Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأيتام العرب... رهائن العادات وضحايا الحروب

مشكلات اجتماعية ونفسية ومادية وإهمال تربوي وتمييز وعزلة اجتماعية يعانيها كثير منهم في صمت

تخمة العالم العربي بالأحداث والحوادث على مدار العقود الثلاثة الماضية أضفت على أيتامه خصوصية (اندبندنت عربية)

ملخص

العالم العربي وتخمته بالأحداث والحوادث على مدار العقود الثلاثة الماضية أضفت على أيتامه خصوصية فوق خصوصية... "اندبندنت عربية" تناقش أحوال أيتام العرب في ملف مطول

طفل يتيم هو طفل محروم، لكنّ طفلاً يتيماً وفقيراً ومن دون عائل من أقرب الأقربين هو طفل يعيش مأساة على مدار اليوم طوال سنوات طفولته ومراهقته وشبابه، وربما حتى مماته، وطفل مجهول النسب يضيف إلى الحمولة السابقة أطناناً من الوصمة، ومع الحروب والصراعات وطول أمدها تصبح هذه الفئة من الصغار مأساة تمشي على قدمين.

العالم العربي شأنه شأن بقية أرجاء العالم فيه أطفال فقدوا الأب أو الأم أو كليهما، وتقدر منظمة الأمم المتحدة المعنية بالطفولة (يونيسف) عدد أيتام العالم بـ 153 مليون طفلة وطفلة، ويقدر عدد الصغار الذين يصبحون أيتاماً يومياً بسبب الحروب والصراعات المسلحة نحو 5700 طفل وطفلة، ونصيب العالم العربي وفير في هذا الشأن.

وحتى عقود قليلة مضت كانت أوضاع الأيتام والمؤسسات الراعية لهم في المنطقة العربية يكتنفها الغموض، لاعتقاد ربما جزء منه أن اليتيم العربي يتم التكفل به فوراً من قبل أفراد أسرة الأب أو الأم.

لكن، التاريخ يخبرنا بحكايات مختلفة، وكذلك الحاضر، إذ قصة كل يتيم تحتاج إلى كتاب قائم بذاته، فالتقديرات المفزعة تقول إن 60 في المئة تقريباً من الفتيات اليتيمات عرضة للاتجار بالبشر لأغراض جنسية، وأن ما بين 10 و15 في المئة من الأيتام قد يقدمون على الانتحار قبل بلوغ سن الـ 18 عاماً في العالم، وذلك بحسب المؤسسة المعنية بالأيتام "أورفانز لايف إنترناشونال".

العالم العربي وتخمته بالأحداث والحوادث على مدار العقود الثلاثة الماضية أضفت على أيتامه خصوصية فوق خصوصية، فمن غزو للعراق عام 2003، ثم هيمنة "داعش" ودخول البلاد في حلقات من الصراع العنيف، تصل بعض التقديرات بأيتام العراق إلى 5 ملايين يتيم ويتيمة.

وإلى سوريا المجاورة وكذلك لبنان، يتحدث الصراع السوري عما فعله بأطفال سوريا في الداخل وفي المخيمات اللبنانية وغيرها من دول الجوار، ومنها إلى عدد من الدول العربية، إذ نقص وسائل منع الحمل حيناً وعلاقات خارج إطار الزواج تجرّمها المجتمعات لدرجة تدفع الأم إلى التخلص من الصغير، ودائرة الفقر المغلقة التي تصل أحياناً إلى درجة بيع الصغير أو مقايضته أو السعي إلى إيداعه في دار رعاية وغيرها تدور دوائر الأيتام الصغار.

ويقيم آلاف الأيتام فيما يسمى "دور الأيتام"، وهي الدور التي لا تخلو منها دولة عربية، لكن "دار الأيتام" نفسها لها دلالات ومعانٍ تجعل منها ومن الإقامة فيها وصمة للصغير يحملها معه أينما ذهب، أو صورة ذهنية تأبى أن تتغير.

مصر... "على باب الجامع" 

الصورة الذهنية عن "دار الأيتام" لدى غالبية المصريين مشتقة من الأفلام القديمة التي دار أحداث عدد منها في هذه الدور، حياة بؤس وشقاء وسوء معاملة، والجملة الأشهر التي تعبر عن أصل الأولاد والبنات نزلاء الدار هي "وجدناه أو وجدناها على باب الجامع".

لكن الصورة الذهنية قاصرة وجامدة، والـ 11 ألف طفل وطفلة المقيمين في 516 دار أيتام في مختلف أنحاء مصر لم يتم العثور عليهم جميعاً أمام "باب الجامع"، بل منهم من عثر عليه وعمره ساعات في سلة قمامة، ومنهم من وضعته أمه في مستشفى أو مستوصف ثم اختفت، ومنهم من أصبح يتيماً في سن الطفولة ولم يجد من بقية أفراد الأسرة من هو قادر أو راغب في رعايته، ومنهم أيضاً من عثر عليه على باب الكنيسة وهو ما جرى مع الطفل "شنودة" الذي فتحت أزمة كفالته مشكلة كبرى في مصر أدت إلى فتح ملف دور الأيتام.

أزمة شنودة ذي الخمس سنوات تعود للأسرة المسيحية التي تبنته وأصبح مسيحياً بالتبعية قبل أن تطعن في نسبه إحدى قريبات الأسرة، ويتم تحويل الصغير إلى دار رعاية أيتام، لأنه فاقد الأهلية بحسب قرار النيابة، وبذلك تحول شنودة المسيحي إلى يوسف المسلم كغيره من فاقدي الأهلية من آلاف الأطفال الذين ينتهي بهم الحال في دور الأيتام، وأصبح يوسف مسلماً لأن قانون التبني في مصر مشتق من الشريعة الإسلامية، إذ إن فاقد الأهلية مسلم بالفطرة، ولتحتدم معركة حامية حول قواعد وقوانين وقيود تبني الأيتام في مصر.

 

لكن خانة ديانة الأيتام من نزلاء دور الرعاية في مصر ليست المشكلة التي تواجههم فالقائمة طويلة، وطول القائمة دائماً يبدأ بحوادث مأسوية في هذه الدور بين حين وآخر، وحوادث التعذيب والانتهاك الجسدي بأنواعه وسوء المعاملة وتدني نوعية الطعام وغيرها لا تجذب الانتباه إلا حين تفرض نفسها عبر فيديو مسرب أو قصة متسللة إلى الإعلام.

وكل ما نما إلى علم وزارة التضامن الاجتماعي، وهي الجهة المسؤولة عن ملف مؤسسات الرعاية في مصر أن اعتداءً حدث في دار هنا أو هناك، تهرع للتحقيق والرقابة والتأكيد على أن إجراءات عدة يتم اتخاذها من أجل ضبط الأداء في دور رعاية الأيتام.

وقبل أسابيع قليلة وقفت وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج أمام مجلس النواب للإجابة عن 132 طلب إحاطة بعضها يتعلق بأوضاع دور الأيتام، وأكدت الوزيرة إنها ستسأل أمام الله عن الأيتام، مشيرة إلى أن الوزارة ضمّت إلى تعداد الأيتام نحو 400 ألف طفل يتيم إضافي، وأن الوزارة أنفقت نحو 1.4 مليار جنيه مصري (45 مليون دولار) لرعايتهم من تعليم وسكن وغيرها.

يشار إلى أن عدد الأطفال المقيمين في دور الأيتام يقدر بحسب الوزارة بنحو 10800 طفل وطفلة، ورغم أن تعداد الأطفال الأيتام في مصر، وفق القباج، يبلغ نحو 800 ألف طفل، إلا أن هذا التعداد يشمل كل من فقد أباً أو أماً أو كليهما ولا يقيم في دار رعاية بالضرورة.

ضرورات إنسانية

الضرورات والبديهيات والأساسات في تربية وتنشئة الأيتام المودعين في دور الرعاية ليست مادية فقط، كما أنها أكبر وفي الوقت نفسه أبسط من القوانين والقواعد والقرارات التي تعتبر ديانة اليتيم الأولوية القصوى والأهمية العظمى، وليست قواعد تنشئته وقدر الحنان والحب الذي يحصل عليه وضمان عدم تعرضه للاعتداء وسوء المعاملة والإهمال واللا مبالاة.

