ملخص
عودة نشاط السوق الموازية وتجدد المضاربات قادت إلى ارتفاع سعر صرف #الدولار إلى مستوى 36 جنيهاً وتساؤلات حول إجراءات #البنك_المركزي_المصري
بينما كانت التوقعات تشير إلى إمكانية تدخل البنك المركزي المصري مجدداً في سوق الصرف وإعلان خفض جديد في قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي خلال الاجتماع الأخير للجنة السياسة النقدية الذي عقد قبل أيام، تجاهل البنك ارتفاع سعر صرف العملة الأميركية في السوق السوداء، مما أثار شكوك المتعاملين حول الآليات التي سيتعامل بها "المركزي المصري" مع عودة نشاط السوق الموازية وتجدد المضاربات التي قادت إلى ارتفاع سعر الصرف إلى مستوى 36 جنيهاً مقابل استقرارها في البنوك عند مستويات أقل من 31 جنيهاً.
يأتي ذلك في ظل استمرار موجة التضخم العنيفة التي تواجه البلاد وتعود بشكل مباشر إلى خسائر الجنيه المصري مقابل الدولار. وفق البيانات المتاحة وفي إطار التوقعات السلبية، واصل الجنيه انخفاضه في العقود المستقبلية غير القابلة للتسليم لأجل 12 شهراً هذا الأسبوع ليصل إلى مستوى 41 أمام الدولار للمرة الأولى، وفقاً لوكالة "بلومبيرغ"، فيما باعت مصر 0.04 في المئة فقط من إصدار السندات المقومة بالعملة المحلية والبالغ قيمته ثلاثة مليارات جنيه، الإثنين.
وقبلت الحكومة عرضاً واحداً فقط لشراء سندات لأجل ثلاث سنوات بقيمة 1.1 مليون جنيه بعائد 21.7 في المئة، بعد أن طلب المستثمرون عائدات تصل إلى 28 في المئة. وتأثر الطلب على أدوات الدين المصرية المقومة بالجنيه بشدة إثر مخاوف المستثمرين من تخفيض آخر للعملة المحلية.
خيارات صعبة
في مذكرة بحثية حديثة، كشف بنك "غولدمان ساكس"، أن مصر تواجه "خياراً صعباً"، حيث إن تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية أو مواجهة مزيد من التعديل المؤلم في شكل انخفاض بقيمة العملة المحلية وتقليص الواردات قد تؤدي إلى زيادة التضخم وعرقلة النمو.
وأشار إلى أن المشكلة تتمثل في أن التعديل الخارجي الحاد الذي حدث خلال العام الماضي لم يكن كافياً للتخفيف من اختلال ميزان المدفوعات للبلاد. وانخفضت قيمة الجنيه بأكثر من 50 في المئة منذ مارس (آذار) 2022، كما انخفضت الواردات، فيما ارتفعت معدلات التضخم وأسعار الفائدة، وتباطأ النمو، إلا أن كل ذلك لم يكن كافياً للتخفيف من ضغوط ميزان المدفوعات على الاقتصاد، بحسب بنك الاستثمار. ويعني ذلك أن الطلب على العملات الأجنبية لا يزال يفوق المعروض وأن سعر الصرف في السوق الموازية لا يزال في ارتفاع -مع آثار ضارة محتملة على الاقتصاد.
وأوضح البنك أن الحل يتمثل في زيادة حجم وقيمة الصادرات المصرية. وتواجه السلطات خياراً صعباً، "إما إجراء إصلاحات بهدف زيادة الصادرات وتحسين مزيج التمويل أو المضي قدماً نحو مزيد من التعديل المؤلم".
وعلى رغم أن الجنيه المصري في الوقت الحالي مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بشكل كبير، فإن ندرة العملة الأجنبية مستمرة ولم يعد المستثمرون إلى البلاد على نحو ملحوظ. وذكر البنك أسباباً عدة لذلك، منها أنه من الصعب كبح الطلب على السلع الأساسية مثل المواد الغذائية التي تشكل جزءاً كبيراً من واردات البلاد، ولا تزال الصادرات، وربما التحويلات من المصريين بالخارج أيضاً، ضعيفة، كما أن تراكم الطلب على العملات الأجنبية لم يتم تسويته بعد، والدولرة مستمرة مع الاتجاه لاكتناز الأخضر، ولا يزال الإنفاق الحكومي مرتفعاً.
أما الخطر الرئيس بحسب "غولدمان ساكس"، فيتمثل في أن تدخل مصر في حلقة مفرغة من انخفاض العملة والتضخم. ويمكن أن يؤثر ذلك على قدرة البلاد على خدمة ديونها الخارجية، مما يضر بثقة المستثمرين، ويضغط على النمو، إذ يؤدي نقص الواردات وارتفاع الأسعار إلى تدمير الطلب في الاقتصاد المحلي.
معالجة العجز التجاري
وحول ما يجب القيام به، كشف "غولدمان ساكس"، أن معالجة الاختلالات الخارجية لمصر تعني معالجة العجز التجاري الهيكلي الذي يمثل 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعد إحدى أكبر النسب بين الأسواق الناشئة الرئيسة. ويرى البنك أن الدولة بحاجة إلى تسريع وتيرة انتقالها إلى سعر صرف أكثر مرونة، إلى جانب زيادة الصادرات وخفض الإنفاق الحكومي عن طريق إبطاء تنفيذ المشاريع القومية العملاقة، ومواصلة برنامجها لبيع الأصول في الشركات المملوكة للدولة.
لكن أداء مصر على صعيد الصادرات ليس بالجيد، فقد مثل إجمالي صادرات البلاد بما في ذلك الهيدروكربونات نحو 10 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي خلال الخمسة أعوام حتى الجائحة، فيما بلغت 37 في المئة بالأسواق الناشئة لدى "غولدمان ساكس". وقال البنك "العجز التجاري ناتج عن تراجع الصادرات، وليس الاستيراد المفرط".
ووضع "غولدمان ساكس" سيناريوهين محتملين لمستقبل مصر الاقتصادي، الأول وهو السيناريو المتفائل، ويتمثل في أن تكثف الحكومة المصرية جهودها في تنفيذ أجندة الإصلاحات الطموحة، مما يعزز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة وتقليص عجز الحساب الجاري تدريجاً من خلال دعم نمو الصادرات بشكل أكبر على المدى المتوسط.
وفي السيناريو المتفائل لمبيعات الأصول والوصول إلى الأسواق، من المرجح زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل كبير إلى 14 مليار دولار سنوياً في المتوسط على مدى السنوات الثلاث المقبلة (ضعف المتوسط التاريخي)، إضافة إلى زيادة تمويل سوق المال إلى ستة مليارات دولار سنوياً على مدى السنوات الثلاث المقبلة، مقسماً بين تدفقات المحافظ الواردة والإصدارات السيادية، مع تقلص عجز الحساب الجاري إلى 2.6 في المئة بحلول العام المالي 2026/2025، من 3.5 في المئة خلال العام المالي الحالي.
أمام السيناريو المتشائم، فيتمثل في حال عدم اتباع الإصلاحات الاقتصادية، ومن ثم ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى تسعة مليارات دولار فقط سنوياً على مدى السنوات الثلاث المقبلة، مع تمويل من سوق المال بقيمة ثلاثة مليارات دولار سنوياً، إضافة إلى انخفاض حاد في الاحتياطات الأجنبية إلى أقل من 13 مليار دولار بحلول العام المالي 2026/2025.
لتمويل خارجي
وكشف التقرير عن زيادة حاجات مصر من التمويل الخارجي بأكثر من الضعف في السنوات الأخيرة لتصل إلى ما بين 20 و30 مليار دولار سنوياً. وأدى اتساع عجز الحساب الجاري وتوقف النمو في الاستثمار الأجنبي المباشر -الذي سجل في المتوسط أقل من 10 مليارات دولار سنوياً- إلى اعتماد البلاد بشكل متزايد على الاقتراض الخارجي لسد الفجوة.
ويبلغ الدين الخارجي الآن نحو 49 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعاً من 17 في المئة خلال عام 2016. وإجمالاً، جعل هذا الاختلال الخارجي مصر معرضة بشدة لاختلال محتمل في قدرتها على الاقتراض من الخارج.
وتسببت الحرب الأوكرانية في هرب المستثمرين من الأسواق الناشئة المعرضة للمخاطر كمصر، وخرج 20 مليار دولار من استثمارات المحافظ من البلاد، مما يمثل الانعكاس الأكثر حدة والأكثر استدامة لتدفقات رأس المال في تاريخ البلاد. ومنذ ذلك الحين، استمر الأداء الضعيف لسندات الدولة المقومة بالدولار. وقال "غولدمان ساكس"، إن اتساع الهوامش على السندات المصرية يشير إلى أن المستثمرين يواصلون النظر إلى ديون البلاد على أنها محفوفة بالمخاطر.
لكن خيارات التمويل البديلة -كصندوق النقد الدولي ودول الخليج- قد لا تكون خياراً، حيث أشار التقرير، إلى أن المقرضين الذين يسارعون عادة لمساعدة مصر في أوقات الأزمات يركزون الآن بشكل أكبر على الحاجة إلى الإصلاح الاقتصادي. ولا يزال الدعم المقدم من صندوق النقد الدولي ضئيلاً إلى حد ما عند مقارنته بحاجات مصر التمويلية، كما أن التعهدات من جانب دول الخليج لمصر كانت "بطيئة في التحقق".
أيضاً، فإن الأنباء عن توقف محادثات بيع الأصول تزيد الأمر سوءاً، حيث يمكن أن يكون توقف المفاوضات لبيع الأصول المملوكة للدولة -بما في ذلك المصرف المتحد والمصرية للاتصالات- قد أضر بثقة المستثمرين إلى حد ما في احتمالات نجاح برنامج الطروحات.