ملخص
يتخوف المتخصصون والجيولوجيون في لبنان من تأثير التفجيرات التي تقوم بها "الكسارات" في تحفيز النشاط الزلزالي، ويحذرون من كارثة ربما تفوق نتائجها تفجير مرفأ بيروت صحياً وبيئياً
في الثالث من يونيو (حزيران) الجاري شعر أهالي محافظة البقاع اللبنانية بهزة أرضية اعتقد كثيرون أنها ناجمة عن حركة في فالق اليمونة، ولكن سرعان ما توجهت أصابع الاتهام إلى الكسارات (تعمل في المحاجر الجبلية، وتقوم بتكسير الصخور إلى منتجات تستخدم في البناء)، بعد تأكيد الأهالي سماع صوت انفجار قوي قبل وقوع الهزة.
هزة مسيسة
أدت الهزة الأرضية في منطقة قاع الريم قرب زحلة، شرق لبنان، إلى إثارة ملف الكسارات مجدداً في البلاد وأثرها في السلامة العامة والصحة والبيئة، ولم يصدر أي بيان رسمي حاسم يحدد المكان الحقيقي للتفجير، الأمر الذي جعلها مثار تساؤلات عن المصدر الحقيقي لها، ففي أعقاب الشعور بها امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بأحاديث عن التفجيرات داخل المحاجر، والإشارة إلى أن مصدر الهزة منطقة كفر سلوان في قضاء بعبدا.
البرلماني وأمين سر "اللقاء الديمقراطي" هادي أبو الحسن سارع بتقديم بلاغ إلى النائب العام التمييزي غسان عويدات، وكذلك مدعي عام البيئة في منطقة البقاع لكشف الأمر والتصدي لكل من يحاول تضليل التحقيق والافتراء لحرف الأنظار عن الفاعل الحقيقي. وقال أبو الحسن "وقع انفجار ضخم أدى إلى هزة أرضية بقوة ثلاث درجات، وبدأ الحديث عن استخدام نيترات أمونيوم ومواد محظورة، ووجهت بعض الجهات الاتهام نحو الحزب التقدمي الاشتراكي، وأنه يعلم ويغطي هذه الأعمال". وطالب بـ"توسع التحقيقات لمعرفة خفايا الأمور"، مضيفاً "تحدثوا عن كسارات في بلدتنا، والإيحاء بأننا نغطيها، والهدف هو الإساءة وإثارة الحساسيات المناطقية".
وفي معرض رده عن الغطاء الأمني والسياسي للكسارات، في عموم البلاد، أضاف أبو الحسن "نحن غير معنيين بما حدث لا من قريب أو بعيد لأنه في نطاق زحلة (إحدى مناطق محافظة البقاع)"، لافتاً إلى أنه يجب على الأجهزة الأمنية تحديد المكان ومعرفة تفاصيل الواقعة، وصولاً إلى محاسبة من تسبب في الهزة".
وناشد البرلماني اللبناني الجهات المسؤولة تتبع الأمر لما له من خطورة، منوهاً بأهمية "معرفة من فجر؟ ولأي غرض؟ ومن أين أتى بالمتفجرات ونحن ما زلنا نعيش في ظل انفجار مرفأ بيروت؟".
الكسارات الخطرة
من جهته طالب الجيولوجي طوني نمر بالتعاطي الشفاف مع ما جرى في الهزة الأرضية، مناشداً الجهات الرسمية مصارحة المواطنين بالسبب الذي أحدث الحركة الزلزالية، متابعاً "يمكننا تحديد موقع التفجير المسبب للهزة من خلال تسجيل زلزالي الذي يمتلكه مركز (بحنس للجيوفيزياء) والذي يقع على عاتقه تحديد الموقع". وأشار نمر إلى أن "الموقع الذي حدده مركز بحنس للهزة هو خارج كسارات المنطقة"، متابعاً "ما دام هناك صوت تفجير، فإن هذا يعني أننا أمام هزة محفزة"، رافضاً تحديد طبيعة أو خلفيات التفجير في غياب نتائج واضحة وصادرة عن الجهات الرسمية.
