Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آلة "المسنقو" تؤرخ للحب والحرب في إريتريا 

مصنوعة من الخشب والجلد ولكل وتر فيها مسمى ووظيفة

فنان اريتري يعزف على المسنقو (مواقع التواصل الاجتماعي)

ملخص

تعبر أوتار #آلة_المنسقو_الإريترية عن جوانب #الحياة المختلفة، إذ تستعمل لرثاء #كبار_القوم وسرد #المآثر_الشعبية ذات البعد البطولي و#الغناء_العاطفي والرقص.

يعتز الإريتريون بموسيقاهم المتميزة، التي تنتمي إلى أسرة "السلم الخماسي" عموماً، مع الثراء الكبير في الثقافات واللغات المحلية، التي تصل إلى تسع مجموعات لغوية، بعضها سامي الأصل، والبقية تنتمي إلى اللغات الحامية.

وعلى رغم صغر المساحة الجغرافية والتعداد السكاني الذي لا يتجاوز خمسة ملايين نسمة، إلا أن التعدد الثقافي واللغوي الذي تزخر به البلاد، بالتالي الثراء الموسيقي والفني الناتج منه، يجعل منها كقطعة موزاييك متعددة الملامح الفنية، مع تأكيد التقاطعات الفنية والثقافية مع عدد من دول الجوار براً، حيث الامتداد الشرق أفريقي، وبحراً حيث يمتد الشاطئ الإريتري في البحر الأحمر، لأكثر من ألف كيلو متر في محاذاة الضفاف اليمنية والسعودية. 
لذلك لم يكن غريباً أن يلامس المزاج الموسيقي الإريتري، عدداً من الثقافات الموسيقية المجاورة سواء في أفريقيا أو جنوب الجزيرة العربية التي تنحسر المساحات المائية بين اليابسة الإريترية ونظيرتها على الطرف الآخر ببضع عشرات من الكيلومترات على مضيق باب المندب. 

كف ودف وآلة

يقول الفنان الإريتري أحمد ود الشيخ، أن الغناء في مناطق المنخفضات الإريترية، اعتمد بشكل أساسي على آلة المسنقو، وتسمى "كرار" في بعض المناطق، إضافة إلى الإيقاع والتصفيق بالكف، "فيما المساحات الأخرى تعتمد على صوت المغني الذي يرتجل الشعر الملحن".

 

 
ويشير إلى أن هناك نوعين من الآلة الموسيقية الأساسية الكرار أو المسنقو، فعلى رغم وحدة الصوت والتكنيك، إلا أنهما تختلفان من حيث الشكل والمكونات. فآلة الكرار مصنوعة من الخشب بشكل كامل، إضافة إلى الأوتار السلكية الستة المثبتة عليها، التي يتم تتوينها بمفاتيح تشبه الغيتار، فيما المسنقو مصنوعة من الخشب والجلد، حيث إن صندق الصوت مكسو بالجلد، إضافة إلى أن التتوين يتم عبر شد الأوتار على الجلدة أعلى الآلة وليس عبر مفاتيح، وهي عكس الكرار تعتمد على خمسة أوتار أساسية، فيما الكرار على رغم أنه خماسي، إلا أنه يضم خمسة أوتار أساسية وسادس إضافي، بغرض تفخيم الصوت الصادر. 

أوتار للحب والحرب والحياة  

في المقابل، يوضح الفنان سعيد عبدالله لـ "اندبندنت عربية"، أن لكل وتر في المسنقو مسمى ووظيفة، فهناك وتر الـ "بيساي" الذي يستخدم لبعث الحماسة وسرد المآثر الشعبية ذات البعد البطولي، وهو كثير الاستخدام عند قيام الحروب، بغرض تحريض المقاتلين، ووتر 

الـ "شمبر" الذي يستعمل لرثاء كبار القوم، سواء على المستوى الاجتماعي أو الديني والثقافي، هو غناء تأبيني يعتمد على ذكر محاسن الموتى، وأدوارهم الاجتماعية والروحية. ويعتمد النمط الثالث على وتر "دوارباي" وهو مخصص للغناء العاطفي، إذ يؤدي الفنانون ألحاناً عاطفية لحبيباتهم اعتماداً على هذا الوتر الشجي، وهو الأكثر استخداماً، في حين الوتر الأخير يسمى "دار دار " تصاحبه غالباً إيقاعات صاخبة، وهو بمثابة احتفاء بالحياة والرقص. 

