Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وانغ بينغ يشرع الباب الخلفي للصناعة الصينية في "كان" 

يكشف المخرج واقع اليد العاملة الرخيصة وأحلام الشباب غير البعيدة

منج و الفيلم الصيني الذي يكشف أحلام الشباب الصغيرة (ملف الفيلم)

ملخص

في فيلمه المعروض ضمن مهرجان كان يكشف المخرج الصيني وانغ بينغ واقع اليد العاملة الرخيصة وأحلام الشباب في بلاده

للمخرج الصيني المشاكس وانغ بينغ فيلمان هذا العام في مهرجان "كان" السينمائي (16 - 27 مايو- أيار)، على غرار مخرج آخر يشارك بفيلمين: فيم فاندرز. وهذه ليست النقطة المشتركة الوحيدة بين الرجلين. فهما قفزا مراراً من نوع سينمائي إلى آخر، لا سيما من الروائي إلى الوثائقي، وإن جعل بينغ من الوثائقي شاغله منذ بداية الألفية. 

"شباب (ربيع)" هو فيلم بينغ الذي يُعرض في المسابقة مسجّلاً أول مشاركة له في السباق على "السعفة الذهبية"، وهو أيضاً عودة للفيلم الوثائقي إلى تشكيلة "كان" الرسمية بعدما فاز هذا النوع السينمائي بـ"أسد" البندقية و"دب" برلين في الأشهر الماضية. تبلغ مدة عرض الفيلم ثلاث ساعات ونصف الساعة وتطلب تصويره خمس سنوات و2600 ساعة من المواد المصورة، لا نرى شيئاً خلاله سوى مجموعة شبان وشابات يعملون في معامل الخياطة. من خلال يومياتهم المتكررة والمتعاقبة، يشرع الفيلم الباب الخلفي للصين الحديثة، حيث اليد العاملة الرخيصة (تصل ساعات العمل إلى 13 في اليوم) هي التي تسمح للبلاد بالهمينة على السوق العالمية. 

الأحلام المروضة

معامل الخياطة هذه معظمها في مدينة زيلي الكائنة على بُعد 150 كلم من شانغهاي. وفيها 18 ألف معمل مخصص لصناعة الألبسة، صناعة تجذب الشباب من المناطق الفقيرة والقرى النائية، وتتيح لهم ان يكسبوا عيشهم، وان يحققوا ذواتهم مادياً في بلد مثل الصين حيث الرأسمالية المقنعة. العمل في هذه المعامل يقرّب الشباب بعضهم من بعض، ومن البديهي ان تنشأ علاقات بقدر ما تنبثق صراعات. فالاحتكاك اليومي بين العاملين والعاملات يعزز الروابط. أما الأحلام، فهي واحدة بين الشباب: الاستقرار العائلي والعاطفي والمادي. لا أحد يحلم أبعد من قدرته على تحقيق الأحلام. هذا النوع من الترف غائب في بيئة شديدة الواقعية، شديدة التماس بالاحتمالات والفرص المتوافرة، وربما هذا الذي يجعل من الصين أمّة ناجحة. 

يموضع وانغ بينغ كاميراه وسط هؤلاء الشباب، مقترباً منهم قدر المستطاع. لا يعير اهتماماً لا للكادر ولا لأي شيء قد يعيق التواصل بينه وبين الشخصيات، أو يجمّل الواقع. تكمن أولويته في التقاط الواقع الصرف، وفي هذا الشأن بات "مدرسة" منذ عقدين من الزمن. برؤوسهم المنحنية في اتجاه آلة الخياطة، يحاول بينغ ترويض الواقع لعله يخدم خطابه عن واقع الصين اليوم. انها سينما صافية بلا أي تدخّل مباشر من المخرج، وبلا أي معلومات من شأنها فرض تدليس سياسي على المُشاهد. لا تعليق ولا شرح لما نراه، بل علينا اكتشاف الروابط من خلال رصد العلاقة بين الشخصيات، وهذا يتطلّب جهداً غير قليل من المُشاهد الذي سرعان ما يشعر بالتعب والملل والتكرار وسوء استخدام للزمن، نتيجة اسلوب بينغ في مواصلة التصوير، من دون ان يخلق أي صراع عند المُشاهد أو يأتيه بتساؤلات. هذا كله يعطي الاحساس بأن الفيلم قد يستمر إلى الأبد، وهو مجرد دفتر مفتوح لا تفعل الريح سوى قلب صفحاته بلا هدف. 

الأشياء المفتوحة

الخفّة المتعمدة التي يصوّر فيها بينغ حياة العاملين في الخياطة وتعاملاتهم اليومية المتكررة، لها وجهان: فبقدر ما يتخذ من هذه الشفافية اسلوباً ليلف العمل بالنقاء السينمائي، يمدنا بالقدر نفسه بإحساس مغلوط بأن كل شيء على ما يرام، ما دام العمّال يبدون سعداء، يضحكون ويتبادلون النكات، ويسمعون الموسيقى الصاخبة ويعملون بنشاط لا تشوبه شائبة. فلا شيء يشي عند وانغ بينغ بوجود مشكلة، وهذا عكس ما يريده المخرج. على السينمائي الذي يرغب في ترك الأشياء مفتوحة إلى هذا الحد أن يدفع ثمناً لخياره. المعلومات الوحيدة التي يمكن الإستعانة بها لإدانة نظام اقتصادي واجتماعي، هي تلك التي يمكن الإتيان بها من خارج الفيلم نفسه، أي ممّا نعرفه عن الواقع الصيني عبر الإعلام والسينما. 

ليس "شباب (ربيع)" سوى الجزء الأول من ثلاثية سينجزها بينغ الذي يعدنا بالمزيد في السنوات القادمة. هذا الذي وثّق واقع بلاده الاقتصادي وانعكاساته على المجتمع، بات اليوم في الخامسة والخمسين، وإذا نظرنا إلى سجله، نرى نشاطاً كبيراً، فهو أنجز تقريباً فيلماً كل عام منذ بدأ في الإخراج. يبقى فيلمه الأول، "غرب سكك الحديد" (2001)، هو المؤسس لخطاب لم يفعل سوى بلورته في العقدين الماضيين. يبلغ طول "غرب سكك الحديد" حوالى تسع ساعات، يروي من خلال ثلاثة أجزاء، التقهقر البطيء الذي أصاب المنطقة الصناعية في مدينة شنيانغ التي كانت ذات يوم نموذجاً صارخاً للإقتصاد الإشتراكي المعمول به في الصين. ولكن، مع نمو السوق الحرة والتوجه إلى صناعات بديلة، فإن العديد من المصانع أغلقت أبوابها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشهد الفيلم على كلّ البؤس الناتج عن هذا التغيير والذي يتسبب بالفقر والبطالة والتهميش. هذا العمل الذي يناقش بهدوء "الأضرار الجانبية لاقتصاد الصين المتحول" (هكذا تلقّاه الغرب آنذاك) استغرق تصويره سنتين في نهاية التسعينيات، عاش وانغ بينغ خلالهما أقرب ما يمكن إلى واقع الناس الذين يعتبرون ضحايا هذا التغيير.

لكنّ نهاية التسعينيات شيء وعقدين بعد بداية الألفية الثالثة شيء آخر. ومع ذلك، لم يختلف خطاب وانغ بينغ رغم اختلاف الظروف. ما عاد هناك سيد وعبد في النظام الحالي، فمع أحلام الشباب في أن يفتتحوا معاملهم الخاصة ويصبحوا أرباب عمل، أضحى عبد الأمس هو سيد اليوم، وهكذا إلى ما لا نهاية، في نظام ينسخ نفسه.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما