Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان المبتلى... عندما تترك الأزمة أثرها في الأبدان

أمراض الكبد والتهاب السحايا والزحار والكوليرا والحصبة الأكثر انتشاراً بسبب "قلة النظافة" والقلب والسرطان في القائمة

تراجعت معدلات التلقيح في لبنان بسبب وباء كورونا والأزمة الاقتصادية (رويترز)

ملخص

في حين كان بعضها من الأمراض التي انخفضت فعلاً نسبة الإصابة بها سابقاً، لعبت عوامل جديدة دوراً في انتشارها مجدداً وبنسب أعلى، مثل تراجع معدلات التلقيح، وارتفاع نسب التدخين، وتداعيات الأزمة الاقتصادية. فما الأمراض الأكثر انتشاراً في لبنان؟

لائحة الأمراض الأكثر انتشاراً في أي بلد آخر تخضع لتغير دائم، فهناك عوامل عدة تلعب دوراً في إحداث هذا التغير. وفي لبنان بشكل خاص يبدو أن الأمراض التي تحتل المراتب الخمسة الأولى بين الأمراض الأكثر انتشاراً للعام الحالي ترتبط إلى حد كبير بالأزمة الاقتصادية وتداعياتها.

في حين كان بعضها من الأمراض التي انخفضت فعلاً نسبة الإصابة بها في البلاد سابقاً، لعبت عوامل جديدة دوراً في انتشارها مجدداً وبنسب أعلى، مثل تراجع معدلات التلقيح، وارتفاع نسب التدخين، وتداعيات الأزمة الاقتصادية.

ويتوقع الأطباء أن تبلغ معدلات الإصابة بأمراض خطرة نسبة مقلقة في الأعوام المقبلة ضمن تداعيات الأزمة الاقتصادية، نظراً إلى انخفاض معدل المعاينات والفحوص والمتابعة الطبية عامة بسبب الوضع المعيشي الخانق بما يتخطى قدرة المواطنين على التحمل.

أمراض قلة النظافة

تنقسم الأمراض المنتشرة في لبنان بين تلك المعدية وأخرى غير الانتقالية. وبحسب برنامج الترصد الوبائي في وزارة الصحة العامة، تحتل أمراض الالتهاب الكبدي (أ)، والتهاب السحايا، والزحار أو الدوسنتاريا المسببة للإسهال، والكوليرا، والحصبة، المراتب الخمس الأولى بين الأمراض المعدية الأكثر انتشاراً في البلاد.

ويرتبط بعض هذه الأمراض بعدم معالجة مياه الصرف الصحي واختلاطها بالمياه الجوفية في مناطق عدة في لبنان، وفق ما يوضح طبيب العائلة في مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" هادي جلخ، الذي يشير إلى أن الوضع ازداد سوءاً بوجود مخيمات اللاجئين، فعلى سبيل المثال ينتقل الالتهاب الكبدي (أ) عبر الغذاء والمياه الملوثة، لارتباطه إلى حد كبير بالنظافة، وهو ما يفسر انتشاره بشكل خاص خارج العاصمة وفي المناطق النائية تحديداً، حيث الخدمات الأساسية كالمياه النظيفة والصرف الصحي والرعاية الصحية محدودة. علماً أنه لا علاج لهذا المرض، ومن هنا تأتي أهمية الوقاية منه باللقاح.

ينطبق الأمر كذلك على الكوليرا كعدوى معوية ترتبط الإصابة بها بتراجع معدلات النظافة وتناول الطعام الملوث أو المياه غير النظيفة. مع الإشارة إلى أن مرض الكوليرا تفشى منذ العام الماضي في لبنان، وسجل حينها ارتفاعاً ملحوظاً في أرقام الإصابات.

والكوليرا بكتيريا تنتقل في المياه المتسخة والأكل الملوث واليدين الملوثتين، لذلك حذرت منظمة الصحة العامة من انتشارها السريع، وأطلقت وزارة الصحة حملات تلقيح واسعة لمواجهتها، كونها قد تؤدي إلى الوفاة خلال ساعات نتيجة الجفاف الحاد. وجرت التوعية حول أهمية تعقيم المياه والطعام قبل تناولهما ومعالجة مياه الصرف الصحي وتلقي اللقاح، وإن كانت فاعلية اللقاح محدودة في الزمن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما بالنسبة إلى الزحار أو الدوسنتاريا، فهو عبارة عن التهاب معوي يصيب القولون بشكل أساس، وتقتصر أعراضه على آلام خفيفة في المعدة مع إسهال، لكنه في لبنان سجل ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الإصابة به، وكانت قلة النظافة هنا أيضاً عاملاً مهماً في انتقال العدوى لاعتبار أن هذا المرض يرتبط بالتلوث، وفق ما يوضح جلخ، مشيراً إلى أن هذه الأمراض كلها تزداد انتشاراً في لبنان، وترتفع معدلاتها بشكل خاص خارج بيروت.

ويحتل مرض التهاب السحايا المرتبة الثانية بين الأمراض المعدية الأكثر انتشاراً في لبنان، وينتج من فيروس أو من بكتيريا، لكن معظم الحالات في لبنان ناتجة من فيروس. ويتوافر اللقاح الذي يساعد بطريقة غير مباشرة على الوقاية، لكن نتيجة عدم استكمال برنامج اللقاحات، وتراجع معدلات التلقيح في لبنان بسبب وباء كورونا أولاً والأزمة الاقتصادية ثانياً، ارتفعت معدلات الإصابة بالمرض.

قد لا يؤدي التهاب السحايا الفيروسي دوماً إلى مضاعفات خطرة إلا لدى من يعاني ضعفاً في المناعة أو كان مصاباً بالأيدز، حينها تشكل الإصابة خطراً على الحياة، أما في الحالات العادية فيشفى المريض خلال أسبوعين لا أكثر. وتعد الإصابة بالتهاب السحايا الناتج من بكتيريا أمراً نادراً في لبنان إلا في حال السفر إلى دول يتفشى فيها المرض.

وسجلت معدلات الإصابة بالحصبة في الأشهر الأخيرة ارتفاعاً مقلقاً أيضاً بعد أن اختفت بشكل شبه تام في السنوات الماضية. ويعود السبب أيضاً إلى تراجع معدلات التلقيح في البلاد، وأطلقت وزارة الصحة العامة حملات تلقيح واسعة ضد المرض، بالنظر إلى أنه قد يكون أكثر خطراً على الكبار ويتحول إلى التهاب السحايا.

السرطان وأمراض القلب

أما الأمراض غير المعدية التي تزيد الضغوط على القطاع الصحي والمجتمع في لبنان فهي أمراض القلب والشرايين والجلطات الدماغية والسرطان، وتحديداً سرطان الرئة وارتفاع ضغط الدم الذي يصيب نسبة عالية من المواطنين، إضافة إلى أمراض الكلى، إذ إن نسبة 91 في المئة من الوفيات مرتبطة بالإصابة بهذه الأمراض غير المعدية.

إضافة إلى الأزمة التي لعبت دوراً في ارتفاع معدلات الإصابة بهذه الأمراض بسبب تراجع معدلات المتابعة الطبية والمعاينات والفحوص، ثمة عوامل ترتبط بنمط الحياة كاتباع نظام غذائي غني بالدهون والسكريات. ومن المؤكد أن النظام الغذائي لمعظم اللبنانيين يحتوي على نسبة عالية من الدهون والسكريات في سنوات الأزمة مع تراجع معدلات البروتين في الغذاء، مما أدى إلى ارتفاع معدلات السمنة بالتالي زيادة الإصابة بالسكري وأمراض القلب.

ويبدو واضحاً أن هذه الأمراض مترابطة ولا يمكن فصلها، حتى إن النشاط الجسدي مهم في الوقاية منها بحسب الدراسات، لكن ممارسة النشاط الجسدي والرياضة عامة تراجعت من فترة انتشار الوباء وحتى اليوم، ويميل اللبنانيون عامة إلى الركود.

