Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تأنيث الفضاء العربي وهيمنة الأقلية الذكورية الساحقة

زملائي الأساتذة من تخصصات العلوم الدقيقة والطب والصيدلة والتكنولوجيا وغيرها يؤكدون أن عدد الطالبات في هذه الكليات يفوق بكثير عدد الطلاب

أشعر بأن العالم الثقافي تأنث كثيراً ويبدو أن عدد المبدعات أكثر من عدد الرجال (أ ف ب)

 

ملخص

أتساءل أمام هذا #الاختلال_الجنسي_الجامعي: هل سيتأنث #العالم_الثقافي والمعرفي قريباً؟

هل سيتأنث العالم الإبداعي والثقافي العربي والمغاربي عن قريب جداً؟

هذا الصباح، كالعادة أدخل المدرج الذي أقدم فيه محاضراتي الأسبوعية بجامعة الجزائر العاصمة، كلية الآداب واللغات الشرقية، أتأمل وجوه طلابي فتراودني الفكرة التالية، هل سيتأنث العالم الثقافي والجامعي في القريب العاجل؟ أقول ذلك وأنا أكتشف أن من بين الحضور الذي يفوق الـ 200 لا يوجد سوى طالبين ذكرين فقط، البقية كلهن إناث؟

طالبات معظمهن مليئات بالحلم والجد والمنافسة والإصرار على التفوق والنجاح.

أتساءل أمام هذا الاختلال الجنسي الجامعي، هل سيتأنث العالم الثقافي والمعرفي قريباً؟

أقول، بيني وبين نفسي، وأنا أقف على هذا الأمر الديموغرافي الجديد، ربما الطلاب الذكور يختارون الفروع العلمية؟

لكن زملائي الأساتذة من تخصصات العلوم الدقيقة والطب والصيدلة والتكنولوجيا وغيرها يؤكدون لي أن عدد الطالبات في هذه الكليات أيضاً يفوق بكثير عدد الطلاب الذكور.

وأنا أتأمل هذا الحضور الباذخ والعريض للمرأة في مدرجات الجامعة، أستعيد قصة الطالبة سهير القلماوي، طالبة طه حسين، أول طالبة تدخل جامعة القاهرة عام 1929، الحكاية التي رواها كثيرون من الكتاب بإعجاب واحتفال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قرن مضى، تقريباً، منذ أن وضعت سهير القلماوي قدميها في الجامعة، منذ أن جلست في مدرج جامعي بكلية الآداب، كانت استثناء، واليوم ها هي الأمور قد تغيرت رأساً على عقب، وكفة الميزان قد اختلت اختلالاً كبيراً حتى أضحى الذكور من الطلاب قلة قليلة، استثناء في بعض التخصصات! 

لا أبالغ إذا قلت إن رؤية طالب في المدرج اليوم قد يثير الانتباه كما كان حضور سهير القلماوي يثير الاستغراب، قد أكون مبالغاً لكن في واقع بعض الكليات شيء من هذا؟

إذا كان يوم وصول القلماوي إلى مدرج الجامعة يعد منعطفاً أساسياً وفاصلاً في مسار تاريخ تشكل النخب العربية، هذا الوصول الذي يعد إعلاناً عن بداية حلم جميل وبداية مغامرة حضارية واجتماعية مفتوحة ومثيرة لمسيرة تاريخ تحرر المرأة الشرقية، لم تكن هذه البداية يسيرة، فقد عانت هجومات الأصوات الدينية المحافظة التقليدية المتشددة التي لم تقبل مثل هذا الخرق واعتبرت وصول المرأة إلى الجامعة مساً بالأخلاق العامة وهدماً لقيم الأسرة وطغياناً جنسياً ضد الرجل.

اليوم، ومع هذا الفارق العكسي الواضح، كيف نسمي هذه الظاهرة، ظاهرة الغياب الذكوري في زمن طغيان الأيديولوجيا الذكورية! وهل هي حال صحية أو اختلال ديموغرافي واقتصادي واجتماعي سيغير لا شك من بنية المجتمع خلال النصف الأخير من القرن الـ21 على جميع المستويات الذهنية والمادية والنفسية.    

حين دخلت سهير القلماوي الجامعة كانت تحمل معها وفي حركاتها وتصرفاتها ولباسها وحديثها حلم جيل كامل من النساء يبحثن عن مكان وازن لهن تحت الشمس، شمس المعرفة والعلم والعدالة التي أممها الذكور، كان حلمها عامراً بالتفاؤل وبالاجتهاد والعناد الإيجابي وبالتحدي، أما اليوم، فقد أضحت حكاية القلماوي من التراث البعيد، من البارحة، بحيث لم يبق هناك مجال واحد لم تدخله المرأة، في العلم والفضاء والإبداع والأدب والسينما والموسيقى والرياضة والسياسة ورفع الأثقال.

