Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفينيقيون بنوا في طرابلس الليبية أضخم منفذ بحري على المتوسط

الاحتكاك المتواصل بشعوب مختلفة وثقافات متنوعة أسهم في صنع الشخصية المدنية المنفتحة لسكان المدينة

لعب ميناء طرابلس أدواراً بارزاً في تاريخ المدينة (موقع ميناء طرابلس)

ملخص

تكمن أهمية ميناء في طرابلس في موقعه المميز الذي جعله بوابة للتبادل التجاري بين أوروبا وأفريقيا لقرون كثيرة

تمتلك العاصمة الليبية طرابلس واحداً من أهم الموانئ في شمال أفريقيا وأكبرها حجماً، ليس في التاريخ المعاصر فقط بل على امتداد تاريخها منذ نشأتها في القرن السابع قبل الميلاد على يد الفينيقيين الذين اختاروا موقعها بشكل أساس لبناء هذا الميناء الذي يمنحهم مزايا عسكرية واقتصادية كبيرة.

ولعب ميناء طرابلس أدواراً بارزاً في تاريخ المدينة في القرون اللاحقة لتأسيسها، وأسهم في بناء سمعتها وتاريخها العريقين، خصوصاً منذ بداية القرن الـ 16 الذي امتلكت فيه المدينة أسطولاً بحرياً قوياً، هزم يوماً أسطولاً أميركياً غازياً، في حادثة خلدها النشيد الوطني للولايات المتحدة حتى يومنا هذا.

منفذ متوسطي بارز

أسس الفينيقيون طرابلس منذ البداية لتكون منفذاً بحرياً بارزاً على البحر الأبيض المتوسط، لذا قاموا بتأسيسها على خليج صخري اختاروه بعناية بعد أن فروا من صقلية بسبب الاضطرابات الأهلية هناك.

وتعود تسمية المدينة إلى أنها واحدة من مدن ثلاث بناها الفينيقيون، وهي أويا (طرابلس الحالية) ولبدة وصبراتة، وحملت مجتمعة اسم "تريبولي" التي اشتق منها الاسم الحالي للعاصمة الليبية.

وأصبحت طرابلس بسرعة بسبب موقعها المميز، محطة مهمة للتبادل التجاري بين أفريقيا وأوروبا في القرن السابع قبل الميلاد، زمن الفينيقيين، وازدهر دور هذه المدينة في مجال التبادل بين الشمال والجنوب، وازدهر معه ميناء المدينة الذي انتعش بسرعة وكان سبباً رئيساً في تحولها إلى أهم مدينة ليبية.

السعة الحالية

ومع مرور الوقت توسع ميناء طرابلس لتبلغ مساحته الإجمالية حالياً 4 ملايين متر مربع تديره وتقدم له الخدمات منذ عام 1986 "الشركة الاشتراكية للموانئ" سابقاً، واسمها الجديد الآن "الشركة الليبية للموانئ" ومقرها مدينة مصراتة، وهي التي تدير الموانئ التجارية الليبية كافة.

ويتوفر الميناء على 27 رصيفاً بينها 20 رصيفاً للبضائع العامة وثلاثة أرصفة للخدمات، وتبلغ قدرته الاستيعابية السنوية، بحسب الشركة المشرفة عليه، 4500 مليون طن للوردية الواحدة.

وتوجد في الميناء منارة مشهورة يبلغ ارتفاعها 116 قدماً من مستوى سطح البحر يصل مدى إضاءتها إلى 16 ميلاً بحرياً، وأسست حديثاً لتحل محل المنارة التاريخية التي شيدت عام 1880 ودمرت أثناء الحرب العالمية الثانية في 1943.

العصر الذهبي

وشكل القرن الـ 16 والقرنان التاليان بعده العصر الذهبي لميناء طرابلس والمدينة برمتها.

وبداية من هذه المرحلة بدأت طرابلس تمهد لانتزاع مكانتها عاصمة لإقليمها الذي سمي باسمها في العهد العثماني "إقليم أو ولاية طرابلس الغرب" ولليبيا بأكمها في مراحل تالية، وكان لمينائها المزدهر اليد العليا في تشكيل هذه المكانة السياسية لطرابلس عبر بوابة الاقتصاد والتبادل التجاري مع دول العالم كافة، وهذا الاحتكاك المتواصل بشعوب مختلفة وثقافات متنوعة أسهم في صنع الشخصية المدنية المنفتحة لسكان طرابلس والتي لا تزال تنفرد بها عن مدن ليبية كثيرة تحيط بها، سيطر عليها الطابع البدوي إلى اليوم.

الفترة القرمانلية

وتعززت أهمية ميناء طرابلس أكثر فأكثر فترة حكم الأسرة "القرمانلية" لليبيا بعد انفصال الوالي أحمد باشا بالبلاد عن الخلافة العثمانية عام 1711، وبهذا الانفصال انتهى العهد العثماني الأول في ليبيا، وبدأ عهد القرمانليين الذين بنوا أول أسطول بحري ليبي قوي في فترة اتسمت بالصراعات البحرية على المستوى الدولي، وشكلت فيه الأساطيل البحرية أساساً ومقياساً للقوة العسكرية.

