Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوربان وسياساته متعددة الدلالات متباينة التوجهات

تضارب التصريحات حول احتمالات نقل سفارة المجر إلى القدس وتشيكيا تستعد لتنفيذ مثل هذا القرار

رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان  (أ ف ب)

ملخص

يذكر المراقبون ما أثارته مواقف #المجر تجاه عدد من مقررات #الاتحاد_الأوروبي من خلافات في شأن #قضايا_الهجرة غير الشرعية

عاد رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان إلى سابق تصريحاته وقراراته التي لطالما أثارت كثيراً من الجدل والصخب لما تتضمنه بين طياتها من مضامين تخرج بها عن السياق العام وإن كانت تتسق في بعض جوانبها مع الضرورة.

يذكر المراقبون ما أثارته مواقف أوربان تجاه عدد من مقررات الاتحاد الأوروبي من خلافات في شأن قضايا الهجرة غير الشرعية، وما تلاها من قرارات داخلية بلغت حد بناء جدار عازل يفصل بلاده عن عدد من البلدان المجاورة من أعضاء الاتحاد الأوروبي. وجاءت الأزمة الأوكرانية وما نجم عنها من مواجهات عسكرية مع روسيا لتصب مزيداً من الزيت على أتون خلافاته مع أوكرانيا التي منها ما يعود لتاريخ قديم اقتطعت كييف بموجبها مساحات كبيرة من أراضي بلاده في منطقة ما وراء الكاربات ومعها الألوف من أبناء المجر ممن لا يزالون يعيشون بين ظهراني أوكرانيا، وانتقصت حقوقهم وتعرضوا لكثير من قيود التفرقة "العنصرية"، على حد قول المصادر المجرية.

وها هي الغيوم تعود ثانية لتخيم على ما ينسبونه إليه من أخبار، ومنها ما يتعلق باحتمالات قراره نقل سفارة بلاده إلى القدس، وتقول هذه الأخبار التي سارعت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إلى التعليق عليها بما نشرته أن "اتفاقاً حول ذلك تم قبل أيام على مستوى رئيسي وزراء البلدين فيكتور أوربان وبنيامين نتنياهو وأن الخطوة المقبلة للبعثة الدبلوماسية يتم تنسيقها بالتفصيل من قبل وزيري خارجية البلدين إيلي كوهين وبيتر سيارتو".

وأرجعت الصحيفة هذه الخطوة إلى ما وصفته بـ"العلاقات الودية الدافئة بين رئيسي حكومتي المجر وإسرائيل" وأضافت أن هذه اللفتة الرمزية من جانب أوربان ربما تكون محاولة لمساعدة نظيره الإسرائيلي الذي سيكون بالنسبة إليه افتتاح سفارة لدولة أوروبية في القدس إنجازاً دبلوماسياً ملحوظاً على خلفية الوضع السياسي الداخلي المتصاعد في إسرائيل. وخلصت إلى القول إنه "إذا تحققت هذه الخطط، فإن المجر ستصبح أول دولة في الاتحاد الأوروبي لديها سفارة بإسرائيل في القدس".

وفي وقت لم يصدر عن بودابست أي تعليق رسمي ينفي هذه الأخبار، أعلنت رئيسة جمهورية المجر كاتالين نوفاك خلال زيارتها لتشيكيا دحضها لما صدر عن الصحيفة الإسرائيلية بقولها إن "هذا الأمر لم يحسم بعد" وسارعت "رويترز" إلى نقل ما ذكرته نوفاك حول أن "المجر لم تتخذ قراراً بعد في شأن نقل سفارتها إلى القدس المحتلة". وأضافت نوفاك خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس التشيكي ميلوش زيمان، "أنا أيضاً أقرأ الأخبار التي تنشرها الصحف. المجر لم تتخذ قراراً حتى الآن في شأن نقل سفارتنا في إسرائيل".

وعلى رغم أن كلمتي "حتى الآن" تفتحان باباً للشيطان بكل ما تشيان به من تفاصيل واحتمالات، فإنهما ربما تكونان سبيلاً لتهدئة مشاعر الملايين من أبناء العالم العربي لكن إلى حين.

