ملخص
معرض #الفنان_المصري #أحمد_شوقي_حسن يهتم بالهامشي وفضاؤه مجرد معبر إلى لا شيء
عند الدخول إلى قاعة العرض تُشير شاشة الفيديو على الحائط إلى وجهة الزائر بهذه العبارة: "للوصول إلى المصعد يرجى الاتجاه يميناً بعد دخول المعرض... يقع المصعد بعد كشك التذاكر على يسارك"... هي عبارة مقتضبة تهتم بالهامشي وتدفع الفعل الرئيسي إلى الهامش، فالمعرض هنا أمر ثانوي وفضاؤه مجرد معبر إلى لا شيء، فلا يوجد مصعد في قاعة العرض. يدرك الزائر سريعاً أن شاشة الفيديو ليست سوى فخّ يُهىء الحضور لتقبل هذا المحتوى الإشكالي. إنه المعرض أو ما يُشبه المعرض، في غاليري "أرض" في القاهرة للفنان المصري أحمد شوقي حسن. يضم المعرض أعمالاً فنية بلا شك، فالمساحة الكائنة في حي غاردن سيتي في وسط القاهرة مُخصصة لذلك، غير أن الأعمال التي يستضيفها الغاليري هذه المرة تحت عنوان "المعرض"، تستكشف الجانب الآخر من آلية العرض وأبعاد هذه المساحة المُخصصة له.
في هذا المعرض يستكشف أحمد شوقي حسن التفاصيل الهامشية المصاحبة للعروض الفنية وفضاءها. فهذه التفاصيل والمراسم المصاحبة للعروض هي جوهر هذا العرض، أما الأعمال الفنية فهي ليست سوى عناصر فرعية مُكمّلة للمشهد يمكن التغاضي عن محتواها. فهل تعد هذه الأعمال والتجهيزات التي يضمها المعرض فناً أم شيئاً آخر؟ هو سؤال قد يتردد في أذهان البعض معبراً عن ارتباك التصنيف وتبايناته في حقل الممارسات المعاصرة، وهو أمر ليس قاصراً بالمناسبة على محيطنا المحلي. إن التعامل مع الممارسات المعاصرة عالمياً يحمل قدراً من الارتباك بقدر التعقيد الناشىء عن الاشتباك بين الأطراف الفاعلة في تيار هذه الممارسات من فنانين ومؤسسات وجمهور.
معرض وممارسة فنية
في هذا المعرض يتبنى الفنان هذا الجانب المُربك ويتخذ منه منطلقاً لممارسته، مما يستدعي تراكمات من السجالات المرتبطة بالممارسة الفنية. وهي سجالات توجه رسائل ناقدة وساخرة للمؤسسات المعنية بالفن وطبيعة عملها. بعد قراءة العبارة الإرشادية على شاشة الفيديو تطالع الزائر هنا صورة فوتوغرافية كبيرة تحتل جداراً كاملاً من جدران العرض، وهي صورة فقدت معالمها على أثر مضاعفة مساحتها عشرات المرات. لا تتيح مساحة الغاليري المحدودة الابتعاد عن الصورة لتبين معالمها، ويمكن الاستعانة هنا بالهواتف للتحايل على ضيق المكان. في مواجهة الصورة هناك ثلاث نسخ لمشهد فوتوغرافي مطبوع بألوان مختلفة. يمثل المشهد لحظة تعليق إحدى اللوحات على الجدار: رجلان يحملات إطاراً فارغاً. تحمل الصور الثلاثة عنواناً واحداً "برجاء لمس التاريخ بعناية".
لوحة أخرى تحمل في وسطها أيقونة الصور الفارغة من المحتوى على الإنترنت، هذه الأيقونة الشبيهة برسم مختزل للأهرامات الثلاثة. المحتوى الفارغ هنا صار هو المحتوى، كما أن رمزية الأيقونة الفارغة التي تُحاكي مشهد الأهرامات الثلاثة تستدعي بدورها واقعاً مُشابهاً وبائساً. صورة فوتوغرافية أخرى كبيرة المساحة لفضاء العرض بجدرانه الفارغة. كيف نتعاطى مع هذا الفراغ المؤسسي، وما هي الأدوات التي يشتبك بها هذا الفراغ مع محيطه الخارجي؟ هي تساؤلات ملحّة ومطروحة دائماً بلا شك.
في حجرة أخرى ثمة تجهيز يبث صوتاً مألوفاً لمبرد الهواء، هذا الصوت الذي يتسلل إلى إذنيك عند الدخول إلى صالات العرض ويُفلح عقلك الواعي في تهميشه، يبدو هنا حاضراً ومُسيطراً بعد تضخيمه بواسطة مكبر الصوت، فهل تفلح هذه المرة محاولة تهميش هذا الصوت المثير للنعاس؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بين المعروضات أيضاً ثمة لوحة ذات أبعاد قياسية تتوافق مع المعايير التي يتطلبها النشر على منصة التواصل الاجتماعي إنستغرام (1080 بكسل / 1350 بكسل )، هي لوحة فارغة إلا من الأسهم السوداء والأرقام المحددة لهذه الأبعاد القياسية. هكذا غيرت وسائل التواصل الاجتماعي والرقمنة أساليب الفنان في الممارسة، ومن بينها اختيار المساحة التي يمكن الرسم عليها امتثالاً لمتطلبات هذا الفضاء الرقمي.
على هذا النحو تحرضنا الأعمال المعروضة على تأمل العديد من التفاصيل المرتبطة بمفهوم العرض، وهي تفاصيل تبدو هامشية لكننا قد نكتشف لأول مرة مدى ما تتمتع به من حضور مؤثر وغير مُعلن. يدفعنا كذلك تبادل الأدوار بين المعلن والمهمل من التفاصيل المرتبطة بالعرض، إلى تأمل طبيعة الممارسة الفنية ومفهومها، ومُعاودة الاشتباك مع سجالات الفرز والتصنيف ودور الممارسات الفنية المُعاصرة وقدرتها على الصمود في محيط مأزوم وغير مُرحّب.