والقانون المصري حاسم في مسائل التبني، فقانون الطفل رقم (12) لسنة 1996 وتعديلاته في سنة 2010 تحظر التبني وتعتمد نظام الأسرة البديلة، إذ يتم إلحاق الصغير، لا سيما مجهولو النسب، بأسرة بعد التأكد من أنها تستوفي الشروط والقواعد.

وينص أبرز هذه القواعد بحسب وزارة التضامن الاجتماعي على أن تكون ديانة الأسرة هي ديانة الطفل، رغم أن الطفل الذي ترك في الشارع مثلاً عقب ولادته غير معلوم الديانة، وأن يكون أحد الزوجين مصرياً وأن يتمتع الزوجان بمقومات النضج الأخلاقي والاجتماعي.

وفي عام 2020 جرى السماح للسيدات غير المتزوجات فوق سن الـ 39 عاماً والمطلقات بكفالة طفل يتيم، ويجوز أن يحمل الصغير اسم الأب الكافل أو لقب الأسرة الكافلة في نهاية الاسم، لكن من دون أن يترتب على ذلك أي أثر من آثار التبني.

 

وبحسب شروط وأحكام وزارة التضامن لإلحاق الصغير أو الصغيرة بدور الأيتام، وهي الشروط التي تلقي الضوء على هوية المقيمين في هذه الدور، فقد يكون الصغير يتيم الأبوين أو أحدهما مع إثبات عدم قدرة الأسرة على رعايته أو أن يكون الأب أو الأم نزيلاً في مستشفى للأمراض العقلية أو مسجوناً مع عدم توافر رعاية اجتماعية في البيت، وقد يكون كذلك ابناً لأسرة متصدّعة ضربها الطلاق أو تزوج الأب بأخرى أو تزوجت الأم بعد الطلاق بآخر، وتخليهما عن الصغير.

وبعيداً من خانة ديانة اليتيم التي تشغل بال الغالبية لدرجة تطغى على ما يحصل عليه من رعاية وحنان، وإضافة إلى بنود الإنفاق التي تبقى محل شد وجذب بين إدارات هذه الدور والجهات الرقابية التي كثيراً ما ينجم عنها إعلان خروقات وفساد وسوء استغلال، تبقى مشكلات اليتيم الحقيقية عصية على الحل، فمن وصمة ارتباط الإقامة في دار الأيتام بكلمات مثل "لقيط" و"ابن حرام" إلى ضيق الفرص المستقبلية وتكوين حياة إلى حد ما طبيعية.

وصحيح أن وزارة التضامن الاجتماعي تبذل جهداً كبيراً لتعديل المصطلحات، إذ "طفل كريم النسب" بدلاً من "مجهول النسب" و"فاقدي الرعاية الأسرية" بدلاً من "أيتام" و "لا مأسسة الرعاية البديلة"، إذ إن محاولات تفكيك منظومة دار الأيتام لتصبح جهداً يبذل لمساعدة الأسرة على إبقاء طفلها معها، فإن تعذر فتوفير بدائل رعاية لدى أسر كافلة، وإن تعذرت فإلحاق بدور رعاية تهتم بجودة التربية والتنشئة، إلا أن الطفل اليتيم لا يزال يعاني كثيراً.

تونس... لا دور للأيتام

معاناة شبيهة لكن في إطار مؤسسي مختلف إذ يتم التعامل مع الأطفال الأيتام في تونس، فالسلطات التونسية تبنت مقاربات جديدة في التعاطي مع ملف الأيتام خلال السنوات القليلة الماضية، تحديداً "الأطفال فاقدي السند"، أي الذين يتم إنجابهم خارج إطار الزواج.

يقول المدير الميداني لـ "جمعية كافل اليتيم" محمد أيمن توكابري إن "الكفالة تتم عن بعد إذ النهج المعتمد في تونس هو عدم إخراج اليتيم من الوسط الذي ولد فيه".

وتابع التوكابري، الذي تقود جمعيته تحركات ميدانية مكثفة لرعاية الأيتام، "هناك نوعان من الأيتام، أيتام الأم إذ يكون الأب غير قادر على التكفل بعائلته سواء لعجز جسدي أو غيره فنقدم له المساعدة، وهناك كفالة أيتام الأب والأم وفي الحالتين الهدف الأول هو دعم اليتيم من دون إخراجه من محيطه، إذ يتم تبنيه والتكفل به من قبل الخال أو الخالة أو العم أو العمة أو حتى الجار".

ومنذ الاستقلال عام 1956 والقوانين في هذا المجال هدفها ترسيخ الأسر والإبقاء عليها، وفي عام 1958 جرى إقرار قانون التبني الذي ينص على أن من حق العائلات المحرومة من الإنجاب لأسباب صحية أو غيرها تبني طفل أو كفالته، كما يخول القانون الأطفال الأيتام ومجهولي النسب التمتع بالحق في الهوية وبرعاية أسرية.

وتنامت بعد ثورة الـ 14 من يناير (كانون الثاني) 2011 معاداة هذا القانون، إذ سبق لوزير الشؤون الدينية منير التليلي أن دعا عام 2014 إلى مراجعته، لكن هذه المساعي لم تنجح في تغييره.

 

وقال التوكابري إن "دور الأيتام غير موجودة في تونس على رغم أن عمل المجتمع المدني انتعش كثيراً بعد الثورة، لكن هذه الآلية غائبة".

ويكتنف الغموض عدد الأيتام في تونس، لكن إحصاءات نشرتها وزارة الشؤون الاجتماعية في يونيو (حزيران) 2014 كشفت عن أن العدد يبلع نحو 200 ألف يتيم، فيما لم يتجاوز عدد الكفالات 15 ألفاً.

ويشار إلى أن العادات والتقاليد المتوارثة تحول دون تخصيص دور للأيتام، إذ تمتنع العائلات عن تسليم أبنائها من الأيتام إلى هذه الدور.

وتوسعت الدولة في مفهوم الأطفال الأيتام فبات يشمل الأطفال فاقدي السند من أجل توفير الرعاية اللازمة لهم.

من جانبها قالت وزيرة شؤون المرأة والأسرة والطفولة أمال موسى بلحاج لـ "اندبندنت عربية" إن "الوزارة تهتم بفاقدي السند، وتجاوزنا مفهوم أطفال الأيتام، وحتى في المعجم الدولي يتم الآن التركيز على الأطفال فاقدي السند، وفي وضعية التهديد"، مشيرة إلى وجود أطفال تعجز عائلاتهم عن الإنفاق عليهم أو تربيتهم بسبب السجن أو الطلاق أو غيرها من الظروف الصعبة، "نحن نهتم بمختلف الوضعيات في إطار مفهوم واحد هو مفهوم الأطفال فاقدي السند".

وعلى رغم الجهود التي يبذلها المجتمع المدني والسلطات للاهتمام بالأيتام، فإن دور الأيتام القليلة الباقية باتت معرضة للإغلاق بسبب توسيع مفهوم الأطفال فاقدي السند والمحتاجين إلى رعاية خاصة، سواء من الحكومة أو الناشطين بالمجتمع المدني، إذ لم تعد الدور مطلوبة أو تعريف الأيتام محدوداً.

السعودية... الأسر الحاضنة استراتيجية جديدة

وفي السعودية قد يختفي مسمى دور الأيتام من قاموسها خلال السنوات القليلة المقبلة، هذا ما أكده وزير وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أحمد الراجحي في لقاء معه من أن مصير دور الإيواء هو الانتهاء أو الإغلاق. مؤكداً أن كل يتيم جديد يذهب إلى أسرة حاضنة، ولا يذهب إلى دور الأيتام أبداً.

وبالنسبة إلى الأيتام الموجودين في دور الأيتام سابقاً أشار الرئيس التنفيذي المكلف للمؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام "إخاء" عبد الله الصقهان إلى أنه يتم حالياً استبدالها بالبيوت الاجتماعية، وهو المشروع الذي سيسهم في دمج الأيتام من دون 18 سنة في المجتمع والتواصل اجتماعياً مع المنطقة التي يسكنون فيها، أما من هم فوق 18 سنة فتسهم المؤسسة في تمكينهم من توفير الخدمات المحتاجين إليها وتكوين علاقات وثيقة بالمجتمع المحيط بهم ومساعدتهم في إكمال مشوارهم التعليمي أو تزويجهم، بالتالي الانتقال من الحياة الحالية إلى أخرى أكثر مواءمة مع المجتمع الطبيعي.