ويبدو أن ذلك لم يرق لزيمان الذي سارع ليقول إنه ورئيس حكومة بلاده ورئيسي غرفتي البرلمان من أنصار مثل هذا القرار، مؤكداً أن بلاده "ستنقل سفارتها إلى القدس" وأنه "سيكون سعيداً إذا اتخذت المجر مثل هذا القرار"، لكنه كشف في الوقت نفسه عن أن وزير خارجية بلاده يقف على طرفي نقيض من مثل هذه التوجهات.

ولكم كان مثيراً للدهشة أن تصدر كل هذه الأخبار بعد زيارة ناجحة لرئيس الحكومة المجرية أوربان للقاهرة وتوصله مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى توقيع اتفاقات شديدة الأهمية وفي الصدارة منها "إعلان الشراكة الاستراتيجية" بين البلدين، وذلك إلى جانب عدد من الاتفاقات الاقتصادية، بما فيها ما يكفل للمجر الكثير من "أمن الطاقة"، وهو ما كشف عنه وزير الخارجية والتجارة المجرية بيتر سيارتو حول إسهام مصر في هذا الشأن من خلال ما ستقوم به القاهرة في غضون ثلاثة أو أربعة أعوام من نقل صادرات الغاز إلى أوروبا بفضل تطوير البنية التحتية في اليونان. وأشار سيارتو إلى  المفاوضات الجارية بين الشركات التجارية لإدراج الغاز الطبيعي المسال المصري ضمن إجمالي المعروض للمجر اعتباراً من عام 2026".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الصعيد الأوروبي، يتوقف كثيرون عند ما يصفونه بالتصريحات المثيرة للجدل التي صدرت عن رئيس الحكومة المجرية ومنها ما يظل يثير حفيظة جيرانه مثل أوكرانيا ورومانيا. وإذا كانت سياسات أوربان تجاه كييف تظل تحمل بين طياتها كثيراً من "النقاط الاستفزازية" التي "تؤلم" القيادة الأوكرانية بما تتضمنه من رفضها لتقديم المساعدات العسكرية وعبور القوات والأسلحة لأراضي بلاده إلى أوكرانيا، فإن هناك منها ما يعود لخلافات قديمة تتعلق بسياسات القيادة الأوكرانية تجاه الأقليات المجرية الموجودة في الأراضي التي جرى اقتطاعها من المجر في منطقة ما وراء الكاربات وضمها إلى شرق أوكرانيا بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية.

 وكان أوربان أكد في أكثر من مناسبة تمسكه بالدفاع عن حقوق أبناء المجر من المقيمين في الأراضي التي يظل يعتبرها "مجرية" والموجودة حالياً ضمن حدود أوكرانيا ورومانيا المجاورتين، بما يعني ضمناً "التفكير في ضرورة استعادتها"، وهو ما تناولته "اندبندنت عربية" في تقارير سابقة لها من موسكو.

 غير أن الأكثر والأشد إيلاماً بالنسبة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ربما يعود  لما تتسم به علاقات أوربان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من حميمية، يعزوها مراقبون كثر إلى مواقف براغماتية يعلي أوربان بموجبها مصالح بلاده الاقتصادية بالدرجة الأولى، مما يفسر كثيراً من جوانب ما يطرحه من مقترحات حول وقف إطلاق النار والتسوية السلمية المحتملة بين روسيا وأوكرانيا.

وكان رئيس الحكومة المجرية أعلن خلال الساعات الماضية أن "الدول الغربية تقترب من إرسال قواتها إلى أوكرانيا"، وأشار في تصريحات بثتها الإذاعة المجرية إلى احتمالات أن "يشارك جنود البلدان المتحالفة مع كييف في الأعمال التي وصفتها صحيفة ’كوميرسانت‘ الروسية بأنها ’عدائية‘". وأضاف فيكتور أوربان أن العالم لم يكن أبداً قريباً من احتمالات تحول الحرب المحلية إلى عالمية مثلما هو اليوم، فضلاً عما قاله حول إن "قادة العالم الغربي يعانون الحمى العسكرية"، وفق ما نقلت عنه صحيفة "كوميرسانت".

