على الرغم من وصف رئيس الوفد الإيراني إلى اجتماع فيينا، وكيل وزارة الخارجية عباس عراقجي، للاجتماع الذي عُقد الأحد بأنه "بنّاء" وجرى في "أجواء إيجابية"، إلا أن مصادر أوروبية أكدت أن أجواء الاجتماع لم تخل من الغضب والمشادات، بخاصة في ما يخص الانتهاكات الإيرانية.
وباستثناء تصريحات عراقجي ورئيس الوفد الصيني الذي أكد التزام الأطراف المشاركة في الاجتماع بالاتفاق النووي مع إيران، لم يتحدث بقية رؤساء الوفود إلى الصحافيين عن أي إنجاز ملموس لا لإيران ولا للأطراف المتبقية في الاتفاق النووي معها.
ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق العام الماضي وإعادة فرض عقوبات على إيران وتشديدها أكثر من مرة هذا العام، تضغط طهران على الشركاء الآخرين في الاتفاق لاتخاذ موقف وتخفيف عبء تلك العقوبات عنها.
ويشمل الاتفاق مع إيران الذي وُقِّع عام 2015 كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين. ومنذ انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق، تحاول القوى الخمس الدولية الباقية الحفاظ عليه، لكنها تجد نفسها في موقف حرج مع تصعيد إيران لمواقفها وانتهاكها لبعض بنود الاتفاق إلى جانب التصعيد العسكري في الخليج.
تبرير ورفض
وتبرر إيران انتهاكها لبعض بنود الاتفاق بأنه يتماشى مع الانسحاب الأميركي منه، لكن الأطراف الأخرى، بخاصة الدول الثلاث الأوروبية تعتبر ذلك ضغطاً إيرانياً مرفوضاً لدفع الأوروبيين إلى اتخاذ موقف من الانسحاب الأميركي.
وزادت إيران أخيراً مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب لديها، متجاوزةً الحد المنصوص عليه في الاتفاق، كما بدأت بتخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من المعدل المحدد في الاتفاق النووي وهو 3.67 في المئة. ووصلت درجة التخصيب الآن إلى 4.5 في المئة. كذلك، تهدد إيران بإعادة تشغيل مفاعل "أراك" للماء الثقيل.
وإذا بدا أن الصين وروسيا قد تقبلان بتبرير إيران بأن انتهاكها لبنود الاتفاق، رد منطقي على الانسحاب الأميركي من الاتفاق، فإن القوى الأوروبية المعنية رفضته، ما حدا بدبلوماسي إيراني إلى القول إنه "من الممكن إلغاء كل تلك الخطوات، إذا وفت أطراف الاتفاق بالتزاماتها تجاه إيران".
كذلك لم يقبل الأوروبيون بربط احتجاز الناقلات بالاتفاق النووي، إذ رفض البريطانيون بشكل قاطع اعتبار احتجاز الناقلة الإيرانية في جبل طارق مطلع الشهر على أنه "تعطيل تصدير نفط إيران" الذي سمح به اتفاق عام 2015، ما يعطيها حق الرد بخطوة مماثلة، عبر انتهاك بند في الاتفاق. وموقف بريطانيا واضح تماماً وهو أن الناقلة الإيرانية احتُجزت لخرقها عقوبات مفروضة على سوريا. وكانت لندن كررت أنها مستعدة للإفراج عن الناقلة إذا ضمن الإيرانيون أنها لن تذهب بحمولتها إلى سوريا، لكن الإيرانيين رفضوا الإفصاح عن وجهة حمولة الناقلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توسيع إنستكس
وصرح المندوب الإيراني عقب اجتماع فيينا الأحد 28 يوليو (تموز) الحالي، أنه "لا يمكن القول إن كل المسائل حُلّت، لكن كانت هناك التزامات". ومن المسائل التي لم تُحَلّ، مطالب إيران بتوسيع الآلية التي توصل إليها الثلاثي الأوروبي معها لتخفيف حدة العقوبات الأميركية إلى حين حل الخلاف بينها وبين واشنطن.
والآلية المسماة "إنستكس" هي طريقة للتعامل المالي مع إيران من قبل الشركات الأوروبية، تجعلها تتفادى العقوبات الأميركية وبدأ العمل بها في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، وتشمل المواد الإنسانية والضرورية. لكن إيران تريد توسيع الآلية لتضم كل المعاملات التجارية التي لا تستطيع القيام بها نتيجة العقوبات الأميركية.
وكانت الصين الأكثر حرصاً على تطبيق آلية "إنستكس" على تعاملاتها مع إيران. وإذا كان اجتماع فيينا لم يشهد اعتراضاً على استيراد الصين للنفط الإيراني، فإن ذلك لاعتباره شأناً إيرانياً-صينياً وعلى طرفيه تحديد الموقف من العقوبات الأميركية، خصوصاً بعدما ألغت واشنطن مطلع مايو (أيار) الماضي، الاستثناء الذي كان ممنوحاً لست دول من بينها الصين لاستيراد النفط الإيراني.
وجاءت تصريحات فو تشونغ، رئيس الوفد الصيني، التي أشار فيها إلى رفض التصرف الأحادي الأميركي بالانسحاب من الاتفاق لتؤكد أن "الأطراف المشاركة في الاجتماع أيدت استمرار التجارة الصينية مع إيران".
نتيجة واحدة
وباستثناء الاتفاق على ضرورة عقد اجتماع للقوى الخمس مع إيران على مستوى وزراء الخارجية في موعد لم يُحدَد، لم يصل الاجتماع إلى أي اتفاق آخر.
وعلى الرغم من حرص الأوروبيين على الإبقاء على الاتفاق مع إيران باعتباره يحدّ من تطوير مقدراتها على إنتاج سلاح نووي، إلا أنهم في الوقت ذاته لا يريدون شقاقاً مع الولايات المتحدة، بخاصة تحت ضغط إيراني. مع ذلك، يتحسب الأوروبيون من أن التصعيد الحالي بين إيران والولايات المتحدة سينتهي على الأغلب باتفاق جديد بينهما، وتالياً لا ترغب القوى الأوروبية الثلاث في أن تكون بعيدةً عن ذلك الاتفاق أو الاستفادة منه.
حتى الآن، لم تفلح الضغوط الإيرانية عبر زيادة مخزون اليورانيوم ورفع نسبة التخصيب وحتى أعمالها التخريبية بتفجير الناقلات واحتجاز ناقلة النفط التي ترفع العلم البريطاني في خليج عمان في إقناع أوروبا بمعارضة أميركا وخرق عقوباتها على طهران.
ويرى محللون كثيرون أن استمرار إيران في التصعيد قد يقطع الشعرة الواهية التي يتمسك بها الأطراف الخمسة المتبقون في الاتفاق. وبدا ذلك وشيكاً في التصعيد الأخير بين بريطانيا وإيران الذي دفع لندن أكثر باتجاه الموقف الأميركي.