Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هيفاء المنصور... أول سعودية تترشح لـجائزة الأسد الذهبي في البندقية

دخلت عالم السينما الغربية بجرأة وتحد... وتنجز فيلما لنتفليكس

المخرجة السعودية هيفاء المنصور (اندبندنت عربية)

مهرجان البندقية السينمائي الذي تُقام دورته الـ76 في نهاية هذا الشهر، كشف تفاصيل برنامج حافل بأفلام جديدة ومنتظرة تحمل تواقيع كبار القامات في عالم الإخراج. مفاجأة: ضم "المرشّحة المثالية" للمخرجة السعودية هيفاء المنصور إلى المسابقة. هذا حدث ثقافي بارز تصنعه تظاهرة هي الأبعد زمنياً بين كلّ التظاهرات السينمائية في العالم. وهكذا، تكون المنصور أصبحت أول مخرجة سعودية تُرشَّح لـ"الأسد الذهبي" التي تُمنَح في ختام المهرجان.

تُعتبر المنصور أول مخرجة سعودية تتولى صناعة الأفلام. تعود بداياتها إلى مطلع الألفية الثالثة. أنجزت أفلاماً وثائقية وقصيرة عدة قبل أن يطير صيتها مع "وجدة" (عُرض أيضاً في البندقية) الذي لاقى استحساناً نقدياً وجماهيرياً، الأمر الذي شرّع لها أبواب الغرب حيث أنجزت فيلمها الروائي الطويل الثاني "ماري شيلي" (2017).

هيفاء المنصور واحدة من اثني عشر ابناً وبنتاً رزق بهم الشاعر عبد الرحمن المنصور. بعد تخرجها من الجامعة الأميركية في القاهرة حيث درست الأدب الإنجليزي المقارن. امتشقت الكاميرا لتحمل على عاتقها وضع المرأة السعودية على خريطة السينما، بهدف كشف مشاكل البيئة التي عاشت فيها، بيئة ينظر بعض أهلها إلى السينما كأنها شر مطلق.

في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، نهضت السينما في السعودية ، على الرغم من عدم وجود صالات سينمائية (كان هواة السينما يذهبون إلى البحرين لمشاهدة الأفلام). في عام واحد (2006)، أربعة أفلام خرجت إلى الضوء، منها "نساء بلا ظل" لهيفاء المنصور التي كانت وقتها في بداية الثلاثينيات من عمرها؛ شابة خجولة وطموحة. راحت الكاميرا تصوّر الناس في بلد لا يوجد فيه أي تقليد سينمائي. وبدأ السعوديون ينظرون إلى عدسة الكاميرا للمرة الأولى في حياتهم، وذلك بعد أكثر من قرن على ولادة السينما في العالم. هذه السينما كانت غائبة لأسباب عدة، في مقدمها الأيديولوجيات المتشددة التي حرمتها. حتى في الخليج، لم تُنتَج طوال القرن الماضي، سوى أعمال نادرة جداً أهمها الفيلم الكويتي الشهير "بس يا بحر" (1972) لخالد الصدّيق. مع تبدّل واقع العالم وانطلاق مسار الانفتاح، بدأت رحلة السينمائيين السعوديين في مطلع الألفية الثالثة، وها إن الحضور السعودي يبلغ مسابقة أعرق المهرجانات السينمائية، وهذا إنجاز لم تحققه دولة عربية أخرى في هذه الدورة. حتى مصر ذات التاريخ الفنّي والسينمائي الثري جداً، غائبة تماماً عن المهرجان.

في ظلّ النساء

"مَن؟" فيلم المنصور القصير الأول، طرح قصة السفّاح الذي أُشيع بأنه "امرأة" قبل أن يتبين أنه رجل متنكّر في زي امرأة محجّبة. هذه القصة عنت الكثير لها لأنها تعكس غياب هوية المرأة وتشير إلى استغلالها حتى في موضوع القتل. فيلمها الروائي القصير الثاني، "الرحيل المر"، تحدّث عن التغريب بمفهومه الأوسع، وتمحور على شاب سعودي بسيط يجيد الغناء والشعر، فيهاجر بحجّة الدراسة ولا يعود. صوّرت المنصور في هذا الفيلم الأشياء التي ضاعت بسبب النزوح من القرى إلى المدينة. أما "نساء بلا ظل" فيطرح قضيّة المرأة في المجتمع السعودي، علاقتها بالرجل، الإشكالات الثقافية والفكرية، موقف الدين من قضيتها. يتناول كذلك المسائل المتصلة بعمل المرأة، وقضايا الاختلاط والزواج وحرية الاختيار. باختصار، كلّ ما يجب معرفته عن وضع المرأة في السعودية.

أتاحت المخرجة الكلام لنساء لا يحق لهن الظهور والتعبير عن أنفسهن، وأثارت مسألة صعوبة تصوير الواقع. التزامها قضيّة المرأة دفع بها إلى تبنّي الكاميرا أداةً للتعبير، في مجتمع تحيط بالصورة مفاهيم متناقضة. في مقابلاتي المتكررة معها على مرّ السنوات، داخل المهرجانات العربية والغربية، كنت أسألها دائماً إذا يمكن تأمين جوّ الإبداع في مناخ حافل بالمحظورات. كانت مرحلة نطرح فيها أسئلة كثيرة ونتلقى أجوبة قليلة، محسوبة ومدروسة.