وحذر الزعيم المجري من مغبة ما يواصله حلفاء أوكرانيا من "خطابات تحفيزية" تستهدف إرغام المجر على تغيير مواقفها من الصراع الراهن بين موسكو وكييف، وعاد أوربان إلى سابق مواقفه من التزام الحياد تجاه الصراع الروسي- الأوكراني، معيداً إلى الأذهان ما أوصى به وزير خارجيته بيتر سيارتو من أجل الإبقاء على قنوات الاتصال مع روسيا مفتوحة ليخلص إلى القول إن بودابست لن تغير من مواقفها تجاه الصراع القائم، وإنها "لن تقوم بتوريد الأسلحة ولن تنضم إلى أي تحالف عسكري"، فضلاً عن رفضها لما قرره الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من عقوبات سياسية واقتصادية ضد روسيا.

ولعلنا نخلص من كل ما تقدم إلى أن فيكتور أوربان ومنذ جاء إلى قمة السلطة في المجر عام 2010، ينطلق في سياساته تجاه كثير من القضايا المحلية والعالمية من توجهات براغماتية تستند في معظم جوانبها إلى "التعددية".

من هذه المنطلقات أعلن أوربان ركائز سياساته وأهمها العودة لـ"لم الشمل المجري" دعماً للمجريين المقيمين داخل المجر ولا يتجاوز عددهم قرابة 10 ملايين مواطن، في وقت يقطن حوالى مليوني مجري، المناطق المتاخمة لأراضي بلاده في كل من أوكرانيا ورومانيا وصربيا.

وكانت الحكومة المجرية سبق وبادرت بصرف جوازات سفر مجرية لكل المجريين المقيمين في الخارج، إلى جانب إقرار كثير من الامتيازات المادية والاجتماعية التي ثمة من يقول إنها تستهدف ضمان أصواتهم المؤيدة للحزب الحاكم في الداخل المجري، في ظل استصدار التعديلات التشريعية التي تكفل السماح لهم بالمشاركة في الانتخابات المجرية، مما أثار احتجاجات أوكرانيا ورومانيا، وما أعقب ذلك من إجراءات جوابية كادت تعصف باستقرار علاقات المجر مع هاتين الدولتين.

يشار إلى أن الحكومة المجرية كانت بادرت بطرح عدد من التعديلات الدستورية التي أثارت حفيظة بعض ممثلي المعارضة في الداخل، ومن يقف إلى جانب توجهاتهم الليبرالية في الخارج. وكان ذلك سبباً في كثير من خلافات المجر مع الاتحاد الأوروبي وعدد من مقرراته، لا سيما ما يتعلق منها بالموقف من السلطة القضائية وضرورة تغيير المناهج الدراسية والموقف من "المثلية الجنسية" وحرية الكلمة ومواقع التواصل الاجتماعي.

على أن ذلك كله، وعلى رغم ما صدر ويصدر من احتجاجات وتحذيرات عن الاتحاد الأوروبي، لا يحول دون تمسك المجر بالحفاظ "على شعرة معاوية" مع جميع الأطراف الدولية ومنها الولايات المتحدة التي يظل "الجمهوريون" فيها يقفون في صدارة مؤيدي الحزب الحاكم وزعيمه فيكتور أوربان.

ولعلنا نستشهد في هذا الصدد أيضاً بما وصف به بال دوني البروفيسور في مركز مارشال، وهو مركز أبحاث أميركي ومؤسسة مانحة مكرسة من أجل تعزيز التعاون بين أميركا الشمالية وأوروبا، سياسات المجر تجاه الاتحاد الأوروبي بأنها "عملية ونفعية".  

وأضاف دوني، "ربما يبدو لبعضهم أن المبادئ التي تقوم عليها هذه السياسات مشكوك بها من وجهة نظر الأخلاق"، لكنه عاد ليقول "إن المجر تملك أيضاً ما تستطيع من خلاله تقديم الدعم للاتحاد الاوروبي، ولكن كقاعدة عامة، ليس بالمجان. ولت الأيام التي كانت فيها الحكومة المجرية ممتنة لانضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي ولعبت وفقاً لقواعد هذه المنظمة. وهي الآن جاهزة للإسهام في الهياكل المالية متعددة السنوات ولكن شريطة أن تتلقى حصة عادلة من تمويل الاتحاد الأوروبي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير