Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أي دور ينتظر من الاتحاد الأفريقي في الأزمة السودانية؟

قالت سيسوما ميناتا ساميتا "لقد انتقلنا من مفهوم عدم التدخل واللامبالاة إلى الاهتمام بفض النزاعات"

كان بإمكان الاتحاد الأفريقي فرض إجراءات وسياسات من أجل تجنب النزاع المسلح بتسوية الخلافات السياسية بين الجيش وقوات الدعم السريع (غيتي)

ملخص

تزايد الاهتمام بمسألة تسوية النزاعات لدى الاتحاد الأفريقي خصوصاً أن انعكاساتها أصبحت تمس بشكل كبير كلاً من الأمن الإقليمي والدولي. وباعتبار الاتحاد الأفريقي إحدى المنظمات الإقليمية في مجال تسوية النزاعات التي تقع في إطار الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة

تزايد الاهتمام بمسألة تسوية النزاعات لدى الاتحاد الأفريقي خصوصاً أن انعكاساتها أصبحت تمس بشكل كبير كلاً من الأمن الإقليمي والدولي. وباعتبار الاتحاد الأفريقي إحدى المنظمات الإقليمية في مجال تسوية النزاعات التي تقع في إطار الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة، فإنه يتمتع بكفاءة تفضيلية ولكن ليس اهتماماً حصرياً بالنزاعات الأفريقية.

على أثر النزاع السوداني بين الجيش بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، عقد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي اجتماعاً طارئاً في أديس أبابا، الأسبوع الماضي، لبحث سبل تسوية النزاع والعمل على استعادة السلام والاستقرار في السودان، داعياً المجتمع الدولي إلى دعم مبادرة الاتحاد لوقف القتال، ولم يتمكن وفد الاتحاد من زيارة السودان بسبب انعدام الأمن في مطار الخرطوم.

 

وانهيار مؤسسة الدولة وعدم الوصول إلى نظام حكم مدني يعد التحدي الأكبر للسلام والأمن والاستقرار في السودان، دفع تجربة التدخلات الدولية في الحرب الأهلية في جنوب السودان، ثم الصراع الإثني في دارفور وجبال النوبة بالدعوة إلى حل سوداني لمشكلات السودان، وعلى رغم تنافس القوى العظمى على أفريقيا وإحاطتها بمشكلة السودان، فإن الصراع السوداني الحالي بجذوره الداخلية يتمثل في القيادة السياسية غير الكفؤة التي تتلاعب بالسلطة السياسية الهشة.

تدخل المجلس

وبعد الاستقلال قامت الدول الأفريقية ببناء مؤسساتها القارية والإقليمية الخاصة بها، وبالنسبة إلى الأفارقة ومعظم دول ما بعد الاستعمار، فإن بناء التحالفات عد استراتيجية الدول الضعيفة التي تبحث عن السلام والأمن، ومن ثم تجمعت الدول الأفريقية في تكتلات بغرض تعزيز نفوذها في الشؤون العالمية، وأصبحت هذه المؤسسات مهمة في حل المشكلات بشكل جماعي في السعي إلى تحقيق التكامل الاقتصادي وكوسيلة للتعاون السياسي، ثم بدأ الاتحاد الأفريقي خطوات حيوية نحو إنشاء "مجلس السلم والأمن" الذي يعمل كمؤسسة صنع القرار والسلطة الوحيدة للانتشار وإدارة وإنهاء عمليات السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي، وقد جاء مبرر إنشائه من خلال الاهتمام المشترك الذي عبر عنه رؤساء الدول والحكومات والدول الأعضاء حول استمرار انتشار النزاعات المسلحة في أفريقيا، وحقيقة أن لا عامل داخلياً أسهم بشكل أكبر في التدهور الاجتماعي والاقتصادي في القارة ومعاناة السكان المدنيين من ويلات النزاعات داخل الدول وفي ما بينها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعندما أنشأ الاتحاد الأفريقي "مجلس السلم والأمن"، في 26 ديسمبر (كانون الأول) 2003، وبدأ رسمياً في 25 مايو (أيار) 2004، كان بغرض أن يكون الهيكل التشغيلي للتنفيذ الفعال للقرارات المتخذة في مجالات منع الصراع، وعمليات دعم السلام والتدخل، إضافة إلى البناء وإعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع، ويتعاون ويعمل أيضاً من كثب مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ووكالات الأمم المتحدة الأخرى ذات الصلة في تعزيز السلام والأمن والاستقرار في أفريقيا.

ومع تعرض مجلس السلم والأمن لكثير من الانتقادات، عبرت المفوضة السابقة للشؤون السياسية والسلم والأمن بالاتحاد الأفريقي سيسوما ميناتا ساميتا بقولها "لا يمكن أن يشاهد الأفارقة تطور المآسي في القارة ويقولون إنها مسؤولية الأمم المتحدة أو مسؤولية شخص آخر، لقد انتقلنا من مفهوم عدم التدخل واللامبالاة إلى الاهتمام بفض النزاعات".

في الظرف الحالي، تدخل المجلس بعد فرض رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان، إجراءات في 25 ديسمبر 20021، عدت بمثابة "تغيير غير دستوري للحكومة" وهو أمر تحظره المادة الرابعة من القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، وعليه أصدر مجلس السلم والأمن بإدانته، ثم علق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان.

سد الثغرات

كان بإمكان الاتحاد الأفريقي فرض إجراءات وسياسات من أجل تجنب النزاع المسلح، وذلك بتسوية الخلافات السياسية بين الجيش وقوات الدعم السريع، وقد بدأت بين المكونين المدني والعسكري، وكان يمكن اتخاذ إجراءات تجنب تكرارها بين العسكريين، بزيادة التركيز على أدوات مثل الوساطة والدبلوماسية الوقائية وتحديد وحل المشكلات قبل اندلاعها، وبما أن ذلك لم يحدث، فإن استراتيجية "تنظيم الصراع" باستخدام القوة القانونية بدلاً من العسكرية، تبدو مقترحاً مناسباً لصعوبة عودة طرفي الصراع إلى ما قبل إطلاق الرصاصة الأولى.

ولكن هذه الاستراتيجية تواجهها مشكلة أخرى هي ارتفاع درجة الخصومة بين قائد الجيش وقائد قوات الدعم السريع، وتزايد وتيرة الشك في بعضهما بعضاً، كما أن لدى السودان تجارب سابقة متعلقة بتضارب المصالح في تحالف الأطراف المتصارعة مع الخصوم في دول الجوار، التجربة الأولى، إبان الحرب الأهلية في جنوب السودان، شارك الرئيس السابق عمر البشير في رعاية أنشطة قائد "جيش الرب" للمقاومة جوزيف كوني في حرب العصابات التي كان يديرها في أوغندا ضد الرئيس يوري موسيفيني، لأن الرئيس الأوغندي كانت بينه وبين البشير عداوات تصاعدت باتهام البشير له بأنه يأوي المتمردين الجنوبيين، أما التجربة الثانية، بينما لعبت تشاد دوراً في اتفاق وقف إطلاق النار الإنساني في السودان، تم تبادل الاتهامات التي وجهها الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي للبشير بإيوائه متمردين تشاديين ينشطون من دارفور بعد تحالف ثلاث مجموعات متمردة في فبراير (شباط) 2008، وتنفيذها هجوماً على العاصمة التشادية نجامينا، واتهم البشير في المقابل إدريس ديبي بإيوائه الحركات المسلحة المتمردة على نظامه ومساعدتها ومدها بالأسلحة.

وفي مناسبة سابقة، ركز الاتحاد الأفريقي على أنه لتنفيذ آليته لا بد من تقوية وتعزيز الجيوش الأفريقية بالتدريب والتحفيز بسد الثغرات التي يتسرب منها التمرد لأن تفشي الصراعات في القارة يكون غالباً بين الجيش النظامي وميليشيات وقوات عسكرية موازية، لكنه، في المقابل، أكد أن التحدي يكمن في ضمان عدم قفز الجيش إلى السلطة بل توليه زمام الأمن فقط.

تأثير إقليمي

وسيكون الاتحاد الأفريقي أكثر حرصاً من ذي قبل على التدخل، لأن النزاع كبد السودان خسائر بشرية، ودمر المنشآت العامة والبنية الأساسية وهدم الاقتصاد القومي، مما يؤدي إلى هجرة واسعة إلى الدول المجاورة، كما سينشأ من هذا الوضع ما يعرف بـ"اقتصاد الحرب" بهيمنة قادة الحركات المسلحة على موارد الأقاليم التي يسيطرون عليها، ثم ترتبط بشبكات تجارة دولية مشبوهة وهو ما يدور حالياً في مناطق التنقيب عن الذهب، كما أن ظاهرة السلب والنهب التي تدور حالياً في الأحياء السكنية كجزء من فوضى النزاع الحالي ربما تمتد إلى خارج الحدود بسيطرة المتمردين على الطرق البرية، إضافة إلى انتشار المجاعات والأمراض والمشكلات البيئية في مناطق النزاع، كما يمكن أن يسهم النزاع في التأثير في دول الجوار بتورطها فيه بأي شكل، مباشر من خلال اندلاع نزاع داخلي خصوصاً إذا تشابهت ظروفها مع ظروف النزاع السوداني، وغير مباشر بخلق مناخ من عدم الاستقرار، والأمثلة الأفريقية على التأثير الإقليمي كثيرة منها تأثير النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية على أوغندا ورواندا، وامتدادها إلى زيمبابوي وأنغولا وناميبيا.