وبيّن أن البيت الاجتماعي البديل يدمج الأيتام في المجتمع والاعتناء بحقوقهم وشؤونهم، مشيراً إلى أن الآلية بتسكين كل ستة أيتام في بيت واحد داخل الأحياء المختلفة بدلاً من المجتمعات الكبيرة في دور الإيواء التي تأخذ أعداداً أكبر.

وأشار الصقهان إلى أن الأيتام الجدد سوف يسلمون لأسر حاضنة للنشأة لديهم تحت رعاية وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ويكون كأحد أبنائها. مبيناً أن دور الأسر مهم في المشاركة في رعاية الأيتام ودعمهم في حياتهم وتربيتهم وإلحاقهم بالتعليم مستقبلاً، مما سيوفر نتائج أكثر إيجابية في حال تحققه بالشكل المطلوب.

 

وأشار الكاتب خالد السليمان إلى أن اعتدنا سماع جملة رعاية الأيتام مع كل ما تشتمل على الخدمات الإنسانية والتربوية التي تقدم لهم، لكننا اليوم بالآلية الجديدة لاستراتيجية الإدارة العامة لرعاية وتمكين الأيتام، وندخل إلى حيز جديد وذلك بالانتقال بهم من حيز الرعاية إلى التنمية، ومع وضع آليات مفصلة للانتقال بهم إلى مواطنين منتجين، وهذه النقلة تأتي ضمن تحقيق رؤية السعودية 2030.

وأوضح السليمان أن المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام (إخاء) تنقل حالياً 975 يتيماً ويتيمة من دور إيواء الأيتام إلى 167 بيتاً اجتماعياً، وهدفت الوزارة إلى تجويد الخدمات المقدمة للأيتام ورعايتهم لتشمل مسارات وبرامج التأهيل تبدأ من دمج اليتيم بصورة إيجابية في المجتمع، وخلق بيئة ملائمة للتمكين والاستقلال، وتنتهي بتوظيفه ودعمه اقتصادياً لنقله في النهاية من الرعوية إلى التنموية وتحقيق الحياة الكريمة المنتجة ليكونوا أعضاء فاعلين ومساهمين في المجتمع.

وذكر السليمان أن الوزارة أطلقت مبادرة التمكين للأيتام، إذ تعمل على تمكين الأيتام ومساعدتهم على الاعتماد على الذات وتحقيق الاستقلال، فتم عقد الشراكات مع مراكز التدريب بهدف رفع مهاراتهم وقدراتهم للاندماج في سوق العمل والمساعدة في توظيفهم بما يتناسب مع مؤهلاتهم، إضافة إلى دعم مشاريعهم الخاصة والناشئة.
كما ساعدت الوزارة من خلال مشروع مستقل في تمكين الفتيات من امتلاك سكن خاص مع تقديم الرعاية اللاحقة من مقدم من القطاع غير الربحي، وأطلقت مشروع التطوع لتفعيل العمل التطوعي لخدمة الأيتام من خلال طرح الفرص التطوعية في المنصة الوطنية للتطوع للاختصاصيين في الطب النفسي والاستشارات الأسرية والإرشاد الأكاديمي والعلاج الطبيعي والتغذية والنطق والتخاطب وغيرها من التخصصات الإرشادية والاستشارية.
الجزائر... رعاية منقوصة ومطبات قانونية

لكن الوضع في الجزائر يختلف، فهناك حاجة ماسة من قبل الأيتام إلى مزيد من الاهتمام والرعاية، إذ إن أغلبهم يعيش حياة صعبة، وتزداد حاجتهم إلى الرعاية النفسية والاجتماعية والدراسية مع مرور الوقت.

وغالباً ما يطفو إلى السطح ملف الحقوق المادية والمعنوية لليتيم، وكذا الحماية القانونية له ضمن التشريع الجزائري، إضافة إلى الحماية الاجتماعية التي يجب توفيرها لهذه الفئة الهشة التي تواجه مصيراً مجهولاً، فمفهوم كفالة اليتيم يتغير في ظل تجارب أثبتت أن كفالة اليتيم يجب أن تتم داخل الحضن العائلي والدفء الأسري مع الإبقاء على الأطفال اليتامى داخل العائلة الكبيرة، أما منظومة الزج بهم في دور مخصصة للأيتام فقد أثبتت فشلها النفسي والاجتماعي بخاصة الأطفال في سن حرجة.

وتفتقر الجزائر إلى بيانات مفصلة للأطفال الأيتام وحاجاتهم، لكن الإحصاءات القديمة أشارت إلى وجود نحو 250 ألف طفل يتيم كانوا ضحايا مختلف الأحداث والحوادث التي مرت بها الجزائر بداية من "العشرية السوداء 1990 - 2000" التي خلفت أكثر من 200 ألف ضحية منهم آلاف الأيتام، مروراً بحوادث الطرق التي تخلف الأطفال الأيتام أيضاً وصولاً إلى وباء كورونا.

كما يوجد نحو 7 آلاف طفل ولدوا خارج إطار الزواج، ويتم إيداع عدد منهم في مراكز الحضانة التابعة للحكومة، ويبلغ عددها 363 مركزاً ودار رعاية، وتسمّى "مراكز الطفولة المسعفة"، وهذه المراكز يقيم فيها نحو 4 آلاف طفل.

ويقدر رئيس المكتب الوطني لجمعية "كافل اليتيم" الخيرية رابح عرباوي العدد الإجمالي للأيتام بـ 250 ألف يتيم مسجلين في الجمعيات والمراكز. مشيراً إلى أن الإحصاء التقديري يشير إلى أكثر من 1.5 مليون يتيم، وهي الفئة الضعيفة التي تحتاج إلى تضافر جهود مختلف الأطراف لمساعدتها على عيش حياة كريمة.

ويقول إن الجمعية منذ تأسيسها عام 1988 تعمل على الاهتمام بهذه الفئة الضعيفة، ورغم توسع الجمعية وفتح فروع لها في 56 محافظة، إضافة إلى أنشطة مختلفة في 1200 مكتب بلدي ونحو 20 ألف متطوع، فإنها لا تغطي سوى 30 في المئة من مجموع عدد الأطفال، وذلك بسبب نقص أعداد العاملين والمتطوعين.

 

وأشار عرباوي إلى أن المجتمع يتسم بصفات الرحمة وحب مساعدة الغير، ويبادر كثيرون إلى التطوع والتبرع، لكن المشكلة تكمن في غياب التأطير والتنظيم. موضحاً أن كفالة اليتيم تحتاج إلى تضافر كل الجهات والمؤسسات لإغاثة هؤلاء الأطفال المهددين بالضياع.

وتصطدم كفالة اليتيم بتعقيدات قانونية عدة، إذ يعتبر القانون كفالة الطفل التزاماً قانونياً من العائلة المتكفلة باعتبارها مساعدة طفل لم يتعد عمره 19 سنة على التأقلم مع المجتمع، وذلك بتوفير نفقات التربية والاعتناء بالطفل القاصر وحمايته، ويتوجب على كل من يرغب في استقبال طفل من أبوين مجهولين أو معروفين أن يتقدم بطلب لدى الموثق أو رئيس المحكمة الأقرب إلى مكان إقامته.

ويفرق القانون بين استقبال العائلة طفلاً من أبوين معروفين أو من أبوين غير معروفين، ففي الحال الأولى يشترط القانون أن يحافظ الطفل المتكفل به على نسبه الأصلي، أما في الحال الثانية فيشترط الحصول على موافقة الإدارة الحكومية المكلفة بالشؤون الاجتماعية.

ويضع القانون مجموعة من الشروط منها أن يكون الشخص مسلماً ولديه القدرة المادية والاجتماعية على الاعتناء بالطفل المكفول وحمايته، ويمنح القانون لهذا الطفل الحقوق والخدمات العائلية والتربوية مثل الطفل الشرعي، ويسمح للكافل بمنح لقبه للطفل المتكفل به لكنه يمنع التبني كون قانون الأسرة مستمداً من الشريعة الإسلامية التي تحرم ذلك.

ويصف المحامي رابح لاوسين واقع الأيتام في الجزائر بالمزري بعد تراجع التضامن مع هذه الفئة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة للأسرة الجزائرية. ويقول إنه بعد جائحة كورونا وما نتج منها من صعوبات اقتصادية تراجع التضامن بشكل كبير، إذ طاولت الأضرار الاقتصادية الجميع، ويطالب السلطات بتأسيس دور رعاية لهذه الأعداد الكبيرة من الأطفال لتقديم الرعاية الاجتماعية والنفسية والاقتصادية اللازمة لهم.

المغرب... جريمة ضد الطفولة

وفي المغرب يوجد عدد كبير من هذه الدور يبلغ نحو 500 دار للأيتام، إضافة إلى مؤسسات أخرى تستضيف الأطفال المتخلى عنهم، إلا أن قطاع رعاية الأيتام يعاني سوء التدبير وقدراً من الفساد ما يؤثر سلباً في الصغار المقيمين في هذه الدور.

وتتراوح مواقف الأطفال المقيمين في هذه الدور بين التأقلم والرفض، ويقول المدرب التربوي خالد الزريولي إن "فقدان الطفل مصدر الحماية والرعاية ليس أمراً هيناً، ويكفي أن هؤلاء الأطفال فقدوا البيئة كلها التي ولدوا فيها، وقبولهم لأوضاعهم لم يكن يوماً اختياراً، لكن كلما كانت أعمارهم صغيرة تمكنوا من التأقلم".

ويضيف، "قبل سن سبع سنوات يكون اهتمام الطفل منصباً على ذاته وعالمه الداخلي وتكون تصوراته عن العالم الخارجي مرتبطة بهذه النظرة، لذلك يتأثر كثيراً بالتغيرات التي تطرأ على حياته، لكن بعد السابعة تتوسع دائرة اهتمامه بالعلاقات الاجتماعية، ويتفاعل مع الأشخاص المحيطين به ويبدأ في صناعة الذكريات والتجارب، وتزداد الصعوبة في التأقلم أكثر فأكثر وتصل أقصاها في مرحلة المراهقة".

ويوضح أن الطفل لا يتسم بالعدوانية بالضرورة، بل قد يميل إلى الانسحاب أو الانغلاق، وهو ما يزيد احتمالات إصابته بالاكتئاب، وربما يكون الرفض إيجابياً، فيعمل على تطوير نفسه حتى يتمكن من مغادرة الدار، وهو قادر على مساعدة نفسه.

وتتفجر بين وقت وآخر فضائح فساد واعتداءات تقع على الأطفال من المقيمين في هذه الدور، وحذرت "الجمعية المغربية لليتيم" في تقرير لها من واقع تلك الدور، مشيرة إلى أن وضع الأطفال المتخلى عنهم في دور الأيتام التقليدية يشكل جريمة ضد الطفولة. وتوضح الجمعية أن غالبية المؤسسات لا تهتم بالظروف الصحية والنفسية للمقيمين فيها مما يؤدي إلى اختلال التوازن العاطفي لدى الصغار.

 

ويقول المدرب خالد الزريولي إنه على تلك المؤسسات أن تجتهد في تشجيع الكفالة داخل الأسر، لأن ذلك هو الأفضل والأضمن، كما أنه الأسلوب المتبع بحكم العادات والتقاليد في المغرب، وينبغي أن تقوم المؤسسة بدور الوساطة لدى الأعمام والأخوال لاحتضان الطفل مع تقديم المقترحات والنصائح للمساندة، وهو ما يحتاج إلى تضافر المؤسسات لإنجاح الكفالة في داخل الأسرة.

كما يحذر من خطورة نقص الموارد المالية لدى هذه المؤسسات مما يجعل بقاءها مرتبطاً بقدرة كل منها على تأمين التمويل والتبرعات، وكذلك من المرجعية والفكرية السائدة لدى بعض المسؤولين والعاملين في هذا القطاع ونوعية البرامج التربوية المتاحة، كما توجد مشكلة أخرى وهي عدم وجود وسائل لمراقبة وصول الموارد المادية إلى القنوات المستحقة في هذه الدور. والنتيجة أن عدداً من هذه الدور تعجز عن القيام بدورها التربوي، وتتحول إلى نزل للإقامة يبرحها الصغير بعد سن الـ 18 سنة ليغادرها أعزل إلى ساحة الحرب.

ويوضح اختصاصيون أن الوضعية المزرية لدور الأيتام تتطلب إيجاد حلول تضمن الصحة الجسدية، وكذلك النفسية للمقيمين فيها. وتشير الباحثة في المجال الاجتماعي خديجة موهوب إلى أن مؤسسات الرعاية الاجتماعية تواجه مشكلة في اندماج نزلائها، سواء داخل المؤسسة أو في الحياة العامة، وبعضهم يجنح بعيداً إلى خرق القوانين وإثارة المشكلات، وهذا يستوجب تعاون كل الأطراف، سواء من حيث وضع القوانين أو عمل المؤسسات وتدريب القائمين عليها لضمان إقامة جيدة وتنشئة صحية تؤهل الأطفال ليكونوا مواطنين أسوياء بعد خروجهم.

وتطالب موهوب بإعادة النظر في النصوص القانونية الخاصة بالكفالة على غرار التشريع الفرنسي والتونسي فيما يخص بالكفالة من دون المساس بجوهر الكفالة المستمد من الشريعة الإسلامية، كما تطالب بنصوص قانونية أكثر صرامة للأشخاص الذين يتخلون عن المسؤولية التي التزموا بها في الكفالة، وهو ما يؤدي إلى شرخ في نفسية الصغار وحرمانهم من البيئة الأسرية.

كما تؤكد ضرورة منع عملية التنازل التي يلجأ إليها بعض طالبي الكفالة التي تتم بين الأم البيولوجية والراغب أو الراغبة في الكفالة من دون اللجوء إلى قاضي شؤون القاصرين، إضافة إلى الحد والتصدي لظاهرة العنف ضد الأطفال بتفعيل واقعي لوحدات حماية الطفولة، لا سيما أن هؤلاء الأطفال يكونون أكثر عرضة لأنواع العنف الجسدي والنفسي والاقتصادي والاجتماعي وكذلك الجنسي.

الأردن... معاناة في صمت

معاناة مشابهة واحتمالات تعرض لعنف واعتداءات يعانيها أيتام الأردن، فما بين مشكلات اجتماعية ونفسية ومادية وإهمال تربوي وتمييز وعزلة اجتماعية، يعاني كثير منهم في صمت، ويتم الكشف عن انتهاكات مريرة في دور الإيواء بين وقت وآخر.

ووفق الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة التنمية الاجتماعية ثمة نحو 72 ألف طفل وطفلة من الأيتام موزعين على 120 مركزاً، نحو نصفهم في حاجة إلى دعم دائم على رغم الرعاية التي تقدمها دور الأيتام في البلاد.

غير أن هؤلاء الأيتام يتركون ليواجهوا مصيرهم لوحدهم في مرحلة حساسة عند وصولهم إلى سن الـ 18، وهي مرحلة التعليم الجامعي أو الانخراط في سوق العمل، وعادة ينتهي المطاف بكثيرين في الشارع لتتقاذفهم ثلاثية الفقر والاستغلال والانحراف.

وتضطر كثير من الأمهات الأرامل أمام عجزهن عن توفير حياة كريمة لأطفالهن اليتامى إلى وضعهم في مراكز رعاية، ومن أبرز ما يعانيه الأيتام في الأردن وفق الناشطة الاجتماعية ضحى أيوب الفقر وعدم الاستقرار المادي وصعوبة الحصول على حاجاتهم الأساس مثل الغذاء والمأوى والملابس والرعاية الطبية.

ويتعرض عدد من الأيتام في الأردن للإهمال التربوي والتعليمي، إذ تتراجع جودة التعليم الذي يتلقونه مما يؤدي إلى تقلص الفرص المتاحة لهم مقارنة بغيرهم من الأطفال، كما يعاني كثيرون منهم التمييز والعزلة الاجتماعية، وهو ما يؤثر في صحتهم النفسية ويدفعهم إلى اليأس الناجم عن سنوات من الإهانة والتجاهل والتنمر.

تتقاسم الحكومة الأردنية والمنظمات الأهلية مسؤولية رعاية الأيتام، وتوفير الحد الأدنى من المتطلبات لهم كالإسكان والتعليم والرعاية الصحية وبرامج الكفالة والتبني.

ورغم القصور الشديد فثمة نماذج إيجابية، إذ يبرز دور عدد من المؤسسات الفاعلة، مثل "صندوق الأمان لمستقبل الأيتام" لتمكين الشباب والشابات الأيتام من إكمال دراساتهم الأكاديمية العليا والحصول على التدريب المهني ومن ثم التوظيف، وهو الجهة الوحيدة التي تعمل مع الأيتام بعد وصولهم إلى السن القانونية وخروجهم من دور الرعاية.

كما تبرز "مؤسسة تنمية أموال الأيتام" وهي مؤسسة حكومية تهدف إلى المحافظة على أموال الأيتام واستثمارها في مجالات مختلفة، وبما يحقق أعلى العوائد عليها.

 

وتحفل عدد من دور الأيتام الأردنية بقصص نجاح ونماذج مشرفة، لكن هذا لا ينفي وجود واقع مؤلم وتجاوزات خطرة تشهده دور أخرى، بعد أن ارتفعت في الآونة الأخيرة وتيرة المشاجرات ومحاولات الهرب والتعرض إلى الإساءة في عدد من دور ومراكز الرعاية المتخصصة في رعاية الأيتام التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية في مختلف مناطق البلاد.

ويظهر أحدث مسح للسكان والصحة الأسرية أن نحو ثلاثة في المئة من الأطفال في الأردن الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة أيتام أحد الأبوين أو كلاهما، لكن الأيتام من جهة الأب هم الأكثر شيوعاً، كما يظهر المسح أن اليتم بين أطفال اللاجئين السوريين أعلى منه بين الأردنيين.

وقبل نحو 10 سنوات تسببت لقطات مصورة في فيلم وثائقي عرضته قناة "بي بي سي" البريطانية في إثارة غضب العاهل الأردني وإمهاله الحكومة الأردنية آنذاك 14 يوماً لإجراء تغييرات جذرية، وكشفت اللقطات انتهاكات مروعة يتعرض لها أطفال في دور رعاية في الأردن من بينها دور الأيتام.

لكن، مراقبين يقولون إن شيئاً لم يتغير، إذ لا تزال الشكاوى من قسوة المعاملة والضرب والحبس تتكرر، لا سيما في المراكز الحكومية مع ظروف أفضل نسبياً في دور الأيتام الخاصة وغير الحكومية.

وعلى مدى سنوات طويلة يخرج المهتمون بتوصيات ومطالبات لا يتحقق أغلبها، مثل زيادة أعداد الأمهات البديلات والاختصاصيات النفسيات والاجتماعيات في دور رعاية الأيتام، ووضع خطة وطنية لرعاية الأيتام بعد سن الـ 18 عاماً، من جهة مواصلة الدراسة أو تأهيلهم المهني لسوق العمل وتأمين المأوى والعمل، لا سيما لمجهولي النسب.

ويؤكد المتخصص في حقوق الطفل هاني جهشان أن نوعية الرعاية البديلة للأطفال في حال تفكك الأسرة لأي سبب كانت تختلف بحسب ثقافات المجتمعات المحلية، وعلى الإمكانات التي توافرها الدولة لرعاية وحماية الأطفال خارج أسرهم، وتتراوح الرعاية البديلة بين الأسر الممتدة أو البديلة، وفي حال عدم توفر هذه الأسر يجري اللجوء إلى مؤسسات الرعاية الاجتماعية، وحتى تكون هذه المؤسسات مكاناً للحماية وليس للإقامة فقط، بحسب ما يشير جهشان، يجب أن توفر الدولة الإمكانات المالية والمهنية والإدارية اللازمة.

السودان... أعداد متزايدة تفتقر الحماية الأسرية

تعاني دور الأيتام في السودان مالياً ومهنياً وإدارياً، وهو ما يؤثر سلباً في فرص هؤلاء الأطفال الأكثر تعرضاً للخطورة في أن يحظوا بحياة جيدة. وتحتضن هذه الدور نحو 400 ألف طفل فاقد للرعاية الوالدية، ونظراً إلى الزيادة المضطردة في أعدادهم تسعى وزارة التنمية الاجتماعية إلى تحديث وتوسعة عدد من الدور لتتمكن من استيعاب الأعداد المتزايدة.

وبحسب مديرة إدارة الرعاية بوزارة التنمية الاجتماعية نجاة الفادني فإن دار "المايقوما" في الخرطوم هي أول دار قومية أنشئت للأطفال الأيتام عام 1961، وتستقبل الأطفال من عمر يوم إلى أربعة سنوات.

وتستضيف دار الفتيان للأيتام الواقعة في منطقة السجانة في الخرطوم الفئة العمرية من 12 إلى 18 سنة، وينضوي تحتها "دار المستقبل" للبنات و"دار الحماية " للأولاد، لكن هذه الدور تعاني عدم قدرتها على استيعاب الأعداد المتزايدة.

وعن شروط دخول هذه الدور تقول الفادني إن ذلك يتم من طريق الشرطة أو الإبلاغ في حال العثور على طفل في الشارع أو مكب نفايات أو مسجد، أو من طريق الأم مباشرة، ويتم توفيق أوضاع الطفل ومنحه اسماً وشهادة الميلاد وفقاً للسجل الخاص بهم في الدوائر الشرطية، وتوفر هذه الدور المأكل والملبس والعلاج للأطفال.

 

ولفتت الفادني إلى أن "تدهور الأوضاع الاقتصادية أدى إلى تقليص موازنة هذه الدور إلى النصف مما زاد معاناة الأطفال وتسبب في كوارث ووفيات، بيد أن هناك أياد بيضاء تدعم هذه الدور وتوفر الحاجات العينية والمادية".

وأشارت الفادني إلى أن تدني البيئة داخل دور الأيتام استدعى وجود كفالات بديلة داخل الأسر ومنها الكفالة الطارئة، إذ يمكث الطفل مع الأسرة لمدة عامين بعد خضوع الأسرة للتقييم والفحص الطبي. أما الكفالة الدائمة فتتم عبر تقديم طلب لإحدى دور الأيتام لتبني طفل وتخضع لشروط عدة، وقالت إن الوزارة تعمل جاهدة من أخل تيسير الزواج للحد من ظاهرة الأطفال فاقدي الرعاية الوالدية، كما أشارت إلى أن تعاطي المخدرات بين الشباب يؤدي كذلك إلى تنامي أعداد الأطفال الأيتام الذين يعانون الأمرين.

هؤلاء الأطفال يعانون الأمرين، لا سيما نفسياً، وتقول استشارية الطب النفسي مواهب محمد إن "نسبة لافتة من الأطفال في دور الأيتام تميل إلى العدوانية لافتقادها الحماية الأسرية وشعورها بالوحدة، وهذا يتطلب جهوداً لدمجهم في المجتمع". لافتة إلى أن أصعب ما يواجهه الطفل هو معرفة حقيقة وضعه في سن متأخرة، وتؤكد أن الأفضل هو إخبار الصغير بالحقيقة وهو في سن الخامسة حتى يكبر وهو متصالح مع ذاته ووضعه.

ويقول المستشار القانوني بابكر عوض إن دور الإيواء للأطفال الأيتام تحكمها لوائح وقوانين مستمدة من قانون الطفل لعام 2010، وتقسم هذه اللوائح الدور بحسب الأعمار المختلفة للأطفال.

لبنان... ضريبة الانقسام يسددها الأيتام

وإذا كان فقدان الأهل والإقامة في دور الأيتام تتسبب في أزمات نفسية وسلوك عدواني وتدخلات قانونية في أغلب الدول، فإنها في لبنان وبسبب الأوضاع الاقتصادية بالغة الصعوبة تعد مهرباً من الفقر، وينسحب "الاهتراء" الحاصل في مؤسسات الدولة على كل النواحي الحياتية في لبنان، اجتماعياً واقتصادياً وإنسانياً، كما يواجه القطاع التربوي أزمة خطرة تهدد العام الدراسي في المدارس والثانويات الرسمية والجامعات تمتد إلى مؤسسات الرعاية الاجتماعية ودور الأيتام.

وتنص المادة التاسعة من اتفاق "حقوق الطفل" لعام 1989 أن "تضمن الدول الأطراف عدم فصل الطفل عن والديه على كره منهما إلا عندما تقرر السلطات المتخصصة رهناً بإجراء إعادة نظر قضائية، ووفقاً للقوانين والإجراءات المعمول بها، بأن هذا الفصل ضروري لصون مصالح الطفل الفضلى، وقد يلزم مثل هذا القرار في حال معينة مثل إساءة الوالدين معاملة الطفل أو إهمالهما له أو عندما يعيش الوالدان منفصلين ويتعين اتخاذ قرار في شأن محل إقامة الطفل".

وصادق لبنان على الاتفاق عام 1991، وإذاً للطفل الحق في أن يعيش ضمن أسرته لكن ذلك قد لا ينطبق على أوضاع ما يطلق عليهم في لبنان "أطفال المياتم"، إذ يتبين على أرض الواقع أن ما يقارب الـ 90 في المئة هم من الأطفال "المودوعين" في المؤسسات الرعائية وليسوا أيتاماً بل فقراء فقط.

وفي عام 2014 نظمت المفكرة القانونية في لبنان ندوة تناولت فيها أوضاع 23 ألف طفل مقيم في ما يسمى "دور رعاية الأيتام"، وأظهرت أن هناك 21 ألفاً منهم فقراء وليسوا أيتاماً، وهؤلاء الأطفال لديهم أسر لكن أسرهم تفتقد الحد الأدنى من الموارد كي تبقي على أطفالها ضمن كنف العائلة.

وكانت لجنة حقوق الطفل في الأمم المتحدة أشارت غير مرة في تقارير "الملاحظات الختامية للجنة حقوق الطفل على تقارير لبنان الوطنية حول أوضاع الأطفال لأعوام 1996 و2002 و2006"، مبدية قلقها العميق إزاء كثرة الأطفال المودعين في مؤسسات الرعاية والذين أودع معظمهم بسبب مشكلات أسرهم الاجتماعية والاقتصادية، كما لفتت اللجنة في توصياتها إلى وجوب الاستمرار في مراجعة سياسة الدولة التي ينجم عنها إيداع عدد كبير من الأطفال في المؤسسات بعيداً من عوائلهم.

"اندبندنت عربية" حاولت التواصل مع المسؤولة الإعلامية في وزارة الشؤون الاجتماعية سمر المعلوف للوقوف على الأوضاع من وجهة نظر حكومية، لكن المعلوف أحالتنا إلى المدير العام بالإنابة رندا بو حمدان التي لم تجب على اتصالنا.

وأظهرت دراسة عن واقع مؤسسات الأيتام في لبنان عام 2006 أن أضراراً عدة تلحق بالأطفال بسبب سياسات الدولة وخرقها التزاماتها الدولية، وهو ما يحدث بسبب النظام الطائفي وتحديداً نظام المحاصصة الطائفية السياسية.

 

ويشار إلى أن الدولة لا تمتلك مؤسسات رعاية أيتام بل تمول مؤسسات الرعاية الخاصة وأغلبها تابع للطوائف، كما أظهرت دراسة أجرتها منظمة "يونيسف" في أغسطس (آب) 2022، أن 84 في المئة من الأسر لا تملك ما يكفي من المال لتغطية ضرورات الحياة. كما خفضت 60 في المئة من العائلات الإنفاق على العلاج الصحي مقارنة بنسبة 42 في المئة في أبريل (نيسان) من العام نفسه، وتسدد 70 في المئة من العائلات كلفة شراء الطعام من خلال مراكمة الفواتير غير المدفوعة أو عبر الاقتراض المباشر، وقال 36 في المئة من مقدمي الرعاية بأنهم أصبحوا أقل تسامحاً مع أطفالهم وإنهم باتوا يعاملونهم بقسوة.

وبحسب تقرير حديث لمنتدى سياسة الضمان الاجتماعي الشامل لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فإن ما لا يقل عن 78 في المئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين يوم وخمس سنوات يعيشون في أسر ذات أوضاع معيشية هشة، واستعرض تقرير صادم لمجلة "إيكونوميست" البريطانية في يناير (كانون الثاني) الماضي بعنوان "في لبنان يتخلى الآباء عن أطفالهم في دور الأيتام" أثار الانهيار الاقتصادي في لبنان على العائلات، لدرجة جعلت بعض الآباء يتخلون عن أبنائهم لإيداعهم دور الأيتام لتتكفل بهم.

وينقل التقرير عن حسين القصار، وهو رب أسرة مؤلفة من ستة أطفال، قوله إنه أدرك عام 2021 أنه بات غير قادر على تحمل أجرة الحافلة لإرسال أطفاله الأربعة الكبار إلى المدرسة مما دفعه إلى التقدم بطلب لاستقبالهم في دار للأيتام. وعن ذلك القرار يقول "لقد كان قراراً صعباً لكن لا يمكننا الاختيار إلا بين السيئ والأسوأ".

وتشير "إيكونوميست" إلى أن عائلة القصار كانت محظوظة لأنها عثرت على أماكن لأطفالها في دار للأيتام قريبة من بيتها، وفي صيف عام 2022 وصل للدار نفسها نحو 1000 طلب لإلحاق الأطفال، وهو عدد أعلى بكثير من المعتاد، والمؤسف أن الدار لا تتسع إلا لـ 150 طفلاً.

وتنقسم دور الأيتام إلى أماكن إقامة للأولاد والبنات، وتحوي كل منها غرفة معيشة يتم تزويد الأطفال بملابس جديدة ووجبات دسمة منتظمة ويتم تشجيعهم على قضاء عطلات نهاية الأسبوع بانتظام مع والديهم على رغم أن عدداً منهم لا يستطيعون تحمل أجرة الحافلة إلى المنزل، بحسب التقرير.

ويستغرق الوافدون الجدد بعض الوقت للتكيف، وغالباً ما يعاني الأطفال النحافة والانطواء، ويعاني بعضهم الاصفرار المصحوب باليرقان أو كدمات على ظهورهم لأن العنف ضد الأطفال شائع.

ولفت التقرير إلى أن معظم أطفال دار الأيتام يأتون من مكان قريب في شمال لبنان، وكان على العائلات بيع ممتلكاتها لتغطية نفقاتهم، وفي السابق كانت الدار تصطحب الأطفال في نزهات إلى المكتبات والمتاحف والمتنزهات المائية، لكن الأوضاع الاقتصادية تحول دون ذلك حالياً.

وفي حديث لرئيسة المجلس الوطني للخدمة الاجتماعية نائبة المدير العام لدار الأيتام الإسلامية سلوى الزعتري في يناير 2022، قالت إن "مصير 25 ألف موظف يعملون في 400 مؤسسة تقدم خدمات في مجال إيواء ورعاية وتأهيل وتعليم الأطفال الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن والعجزة والمدمنين غامض، وتتمثل المشكلة الرئيسة في التعرفة المنخفضة التي لا تزال تعتمدها وزارة الشؤون التي تعود لعامي 1997 و2011، فالبدل اليومي الذي تتقاضاه المؤسسات عن كل طفل يتيم هو 6250 ليرة و19 ألف ليرة عن ذوي الاحتياجات الخاصة، والمبلغ نفسه عن المسن، وهي مبالغ زهيدة مع تدهور سعر صرف الليرة، إذ إن سعر الدولار في السوق السوداء يتجاوز الـ80 ألفاً.

ولفتت الزعتري إلى أن "موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية لا تتجاوز الواحد في المئة من موازنة الدولة، لذلك فإن مساهمتها في ما تتكلفه المؤسسات الرعائية لا تتجاوز 10 في المئة، في حين أن العقد بين الطرفين ينص على أنها تأخذ على عاتقها تغطية ثلثي النفقات".

اليمن... ضياع الأيتام قدر الحرب المحتوم

ومن أزمة اقتصادية طاحنة إلى كارثة إنسانية متفاقمة، إذ إن أيتام اليمن هم الضريبة الباهظة الحرب الدائرة هناك والتي تسبب فيها انقلاب ميليشيات الحوثي والسيطرة على المدن بقوة السلاح، إذ خلفت ملايين الأيتام ممن فقدوا آباءهم أو معيليهم في الحرب.

وتعددت عوامل فقدان عائل الأسر، فمنها من فقدت عائلها أثناء النزوح هرباً من الحرب، ومنها من فقد الأب أثناء موجهات مع ميليشيات الحوثي أو القتال في صفوف الميليشيات المدعومة من إيران، ومنهم من حصدتهم الألغام الأرضية في أثناء رحلة العودة للديار بعد فترة من النزوح.

وألقت الحرب بظلالها على كل كبيرة وصغيرة، ومع تمدد الحوثيين وسيطرتهم على العاصمة صنعاء أخضعوا مختلف المؤسسات لخدمة أهداف ومصالح الجماعة، بما فيها مراكز دور رعاية الأيتام والمؤسسات الاجتماعية التي كانت ترعى هذه الفئة الهشة وتقدم لهم المساعدات النقدية والتعليمية والتربوية. ومن هذه الدور "مؤسسة اليتيم"، إحدى أكبر المؤسسات، إذ سيطرت الجماعة على أصولها المالية وحرمت آلاف الأيتام من الرعاية عبر تحويل خدمات المؤسسة لمصلحة أسر قتلى الجماعة.

 

وغدت بيوت اليمنيين دوراً لرعاية الأطفال الأيتام الذين فقدوا عائلهم وعادوا لمنازل أقارب الأسرة، ومنهم من اضطر إلى الإقامة في خيمة من مخيمات النازحين، وهؤلاء هم المحظوظون.

لكن يبقى الضياع هو مصير معظم الأيتام سواء في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون أو التي يجري إجبار الجميع فيها على القتال في صفوف ميليشياتها.

ويشار إلى أن ميليشيات الحوثي تستخدم كل وسائل الحشد والتعبئة والترغيب لتجنيد الأطفال الأيتام، سواء من فقدوا آباءهم أثناء قتالهم في صفوف الحوثي أو في صفوف القوات الحكومية، لكن عادوا لمناطق يسيطر عليها الحوثيون.

وقليلون فقط من هؤلاء الأيتام من يحالفهم الحظ ويلتحقون بدور رعاية الأيتام في محافظات بعيدة من مناطق الصراع مثل محافظة حضرموت.

مدير دور رعاية أيتام في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت شرق اليمن علي الحامدي يقول إن أزمة الأيتام تتفاقم مع استمرار الحرب، وزيادة أعدادهم وتعاظم الحاجات وما خلفته من مآس على هذه الشريحة المجتمعية الأضعف. ويضيف أن دار الرعاية تؤوي 63 يتيماً مقيماً إقامة داخلية، فضلاً عن كفالة ما يزيد على 800 يتيم ويتيمة كفالة خارجية، ويوضح الحامدي أن عدد المتقدمين للحصول على كفالات ومعونات يزيد على 500 يتيم.

ويبقى الأطفال الأيتام الحلقة الأضعف في دائرة الضحايا في اليمن كونهم الأكثر تضرراً، إذ يواجه معظمهم مشكلات أسرية قاسية مثل التشرد والشتات، ويعيشون حياة مأسوية بلا مأوى أو عائلة أو مال، ولا يتلقون تعليماً أو رعاية صحية.

"اندبندنت عربية" حاولت الوصول إلى المدير التنفيذي لـ "مؤسسة اليتيم" لمعرفة وضع المؤسسة وحقيقية ما يقال عن تحولها إلى العمل لمصلحة الحوثيين وأسر قتلاهم، إلا أن مديرها رفض الرد على الاستفسارات أو توضيح مصير ممتلكاتها وأصولها، كما رفض عدد من مسؤولي الجهات الخيرية التي تعني باليتيم في مناطق الحوثيين الحديث عن وضع الأيتام ودور رعايتهم.

من جهة أخرى تغيب الإحصاءات والأعداد الرسمية الخاصة بأعداد الأيتام في اليمن وأثر الحرب فيهم وأوضاع الدور المخصصة لرعايتهم، وقال المسؤول عن الأيتام في "الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين" في مأرب محمد السعيدي إنه لا يوجد مركز رعاية للأيتام في المحافظة المكتظة بملايين النازحين، لكن هناك دور رعاية لا تزال قيد الإنشاء، كما تغيب كذلك إحصاءات خاصة بأعداد النازحين في هذه المخيمات.

أما الإحصاءات التي أعلنتها "مؤسسة اليتيم" عام 2017 فكانت تشير إلى وجود أكثر من مليون طفل يتيم في اليمن، وأن 60 في المئة منهم غير قادرين على استكمال تعليمهم وثلاثة منهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأربعة في المئة يعانون الاكتئاب فيما تسعة في المئة من أمهات الأيتام يعانين أمراضاً مزمنة وإعاقات.

محمد أحمد (11 سنة) يعاني مرارة اليتم والمرض، إذ يصارع ورماً سرطانياً في ظهره الصغير منذ أكثر من ستة أعوام، أي أنه قضى نصف عمره في بلدته في مديرية ميدي التابعة لمحافظة حجة شمال غربي اليمن يصارع ذلك المرض الخبيث، وزاد الطين بلة مقتل والده. وخضع الصغير لعملية إزالة الورم عام 2018، لكنه عاد بعد ما أصبحت بلدته معزولة بسبب فرض ميليشيات الحوثي حصاراً عليها، ولاح أمل وحيد في تلقي الطفل العلاج في السعودية لكن كلفته حالت دون ذلك.

سوريا... الأيتام ضحايا الصراع والزلزال

وفي سياق الحرب والصراع والثمن الذي يدفعه الصغار أيضاً، تدور حياة أيتام سوريا، فالدور التي ترعى هؤلاء الصغار تعاني ويلات صراع ممتد على مدى 12 عاماً، وإذا كانت الحرب زادت أعداد الأيتام بشكل هائل في ظل غياب إحصاءات رسمية ودقيقة، فإن التقديرات تشي أن عددهم يناهز 1.2 مليون طفل يتيم كانت المعارك سبباً بفقدانهم أحد الأبوين أو كليهما معاً أو فقدان أسرة كاملة، وزاد ذلك من حجم الضغط على مراكز ودور الأيتام ولم تعد قدرتها الاستيعابية قادرة على احتواء القادمين الجدد، ولذلك زاد عدد الدور لتتمكن من تقديم الدعم اللازم لهم، كما يتم تقديم خدمات إضافية، لا سيما في المجال النفسي والاجتماعي لأطفال لم يفقدوا الأبوين وحسب، بل تعرضوا إلى انتهاكات ناتجة من الحرب.

وتركز جهود دور الأيتام المنتشرة في أرجاء سوريا على تقديم خدمة الإسعاف النفسي الطارئ لضحايا الصراع الذي عصف بالبلاد، وكانت الطفولة أكثر وأشد الخاسرين، إذ يقول أحد عمال الإغاثة الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته، "إن برامج دور رعاية الأيتام تتفاوت بحسب المنطقة والجهة التي تدعمها، فمنها ما يتلقى الدعم من قبل منظمة إغاثية دولية أو تتبع لطائفة دينية وغيرها، إلا أن الجميع يشترك بشروط تكفل لليتيم الرعاية الداخلية والحفاظ على الطفل إلى أن يصبح في سن الـ 18 سنة. وبعض الجمعيات الخيرية تتابع دعمها له وتبقى على تواصل حتى يتم تأمين فرصة عمل ومسكن مناسب له".

 

وتأتي مراكز رعاية الأيتام ضمن مبادرات أهلية وجمعيات خيرية ومن أشهرها تاريخياً "المبرة الإسلامية"، ويوجد عدد من المبرات في محافظات عدة لهذا الغرض، سواء في المناطق التي تسيطر عليها الدولة أو المعارضة، لكن المراكز في مناطق المعارضة تعاني أوضاعاً بالغة الصعوبة.

ويشار إلى أن هناك قرية بأكملها من الأيتام في شمال غربي البلاد تضم 1000 طفل يتيم بدعم إغاثي دولي. ويعيش الأيتام كباقي النازحين في ظروف بالغة الصعوبة، ومن لا يتلقى الرعاية من الأيتام لا يحظى بأية خدمات صحية وتعليمية ودعم نفسي، لا سيما في ظل تدني المستوى المعيشي والغذائي في هذه المخيمات.

وثمة تعامل خاص مع هؤلاء الأطفال عبر تقديم الدعم النفسي لهم، لا سيما بعد كارثة الزلزال المدمر في السادس من فبراير (شباط) الماضي والذي تأثر به سكان شمال سوريا وجنوب تركيا وأدى إلى مصرع 41 ألف شخصاً.

وتجزم المتخصصة في علم نفس الطفل ندى عرابي في حديثها إلى "اندبندنت عربية" أن عدد الأيتام ارتفع بعد الزلزال ليزيد العبء على مراكز الأيتام على رغم افتتاح دور للأيتام الذكور والإناث في المدن المنكوبة لاستقبال الناجين الأيتام ممن فقدوا ذويهم.

وأشارت إلى الحاجة الماسة لتدخل فرق إسعاف أولية نفسية للتخفيف من حدة الصدمة التي تكبدها هؤلاء الأطفال وباتوا من دون أهل وأسرة وبيت يأويهم، كون الأطفال نجوا من كارثتي الحرب والزلزال.