يشير جلخ إلى أن ارتفاع معدلات التدخين بأنواعه في لبنان يشكل الخطر الأكبر على المجتمع، وهذا ما يفسر كون سرطان الرئة المرض الرابع الأكثر انتشاراً في البلاد، إذ ترتفع معدلاته بشكل ملحوظ بالمقارنة مع دول أخرى. ويسهم التلوث في زيادة خطر الإصابة خصوصاً في لبنان، حيث تكثر المولدات الكهربائية مع ما ينتج عنها من انبعاثات كحل لانقطاع الكهرباء، إضافة إلى غياب النقل المشترك في البلاد مما يزيد معدلات التلوث. ويرفع التدخين من خطر الإصابة، لا بسرطان الرئة فحسب، بل وبمختلف الأمراض غير المعدية كأمراض القلب والشرايين وارتفاع ضغط الدم والجلطات الدماغية. ويعلو خطر الإصابة بهذه الأمراض حكماً بوجود العامل الوراثي إلى جانب العوامل المرتبطة بنمط الحياة.

يضيف جلخ "لا بد من التشديد على خطورة الوضع مع انتشار سرطان الرئة وظهور أرقام مقلقة مما يستدعي الحذر، إذ تظهر الأرقام ارتفاعاً بمعدل الضعف كل عام في السنوات الثلاث الأخيرة. وقد بلغت اليوم 5066 حالة، فيما سجل العام الماضي 3500 حالة، مقابل 2000 حالة عام 2021".

واللافت أن معدلات الإصابة بالذبحات القلبية في سن مبكرة، أي قبل سن الـ50، في تزايد مقلق. ولم تحدد بعد الأسباب وراء ذلك، في حين يرجح البعض أن يكون لقاح كورونا السبب وإن كانت الدراسات لم تثبت ذلك بعد، بحسب جلخ، لكن "في كل الحالات من الممكن المساهمة في الوقاية عبر ممارسة الرياضة، والامتناع عن التدخين، واتباع نظام غذائي صحي ومتوازن. يضاف إلى ذلك أن التوتر المرافق للأزمة وتداعياتها على المواطنين لعب دوراً أيضاً في ارتفاع معدلات الذبحات القلبية عامة في الأعوام الأخيرة، وفي سن مبكرة بشكل خاص. وهذه العوامل نفسها تنطبق على الجلطات الدماغية، بما أن الأسباب هي ذاتها بالنسبة إلى أمراض القلب والشرايين عامة".

ويتابع "هذه الأمراض تتطلب الحرص على مستويات الضغط والسكري لأثرها في الشرايين، وهو ما قد يتهاون فيه اللبنانيون بسبب الأزمة"، مشيراً إلى أن "أمراض القلب قد تعطي إنذاراً مسبقاً، لكن هذا الأمر لا ينطبق على الجلطات الدماغية التي تحصل من دون سابق إنذار، وتتطلب التدخل السريع لأن الوقت يلعب دوراً جوهرياً فيها فيؤدي أي تأخير إلى تلف في الخلايا العصبية في الدماغ بشكل لا يمكن معه العودة إلى الوراء. وبقدر ما يكون هناك تأخير تكون التداعيات أهم وأكثر خطراً، لذلك من المهم التحرك سريعاً بمجرد الشعور بثقل في اللسان وارتخاء في اليد".

تضاف إلى لائحة الأمراض السابقة أمراض الكلى التي قد تنتج أيضاً عن عدم ضبط مستويات الضغط والسكري، إضافة إلى أن تناول مضادات الالتهاب لفترة طويلة قد يسهم في الإصابة بمشكلات في الكلى أيضاً.

أما سرطان الثدي فعلى رغم أنه لا يحل بين الأمراض الخمسة الأولى، فإنه يقع ضمن الأمراض الـ10 الأكثر انتشاراً إلى جانب مرض ألزهايمر.

اقرأ المزيد

المزيد من صحة