Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التورط الطائش في بغداد

الدروس الصائبة والخاطئة المستخلصة من حرب العراق

"الدراسات التي أجراها الصحافيون والباحثون والمشاركون تظهر أنه ربما كان بإمكان أوباما أن يحافظ على وجود أميركي طويل الأمد لو أراد ذلك" (رويترز)

ملخص

#حرب العراق: دروس #الاجتياح وعبر #الانسحاب

في عام 1923، بعد مضي خمس سنوات فحسب على انتهاء الحرب العالمية الأولى، كتب عالم اللاهوت رينهولد نيبور: "تنكشف أمامنا الحقيقة المروعة كاملة عن الحرب. فكل كتاب جديد يقضي على مزيد من الأوهام. كيف يمكن أن نصدق أي شيء بعد ذلك؟"، عقد الأميركيون ذات مرة آمالهم على أن الحرب العظمى ستجعل العالم آمناً للديمقراطية، ولكن بحلول عشرينيات القرن الماضي، ساد تفسير أكثر قتامة. فجادل الباحثون المراجعون [مراجعة الرواية التاريخية المتعارفة] بأن مسؤولية بدء الحرب كانت تقع على الحلفاء والألمان على حد سواء، وزعموا أن الصراع قد منح القوة ببساطة لمجموعة من الإمبراطوريات النهمة على حساب أخرى. وفي اتهامات أخطر وأكثر تشدداً، زعموا أن حرب واشنطن كانت متجذرة في الجشع والأكاذيب، وأن الممولين ومصنعي الأسلحة والمصالح الأجنبية قد جروا الولايات المتحدة إلى صراع لا داعي له. واستطرد نيبور: "وكانت الادعاءات الأخلاقية للأبطال مجرد أوهام مزيفة".

في الواقع، لم تكن تلك الأخبار المزعومة عن الحرب العالمية الأولى تظهر تماماً ما تضمره. فعلى رغم أن أسباب الصراع تشكل موضع خلاف لا نهاية له، فإنها كانت ترتكز في المقام الأول على التوترات التي أوجدتها ألمانيا القوية والاستفزازية. فما دفع واشنطن إلى دخول الحرب لم يكن جشع الشركات، بل القضايا مثل حرية البحار والغضب من الفظائع الألمانية. ولم يكن التدخل الأميركي عديم الجدوى، إذ إنه ساعد في تغيير مجرى الأحداث في الجبهة الغربية ومنع ألمانيا من توحيد إمبراطورية قارية تمتد من بحر الشمال إلى القوقاز، ولكن وسط خيبة الأمل التي زرعتها حرب دموية وسلام غير كامل، زادت التفسيرات المشؤومة، وأثرت بشكل دائم على سياسة الولايات المتحدة.

الحروب الأميركية
هجمات 11 سبتمبر 2001، دفعت الولايات المتحدة الأميركية إلى شنّ حربها العالمية على الإرهاب. فاستهدفت أولاً أفغانستان لضرب تنظيم "القاعدة" المحمي بحركة "طالبان"، ثم ما لبثت أن وجّهت جيشها الجرار باتجاه العراق، حيث قضت على نظام صدام حسين.
Enter
keywords

]وفي العشرينيات من القرن الماضي، كانت الآراء السلبية في شأن الحرب الأخيرة هي السبب وراء قرار الولايات المتحدة رفض الالتزامات الاستراتيجية في أوروبا. وفي الثلاثينيات من القرن نفسه، أسهم الخوف من أن يكون "تجار الموت" قد جروا البلاد إلى الحرب في إصدار قوانين حيادية صارمة تهدف إلى إبعادها عن النزاعات المستقبلية. وإن رواد الانعزالية، مثل تشارلز ليندبيرغ والأب تشارلز كوغلين، روجوا لهذا التفسير المشوه للحرب العالمية الأولى عندما جادلوا بأن الأقليات الأنانية والمصالح الغامضة كانت تخطط مرة أخرى لجر الولايات المتحدة إلى الحرب. وجعلت هذه الديناميكيات من الصعب على الولايات المتحدة أن تفعل شيئاً أكثر من مجرد مراقبة انهيار النظام العالمي. والجدير بالذكر أن وجهات النظر حول الحروب الماضية تصقل بثبات طريقة تعامل الولايات المتحدة مع التهديدات الحالية. وفي حقبة ما بين الحربين العالميتين، ساهم تيار المراجعة التاريخية في الدولة الديمقراطية الرائدة عالمياً في تعزيز [وتمكين] من حيث لا تدري التحريف الجيوسياسي على يد التوتاليتاريين.