ويذهب دور الاتحاد الأفريقي في فض النزاعات باتجاه تحميل القادة الأفارقة مسؤولياتهم الناجمة عن إثارة الصراع، وقد وافقت اندلاع الأزمة السودانية، وهو ما كان متوقعاً منه ومن المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى، وهذه السياسة أسهمت فيها عوامل عدة، الأول، لا يوجد التزام إيجابي بتحقيق السلام من قبل القادة الأفارقة، والثاني، لا تزال المنظمة الإقليمية تعاني نقص التمويل مثل منظمة الوحدة الأفريقية السابقة، والثالث، مشكلة الجيوش الوطنية الضعيفة في بعض الدول تشمل كفاءة دعم السلام، يقابلها ما يتبادر إلى الذهن بأن تدخل الاتحاد الأفريقي يعني فرض قوات عسكرية إقليمية لإحلال السلام وهو ما يحدث عادة.

إدارة الصراع

ويعمل الاتحاد الأفريقي وفقاً للمادة 52 من اتفاقية الأمم المتحدة التي تنص على أنه "يمكن للمنظمات الإقليمية إنشاء عمليات حفظ سلام لإدارة النزاعات في مناطقها"، ولكن تجابه تنفيذ القرار في شأن النزاع تحديات، الأول التمويل، فتجربة الاتحاد الأفريقي مع بعثات السلام العسكرية أثبتت أنها باهظة الكلفة ولا يمكن تمويلها من صندوق السلام التابع له، كما أن تجربة الاتحاد الأفريقي هي طالما أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي غير مستعدة للوفاء بالتزاماتها المالية تجاه المنظمة، فإن المسؤولية عن إدارة الصراع سيتحملها المجتمع الدولي إلى حد كبير، ولن يستطيع الاتحاد الأفريقي التدخل في الوقت المناسب أو بشكل مستقل إذا اعتمد على المانحين مما يؤثر في حرية قراراته الاستراتيجية وعملياته، ويدرك الاتحاد ذلك تماماً، وهذا هو سبب إدراج المادة 23 من القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي بأن التخلف عن سداد مستحقات العضوية يمكن أن يستوجب إيقاع عقوبة بالدولة العضو.

أما التحدي الثاني فهو حماية الهيكل الإداري داخل الاتحاد الأفريقي والذي يدور بشكل أساسي حول آليات السلام والعمليات الميدانية المنوط بتحقيقها لمجلس السلم والأمن، بعيداً من التفويض، مما أفرز صعوبات في منطقة اتخاذ القرار بسبب القواعد الإجرائية غير الواضحة داخل الاتحاد الأفريقي.

شبح دولة

وإذا طال أمد الحرب سيواجه الاتحاد الأفريقي التعامل مع شبح دولة منقسمة قادمة، وهو لم يكد يستوعب تبعات انفصال جنوب السودان بعد، وزاد هذا الواقع من عدد الدول الفاشلة في عضويته، وما حدث للدولة السودانية من انهيار جزئي تمثل في النزاع القائم بعد سقوط النظام السابق، ودخول حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك في إطار ممارسة انعدم فيها النظام والأمن والقانون في معظم أجزاء الدولة، وباتت تحتاج إلى وقت لاستعادته، والآن اتسعت دائرة الفوضى، والسودان في طريقه إلى الانهيار الشامل، إذا استمر الصراع بين طرفين لا يتبين، إلى الآن، من يسيطر منهما على السلطة السياسية في الدولة، إذ من الممكن أن تنعدم وجود أي سلطة مركزية مما يؤدي إلى تفاقم مستويات العنف وتتحول الدولة إلى مجموعة من الأقاليم المنفصلة التي يسيطر عليها قادة الحركات والميليشيات المسلحة، وربما تخرج أجزاء من الدولة من السيطرة تماماً، ومع ذلك، فإن لدى الاتحاد الأفريقي القدرة والإرادة السياسية لمعالجة النزاع السوداني ولكنه يتطلب مزيداً من بذل الجهود بينه وبين دول أخرى في المنطقة سعت للمساعدة في الوساطة، وكتل إقليمية مثل الهيئة الحكومية للتنمية "إيقاد" والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" التي نجحت في التدخل لإقناع الرئيس السابق يحيى جامع بالتنحي عن الحكم في عام 2017.

المزيد من تحلیل