ليست ناطقة باسم أحد

"وجدة"، فيلمها الروائي الطويل الأول الذي أنجزته المنصور عام 2012، كرّسها في المحافل الدولية. صحيح أن الفيلم يمتاز ببعض الجوانب الفنية، إلا أنه لا يمكن فصل مسألة انتشاره والثناء عليه في الغرب عن حقيقة أنه يحمل توقيع سيدة سعودية تطرح قضيّة المرأة في بلد إسلامي، وهذه وحدها قضيّة تشد انتباه الغرب. وجدة (وعد محمّد) فتاة حالمة، من عائلة متواضعة، طموحها ركوب دراجة هوائية، على الرغم من أنها محظورة على البنات في السعودية. ومع ذلك، فهي تحاول جمع المال لشرائها، كي تتسابق مع ابن الجيران. ولكن، مخططها ينكشف في النهاية.

"وجدة" فيلم نسوي، تتطرق فيه المنصور مرة أخرى إلى قضيتها المركزية: المرأة. ذلك أن البطلة هذه يوجد مثلها كثيرات في الرياض ومدن أخرى، وهن يشكلن مستقبل البلاد. يبقى "وجدة" فيلماً وجدانياً، يحمل نبلاً خاصاً لا يُترجَم إلى أفكار سينمائية طليعية، محاولاً أن يكون قفزة نوعية إلى مكان آخر من سيرة السينما السعودية الصعبة، ولكن يترك الحكم الأخير للمُشاهد.

بعد "وجدة"، روت لي هيفاء أنها تلقت الكثير من العروض التي كانت نسخة باهتة لهذا الفيلم. بعضها عن نساء عربيات تربين في الغرب. كليشيهات عن العلاقة بين الشرق والغرب. لكنها رفضت البقاء في هذا الحيز من الأمان، خشية من الوقوع في التكرار. صحيح أنها "المخرجة العربية التي تحمل راية المرأة العربية"، ولكنها لم تنو أن تكون سفيرة، إذ لديها طموحاتها الفنية الخاصة. تقول إنها لا تحبّ أن تتكرس كناطقة باسم أحد، وتعبّر عن انزعاجها من توجّه معين في الفكر الغربي الذي يعتبر المرأة العربية مستسلمة وخاضعة ويجب "إنقاذها".

ماري شيلي... سعودية

بعد ذلك، اختارت المنصور خوض مغامرة إنجاز أول فيلم ناطق بالإنجليزية في مسيرتها: "ماري شيلي". الفيلم سمح لها بالقفز إلى "العالمية"، الوصف الذي تحبّه الصحافة العربية. يستعيد العمل فصولاً من سيرة الكاتبة الإنجليزية ماري شيلي (1797-1851)، لقراءة مرحلة من تاريخ بريطانيا عندما كان لا يزال سيف الأبوية مصلتاً على النساء. عاشت شيلي في هذه البيئة الذكورية، قبل أن تبتكر شخصية فرانكنشتاين، وتتحول شيئاً فشيئاً رمزاً للنضال النسوي. خيار منصور لهذا الموضوع لم يأتِ من فراغ، فهي وجدت فيه صدى لواقع عاشته وتعرفه عن كثب. في مقابلة لي معها أخبرتني عن شعورها أن شيلي تشبه أيّ فتاة سعودية. قالت: "شيلي تحاول أن تكون كاتبة، والناس من حولها يحاولون إقناعها بأنها غير قادرة على ذلك. كان أمامها طريق آخر هو طريق الأدب النسائي التقليدي، أي الكتابة عن أشياء كالغيرة والحبّ والزواج، على غرار أدب جاين أوستن، إلا أنها رفضت السهولة، لكونها مشغولة بأدب قوامه فلسفة الوجود ومعانيه".

شروط عمل هيفاء كمخرجة سعودية تقتحم السينما الغربية لم تكن سهلة ولم تخلُ من تحديّات. تقول إن إدارة طاقم عمل كامل، صعبة، خصوصاً أنها امرأة توجّه التعليمات لمجموعة ذات غالبية من الرجال. التمييز الجندري موجود حتى في الغرب. "يقاومون المرأة، ولكنني اعتدتُ ألا أهتم… لا أسمح لأحد بتشويش أفكاري". لذلك، يمكن القول إن تجربتها في الغرب كانت شبيهة بظروف إنجازها "وجدة"، لكنّ هناك فرقاً رئيسياً هو أنه في الغرب لا أحد يستطيع إيقاف التصوير، ولا يستطيع المجتمع رفض أفكارها ومعارضتها. وهذا ما جعلها تعمل براحة أكبر، بعد أن تخلّصت من الخوف الذي كان في داخلها.

لهيفاء مشاريع كثيرة اليوم: فيلم لحساب "نتفليكس" عنوانه "نابولي إلى الأبد"، وهو كوميديا عن سيدة أفرو أميركية تعيش في حيّ تقليدي. وفيلم تحريك عن ناقة سعودية تسافر من الرياض إلى أبو ظبي كي تشارك في مسابقة ملكة جمال الإبل. في انتظار أن يتحوّل هذا كله واقعاً ملموساً، نحن على موعد مع "المرشّحة المثالية" في البندقية، هذه الطبيبة السعودية التي تقرر الترشّح لانتخابات البلدية.

المزيد من فنون