عندما تسوء الحروب التي تبدو جيدة ظاهرياً [ولا تسير بحسب المخطط]، غالباً ما يخلص الأميركيون إلى أنها كانت غير مجدية أو فاسدة منذ البداية. منذ الغزو الأميركي للعراق، في عام 2003، نظر عديد من المراقبين إلى هذا الصراع بالطريقة التي نظر فيها نيبور ذات مرة إلى الحرب العالمية الأولى. وهناك الآن إجماع من الحزبين على أن الحرب كانت خطأً فادحاً على أساس فرضيات خاطئة، وفي الواقع، كانت كذلك بالفعل، لكن عدداً كبيراً من النقاد يذهبون إلى أبعد من ذلك، فيروجون لما لا يمكن تسميته إلا بنظريات المؤامرة: أن الحرب كانت من عمل لوبي قوي مؤيد لإسرائيل أو مجموعة شريرة من المحافظين الجدد، وأن الرئيس جورج دبليو بوش كذب عمداً من أجل الترويج لصراع كان حريصاً على خوضه، أو أن الولايات المتحدة لم تتدخل إلا بسبب تعطشها للنفط أو دوافع أخرى خفية.

في الحقيقة، هذه ليست صرخات صاخبة أصدرتها جماعات المتطرفين المجانين. ففي عام 2002، في الفترة التي سبقت الغزو، وصف باراك أوباما، سيناتور ولاية إلينوي آنذاك، الصراع القادم بأنه "حرب غبية" مدفوعة بمحاولة إدارة بوش "إلهاء" الأميركيين عن المشكلات الاقتصادية و"فضائح الشركات". وحين كان دونالد ترمب رئيساً، اعتبر الغزو "أسوأ قرار منفرد اتخذ على الإطلاق"، وألقى باللوم على شركات المقاولات الدفاعية الجشعة والجنرالات التواقين للمغامرات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط. في منحى مقابل، قدم نقاد آخرون تفسيرات أكثر حكمة للأسباب المؤدية إلى اندلاع الحرب، لكن في كثير من الأوساط، لا يزال "العراق" مرادفاً للخداع وسوء النية.

وبعد مضي عشرين عاماً على الغزو الأميركي، لم يحجب مرور الوقت حقيقة أن الحرب كانت مأساة ألحقت خسائر فادحة بالولايات المتحدة وخسائر أكبر بالعراق. وإذا استرجعنا الأحداث الماضية ووجدنا أن مكاسب الحرب العالمية الأولى ومنافعها فاقت كلفتها بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن حرب العراق كانت حرباً ما كان على واشنطن خوضها على الإطلاق، ولكن كما أظهر ملفين ليفلر في كتابه الجديد بعنوان "مواجهة صدام حسين" Confronting Saddam Hussein، كانت الحرب مأساة مفهومة، ولدت من دوافع شريفة ومخاوف حقيقية. ويمكننا أن نضيف أيضاً أنها كانت مأساة أميركية: فهي لم تكن من صنع أي فئة ماكرة، بل تمتعت في الأساس بدعم واسع النطاق من الحزبين. في المقابل، اعتبر العراق مأساة ساخرة: إذ إن فشل الولايات المتحدة في حرب غالباً ما يتم تصويرها على أنها مثال للغطرسة الأميركية، كان في النهاية نتيجة تدخل مفرط بداية، ثم تدخل أقل من اللازم بعد فترة.

ولن يكون للولايات المتحدة سياسة خارجية سليمة حتى تفهم بشكل صحيح قصتها المحزنة والمعقدة في العراق. وبعد مرور جيل منذ الزحف إلى بغداد، فإن أخطر التحديات التي خلفتها حرب العراق هو فهم تاريخها، بالتالي دروسها، بشكل صحيح.

 مهمة غير منجزة

لا يمكن لأي مراقب جاد أن يجادل في الحكم المبكر الذي اعتبر حرب العراق إخفاقاً ذريعاً. قررت إدارة بوش مواجهة صدام حسين في 2002-2003 بغية القضاء على مما اعتبرته تهديداً متنامياً تحول بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) إلى خطر غير مقبول على الأمن الأميركي. كان الهدف هو إطاحة الطغيان الوحشي الذي شكل منبعاً للعدوان وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال تدخل سريع ومنخفض الكلفة، ولكن قليلة جداً هي الأمور التي سارت بحسب الخطة الموضوعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الحقيقة، مهد الانتصار على نظام صدام طريقاً أمام تمرد عنيف وحرب أهلية مروعة، وارتفعت الكلفة العسكرية والاقتصادية بشكل حاد. بين عامي 2003 و2011، قتل أكثر من 4 آلاف جندي أميركي في عمليات مرتبطة بالعراق وأصيب أكثر من 31 ألفاً. أما بالنسبة إلى عدد القتلى العراقيين، فلا أحد يعرف العدد على وجه اليقين، بيد أن الباحثين قدروا أنه تراوح بين 100 ألف و400 ألف خلال الفترة ذاتها. في غضون ذلك، انهارت صدقية المجهود الحربي عندما تبين أن أسلحة الدمار الشامل المشتبه بأن صدام كان يخزنها لم تكن موجودة في الغالب. وتضررت سمعة الولايات المتحدة التي كانت معروفة بكفاءتها، وذلك بسبب سوء التخطيط وسلسلة من الأحكام الخاطئة، على غرار الفشل في التحضير بشكل مناسب لفراغ السلطة بعد سقوط صدام، ونشر عدد قليل جداً من القوات لتحقيق الاستقرار في البلاد، وحل الجيش العراقي بطريقة غير حكيمة، من بين أمور أخرى، مما جعل الاحتلال اللاحق يتسم بالفساد وغذى الفوضى التي أعقبت ذلك. وعوضاً عن تعزيز مكانة الولايات المتحدة جيوسياسياً، أدى الصراع إلى إضعافها في كل مكان تقريباً.

في الواقع، زادت الحرب من حدة الطائفية في العراق وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط فيما أطلقت العنان في الوقت نفسه لإيران ثيوقراطية ومكنتها من توسيع نفوذها. ومن خلال تحويل العراق إلى معقل للعنف، أعاد الغزو إحياء تنظيم "القاعدة" والحركة المتطرفة [الجهادية] الأوسع التي أخمدت [وضع حد لها] بعد 11 سبتمبر. وتوافد المقاتلون الأجانب إلى العراق من أجل الحصول على فرصة لقتل جنود أميركيين. وعند وصولهم إلى هناك، أنشأوا شبكات إرهابية جديدة واكتسبوا خبرة قتالية قيمة. بطريقة موازية، تسببت الحرب في خلافات مؤلمة مع الحلفاء الأوروبيين الأساسيين، واستهلكت الطاقات الأميركية التي كان يمكن استخدامها في حل مشكلات أخرى، من البرنامج النووي لكوريا الشمالية إلى سياسة الانتقام الروسية وصعود الصين.

وعلى رغم ذلك، وصلت انتقادات الحرب إلى حد المبالغة فبات من الصعب تقييم أضرارها باتزان وموضوعية. حتى إن أحد المعلقين البارزين، ديفيد كيلكولين، اعتبر الحرب مماثلة للغزو الفاشل الذي شنه هتلر على الاتحاد السوفياتي. صحيح أن الخسائر البشرية كانت مدمرة، لكن بالنسبة إلى الجيش الأميركي، فقد بلغت تقريباً ربع الوفيات التي عانتها القوات الأميركية في أكثر الأعوام دموية في حرب فيتنام. وبمجرد أن تمكنت القوات الأميركية من السيطرة على التمرد في 2007-2008، تحول العراق إلى فخ مميت للمتطرفين الذين توافدوا إلى هناك. والجدير بالذكر أن كثيراً من الأضرار التي لحقت بتحالفات الولايات المتحدة قد شهدت تحسناً في فترة ولاية بوش الثانية أو تم تخطيها ببساطة بسبب تحديات جديدة. بحلول عام 2013، مع خروج القوات الأميركية من العراق، كان الخطأ الفادح في الشرق الأوسط الذي شغل عدداً كبيراً من الدول الأوروبية هو قرار أوباما عدم التدخل في سوريا بعد أن استخدم بشار الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه. وبشكل عام، لقد أثرت حرب العراق على القوة الأميركية، بيد أنها لم تدمرها. وفي أوائل عام 2020، بقيت الولايات المتحدة لاعباً اقتصادياً وعسكرياً بارزاً في العالم، وهي تواجه مشكلة أكبر في إبعاد الدول عن شبكة تحالفاتها المنقطعة النظير لا في جذبها إليها.

بيد أن المكان الذي طبعت عليه الحرب بصمتها الدائمة هو العقلية الأميركية، إذ إن التدخل المرهق الذي أسيئت إدارته لفترة طويلة قد أدى إلى تقويض الثقة المحلية في قوة الولايات المتحدة وقيادتها. وأثار ذلك دعوات إلى التقليل من الانخراط والتدخل ليس في العراق أو الشرق الأوسط فحسب، بل أيضاً في جميع أنحاء العالم. وبحلول عام 2014، تجاوزت نسبة الأميركيين الذين يؤيدون "عدم تدخل الولايات المتحدة في الشؤون العالمية" النسب المئوية التي كانت قد سجلت في أي وقت آخر منذ بدء الاستبيان حول هذه المسألة. وبحلول عام 2016، وهو العام الذي انتخبت فيه البلاد رئيساً أعاد إحياء الشعار الانعزالي "أميركا أولاً"، اتفق 57 في المئة من المشاركين في استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث على أن واشنطن يجب أن تهتم بشؤونها الخاصة. وفي الحقيقة، أصبحت الآثار المترتبة على حرب العراق أشد إيلاماً لأنها جعلت الولايات المتحدة في حالة ركود استراتيجي في وقت كانت تتزايد فيه المخاطر المتأتية من القوى العظمى المنافسة لها. وكما صاغها هنري كيسنجر في مذكراته، فإذا كانت فيتنام قد حفزت "هجوماً على سياستنا الخارجية كاملة بعد الحرب"، فإن التاريخ يعيد نفسه بالفعل.