مسميات مختلفة لـ آلة واحدة 

في سياق متصل، يؤكد عبدالله، أن "للمسنقو" مسميات عدة سواء في إريتريا أو دول الجوار، فهي الآلة الأكثر استخداماً في دول شرق أفريقيا، وكذلك في دول حوض البحر الأحمر، ففي السودان يطلق عليها "الربابة" وكذلك "الطنبور" وفقاً لاختلاف المناطق والثقافات الموسيقية واللغوية، بينما تسمى في كل من السعودية ومصر بـ "السمسمية"، وفي مناطق المرتفعات الإريترية واثيوبيا تسمى "كرار"، وجميعها تتبع السلم الخماسى، وفي كل قطر تعد آلة محلية تراثية، ولعلها الآلة الأقدم تاريخياً (حسب تصوره). 

 

 

في مصر، تعد السمسمية أيضاً، إحدى الآلات الموسيقية التراثية، التي تفخر بها منطقة قناة السويس، بورسعيد والإسماعيلية. وهي آلة المسنقو الإريترية ذاتها، ذات الخمسة أوتار، لكنها طورت لاحقاً في مصر، وزودت بأوتار إضافية، لتمكين العازف للانتقال بين المقامات بسهوله، إذ لم تكن الآلة تتيح للموسيقي الانتقال إلى مقام آخر داخل العمل وإنما قبل البدء في العزف يقوم بضبط الأوتار على مقام واحد، وإذا أراد الانتقال إلى مقام آخر كان يتطلب توقيف العزف لإعادة الضبط. 

 

 
تتكون السمسمية من سبعة عناصر وهي الحمال، والسناد، والشمسية، والقرص، وصندوق الصوت، والحوايات، والأوتار. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعزف على مقام الراست أو الكرد أو البياتي أوالحجاز أو النهاوند أو العجم، كما تسمى أوتار السمسمية في مصر كالآتي، البومة، والمتكلم، والمتحدث، والمجاوب، والشرارة.

وتقول السردية المصرية إن أصل آلة السمسمية يعود إلى العهد الفرعوني، حين كانت تسمى "الكنارة" في الحضارة الفرعونية، القديمة، كما تبين بعض البرديات استخدام الفراعنة لآلة  الكنارة بسبعة أوتار مصنوعة من أمعاء الحيوانات.
ووصلت السمسمية إلى مدن القناة من طريق أهل صعيد مصر الذين عملوا في حفر قناة السويس، ومن ثم تطورت إلى آلة السمسمية الحالية.
"بجنا" الآلة في خدمة الروح 

على جانب آخر، نجد أن هناك نوعاً آخر من الآلة ذاتها، جُيرت لخدمة الأغراض الدينية، بخاصة في الكنائس الإريترية والإثيوبية، وتسمى "بجنا" وتختلف هذه الآلة في بعض عناصرها عن المسنقو، فتبدو في حجم أكبر نسبياً، كما أن أوتارها مصنوعة من أمعاء الحيوانات، عوض الأسلاك، لتصدر صوتاً أكثر كثافة، بما يتماشى والبعد الروحي للمزامير والأناشيد المؤداة.

 

 
يقول أستاذ الموسيقى في كلية اللاهوت الإثيوبية القس نآمن جويتا، إن الـ "بجنا" تصنع بشكل يناسب وظيفتها الدينية، فالحاملان الأساسيان ينتهيان في أعلى الآلة كصليبين بارزين، بينما صندوق الصوت في الأدنى مغطى بشكل كامل بالجلد دون وجود ثقوب عليه، على عكس المسنقو، وهو يشير إلى عذرية السيدة مريم، بينما الاختلاف الآخر يكمن في الأوتار، إذ يصل عدد الأوتار في آلة الـ "بجنا" إلى عشرة، وهي إشارة إلى الوصايا العشر التي تلقفها النبي موسى، منقوشة على لوحي الشريعة في جبل حوريب، حسب السرديتين اليهودية والمسيحية.

أصل المسمى 

تعددت مسميات المسنقو، وفقاً لاختلاف اللغات والثقافات الموسيقية لكل منطقة وقطر على امتداد حضور هذه الآلة بأشكالها المتباينة، لكن يبقى التطريب واحد.  وحول أصل المسمى يرجح الفنان الباحث الإريتري محمود لوبينت، أن يكون الاسم مشتقاً من مفردة موسيقى وحور محلياً إلى "مسنقو" بإضافة النون في منتصف المفردة!

بينما يذهب الفنان سعيد عبدالله، إلى أن أصل المفردة يعود إلى لغة "التقرايت"، التي تستخدم المفردة للإشارة إلى المدح، ويقال إن فلاناً "سنق " فلاناً،  أي امتدحه وتغنى بمآثره الحميدة ، وأياً كان الاشتقاق اللغوي، تبقى هي الآلة العابرة للحدود والثقافات في هذه المنطقة منذ العهد الفرعوني وحتى يومنا هذا. 
اقرأ المزيد

المزيد من منوعات