لكن إذا كان الواقع قد تغير خلال قرن من الزمن، على كثير من الأصعدة المادية والاقتصادية، إلا أن شيئاً واحداً لم يتغير، أو تغير قليلاً، وربما هو الذي سار بالمجتمع نحو الخلف ونحو التخلف أكثر فأكثر، أتحدث هنا عن الواقع في الدول الوطنية المستقلة بعيداً من تجربة الاستعمارات التقليدية، هذا الشيء هو تلك الذهنية التي تستثمر في الدين السياسي الذي انطلق كإطار تنظيمي عام 1928 مع تأسيس جماعة "الإخوان المسلمين"، الجماعة التي ولدت مع تاريخ دخول القلماوي إلى الجامعة عام 1929، إن فكر هذه الجماعة ازداد قوة وزاد من هجومه على المرأة معتبراً خروجها وحضورها في المحافل بكل حرية سبب تخلفنا وسبب فقرنا وسبب مرضنا وسبب وبائنا وسبب غياب سقوط المطر عنا.

هي أفكار لا تزال تعيش بعد قرن من الزمن ولا يزال هجومها على المرأة هو مدخلها للسياسة واستجلاب الشعبوية وتشويه صورة الدين نفسه.   

اليوم، وعلى رغم هذا الحضور المكثف بالجمع وبالفائض عددياً للمرأة في الفضاء العام، الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والإبداعي والسياسي والمؤسساتي، لا تزال هذه الأخيرة تعيش حصاراً مريعاً من قبل الطبقة السياسية ذاتها التي حاصرت القلماوي قبل قرن من الزمن، قد تغير الشكل لكن المضمون واحد مع اختلافات ضئيلة وشكلية. 

فعلى رغم العدد الأنثوي الغالب اجتماعياً إلا أن هذه الغلبة عددياً تحتاج إلى التحرر من غلبة الأيديولوجيا الذكورية التي يضغط بها المجتمع المختل على المرأة سواء في الفضاء العمومي أو في الأسرة. وهي أفكار العبودية المعاصرة التي ليس من السهل مقاومتها. 

المرأة اليوم، حفيدة القلماوي، أصبحت مرشحة للرئاسيات، أصبحت رئيسة حكومة، وزيرة، أصبحت جنرالاً، عقيداً، سفيرة، مديرة عامة، قائدة طائرة، قائدة سفينة، شاعرة، فيلسوفة، روائية، ناشرة، شرطية، دركية، جمركية، في لجان التحكيم الكبرى، صحافية، طبيبة، صيدلية، تاجرة، أستاذة جامعية، محامية، قاضية، رياضية محترفة... واقتحمت كل المواقع وتبوأت هذه المسؤوليات وغيرها، وفي كثير من الوظائف التي عددتها أعلاه تمثل المرأة الغالبية عدداً (في التعليم والصحة والإعلام والثقافة والقراءة)، لكنها لم تستطع حتى الآن أن تهزم الأيديولوجيا الذكورية المتأصلة في المجتمع.

أشعر بأن العالم الثقافي تأنث كثيراً، ليست هناك إحصاءات دقيقة، لكن يبدو لي من خلال الحضور، فعدد المبدعات أكثر من عدد الرجال، عدد الطبيبات أكثر من عدد الأطباء، عدد الممرضات أكبر من عدد الممرضين، عدد النساء قارئات الأدب أكثر من القراء الرجال، عدد وزيرات الثقافة أكبر من عدد الوزراء الرجال.

مع ذلك، وعلى رغم تفوق عدد الإناث من الطلبة والمعلمات والطبيبات والممرضات والمحاميات وربما الشاعرات والروائيات والمغنيات والمسرحيات، وعلى رغم التموقع اليومي للمرأة في الاقتصاد والعلوم والإعلام إلا أن شيئاً أساسياً لم تستطع هذه المرأة الموجودة بالعدد في الفضاء العام مقاومته هو "هيمنة الأيديولوجيا الذكورية"، فالعدد وحده لا يكفي، إن المعركة التي تقودها المرأة اليوم ليست اقتصادية أو معرفية أو إبداعية فقط ولكن عليها أن تبدأ بمحاربة الأيديولوجيا الذكورية الساكنة ليس في رأس الرجل فقط، ولكن وهذا الأخطر، "الأيديولوجيا الذكورية الساكنة في مفاصل تفكير المرأة؟".

اقرأ المزيد

المزيد من آراء