Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يعني توقيت اغتيال إسرائيل قيادات من "الجهاد"؟

تحاول تل أبيب دفع الحركة إلى حافة الهاوية واختبار القدرات الصاروخية للفصائل والتعرف على إطار المواجهة من مسارح عمليات عدة

ملخص

يتوقع جهازا "شاباك" و"أمان" مع استئناف سياسة الاغتيالات مجدداً أن تتمدد الأخطار ليس من القطاع إلى الضفة إنما أيضاً من لبنان وسوريا

هجمت 40 طائرة في سلاح الجو الإسرائيلي على قطاع غزة، إذ جرت تصفية ثلاثة من قادة "سرايا القدس" الذراع العسكرية لحركة الجهاد عبر سلسلة من الغارات، والهجمات التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية المسيرة استهدفت عدداً من قادة الفصائل الفلسطينية في القطاع هم جهاد غنام وطارق عز الدين وخليل البهتيني عبر عملية عسكرية في وقت واحد، وبشكل متزامن في مدينة غزة ورفح وشرق مدينة غزة.

دلالات مباشرة

جاءت العملية العسكرية بشكل مفاجئ بعد قرابة تسعة أشهر من أخرى إسرائيلية مماثلة استهدفت وقتها قيادات في سرايا القدس، كان من أبرزهم القائدان السابقان للمنطقة الشمالية تيسير الجعبري والمنطقة الجنوبية خالد منصور.

وكان جهاد غنام يشغل منصب أمين سر المجلس العسكري الأعلى منذ أعوام، ويعتبر من قيادات الصف الأول في الذراع العسكرية لحركة الجهاد، وهو المسؤول المالي للذراع العسكرية للحركة، كما كان مسؤولاً عن تجنيد خلايا تتبع الحركة في الضفة الغربية والعمل على تمويلها.

أما خليل البهتيني فكان يشغل منصب قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس، ووفقاً للطرح الإسرائيلي فهو وراء سلسلة من عمليات إطلاق الصواريخ، بخاصة الهجمات الصاروخية الأخيرة التي أعقبت وفاة خضر عدنان داخل سجنه بإسرائيل، ويصف جهاز الأمن الداخلي (شاباك) البهتيني بأنه رجل الظل.

أما القيادي الثالث الذي جرى استهدافه وهو طارق عز الدين، فأحد قادة العمل العسكري بسرايا القدس في الضفة الغربية وكان ضمن صفقة تبادل، كما شغل منصب المتحدث باسم حركة الجهاد عن ساحة الضفة الغربية.

مخطط سابق

من الواضح أن هناك تخطيطاً مسبقاً لهذه العملية النوعية منذ رمضان الماضي بعد إطلاق الصواريخ من غزة في أعقاب أحداث المسجد الأقصى، لكن تقرر تأجيل العملية وتنفيذها في وقت مناسب، ومنها الحصول على ضوء أخضر من الولايات المتحدة التي أحيطت بالتفاصيل، وهو ما سيثير رد فعل لاحق حول ما يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة من دور في إقرار التهدئة أو المطالبة بها مع الشركاء الإقليميين.

في هذه الأجواء المرتبكة أعلن منسق أعمال الحكومة في الأراضي الفلسطينية الجنرال غسان عليان عن إغلاق معبري إيرز وكرم أبو سالم من وإلى إسرائيل فوراً وحتى إشعار آخر، ووافق وزير الجيش يؤاف غالانت على تفعيل الخطة التي تسمح لسكان غلاف غزة بالإخلاء نحو باقي المناطق في كل المدن.

أغلق الجيش الإسرائيلي الطرق المحاذية للسياج الحدودي مع غزة وشاطئ زكيم، كما جرى وقف حركة القطارات بين عسقلان وسديروت تخوفاً من الصواريخ المضادة، وهناك حال تأهب قصوى خشية الرد من غزة، إذ جرى تعزيز بطاريات القبة الحديدية في تل أبيب، كما استدعت قوات احتياط بحسب متطلبات الجيش، فيما أمر رئيس بلدية عسقلان بفتح الملاجئ في جميع أنحاء المدينة بسبب الوضع الأمني مع غزة، وأعلن تغيير مسار حركة الطيران إلى مطار بن غوريون، فيما جرى إيقاف حركة القطارات جنوب عسقلان.

