكرانيا حتى النخاع وننقل لها التكنولوجيا المتطورة التي تحتاجها من أجل الدفاع عن نفسها، فهي أساساً شريك وتندمج ببطء وإنما بشكل مؤكد في الـ ’ناتو‘ وتحصل منه على برامج تدريب وتجهيزات".

وصرح ستولتنبرغ بوضوح بأن أوكرانيا تنتمي إلى كنف الـ "ناتو"، لكن من الجلي أن طريقة ترجمة هذا على الأرض لن تحل قبل يوليو (تموز) المقبل كما تأمل أوكرانيا، لكن يبدو أن كييف تقبلت أن الأمور لن تسير بالسرعة التي تريدها.

وتقول أماندا بول، المحللة في مركز السياسات الأوروبية الواقع في بروكسل، "إن الـ ’ناتو‘ غارق في سلسلة تحديات متعددة ومتزامنة، لكن عليه أن يقدم لأوكرانيا خريطة طريق واضحة نحو العضوية، ويجب أن يحصل ذلك بالتزامن مع إعطائها ضمانات أمنية، وإن لم يفعل ذلك فستظل أوكرانيا هدفاً في مرمى الروس، ولا يقف الأمر عند أوكرانيا وحسب، بل يتعلق بالأمن الأوروبي".   

وعلى المدى البعيد تلوح مسألة ثالثة في الأفق، ما هو الدور الذي على الحلف أن يلعبه في التعامل مع صعود الصين؟ وهل ستدفع تحركاته من جهة توسيع الـ "ناتو" ودعم أوكرانيا، بكين إلى زيادة دعمها لروسيا، وبالتالي تعقيد الجهد الحربي بشكل أكبر؟

يرى ليتيه أن الصين قفزت إلى الصدارة في أجندة الـ "ناتو"، ويحتمل أن تصبح الصين هي الأخرى أكثر القضايا انقساماً بالنسبة إلى الـ "ناتو". 

تعتبر الولايات المتحدة بشكل متزايد أن التصدي لطموحات بكين يشكل تهديداً أكبر بكثير على المدى البعيد من روسيا، وقد سعت إلى الضغط على الـ "ناتو" كي ينضم إلى جهودها في هذا الإطار، وخلال الآونة الأخيرة استخدمت فرنسا حق النقض ضد مبادرة لفتح مكتب للـ "ناتو" في اليابان كحركة استفزازية.

ويدعو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أوروبا بصراحة إلى تفادي المواجهة مع الصين.

ويقول إيسيك، "لا يريد الأوروبيون تكرار سيناريو روسيا، فلقد تمادى الروس كثيراً لكن الصين لا تزال تتصرف بدبلوماسية، وفيما سيدفع الأميركيون الـ ’ناتو‘ باتجاه آسيا والمحيط الهادئ، سيبذل حلفاؤهم الأوروبيين كل ما بوسعهم من أجل إبطاء هذه الخطوة، فلديهم ما يكفيهم بسبب الوضع في أوكرانيا، إذ لا قدرة لهم على التعامل مع الصين في الوقت الحالي".

وفي ما عدا المملكة المتحدة، لم يتورط أعضاء الـ "ناتو" الأوروبيون كثيراً سواء تاريخياً أو جيوسياسياً في منطقة المحيط الهادئ، وهناك تخوف من أنه في حال انضم الـ "ناتو" إلى الجهود الأميركية ضد الصين فقد ترد بكين بزيادة دعمها المادي للجهد الحربي الروسي.

وقال ستولتنبرغ، "نرى أيضاً التقارب بين الصين وروسيا، وليست الصين عدوتنا لكنها تشكل تحدياً لأمننا ومصالحنا وقيمنا".

لكن في نهاية المطاف قد لا يتبقى أمام دول القارة الأعضاء في الـ "ناتو" أي خيار سوى الانضمام إلى جهد التصدي للصين، فحتى عندما تقول الدول الأوروبية العضو في الـ "ناتو" إن الحلف ليس مخولاً بالتحرك خارج إطار الأمن الأوروبي، ابتاعت الصين بالفعل بعض أجزاء البنية التحتية الحيوية، ومنها موانئ بحرية وشبكات اتصالات، في دول أوروبية من أعضاء الـ "ناتو" وغيرها، وقد واظبت على امتداد 12 عاماً تقريباً على ضخ ما معدله مليار دولار سنوياً في دول البلقان الغربية، ومن بينها ألبانيا والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية، وهي جميعها أعضاء الـ "ناتو"، واتهمت باستغلال استثماراتها في البنى التحتية المدنية من أجل القيام بالتجسس والتسلل والتضليل.

ويقول ليتيه، "إن الصين موجودة هنا بالفعل وأصبحت عنصراً لا يمكن تفاديه في الأمن الأوروبي، وهي تصبح تلقائياً مصدر قلق لأوروبا لأننا نحتاج إلى الدفاع عن أنفسنا من الصين على حدودنا".

وتظهر هذه التحديات المزعجة في الوقت الذي أزيحت جانباً الأسئلة الملحة حول أهمية الحلف بعد غزو بوتين، ووفقاً لاستطلاع آراء أجري في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، سيصوت 70 في المئة من مواطني دول الـ "ناتو" للبقاء في الحلف لو أجري استفتاء حول الموضوع، أي بزيادة عن معدل 62 في المئة العام السابق، فيما لن يصوت سوى 11 في المئة لمصلحة خيار الانسحاب، وهذا يسهم في ضمان قدرة الحلف على التركيز على الحرب في أوكرانيا وتداعياتها، لكن لا يمكن له أن يسمح للمناوشات التي تصاحب بعض القضايا الأكبر المحيطة بالغزو بأن تقسم جبهة يجب أن تكون موحدة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات