ملخص
في 2023 يبدو السلام في #إيرلندا_الشمالية أكثر هشاشة مما كان عليه إبان اتفاق #الجمعة_العظيمة عام 1998
من دون احتفالات وفي أجواء عودة التوتر السياسي ومخاوف أمنية، تحيي إيرلندا الشمالية في نيسان (أبريل) الجاري الذكرى السنوية الـ 25 لاتفاق السلام الذي أنهى ثلاثة عقود من الصراع الدامي، ففي العاشر من أبريل (نيسان) 1998 وفي يوم الجمعة العظيمة الذي يسبق عيد الفصح المسيحي، انتزع الجمهوريون المؤيدون لإعادة توحيد مقاطعتهم مع إيرلندا والوحدويون المصرون على البقاء داخل المملكة المتحدة اتفاق سلام لم يكن متوقعاً بعد مفاوضات مكثفة شاركت فيها لندن ودبلن وواشنطن.
إحياء لا احتفال
وأنهى اتفاق "الجمعة العظيمة" ثلاثة عقود من أعمال عنف أسفرت عن 3500 قتيل بين الوحدويين ومعظمهم من البروتستانت والجمهوريين الكاثوليك بمعظمهم، مع تورط الجيش البريطاني.
لكن بعد مرور 25 عاماً يميل الجميع إلى إحياء الذكرى لا الاحتفال بها، فالمؤسسات المحلية التي تم إنشاؤها في أعقاب اتفاق السلام ومن ضمنها سلطة تنفيذية مشتركة بين المعسكرين السياسيين مشلولة منذ أكثر من عام، بسبب خلافات نجمت عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وبعد محاولة اغتيال ضابط شرطة في شباط (فبراير) الماضي على أيدي أعضاء مجموعة جمهورية منشقة، رفع مستوى التهديد الإرهابي في إيرلندا الشمالية أخيراً من "كبير" إلى "خطر".
وذكّرت محاولة القتل التي دانها القادة السياسيون إيرلندا الشمالية بأعمال العنف التي كانت شائعة في المقاطعة، وخلال الأسابيع المقبلة ستستضيف بلفاست سلسلة من المناسبات بحضور رؤساء دول حاليين وسابقين للاحتفال بالذكرى السنوية لانتهاء النزاع.
وسيتوجه الرئيس الأميركي جو بايدن ذو الأصول الإيرلندية إلى المقاطعة في رحلة لم يحدد موعدها بعد، كما يتوقع أن يزور جمهورية إيرلندا وإيرلندا الشمالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الـ 17 أبريل الجاري تنظم جامعة "كوينز بلفاست" مؤتمراً مدة ثلاثة أيام بمشاركة وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون التي لعب زوجها الرئيس بيل كلينتون دوراً رئيساً في تحقيق اتفاق السلام، وسيركز اللقاء على التحول الذي شهدته المقاطعة البريطانية خلال السنوات الـ 25 الماضية.
وفي السنوات التي تلت اتفاق السلام تم نزع سلاح المجموعات المسلحة وتفكيك الحدود العسكرية وغادرت القوات البريطانية المنطقة، وقال رئيس الوزراء الأسبق بيرتي أهيرن "كان الأمر دائماً يتعلق بعملية، وكانت السنوات الـ 25 الماضية أكثر متعة وراحة من السنوات الـ 25 وربما الـ 75 التي سبقتها".
لكن في عام 2023 يبدو السلام في إيرلندا الشمالية أكثر هشاشة مما كان عليه عام 1998، إلا في مراحل نادرة، إذ يعرقل "الحزب الوحدوي الديمقراطي" المتمسك بارتباط المقاطعة بالمملكة المتحدة عمل السلطة التنفيذية منذ أكثر من عام عبر رفضه المشاركة في الحكومة ما لم يتم التخلي عن أحكام ما بعد "بريكست" التي تهدف إلى تجنب عودة الحدود المادية مع إيرلندا، ومنذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي تصاعد التوتر حول "بروتوكول إيرلندا الشمالية" الذي يخشى معارضوه أن يؤدي إلى عزل المقاطعة عن بريطانيا ويجعل توحيد إيرلندا أكثر ترجيحاً.
وفي مارس (آذار) الماضي قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، الذي ساعد أيضاً في التوصل إلى اتفاق السلام، إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "معادلة يصعب حلها" في ما يتعلق بإيرلندا الشمالية.
ورفض "الحزب الوحدوي الديمقراطي" في الأسابيع الأخيرة إعادة التفاوض في شأن البروتوكول الذي يهدف إلى معالجة المخاوف الوحدوية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، وكشف استطلاع للرأي في يناير (كانون الثاني) أن غالبية الوحدويين سيصوتون ضد اتفاق الجمعة العظيمة" إذا أعيد طرحها اليوم في استفتاء.
عقود من العنف
ومنذ بدء الاضطرابات الأولى عام 1968 وحتى توقيع اتفاق "الجمعة العظيمة" للسلام في الـ 10 أبريل 1998، شهدت إيرلندا الشمالية نزاعاً استمر ثلاثة عقود بين الجمهوريين الكاثوليك بمعظمهم والوحدويين البروتستانت، وفي الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) 1968 قمعت الشرطة بوحشية تظاهرة سلمية للكاثوليك من أجل الحقوق المدنية في لندنديري، المدينة الوحيدة ذات الغالبية الكاثوليكية في المقاطعة البريطانية، وكان ذلك اليوم بداية لثلاثة عقود من "المشكلات" تواجه فيها الجمهوريون القوميون ومعظمهم من الكاثوليك المؤيدين لإعادة توحيد إيرلندا، مع البروتستانت الوحدويين المدافعين عن بقاء المقاطعة تحت التاج البريطاني.
وانقلب كل شيء خلال أشهر، فتصاعدت تجمعات ومسيرات الكاثوليك وتحولت إلى اشتباكات مع الشرطة والبروتستانت.
وفي أغسطس (آب) 1969 اجتاح العنف لندنديري وبلفاست وانتشر الجيش البريطاني في الشوارع، وشهد عام 1970 ظهور الجيش الجمهوري الإيرلندي "الموقت" وريث الجيش الجمهوري الإيرلندي السابق الذي خاض عام 1921 حرب عصابات أدت إلى تقسيم الجزيرة لجمهورية مستقلة في الجنوب ومقاطعة تابعة للمملكة المتحدة شمالاً.
وبينما شنت المنظمة السرية أعمالها الدموية تشكلت ميليشيات من المتطرفين البروتستانت، وفي الـ 30 من يناير 1972 أطلق مظليون بريطانيون النار على تظاهرة سلمية ضد التمييز حيال الأقلية الكاثوليكية في إيرلندا الشمالية في لندنديري وقتل 13 مدنياً بينهم عدد من القاصرين برصاص الجنود، وبعد ثلاثة أيام على "الأحد الدامي" أحرق حشد غاضب السفارة البريطانية في دبلن.
وفي الـ 24 مارس من العام ذاته علقت الحكومة البريطانية عمل مؤسسات ألستر وفرضت إدارتها المباشرة هناك.
أما في عام 1974 فوسع الجيش الجمهوري الإيرلندي هجماته القاتلة إلى بريطانيا العظمى وأسفرت هجمات على الحانات في غيلدفورد وولويتش وبرمنغهام عن مقتل نحو 30 شخصاً.
وفي الـ 27 من أغسطس 1979 ضربت المنظمة العائلة الملكية للمرة الأولى مع اغتيال ابن عم الملكة إليزابيث الثانية وآخر نائب للملك في الهند، اللورد مونتباتن، في انفجار قنبلة زرعت في قارب صيد يملكه في شمال غربي إيرلندا، كما قتل في اليوم نفسه 18 جندياً بريطانيا في ألستر.
وفي عام 1981 بدأ الناشط الجمهوري بوبي ساندز، الذي تبعه تسعة من رفاقه المعتقلين في سجن مايز بقرب بلفاست، إضراباً عن الطعام للمطالبة بمنحه وضع سجين سياسي، لكن رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر أصرت على موقفها، وشكلت وفاة 10 مضربين عن الطعام نقطة تحول.
واكتسب القوميون الإيرلنديون شعبية كبيرة، وفاز الجناح السياسي للجيش الجمهوري الإيرلندي (شين فين) بمقاعده الأولى في برلمان إيرلندا الشمالية، وفي العام التالي انتخب جيري آدامز زعيماً للحزب.
خلف السيدة الحديدية
في خريف عام 1984 استهدف الجيش الجمهوري الإيرلندي رأس القوة البريطانية، إذ أودت قنبلة استهدفت تاتشر بخمسة أشخاص في فندق "غراند" في برايتون خلال انعقاد مؤتمر حزب المحافظين، وبعد محاولة أولى في مؤتمر سانينغديل عام 1973 تولت تاتشر إجراء المناقشات عام 1985، لكن الاتفاق الذي أرسى مبدأ أن يكون لدبلن رأي في الشؤون الداخلية لألستر رفض من قبل المعسكرين.
وبين عامي 1992 و1993 تسبب هجومان كبيران للجيش الجمهوري الإيرلندي في مقتل أربعة أشخاص وأضرار بمئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية في حي المال، واكتسبت المفاوضات زخماً جديداً مع خلف السيدة الحديدية جون ميجور الذي دعا جميع الأطراف بما في ذلك "شين فين" إلى طاولة المفاوضات.
وأقر الجيش الجمهوري الإيرلندي وقف إطلاق نار عام 1994، لكن المناقشات تعثرت في شأن مسألة نزع سلاح المجموعات المسلحة.
وفي فبراير 1996 استأنف الجيش الجمهوري الإيرلندي عملياته قبل إعلان هدنة جديدة في يوليو (تموز) 1997 بعد وقت قصير على وصول العمالي توني بلير إلى السلطة.
وفي الـ 10 من أبريل 1998 وبعد مفاوضات طويلة وقعت لندن ودبلن والزعماء الموالون والانفصاليون في إيرلندا الشمالية اتفاق سلام مدعوماً من الجيش الجمهوري الإيرلندي في بلفاست.
وينص اتفاق الجمعة العظيمة على تقاسم السلطة بين الكاثوليك والبروتستانت المنتخبين داخل مؤسسات شبه مستقلة.
بعد أربعة أشهر انفجرت سيارة مفخخة وقتل 29 شخصاً في شارع صغير للتسوق في أوماغ بإيرلندا الشمالية، وكان هذا الهجوم الذي شنته مجموعة منشقة عن الجيش الجمهوري الإيرلندي الأكثر دموية في تاريخ النزاع، لكن المجزرة ستعزز اتفاقات السلام.
وفي المجموع أدت هذه "الاضطرابات" إلى مقتل أكثر من 3500 شخص خلال 30 عاماً.