العودة في الزمن

كيف دخلت الولايات المتحدة في هذه الفوضى هو الموضوع الذي يتناوله كتاب "مواجهة صدام حسين". في الواقع، ليس هناك أحد يبرع في الإجابة عن هذا السؤال أكثر من ليفلر، المؤرخ الدبلوماسي الذي يحظى بإعجاب كبير. وتعتبر الدراسة البارزة التي أعدها حول أوائل الحرب الباردة، في كتاب "تفوق القوة" A Preponderance of Power، نموذجاً لكيفية انتقاد أخطاء صانعي السياسات والاعتراف في الوقت نفسه بإنجازاتهم وفهم الضغوط الشديدة التي شعروا بها. فكتابة تاريخ جيد [فالتأريخ الجيد] يتطلب تعاطفاً، أي رؤية العالم من خلال عيون الأفراد حتى لو كنت تخالفهم الرأي، وكتاب ليفلر مليء بالتعاطف.

يعد كتاب "مواجهة صدام حسين" أخطر دراسة بحثية تتناول أسباب الحرب، إذ تعتمد على مقابلات مع أهم صانعي السياسة، فضلاً عن الوثائق المؤرشفة المحدودة التي رفعت السرية عنها. وتجدر الإشارة إلى أن هدف ليفلر هو الفهم، وليس الإدانة. وتتمثل نظريته في أن حرب العراق كانت مأساة بالفعل، لكنها مأساة لا يمكن تفسيرها بنظريات المؤامرة أو مزاعم سوء النية.

ووفق ما يوضحه ليفلر، فقبل الحادي عشر من سبتمبر، اعتقد المسؤولون الأميركيون أن المشكلة التي يثيرها العراق الشرير غير التائب تتفاقم، لكنهم لم يظهروا إلحاحاً كبيراً في معالجتها، ثم بعد الحادي عشر من سبتمبر، تزامنت المخاوف الطويلة الأمد في شأن برامج أسلحة صدام وعلاقاته بالإرهابيين وميله للعدائية مع مخاوف جديدة من أن الفشل في التعامل مع المشكلات المزمنة، لا سيما تلك التي تجمع بين أسلحة الدمار الشامل والإرهاب، قد يكون له عواقب وخيمة. ووسط انعدام الأمن بشكل ملموس، أسهم بوش في إيصال الأزمة إلى ذروتها، أولاً من خلال التهديد بالحرب في محاولة لجعل صدام ينزع سلاحه بشكل يمكن التحقق منه، ثم عن طريق الغزو، في أعقاب استنتاجه بأن هذه الدبلوماسية القسرية قد فشلت. وفي ذلك الإطار، كتب ليفلر أن "الخوف والقوة والغطرسة"، هي التي أدت إلى اندلاع حرب العراق: الخوف من أن واشنطن لم تعد قادرة على تجاهل الأخطار المحتدمة، والقوة التي يمكن أن تستخدمها الولايات المتحدة الفذة في التعامل مع مثل هذه المخاطر بشكل حاسم، والغطرسة التي دفعت بوش إلى التفكير في أنه يمكن إنجاز هذا التعهد بسرعة وبكلفة زهيدة.

لم يؤلف ليفلر كتابه على سبيل التبرئة. وهو يعرض الخلل البيروقراطي الذي أعاق النقاش المفيد قبل الغزو، ثم التنفيذ بكفاءة بعد ذلك. ويسلط الضوء على الفشل في التدقيق في المعلومات الاستخباراتية غير الموثوقة والافتراضات الخاطئة. إن الإحساس بالهدف [التصميم والشعور بالمسؤولية] الذي حفز بوش بعد 11 سبتمبر، إضافة إلى كراهيته الشديدة لصدام، الذي اعتبر، بعد كل شيء، أحد أكبر المجرمين في العصر الحديث، أدى إلى مبدأ الوضوح الأخلاقي، فضلاً عن قصر النظر الاستراتيجي. ويشير ليفلر إلى أن بوش وحليفه المقرب، رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، "كانا يكرهان صدام حسين"، وأن ما أسهم بقوة في رسم سياساتهما هو "الطريقة التي نظراً فيها إلى جموحه وخيانته وهمجيته"، لكن أياً من هذا النقد لا يعتبر معلومة جديدة في عام 2023، لذا فإن مساهمة ليفلر الحقيقية تكمن في نسف الأساطير والأوهام الخبيثة حول أسباب الصراع الأساسية.

تصحيح سجل الوقائع

إحدى الأساطير المتداولة هي أن العراق تم احتواؤه فعلياً نحو عام 2001، لذا فإن الغزو الذي أعقب ذلك تصدى لخطر وهمي. في الواقع، فإن مشكلة العراق، المتمثلة في كيفية التعامل مع نظام هزمته واشنطن في حرب الخليج 1990-1991، لكنه ظل يشكل تهديداً للاستقرار الدولي، بدت حقيقية للغاية. وكان صدام قد طرد مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة عام 1998، وفي ظل تقويض نظام العقوبات المعني بذلك، زاد العراق من تمويله لهيئة التصنيع الحربيMilitary Industrial Commission بأربعين ضعفاً. لقد دمر صدام سراً مخزوناته من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية بيد أنه لم يقضِ على البنية التحتية المستخدمة في تطويرها. كذلك، عانت صورة الولايات المتحدة العالمية من مزاعم مبالغ فيها في شأن الضرر الذي كانت العقوبات الاقتصادية تلحقه بالمواطنين العراقيين.

