ملخص
مساع أوكرانية وغربية لتضليل موسكو في ميدان المعركة وتشتيت قواها
في الأسابيع الأخيرة وقعت سلسلة من الهجمات الأوكرانية استهدفت الخصم الروسي وبدت الغاية منها مستغلقة على الفهم، ولكن محرر صحيفة "لوموند" سيدريك بيترالونغا رأى أن هذه الهجمات يصح وصفها بـ"ضباب الحرب". والغاية من هذا التكتيك الذي وضع أسسه النظرية في مطلع القرن التاسع عشر الجنرال البروسي كارل فون كلاوزفيتز، إضفاء طابع غامض وفضفاض عن "سابق تصور وتصميم" على ما يقال في القضاء، على مواقع المهاجم وغاياته، أي إسدال ستارة غموض على خطوات المبادر. وضباب الحرب هو نواة الحرب وركن بنيتها، وهو يسهم في ترجيح كفة من ينفث دخانه. ويبدو أن الأوكرانيين بارعون في هذه "اللعبة"، على قول جوزيف هنروتين، الباحث في مركز تحليل واستشراف الأخطار الدولية ورئيس تحرير مجلة "ديفانس إيه سيكوريتيه أنترناسيونال" الفرنسية. ويتناول بيترالونغا "ضباب هذه الحرب" وأشكاله وفي ما يلي أبرز ما ورد في مقاله:
منذ بدء فصل الربيع، أعلنت أوكرانيا أن هجومها المضاد على القوات الروسية وشيك، وفي الأثناء شن الجيش الأوكراني عمليات تزيد "صفاقة" هذا الضباب. وفي الأيام الأخيرة، نقلت وكالات الأنباء أخباراً عن هجمات درونز، الطائرات المسيرة، شملت كامل الأراضي الأوكرانية المحتلة والأراضي الروسية على حد سواء. وفي 29 أبريل (نيسان) أدى هجوم إلى حريق ضخم في مستودع وقود في ميناء سيفاستوبول، مقر الأسطول الروسي في البحر الأسود. وفي الثاني من مايو (أيار)، وقع هجوم في منشأة نفطية في إيلسكي بمنطقة كراسنودار الروسية. وأشار بيترالونغا إلى وتيرة عمليات التخريب المتعاظمة. ففي الأول والثاني من مايو، أدت هجمات إلى حرف قطاري نقل تجاريين عن مسارهما في برانسك على مقربة من الحدود الأوكرانية. والإثنين الماضي، أصاب التخريب خطاً كهربائياً في جنوب سانت بطرسبورغ الروسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشنت القوات الأوكرانية منذ منتصف أبريل هجمات صغيرة على امتداد الحدود مع روسيا البالغة 1800 كيلومتر من دلتا نهر دنيبر في كوبيانسك مروراً بأوريخيف وبافليفكا.
وإذا نظر المرء إلى هذه الهجمات المتناثرة كل على حدة لا يستخلص معنى جيو استراتيجياً أو عملانياً منها، وكأنها تضرب خبط عشواء. فالأوكرانيون يشنون هجمات صغيرة في الشمال الروسي كما في الجنوب وفي الشرق ما يزيد حيرة قيادة الأركان الروسية حين النظر إلى سبل جبهها. فالهجمات الأوكرانية تضع القيادة الروسية أمام معضلة الرد الشامل على كل الهجمات ما يقوض قدرات القوات العسكرية الروسية وإما تركيز القوى في بعض المواقع وترك غيرها من دون حماية، على ما ينبه هيرونتين.
وقدرة موسكو على استشراف حركة القوات الأوكرانية بقضها وقضيضها محدودة. فهي لا تملك غير قمرين اصطناعيين عسكريين للمراقبة، "بيرسونا 2" و"بيرسونا 3". فموقع مدارهما منخفض ورؤيته محدودة على خلاف القمر الاصطناعي الذي يتوسل به الأوكرانيون. فكييف استأجرت خدمات قمر اصطناعي للمراقبة والرصد يعود إلى الشركة الفنلندية إيس آي، ويزودها القمر هذا بالقدرة على مراقبة كل ما يجري على البر الروسي والأوكراني ليلاً نهاراً ومهما كانت الظروف المناخية. وفي وقت لا يخفى على الأوكرانيين حركة القمرين الروسيين، يسعهم التستر على مواقعهم حين مرورهما. "فهم يعرفون مواعيد القمرين "الثابتة" ونطاقهما. وخسرت روسيا شطراً كبيراً من أسطول مسيرات الرصد "أورلان" منذ بداية الحرب. وطائرات التجسس الروسية "إيليوشين IL-20" أو أنتطونوف أن-30" تتفادى الحدود الأوكرانية لتجنب الدفاعات الجوية الأوكرانية.
وأبرمت كييف اتفاقاً مع "ستارت آب" Iceye لتزويدها ببيانات وصورة عالية الدقة تجمعها الأقمار الاصطناعية التابعة لها والبالغ عددها 20 قمراً. وهذا يوفر لها بيانات رصد دقيقة لمواقع روسية كثيرة. والدول الغربية تمنح الأوكرانيين بيانات أقمارها الاصطناعية التي تفوق نظيرها الروسي تطوراً.
تصريحات تضليل
يدلي الأوروبيون والأميركيون بتصريحات ترمي إلى النفخ في "ضباب الحرب" في أوكرانيا. فالقوات الفرنسية رفعت عدد رحلاتها التجسسية الكهرومغناطيسية فوق أوكرانيا. وفي 4 مايو، حلقت عشرات الطائرات الجوية فوق الشطر الشرقي من أوروبا، من فنلندا إلى البحر الأسود. وأرسل الأميركيون مسيرة "آر كيو-4 غلوبال هوك" فوق البحر الأسود للمرة الثانية منذ تصدي طائرات سوخوي سو-27 لمسيرة من هذا الطراز في 14 مارس الماضي.
وهذه الطلعات الجوية تسمح بإرساء ما يسميه خبراء عسكريون "نظام المعارك الإلكتروني" "Electronic Order of Battle"، وهو يرسم لائحة خرائط تحمل بيانات كل ذبذبات رادار الخصم. وأعلنت روسيا الانسحاب الجزئي من 18 قرية في زابوريجيا قبل أيام، وكتب المسؤول الإقليمي الذي عينته روسيا هناك، يفغيني باليتسكي، على "تيليغرام" أن الانسحاب جاء بعد تكثيف العدو ضرباته في هذه البلدات المحاذية للحدود [الروسية]. وهذا التصريح قد يكون مؤشراً إلى أن قيادة الأركان الروسية تخشى أن تشن أوكرانيا هجومها المضاد في هذا الموضع وبدأت تعد العدة لذلك. ولكن هل خيار موسكو مصيب أم هي وقعت في أحابيل تضليل كييف؟ وهذا ما ستجيبه عليه حوادث المعارك القادمة.