ويجزم نمر بخطورة وجود الكسارات ضمن نطاق الفوالق الزلزالية، وأن "تكرار التفجيرات المشابهة متوقع أن يتسبب فيما لا تحمد عواقبه"، مضيفاً "منذ شهر وقع تفجير في كسروان، وبعد مضي ساعة من الزمن، وقعت هزة على عمق تسعة كيلومترات بالمنطقة عينها، والآن تكرر المشهد في زحلة، ولكن الفارق أنه لم يحدث اعتراف حتى الساعة بوجود تفجير سابق لها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد نمر على ضرورة كبح الكسارات في المناطق الواقعة عند الفوالق الزلزالية، محذراً من مشهد قاتم حال تكرار تلك الأفعال التي تشكل ضغوطاً غير محمودة النتائج، مشيراً إلى "وجود أربعة فوالق زلزالية في لبنان، أحدها فالق اليمونة الذي يمتد بطول البلاد، وتوجد عليه كسارات، ومن ثم لا يجوز استخدام المتفجرات في تلك المناطق لأن أي هزة بقوة سبع درجات ستكون كارثية".
أعباء الكسارات
أعاد تفجير زحلة تسليط الضوء على مخاطر الانتشار العشوائي للكسارات، والخسائر الناجمة عنها، سواء كانت على المستوى البيئي أو الصحي، وتشكل منطقة "شكا الكورة" نموذجاً حياً لمعاناة اللبنانين منها، والتي يصدق وصفها بـ"آكلة الأخضر واليابس"، حيث اختفت جبال عن بكرة أبيها لتأمين استمرارية مصانع التربة.
من جهته، قال مسؤول هيئة كفر حزير البيئية طوني سابا، إن "منطقة الكورة منذ سبعة عقود تدفع ثمن وجود الكسارات بها، إذ إنها نشأت من أجل تشغيل أبناء المنطقة، قبل أن تتوسع لإقامة معمل الأترنيت، وإنشاء شركة ترابة وطنية"، مشيراً إلى أثرها في قضم نحو ثلاثة ملايين متر مربع من جبال كفر حزير وآلاف الأمتار من البلدات المجاورة.
ولفت سابا إلى دور الكسارات في القضاء على مظاهر الحياة من الينابيع وأشجار الزيتون والعنب، وكذلك تسببها في تغيير مناخي، قائلاً إنها "جلبت الموت وأمراض السرطان للأهالي" من خلال الغبار المجهري والانبعاثات الصادرة عن عمليات التفجير.
وأشار المسؤول البيئي إلى انتشار السرطان على نطاق كبير في بعض القرى مثل بلدة "فيع"، كذلك منازل كفر حزير "لم تعد صالحة للعيش بسبب كميات الغبار، وحتى لو كررت تنظيف المنزل 10 مرات يبقى متسخاً"، بحسب وصفه، لافتاً إلى أنه "على رغم انتهاء مهل التشغيل، تستمر الكسارات بالعمل مواربة، بداعي نقل الستوكات والمواد المخزنة داخل مستودعات الكسارة، في حين أنه يتم قضم مساحات إضافية من الجبال".
وانطلاقاً من تخصصه في الهندسة المدنية يجزم طوني سابا بعدم إمكانية استصلاح مواقع الكسارات في الكورة، لأنها قضمت جبالاً بارتفاع 300 متر، فيما يحدد القانون السقف بستة أمتار فقط".
أما رئيس جمعية "وصية الأرض" فارس ناصيف، فنوه بدور وزارة البيئة في عدم منح مهلاً إضافية لعمل الكسارات، مؤكداً أنها أخذت من الحكومات عشرات المهل "لتأهيل ما خربوه، ولكن لم يصلحوا شيئاً، علماً أن المهلة تعطى مرة واحدة فقط للإصلاح والتأهيل".
وأشار ناصيف إلى أنه "بعد أن تنبهت وزارة البيئة إلى عدم جدية المستثمرين وتحايلهم، انتقل هؤلاء لطلب إذن فتح المقالع (محاجر)"، كاشفاً عن وقوع تفجيرات بها تم فيها استخدام ما يقرب من 50 عبوة ديناميت أو نيترات أمونيوم".