إذاً، فقد شكل صدام تهديداً متنامياً، إن لم يكن وشيكاً. ولذا، فإن أي إدارة أميركية كانت ستشعر بالضغط لحل مشكلة العراق بعد 11 سبتمبر، وفق ما أوضحه العالم السياسي فرانك هارفي. وهذا هو السبب أيضاً في أن أي نقد يتسم بالمسؤولية تم توجيهه للحرب يجب أن يأخذ على محمل الجد مخاطر عدم إزاحة صدام من السلطة، على سبيل المثال، احتمال أنه في نهاية المطاف ربما كان ليستخدم القوة ضد جيرانه مرة أخرى أو أن طموحاته كانت لتتفاعل بشكل عنيف ربما مع طموحات إيران النووية.

يدحض ليفلر نظرية "الاندفاع إلى الحرب" التي تشير إلى أن بوش كان يتوق لغزو العراق قبل 11 سبتمبر. في الحقيقة، لم يكن أي من كبار صناع السياسة في ذلك الوقت يتصور أي شيء مثل حدوث غزو كامل، وكان تركيز بوش منصباً في مكان آخر. وبحسب ما كتبه ليفلر، فحتى نائب وزير الدفاع بول وولفويتز، الذي فضل بذل جهد طويل الأمد من أجل إزالة نظام صدام، "لم يكن يدعم غزواً عسكرياً، أو نشر القوات البرية الأميركية" في أوائل عام 2001. وبعد أن أدت أحداث 11 سبتمبر إلى زيادة حساسية الولايات المتحدة بشكل كبير تجاه جميع التهديدات، أصبح بوش مقتنعاً تدريجاً بضرورة مواجهة صدام، لكن استنتاجه على مضض أن الحرب كانت حتمية لم يحصل إلا في أوائل عام 2003، بعد أن واصل العراق لعبة القط والفأر مع المفتشين الذين أعيد إدخالهم بسبب الضغط الأميركي.

لم تكن الحرب وليدة أفكار المحافظين الجدد الأقوياء المصممين على أجندة راديكالية رامية إلى تعزيز الديمقراطية. في الواقع، أولئك الأقرب إلى مركز القرار، وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ونائب الرئيس ديك تشيني، وبخاصة بوش نفسه، الذي برز في كتاب ليفلر بشكل منصف باعتباره الفاعل الرئيس، بالكاد كانوا من المحافظين الجدد. وإذا أردنا تصنيف رامسفيلد وتشيني بشكل أفضل، يمكن وصفهما بالقوميين المحافظين. لقد شن بوش نفسه حملة ضد بعثات بناء الأمم، ودعا إلى سياسة خارجية "متواضعة" عند ترشحه لمنصب الرئيس. ولم يكن للمسؤولين الأقرب إلى حركة المحافظين الجدد، مثل وولفويتز، تأثير يذكر على السياسة المتبعة تجاه العراق. وكتب ليفلر أنه حينما سعى وولفويتز إلى توجيه تركيز الإدارة نحو العراق بعد 11 سبتمبر مباشرة، "تجاهل بوش نصيحته ووضعها جانباً". ويجادل ليفلر بأنه لا يوجد دليل على أن وولفويتز أثر بشكل كبير على رأي بوش بخصوص هذه المسألة، ثم يضيف أن تصوير "رئيس جمهورية غافل، يمكن لمستشارين من المحافظين الجدد أن يتلاعبوا به بسهولة"، هو ببساطة تصوير غير سليم. صحيح أن الفكرة القائلة إن إرساء الديمقراطية في العراق سيكون لها تأثير إقليمي بناء، قد شكلت دافعاً معززاً للحرب، وهو دافع قلل ليفلر من أهميته، بيد أن بوش لم يتابع الترويج للديمقراطية لأن المحافظين الجدد أرادوا ذلك، بل لأن الاستراتيجية الأميركية التقليدية المعتمدة في كسر شوكة الطغاة المهزومين هي تحويل الدول إلى ديمقراطيات سلمية.