وخاضت طرابلس خلال هذه الفترة صراعات بحرية تاريخية بدأت عام 1728 عندما رفض أحمد باشا القرمانلي دفع التعويضات والكلف عن غارات القراصنة المتكررة لأسطول فرنسي بقيادة إيتيان نيكولا كرانبريه ليقصف أسطول الأميرال الفرنسي ميناء ومدينة طرابلس لمدة ستة أيام، دمرت على إثره بشكل شبه تام. 

وعندما أعاد القرمانليون بناء طرابلس منحوا أهمية أكبر للميناء وعززوا تحصيناته وقاموا بتوسعته وزادوا من قدرة الأسطول البحري لحمايته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حرب السنوات الأربع

وفي فترة حكم يوسف باشا القرمانلي بداية القرن الـ 19 بلغ ميناء طرابلس أوج قوته وازدهاره، وامتلكت البلاد في عهده قوة بحرية مهابة الجانب حتى إنها خاضت مواجهات بحرية مع الولايات المتحدة لبسط النفوذ والسيادة في البحر الأبيض المتوسط.

وبعد صراع شديد انتهت حرب القرنامليين مع واشنطن بتوقيع معاهدة سلام تلتزم فيها أميركا بدفع ضرائب سنوية لباشا طرابلس في مقابل عدم التعرض لسفنها في البحر الأبيض المتوسط.

وقد أثرت تلك الحرب في أميركا لدرجة أن نشيد البحرية الأميركية الذي كان يردد آنذاك ولم يتغير حتى وقتنا هذا، يتضمن مقطعاً يخلد هذه الحادثة ويقول "من قاعات مونتيزوما إلى شواطئ طرابلس نحن نخوض معارك بلادنا في الأرض والبحر".

وتعود أحداث تلك الأزمة إلى أواخر القرن الـ 18 الميلادي حينما بدأت السفن الأميركية تبحر بحرية في البحار والمحيطات عقب انفصالها عن إنجلترا عام 1776، ورفع أعلامها للمرة الأولى على السفن عام 1783.

وفي ذلك الوقت كانت الأساطيل الليبية والجزائرية تعمل على حماية السفن التجارية التي تمر بالبحر المتوسط من القراصنة في مقابل ضريبة تدفع لها من قبل السفن الأجنبية.

وبالفعل عام 1801 طلب يوسف باشا القرمانلي من الرئيس الأميركي توماس جيفرسون زيادة الضريبة الأميركية المدفوعة إلى 226 ألف دولار سنوياً، ولكن الرئيس الأميركي الذي كان يثق في قوته البحرية المنشأة وقتها تجاهل طلب الحاكم الليبي.

وشعر يوسف باشا بالمماطلة الأميركية في الدفع فعمد إلى إهانتهم بإنزال العلم الأميركي المرفوع فوق القنصلية الأميركية في طرابلس، ونشر قواته البحرية للبحث عن السفن الأميركية والاستيلاء على ما بها من غنائم، وكان هذا بمثابة إعلان الحرب الليبية - الأميركية.

هزيمة الأسطول الأميركي

وفي يوليو (تموز) عام 1801 بعثت الولايات المتحدة أسطولاً حربياً مكوناً من مدمرتين "فيلادلفيا" و "بريزيدنت" كل واحدة منهما كانت مزودة بـ 44 مدفعاً، وكانت رفقتهما سفينتان حربيتان على كل منهما 32 مدفعاً، وبعد ذلك توالت الإمدادات وأمر الرئيس الأميركي عام 1803 قواته بحصار طرابلس وقصفها.

وفي أواخر أكتوبر (تشرين الأول) عام 1803 تمكنت البحرية الليبية من أسر المدمرة فيلادلفيا وأخذها لميناء طرابلس، وأسر 308 بحارين أميركيين كانوا على متنها وعلى رأسهم الكابتن بينبريدغ، ولما عجز الأميركيون عن استرداد المدمرة تسللوا إليها وقاموا بنسفها حتى لا يفرح الليبيون بمثل تلك الغنيمة.

وقد كان لحادثة أسر فيلادلفيا أثر كبير على نفوس القوات البحرية الأميركية.

وتم توقيع معاهدة لإنهاء الحرب في العاشر من يونيو عام 1805 بعد حرب دامت أربع سنوات بين الطرفين عرفت بـ "اتفاق طرابلس"، ونصت على أن تدفع الولايات المتحدة غرامات مالية قدرها 3 ملايين دولار من الذهب الخالص وضريبة سنوية تقدر بـ 20 ألف دولار، واستمرت الولايات المتحدة في دفع تلك الضريبة حتى عام 1812 خوفاً على سفنها من القرصنة والسلب.

المزيد من منوعات