وفي المقابل ذكر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) تجاوز عدد الأطفال الذين تأثروا بالزلزال الـ 2.5 مليون طفل في سوريا وبينهم من فقدوا ذويهم، ولجأ الناجون إلى مراكز إيواء مثل المدارس ودور العبادة والحدائق، إذ خصصت مديريات الشؤون الاجتماعية مراكز خاصة لأيتام الزلزال مع الإعلان عن أماكن إقامتهم لعل أقارب الأطفال يتقدمون لكفالتهم.

العراق... تركة الحروب يرثها الأيتام

وكلما اعتقد الإنسان أنه رأى وسمع أقصى درجات الألم وأقساه اكتشف أن هناك المزيد، ففي العراق تحكي مديرة الدور الإيوائية في محافظة بغداد ومديرة حضانة "عيون المها" عائشة مصطفى عن بعض مما عايشته وواجهته في حياتها المهنية الطويلة، وتقول "تعيش في ذاكرتي تلك الطفلة التي حاول أهلها بيعها للمتاجرة بأعضائها، وعندما تم اكتشاف أن الطفلة مصابة بعجز كلوي أعيدت لذويها وتم إلقاء القبض على أهلها، وبذل الأطباء جهوداً كبيرة لعلاج الطفلة لكنها فارقت الحياة، وأشعر أنني لا أزال أسمع أنينها في أذني، فهذه الطفلة المسكينة ضحية الاتجار بالبشر والتفكك الأسري".

 

وتشير عائشة مصطفى إلى وجود خمسة مراكز إيوائية للأيتام في محافظة بغداد، وهي مخصصة للأطفال فاقدي رعاية أحد الأبوين أو كليهما بسبب الوفاة أو الإعاقة أو التوقيف أو الغياب أو عدم الأهلية مع عدم وجود فرد من الأسرة قادر على التكفل بالطفل، كما تشمل كذلك الأطفال مجهولي النسب لكنها توضح أنه مع كثرة حالات التفكك الأسري والاتجار بالبشر بدأت هذه الدور في إلحاق هؤلاء الأطفال بها حتى وإن كان أهلهم على قيد الحياة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي السياق نفسه يوضح مدير مديرية العمل والشؤون الاجتماعية ومدير دائرة رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة أسامة إياد صادق أنه "بحسب القانون يلتحق بدور الأيتام طفل يكون يتيم الأبوين أو مجهول النسب، وأضيفت أيضاً حالات التفكك الأسري، مشيراً إلى أنه "في بعض الأحيان تكون الأم في السجن والأب متوفى فلا يمكن للأم أن تعتني بطفلها، ولذلك يتم نقل الطفل إلى دور الإيواء الحكومية".

ومع تركة الحروب التي مر بها العراق تنامت أعداد الأطفال اليتامى، وقدرت "مؤسسة العين" غير الحكومية عدد الأيتام بنحو 93785 يتيماً، وعلى رغم زيادة العدد فإنه لم يطرأ تحديث أو توسعة في مجال المؤسسات التي تحتضن هؤلاء الأطفال.

ويقول صادق إن الدور الحكومية الموجودة حالياً قديمة جداً ومعظمها غير ملائم ولا يتناسب مع معايير الصحة والأمان، ناهيك بأنها غير كافية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الأيتام وضحايا العنف الأسري.

كما أن العمل في الدور الحكومية يواجه تحديات كبيرة، فمثلاً منذ عام 2017 لم تعين كوادر جديدة في هذه الدور، ومع إحالة الموظفين القدامى إلى التقاعد يجد الموظفون الباقون مهمة رعاية الصغار بالغة الصعوبة.

من جهتها تقول عائشة مصطفى إن "المنهج المعتمد في دور الإيواء الحكومية للأعمار الصغيرة قديم ولم يتجدد منذ عام 1980، وأحياناً يتم الاعتماد على الجهود الذاتية لكنها ليست كافية، ونجم عن هذه المصاعب عدم وجود أعداد كافية من المربيات، إذ يفترض وجود واحدة مع مساعدة لكل خمسة أطفال حديثي الولادة إلى سنة مثلاً، وهو ما لا يتوافر حالياً".

كما تفتقر دور الإيواء الحكومية إلى المعالج النفسي، فهي تقتصر في قانونها على وجود الباحث الاجتماعي فقط. وتقول مصطفى إن "هؤلاء الأطفال كثيراً ما يعانون الاكتئاب ورفض الذات بسبب ما يتعرضون له، مما يجعل وجود معالج نفسي أمراً حيوياً".

وألهمت قصة الطفلة فرح الصحافي بتفاصيلها المؤلمة الإعلامي علي عذاب الذي يقدم برنامجاً اجتماعياً مشهوراً على شاشة إحدى القنوات، للتفكير في تأسيس دار للأيتام تستقبل الصغار من كل المحافظات إذ إن الدور الحكومية في بغداد تستقبل الأيتام من داخل بغداد فقط.

 

ويحكي عذاب قصة ملهمته الطفلة فرح فيقول، "نشأت بين أب وأم من طائفتين مختلفتين، ولم يرحب الأهل بهذا الزواج، وشاء القدر أن يقتل والدها في انفجار مما دفع والدتها للعودة إلى ذويها، لكنهم رفضوا استقبالها وابنتها، ولاقت الرفض نفسه من أسرة الزوج".

ويضيف، "الأم أقامت في سامراء وكانت تحصل على بعض الإعانات لتمكنها من إعالة طفلتها، لكنها توفيت في انفجار هي الأخرى، وعادت الطفلة لأهل والدتها لكن الجدة ناشدت دور الأيتام تسلمها، وهو ما تحول إلى قضية رأي عام، واضطر عم الصغيرة إلى المطالبة بالطفلة وإعادتها لبيت عمها، وهناك توفيت الصغيرة".

ويقول عذاب إن قصة هذه الطفلة ألهمته تأسيس دار أيتام ليسهم في رفع المعاناة عن كل طفل يتيم أو ضحية العنف والتفكك الأسري.

ويعتبر فتح الدور الأهلية لرعاية الأيتام في العراق إجراء بالغ الصعوبة ويحتاج إلى عشرات الإجراءات والموافقات، وتوضح مديرة إدارة "دار فرح للأيتام" هبة محمد عبدالله أن الدار مسؤولة بالكامل عن الجوانب الصحية والتعليمية والتربوية والنفسية للأطفال، إضافة إلى الجوانب الترفيهية.

ويوضح علي عذاب أن معظم حالات التفكك الأسري تنتج بسبب انفصال الأب والأم وزواج كل منهما بآخر، كما تنجم عن عدم الرغبة في الاحتفاظ بالأطفال، فزوجة الأب لا ترغب فيهم وكذلك زوج الأم، ويطالب عذاب بسن قانون لحماية الأطفال من العنف الأسري.

وتشير هبة محمد عبدالله إلى ظاهرة أخرى وهي زيادة حالات زواج القاصرات وعدم نضجهن مما يؤدي إلى زيادة حالات التفكك الأسري والتخلي عن الصغار.

يشار إلى أن القانون العراقي حدد قواعد ضم الطفل إلى أسرة بأن يكون مجهول النسب لكي يسمح للعائلة التي تنوي أن تبنيه بأن تمنحه اسمها، كما يشترط على العائلة التي تضم الطفل أن تمنحه ربع تركة الأسرة، وهذا يختلف عن نظام الرعاية الذي يشمل الأطفال اليتامى من الأب والأم، وهنا لا يحق للأسرة أن تمنح الصغير اسم العائلة، إذ إن الأمر يقتصر على رعايته واحتضانه في أجواء أسرية كون هذا الطفل معروف النسب.

وسواء كان الطفل معروف النسب أو مجهولة، وسواء حمل اسم الأسرة التي ربته أو الاسم الذي منحته إياه الدار التي نشأ فيها، وسواء أصبح نزيلاً في دار الأيتام أو لدى أسرة بديلة أو كفيلة لأنه فقد أباه أو أمه أو كليهما، أو لأنه نتيجة علاقة خارج إطار الزواج، أو لأن أسرته وجدت نفسها عاجزة عن الإنفاق عليه، أو غيرها من الأسباب الكثيرة، تبقى قصة كل طفل يتيم جديرة باهتمام إنساني منزه عن السياسة وخانة الديانة واسم الأب وسبب اليتم.

المزيد من تحقيقات ومطولات