بطبيعة الحال، كان التحدي الذي شكله العراق أقل حدة مما اعتقده بوش، لأن صدام كان قد تخلى بهدوء عن مخزونات الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. وعلى رغم ذلك، فإن اتهام بوش بأنه "كذب، فمات الناس" لم يكن مقنعاً: فكما يوضح ليفلر، كان كل صانع سياسة أميركي مهم يعتقد بصدق أن برامج أسلحة صدام أكثر تقدماً مما كانت عليه فعلياً لأن هذا ما أجمعت عليه أجهزة الاستخبارات (علاوة على ذلك، لم تكن المخزونات غير موجودة على الإطلاق، على رغم أنها كانت أصغر بكثير وأقل قوة مما كانت المنظومة الاستخباراتية تعتقده. واكتشفت القوات الأميركية في العراق في النهاية ما يقرب من 5000 رأس حربي وقذيفة وقنابل كيماوية، وجميعها صنعت قبل عام 1991). وقد خلص تحقيقان رسميان إلى أن المعلومات الاستخباراتية كانت خاطئة ليس بسبب التسييس المتعمد بل نتيجة التحليل السيئ، وجهود صدام الرامية إلى ردع أعدائه من خلال التظاهر بحيازة أسلحة لا يملكها. إذاً، كان بوش ومساعدوه متحمسين بشكل مفرط في تقديم الأدلة المتاحة، لكنهم لم يكذبوا.

وفي الواقع، لم يكونوا بحاجة إلى الكذب. وكثيراً ما يغيب عن البال الآن كم حظيت فكرة اعتماد سياسة أكثر حزماً تجاه العراق بشعبية كبيرة. وفي عام 1998، خلال رئاسة بيل كلينتون، تم إقرار "قانون تحرير العراق" Iraq Liberation Act بدعم ساحق من الكونغرس، وهو القانون الذي جعل "دعم جهود التخلص من النظام الذي يرأسه صدام حسين" سياسة أميركية. وفي عام 2002، بلغ عدد الأصوات المؤيدة الحرب 77 في مجلس الشيوخ و296 في مجلس النواب. فصرح السيناتور جو بايدن في ذلك الوقت قائلاً، "ليس أمامنا خيار سوى القضاء على التهديد. فهذا الرجل يمثل خطراً كبيراً على العالم." إذاً، لم يكن المنتمون إلى الجماعات الأيديولوجية أو المتطرفون التواقون للصراع هم الذين فرضوا حرب العراق على البلاد، بل كانت حرباً اختارتها الولايات المتحدة في جو من الخوف الشديد والمعلومات الناقصة، وكان من الممكن، على رغم كل أهوالها، أن تكون رابحة في نهاية المطاف.

الانسحاب الأميركي

الحرب هي سلسلة من الكوارث التي تؤدي إلى انتصار، وفق ما ذكره رجل الدولة السياسي الفرنسي جورج كليمنصو. في الواقع، إذا كان غزو العراق غلطة، فهذا لا يعني أن الحرب كانت خاسرة انطلاقاً من تلك اللحظة. في الواقع، يتناول ليفلر في نهاية كتابه الفشل في التعامل الذي شهدته المرحلة الأولى من الاحتلال، ولكن بعد ثلاث سنوات من الكارثة، في أواخر عام 2006، تمكنت إدارة بوش أخيراً من السيطرة على الفوضى التي اجتاحت العراق، وصاغت استراتيجية جديدة لمكافحة التمرد، ثم دعمتها من خلال نشر ما يقرب من 30 ألف جندي تمس الحاجة إليهم.

وكما توضح الدراسة العملية المفصلة التي أجراها العلماء ستيفن بيدل، وجيفري فريدمان، وجاكوب شابيرو، فقد أسهم هذا "التصعيد" [هذه الزيادة في عدد الجنود] في فرض الأمن في المناطق الرئيسة ودعم انتفاضة القبائل السنية ضد المتطرفين الذين اجتاحوا مجتمعاتهم. كذلك، تراجع العنف، وكاد تنظيم القاعدة يهزم في العراق. وأحرز تقدم سياسي، مع ظهور تحالفات انتخابية عابرة للطوائف. ولو بقيت الأحداث على هذا المسار، لأسفرت ربما عن عراق مستقر نسبياً، وديمقراطي، وشريك محتمل للولايات المتحدة يمكن الاعتماد عليه في الحرب الأوسع على الإرهاب، والآن، قد ينظر الأميركيون إلى الصراع على أنه نصر مكلف وليس هزيمة مكلفة.

لكن الحفاظ على هذا المسار كان سيتطلب استمرار الوجود الأميركي في العراق، بيد أن خليفة بوش صنع اسماً لنفسه من خلال معارضة الحرب، وجادل لفترة طويلة بأن الصراع خاسر، وقامت حملته على الوعد بإنهائه، وذلك جزئياً حتى تتمكن إدارته من التركيز على "الحرب الضرورية" في أفغانستان. بمجرد توليه الرئاسة، لم يسحب أوباما القوات الأميركية على الفور من العراق، ولكن بعد فشل الجهود المتقطعة الرامية إلى التفاوض على اتفاقية من شأنها أن تبقي هناك قوة متواضعة للحفاظ على الاستقرار بعد عام 2011، انسحب الجنود والموظفون الأميركيون في ديسمبر (كانون الثاني) من ذلك العام. حتى قبل ذلك، تراجعت إدارة أوباما عن الإشراف بشكل مركزة وفعال على المشهد السياسي العراقي المعقد.

وكانت التعقيدات الدبلوماسية والقانونية لهذه الحادثة كبيرة، لكن الدراسات التي أجراها الصحافيون والباحثون والمشاركون تظهر أنه ربما كان بإمكان أوباما أن يحافظ على وجود أميركي طويل الأمد لو أراد ذلك. وترتب عن الانسحاب عواقب وخيمة، إذ اختفت معه وسائل التهدئة وإخماد الخلافات بين الفصائل السياسية العراقية، وترك رئيس الوزراء نوري المالكي حراً في الانغماس في أكثر غرائزه الطائفية، إضافة إلى ذلك، ساعد تنظيم القاعدة المهزوم تقريباً في العراق على الظهور مجدداً باسم تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف أيضاً بـ"داعش") بينما حرم واشنطن من الوجود الاستخباراتي الذي كان من الممكن أن يعطي إنذاراً مبكراً أكثر وضوحاً في شأن التهديد. وأسهم في نهاية المطاف في انهيار الأمن العراقي بشكل كارثي وحدوث هجوم إرهابي في ثلث البلاد، مما أدى إلى تدخل عسكري أميركي آخر وعدد من العواقب الوخيمة نفسها، مثل صرف الانتباه عن الأولويات الأخرى وإعادة إحياء حركة المتطرفين الإسلاميين عالمياً وزيادة النفوذ الإيراني في العراق وظهور شكوك عالمية حول كفاءة واشنطن وقراراتها، وهي عواقب جادل أوباما عن حق بأنها ناجمة عن حرب بوش.

مع تقدم داعش إلى ما يقرب من مسافة ساعة بالسيارة من بغداد في عام 2014، نشب جدل غاضب آخر في ما إذا كان الانسحاب الأميركي هو السبب، ولكن من المستحيل أن نجزم ذلك بثقة، وأي تخمين مستنير لهذا الأمر يعتمد على حجم وتركيبة القوة التي يفترض أن الولايات المتحدة كانت ستتركها وراءها، ولكن على الأرجح، يبدو أن قوة يتراوح قوامها بين 10 آلاف و20 ألف جندي (وهو العدد الذي اعتبره المسؤولون الأميركيون والعراقيون معقولاً عند بدء المفاوضات)، إلى جانب تدخلات سياسية أكبر ترمي إلى تهدئة التوترات الطائفية بعد الانتخابات العراقية المتنازع عليها في عام 2010، كانت ستحظى بتأثير بناء، إذ كانت ستعزز القدرات العراقية، وترفع الثقة بالنفس بين صفوف القوات العراقية، وتخفف من تسييس نخبة "جهاز مكافحة الإرهاب" في البلاد، وتوفر مزيجاً من الطمأنينة والنفوذ في التعامل مع المالكي العنيد والصعب المراس. على أية حال، فإن وجوداً أميركياً بهذا الحجم كان ليمنح واشنطن القدرة والمعرفة المسبقة اللازمة لتنفيذ ضربات مكافحة الإرهاب قبل اكتساب داعش زخماً كبيراً.

ومما لا شك فيه هو أنه بالانسحاب من العراق عسكرياً ودبلوماسياً، فقدت الولايات المتحدة قدرتها في الحفاظ على النزعات والاتجاهات الهشة ولكن المفعمة بالأمل التي ظهرت هناك. في الواقع، إن الاقتناع بأن حرب العراق كانت حرباً غبية وخاسرة، أسهم في حرمان الولايات المتحدة من فرصة الفوز بها.


ظلال العراق المديدة

ما هي الدروس التي ينبغي للولايات المتحدة أن تستخلصها من قصة العراق الملحمية؟ قدم أوباما الإجابة الأكثر وضوحاً وبلاغة: "لا ترتكبوا الحماقات". يجب على واشنطن أن تتجنب حروب تغيير النظام والاحتلال، وأن تحد من التدخل العسكري في الشرق الأوسط، وأن تتقبل فكرة أن المشكلات الصعبة تحتاج إلى من يديرها لا من يحلها. هذه هي الرسالة نفسها التي وردت، بشكل أقل حيوية، في استراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن الصادرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022.

للوهلة الأولى، من الذي قد يعترض أو يجادل بهذا الشأن؟ تظهر حرب العراق الصعوبات المرتبطة بإسقاط الأنظمة المعادية وزرع البدائل الديمقراطية. غالباً ما تتضمن مهام من هذا النوع تعقيدات أكبر وكلفة أعلى مما يتوقع في البداية. في الواقع، قد يتبين من وتيرة التدخل الأميركي في العراق، من ضمنها غزو البلاد ثم نقص الاستثمار في استقراره والانسحاب قبل الأوان بعد تغير مجرى الأمور، أن هذه المهام تتطلب مزيجاً من الصبر والالتزام قد يكون من الصعب حتى على قوة عظمى أن تتمتع به.

تكمن المشكلة في أن هذا المبدأ نفسه لو طبق في العصور السابقة، كان ليحول دون تحقيق بعض أعظم النجاحات في السياسة الخارجية الأميركية، مثل تحول اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. ومن المنطلق نفسه، ساعد البرنامج الطويل الأمد الهادف إلى بناء الأمم، والمعتمد على القوات الأميركية، في إنتاج معجزة كوريا الجنوبية، كذلك، فإن تدخلات ما بعد الحرب الباردة في بنما والبلقان نجحت أكثر بكثير مما فشلت. إذاً، فالحملات العسكرية الطموحة لا تكون نهايتها حزينة دائماً. بعضها جاء بنتائج عكسية، فيما ساعد البعض الآخر في تكوين العالم الديمقراطي النابض بالحياة الذي نعيش فيه اليوم.

وتنطوي عقلية "لا مزيد من العراق" [بتعبير آخر، لا مزيد من التجارب المماثلة لتجربة العراق] على مخاطر أخرى أيضاً. في عالم مثالي، سترغب واشنطن بالتأكيد في أن تغادر شرق أوسط غير مستقر، بيد أنها لا تستطيع ذلك لأنها ما زالت تملك مصالح مهمة هناك، من مكافحة الإرهاب إلى ضمان الأداء السلس لسوق الطاقة العالمي. وقد يساعد الإصرار على مقاومة حروب الشرق الأوسط في تجنب الأزمات المستقبلية. أو كما اكتشف أوباما، قد يؤدي ذلك إلى حلقات تتصاعد فيها الاضطرابات العنيفة وتتعرض المصالح الأميركية للتهديد وتتدخل واشنطن لاحقاً من موقع أسوأ وبكلفة أكبر.

الحقيقة هي أن الحماقات تأتي في أشكال متعددة. إنها تتضمن تدخلات غير حكيمة وانسحابات متسرعة، ودرجات كبيرة أو صغيرة من الثقة والحزم. إذا كنا قد تعلمنا شيئاً من حرب العراق، فهو أن استراتيجية الولايات المتحدة غالباً ما تكون بمثابة توازن بين تقليص التدخل الأميركي في الخارج من جهة والتمادي في التدخل من جهة أخرى، وأنه لا توجد صيغة واحدة يمكن أن تسمح للولايات المتحدة بتجنب أحد المخاطر من دون مواجهة آخر.

تسلط تلك الحرب أيضاً الضوء على أهمية التعلم والتكيف بعد ارتكاب الأخطاء الأولية. وليس الأمر مستغرباً في تجربة الولايات المتحدة: فالطريقة الأميركية الحقيقية المستخدمة في شن الحروب تتمثل في البدء ببطء وارتكاب كثير من الأخطاء الفادحة. وعندما تتحول الكوارث إلى انتصارات، كما حدث في الحرب الأهلية الأميركية، والحربين العالميتين، وعدد من النزاعات الأخرى، فالسبب هو أن واشنطن تتعلم بوتيرة أسرع من الخصم، بينما تستخدم تدريجاً جبروتها العظيم. ومن المميزات التي تتمتع بها القوة العظمى هو أن حتى أكثر أخطائها مأسوية وضرراً نادراً ما يعتبر فادحاً. إذاً، فطريقة التعافي من الأخطاء التي ترتكب لا محالة في الحرب هي أمر بالغ الأهمية.

لكن تعلم أي دروس من حرب العراق يتطلب أخذ التاريخ الفوضوي لتلك الحرب على محمل الجد. والاتهامات الموجهة إلى المحافظين الجدد، أو "بلوب" السياسة الخارجية [أي المجموعة المهتمة في شؤون السياسة الخارجية والمؤيدة للتدخلات الخارجية] أو اللوبي الإسرائيلي، باعتبارهم المسؤولين عن المغامرات الأميركية الفاشلة، هي أصداء للاتهامات التي وجهت للمصرفيين والتجار والبريطانيين بأنهم دفعوا واشنطن إلى دخول الحرب العالمية الأولى. وقد تكون هذه الحجج ملائمة أيديولوجياً، لكنها لا تكشف الكثير عن سبب تصرف الولايات المتحدة على هذا النحو، وكيف أن صانعي السياسة الأذكياء وذوي النوايا الحسنة قد يضلون الطريق في بعض الأحيان. وفي الواقع، لا يقدم التأريخ الجيد أي ضمانة تؤكد أن مجموعة القرارات الأميركية التالية المتعلقة بالأمن القومي ستكون صحيحة وملائمة، وفي المقابل، لا شك في أن التأريخ السيئ يزيد من احتمالات اتخاذ تلك القرارات بشكل خاطئ.

*هال براندز أستاذ كرسي هنري كيسنجر للشؤون العالمية بجامعة جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، وزميل أول في معهد أميركان إنتربرايز. عمل مستشاراً مدنياً في وزارة الدفاع الأميركية من عام 2015 إلى عام 2016. وهو مؤلف مشارك لكتاب "منطقة الخطر: الصراع المرتقب مع الصين".

مترجم من فورين أفيرز، مارس (آذار)/ أبريل (نيسان) 2023

المزيد من آراء