أهداف محددة

السؤال ماذا يجري في الحكومة الإسرائيلية؟ وما هدف العملية الحالية؟ فمن الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو خضع للضغوط الأمنية من داخل الحكومة المصغرة، وفي إشارة لها دلالاتها بأن الحكومة الإسرائيلية ومن الآن فصاعداً ستتبنى موقفاً تصعيدياً وليس تهادنياً، على رغم الرسالة الإيجابية التي جرى توجيهها للوسطاء الإقليميين وإلى المبعوث الأممي قبل المواجهة الأخيرة التي انتهت منذ أيام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن الواضح أن هناك تيارين داخل الحكومة المصغرة برزا بعد اجتماع مجلس الحكومة المصغر خلال الساعات الأخيرة، ويفهم من تصريحات رئيس الوزراء نتنياهو وهو الأرجح في التصعيد والمواجهة ويقوده "شاباك" و"أمان" في مقابل تيار سياسي يدعو إلى التهدئة وعدم الاتجاه نحو التصعيد في الوقت الراهن تخوفاً من انفتاح المشهد الأمني، ودخول إسرائيل في مواجهة غير محسوبة، وهو ما يعني أن إسرائيل غير متفقة في التعامل السياسي أو الأمني في القطاع وتجاه "حماس" و"الجهاد" معاً.

ومن ثم فإن التركيز الراهن وبصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول السياسة المتبعة للحكومة سيكون على العمل العسكري مع التوقع باستئناف سياسة الاغتيالات مرة واحدة، وفتح بنك الأهداف المخطط لها وفق خطة تجفيف المنابع التي تعمل عليها الحكومة الإسرائيلية بناء على توصيات أجهزة المعلومات، بخاصة "شاباك".

وقد دخل على الخط أخيراً الـ "موساد" بناء على الصلاحيات الجديدة التي منحت له في المشاركة في العمليات الداخلية إن تطلب الأمر ذلك، وهو ما يشير إلى دقة تنفيذ العملية الأخيرة والعودة لسياسة الاغتيالات الجماعية التي كانت أجهزة المعلومات أوقفتها منذ سنوات، مما قد يؤدي إلى إستراتيجية مجابهة من قبل حركة "الجهاد" والاتجاه إلى مواجهة مفتوحة بصرف النظر عما يجري داخل الحركة من تطورات أخطرها عدم التجاوب مع دعاوى التهدئة أو القبول بخيارات وسط، إذ ستقدم "الجهاد" على التصعيد وستدخل في مساحة من عدم التوافق  ولو الشكلي مع "حماس" في القبول بخيارات وسط.

وتدرك الحكومة الإسرائيلية أن التهدئة في مقابل التهدئة والأمن في مقابل الأمن لها ضوابطها الحقيقية والمباشرة التي يجب الالتزام بها مع عدم تجاوز الخطوط الحمر، بخاصة أن قائمة الاغتيالات المحدثة تشمل عدداً كبيراً من قادة حركة "الجهاد" وليس "حماس" فقط .

تساؤلات شائكة

توجد تطورات مهمة في إطار مخطط إسرائيلي لاستهداف الحركة في الوقت الراهن، الأول أن مشكلة إسرائيل الأمنية مع حركة "الجهاد" باعتبارها الخطر الأكبر، وأن "حماس" مسؤولة عن الأمن في القطاع.

ومعلوم أن إسرائيل تعمل على تكريس أي خلاف أو تباين في الرؤى بين الحركتين، وعلى اعتبار أن "حماس" حركة واقعية ونفعية وستلتزم بالتهدئة في مقابل الحصول على قائمة تحفيزية، وهو ما تدركه إسرائيل، لكن في هذه المرة ستقوم "الجهاد" بالرد بما في ذلك الانفتاح على المشهد الإسرائيلي بأكمله طالما افتتح بنك الأهداف، بخاصة أن مرجعية حركة الجهاد (إيران) سيكون لها دور في ظل معادلات كبرى تتغير في الإقليم، وبعد استئناف العلاقات الإيرانية – السعودية وتخوف الأطراف الإقليمية الوكيلة، وعلى رأسها حركتا "الجهاد" و"حماس" و"حزب الله" من ارتدادات مؤثرة سلبية قد يكون لها تأثيرها الخطر والمباشر في ما سيجري، بخاصة أن إسرائيل تعمل على الوصول إلى إستراتيجية "قص العشب" التي ترتكز على استهداف المجموعات التي يمكنها استهداف الجنود في مسرح العمليات.

والثاني أن التصعيد المتوقع من قبل الحكومة الإسرائيلية سيكون من داخل القطاع، وفي إطار ما سيجري من ترابط لجبهات سواء في الضفة أو القطاع، فإن المواجهات الجديدة ستفرض نفسها في ظل حال غير مسبوقة في تاريخ المواجهة، فالعمل العسكري في القطاع وخارجه سيهدئ حال الاحتقان في الداخل الإسرائيلي، وسيصرف النظر عن تصعيد الحكومة الإسرائيلية ضد المعارضة وتظاهراتها التي دخلت أسبوعها الـ 18، إضافة إلى تحرج رئيس الوزراء نتنياهو من تأجيل جديد لمشروع التعديلات القضائية، بخاصة في التوقيت الراهن، وهو ما سيؤكد المناخ الجديد في الساحة الإسرائيلية وأن الخروج اليوم إلى مواجهة جديدة مع القطاع أيسر ومتاح على رغم كلفته عن المواجهة أو تسخين جبهة "حزب الله"، مع تأكيد أن هناك أربعة مستهدفين، وهم حسن نصرالله وزياد النخالة ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" وصالح العاروري، وقائد الحركة في القطاع يحيى السنوار.

يتوقع جهازا "شاباك" و"أمان" مع استئناف سياسة الاغتيالات مجدداً أن تتمدد الأخطار، ليس من القطاع إلى الضفة وإنما أيضاً من لبنان وسوريا، كما جرت بروفة مسبقة في المواجهة الأخيرة، وهو ما يؤكد أن المشهد لا يزال معقداً، وقد ينفلت في أي وقت في وجه إسرائيل، لكن حسابات الحكومة الإسرائيلية محددة، وهي دفع حركة "الجهاد" إلى حافة الهاوية واختبار القدرات الصاروخية للفصائل والتعرف على إطار المواجهة من مسارح عمليات عدة، إضافة إلى رصد الأخطار المقبلة من الساحات المختلفة التي تعمل في اتجاهات عدة وفي التوقيت نفسه.

الخلاصات الأخيرة

في ظل توقع انفجار الموقف في أي لحظة واحتمال الرد من قبل حركة "الجهاد" فإن الإشكال ليس في الرد أو التصعيد فقط، إنما في قدرة حركة "الجهاد" على التعامل بصورة منفردة وعدم التعويل على دور حركة "حماس" التي قد تتأنى في مواجهة مفتوحة في الأقل خلال المدى القصير، والتحرك قدماً في اتجاه سياسات أكثر واقعية.

كما أن التباين في الرؤى داخل الحكومة الإسرائيلية سيظل قائماً ومرتبطاً بحجم وإطار الرد من قبل حركة "الجهاد"، بخاصة أن الحركة باتت في مأزق حقيقي وتتخوف من عدم الرد مما قد يضر بشعبيتها لدى الجمهور الفلسطيني عموماً وليس في قطاع غزة فقط، ومن المؤكد أن دور الوسطاء سيكون محصوراً في أداء دور محدد وهو وقف حدود المواجهة المحتملة وعدم تصعيدها. ومن دون ضوابط جديدة ومنضبطة فإن المواجهات بين الطرفين ستتم دورياً.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل