ملخص
قلصت الأزمة حجم #الإنتاج_الداجني بنحو 50 في المئة فبعد أن كانت #مصر تنتج نحو 4 ملايين طائر يومياً هبط الرقم إلى أقل من مليونين
تحمل الحروب معها المعاناة للمصريين، سواء كانت مصر طرفاً في الصراع أو لا، إذ تتأثر البلاد على الدوام بالتداعيات الاقتصادية السلبية لتلك الحروب، فقبل 84 عاماً عرف المصريون للمرة الأولى دعم السلع أثناء الحرب العالمية الثانية التي اشتعلت عام 1939، وبعد ذلك بـ28 عاماً على أثر نكسة 1967 كانوا يحصلون على الدواجن عبر الجمعيات الاستهلاكية التابعة للدولة ببطاقات السلع التموينية.
مع الذكرى الأولى لاندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، عاد المصريون من جديد إلى الجمعيات الاستهلاكية نفسها للحصول على الدواجن البرازيلية هذه المرة ويمكن لكل مواطن شراء دجاجتين بحد أقصى.
شظايا الحرب
مع الطلقات الأولى للهجوم الروسي على أوكرانيا بدأت شظايا الحرب تتطاير في كل الاتجاهات، لكن كانت القاهرة أكثر عواصم العالم تضرراً من جراء تلك الحرب، فمصر تستورد القمح والذرة الصفراء والزيوت وعدداً آخر لا بأس به من السلع الأساسية من دولتي النزاع، كما أن موسكو وكييف تمثلان أيضاً ثلث السياحة الوافدة إلى المدن المصرية، وهكذا انكمشت الإيرادات من جهة وزادت المصاريف من الجهة الأخرى.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، ففاتورة الحرب المشتعلة في أوروبا منذ فبراير (شباط) 2022 خلفت وراءها جبالاً من التضخم صاحبتها أمواج عاتية من ارتفاعات الأسعار وبدأت البنوك المركزية العالمية وعلى رأسها الفيدرالي الأميركي مجابهة التضخم برفع أسعار الفائدة مرة تلو الأخرى حتى لمعت أسعار الفائدة المغرية على الدولار الأميركي في أعين أصحاب الأموال الساخنة، فالقاعدة الاقتصادية تؤكد أن رأس المال لا وطن له ولا دين حتى في بلاده، إذ هرول المستثمرون الأجانب بأوراقهم الخضراء صوب الولايات المتحدة، تاركين خزائن القاهرة خاوية، وهو ما أعلنته الحكومة المصرية في مايو (أيار) 2022 حين قالت إن "استثمارات الأجانب في أدوات الدين السيادية خرجت من مصر في الأشهر الستة الأولى من 2022 بنحو 20 مليار دولار".
أزمة طاحنة
مع خواء خزائن مصر بفعل الحرب تأزمت الحال الاقتصادية وكافحت القاهرة على الجبهات كافة، فتارة سعت إلى إعادة الاتزان إلى الأسواق، خصوصاً أسواق السلع الأساسية، وتارة أخرى بذلت محاولات مستميتة لإنقاذ الجنيه المصري من براثن الدولار الأميركي بعدما خسرت العملة المحلية أكثر من 60 في المئة من قيمتها ومعها ارتفعت فاتورة الاستيراد بمقدار الضعف تقريباً.
ومع تخارج مستثمري أدوات الدين السيادية بأموالهم الساخنة، لم تعد القاهرة قادرة على توفير العملات الصعبة، وبذلك تكدست حاويات البضائع في الموانئ وكانت تحوي بداخلها كميات كبيرة من القمح والشعير والذرة الصفراء، والقشة التي قصمت ظهر البعير كانت في قطاع الدواجن، إذ تستخدم المزارع الذرة الصفراء بشكل كبير في تسمين الدواجن والماشية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يوماً بعد يوم أصابت الأعلاف العالقة في الموانئ قطاع الدواجن بالشلل التام، إذ ارتفعت أسعار الأعلاف إلى مستويات قياسية، علاوة على عدم توافرها من الأساس، مما دفع بعض أصحاب مزارع الدواجن إلى التخلص من صغار الدجاج (الكتاكيت) لعدم قدرتهم على توفير الأعلاف، وهنا تبدلت أحوال أسعار الدواجن ومشتقاتها من البانية وغيرها، لقفو سعر كيلو الدواجن من 30 جنيهاً (0.97 دولار) قبل الأزمة إلى 90 جنيهاً (2.92 دولار)، وفي بعض المناطق تخطى سعر الكيلو حاجز الـ100 جنيه (3.25 دولار)، كما صعد سعر البيض أيضاً إلى مستوى لم يسبق له مثيل بعدما تخطى سعر البيضة الواحدة قبل أيام قليلة حدود أربعة جنيهات للمرة الأولى في تاريخ مصر.
تراجع الإنتاج الداجني
على رغم تدخل الحكومة للإفراج عن كميات لا يستهان بها من الأعلاف، فإن الأزمة لا تزال قائمة حتى الآن مع استمرار الشح في العملة الصعبة اللازمة لتحرير بقية البضائع من الموانئ وقلصت الأزمة حجم الإنتاج الداجني بنحو 50 في المئة، فبعدما كانت القاهرة تنتج نحو 4 ملايين طائر يومياً هبط الإنتاج إلى أقل من مليونين، ينتج القطاع الريفي منها نحو 320 مليون دجاجة سنوياً، بينما تنتج القاهرة نحو 14 مليار بيضة كل عام، ويصل حجم الاستثمارات في صناعة الدواجن إلى نحو 100 مليار جنيه (3.25 مليار دولار) وعدد المنشآت الداجنة نحو 38 ألف منشأة بين مزارع ومصانع أعلاف ومجازر.
فكرت الحكومة المصرية خارج الصندوق هذه المرة بعد أن لجأت إلى أميركا اللاتينية وفتحت الاعتمادات المستندية لاستيراد نحو 25 ألف طن من الدواجن البرازيلية المجمدة لزيادة المعروض منها خلال شهر رمضان كأحد الحلول لمعالجة الأزمة، إذ أرجع وزير التموين المصري علي المصيلحي أزمة ارتفاع أسعار الدواجن في السوق المحلية إلى زيادة أسعار الأعلاف عالمياً وتخارج كثير من صغار المربين بالتزامن مع دخول فصل الشتاء.
وقال المصيلحي في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي إن "معدلات إنتاج الدواجن تراجعت بنسبة 40 في المئة بسبب صعود الكلفة، في وقت تشهد البلاد زيادة في الطلب مع اقتراب شهر رمضان"، مشيراً إلى أن وزارته لجأت إلى استيراد الدواجن المجمدة وضخها في الأسواق أخيراً ولافتاً إلى أنه "تم الاتفاق على استيراد دفعة جديدة منها لزيادة المعروض قبل حلول رمضان".
وأضاف أن "وزارته تنسق حالياً مع اتحاد منتجي الدواجن لضخ كميات بأسعار تتراوح بين 65 جنيهاً (2.1 دولار) و75 جنيهاً (2.43 دولار) للكيلوغرام من الدواجن البيضاء"، مؤكداً أن "الاحتياطي الاستراتيجي من السلع الاستراتيجية لا يزال آمناً ويكفي لمدة تزيد على أربعة أشهر للقمح وخمسة أشهر لزيت الطعام".
دجاجتان لكل مواطن
وخوفاً من عمليات الجشع والاحتكار للدجاج الوافد من البرازيل، أعلنت وزارة التموين ضخ كميات كبيرة من الدواجن المجمدة البرازيلية في فروع إحدى الشركات التابعة لها، وهي الشركة المصرية لتجارة الجملة التي تنتشر فروعها بالمحافظات المصرية بسعر 65 جنيهاً للكيلو (نحو دولارين)، إذ قال مدير عام الشركة المصرية لتجارة الجملة في محافظة الفيوم مجدي حسين إنه "سيتم طرح من 15 إلى 20 كرتونة فراخ برازيلية في تسعة فروع تجزئة للشركة في الفيوم ويتراوح وزن الفرخة الواحدة بين كيلوغرام و1300 غرام"، كاشفاً عن أنه "تم تحديد عدد فرختين فقط لكل مواطن لإتاحة أكبر قدر ممكن من الفراخ البرازيلية للناس والوقوف في وجه المحتكرين والتجار".
بمجرد إعلان وزارة التموين عن الصفقة البرازيلية، بدأت أسعار الدواجن بالتراجع محلياً لتهبط إلى حدود 70 جنيهاً (2.27 دولار) للكيلو، في حين رفض التجار الربط بين استيراد دواجن البرازيل وتراجع هبوط، إذ قال نائب رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن ثروت الزيني إن "تدني الأسعار يرجع إلى استئناف مزارع الدواجن الإنتاج والضخ في الأسواق بعد إفراج الجمارك عن جزء كبير من الأعلاف العالقة"، متسائلاً "إنتاجنا المحلي من الدواجن 2.5 مليون دجاجة يومياً، فهل من المعقول أن يكون لاستيراد 25 ألف دجاجة هذا التأثير في الأسعار؟".
مقارنة السبعينيات ظالمة
حول أسعار الدواجن أوضح الزيني أن "سعر الكيلو في المزارع يسجل اليوم 67 جنيهاً (2.1 دولار)، وبإضافة ثمانية جنيهات (0.26 دولار) مقابل الكلفة يصل سعر الكيلو للمستهلك النهائي إلى 75 جنيهاً (2.43 دولار)، بينما وصل سعر البيضة اليوم إلى أربعة جنيهات (0.13 دولار)"، متوقعاً أن "تكثف المزارع ضخ الإنتاج بشكل يومي قبل شهر رمضان لكسر ارتفاع الأسعار في الأسواق قبل حلول الشهر".
وفي شأن توزيع الدواجن على الجمعيات الاستهلاكية بشكل مشابه لفترة السبعينيات، قال نائب رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن إن "مقارنة الوضع الحالي بفترة السبعينيات ظالمة للغاية لأسباب عدة، أولها أنه في فترة السبعينيات كان المستهلكون يقفون في طوابير طويلة للحصول على فرخة واحدة وهذا غير موجود حالياً، إلى جانب أن القاهرة كانت تستورد الدواجن من الخارج بنسبة تزيد على 70 في المئة، وكان توزيع الكميات يجري بشكل منظم عبر الجمعيات الاستهلاكية، إضافة إلى أن مصر لم تكن بها صناعة دواجن بهذه القوة".
تاريخياً، بدأت القاهرة أولى خطواتها لدعم السلع الأساسية بما فيها الدواجن في أربعينيات القرن الماضي، كما ظهرت بطاقة التموين المصرية إلى النور للمرة الأولى بينما قذائف المدافع والغارات الجوية تدوي إبان الحرب العالمية الثانية قبل 81 عاماً، إذ اشتعلت أسعار السلع الأساسية مطلع حقبة الأربعينيات عقب الكساد العظيم الذي ضرب العالم في ثلاثينيات القرن الماضي وزاد من لهيب الأسعار اندلاع الحرب.
مع نقص السلع في الأسواق المحلية كأحد أبرز تداعيات الحرب، اضطرت الدولة إلى شراء القمح والدقيق والذرة من أستراليا وضخها في الأسواق بأسعار مخفضة لتبدأ مرحلة دعم السلع التموينية، غير أن الدعم في ذلك الوقت شمل كل المواطنين وانطلقت أولى البطاقات التموينية الورقية وفقاً لقرار الملك فاروق رقم 95 لعام 1945.
شيئاً فشيئاً زادت سلة السلع المدعومة لتضم إلى جانب القمح والذرة، السكر والكيروسين والزيت والشاي، وكانت الحصص تصرف شهرياً بقدر محدد للفرد داخل كل أسرة بفضل تلك البطاقة الورقية.
"النكسة" تدعم السلع
فتحت حرب الخامس من يونيو (حزيران) 1967 التي أطلق عليها المصريون اسم "النكسة" باباً جديداً لزيادة عدد السلع المدعومة عبر البطاقة التموينية تزامناً مع تطبيق قوانين الاشتراكية التي ميزت أعوام ما بعد ثورة يوليو 1952، لتضمن لحاملها آنذاك الحصول على الدقيق والقمح والسكر والزيت والشاي والسمن والأسماك والدواجن واللحوم وبعض الأنواع من المعلبات بفضل أدوات النظام الاشتراكي في تلك الفترة.
مع تحول البلاد إلى الرأسمالية وبداية تعاون مصر مع صندوق النقد الدولي عام 1976، اشترط الأخير خفض قيمة الدعم الممنوح للسلع الأساسية، مما دفع الدولة مع مطلع الثمانينيات إلى حذف عدد من الأصناف والسلع من البطاقات التموينية لتهبط من 22 سلعة إلى أربع فحسب، على رأسها الدواجن واللحوم والأسماك مع بداية الألفية الجديدة، كما قلصت عدد المستفيدين من البطاقة من 99 في المئة في السبعينيات إلى 70 في المئة عام 2000 بعدما أوقفت تسجيل المواليد الجدد على البطاقات منذ الثمانينيات.
وحول ضخ الدجاج البرازيلي في المجمعات الاستهلاكية، قال مساعد وزير التموين السابق مدحت نافع إن "طرح الفراخ المجمدة المستوردة عبر فروع الجمعيات أو الشركات التابعة للدولة في المحافظات يأتي لمنع الاحتكار وجشع بعض التجار، وكخطوة تقطع الطريق على السوق السوداء نحو استغلال الكميات التي ستضخ في الأسواق"، موضحاً أن "الحكومة المصرية استخدمت هذا الأسلوب من قبل في فترة الستينيات والسبعينيات، خصوصاً إبان الأزمة الاقتصادية التي حلت بمصر خلال الفترة التي أعقبت نكسة 1967 وحرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، علاوة على فترة ما بعد الحرب، إذ كان الاقتصاد المصري منهكاً بفعل المعارك".
طوابير الجمعية
قال عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية خالد الجندي إن "العالم كله يمر بأزمة عالمية هي أزمة الغذاء وموارد الطاقة والحياة بشكل عام"، مضيفاً عبر برنامجه الإذاعي "ليطمئن قلبي" أن "توزيع الفراخ المستوردة عبر الجمعيات الاستهلاكية التابعة للدولة في فترة السبعينيات شوفته بعيني، كنا ننتظر الفراخ لما تنزل الجمعية، ونقف طابور لثلاث ساعات عشان نأخد فرخة، متخيل حضرتك".
يغمض عرفة عبدالمجيد، موظف بالمعاش، عينيه ليتذكر تلك الفترة، قائلاً "بعد نكسة 1967 كانت كل البضائع شحيحة وقليلة، حتى رغيف العيش، والبلد كانت في حال هزيمة عسكرية وانهيار نفسي واجتماعي، علاوة على الإفلاس المالي الحاد نتيجة هروب المستثمرين وتراجع الإنتاج، وفي تلك الفترة عندما كان المواطنون يعرفون أن الفراخ أو اللحوم أو السمك وصلت إلى الجمعية كان الجميع يهرول نحوها، لكن تلك الأزمة تراجعت بشكل تدريجي بعد انتهاء حرب أكتوبر بأعوام قليلة".
وأضاف "انتشر مع طابور الجمعية آنذاك ما يسمى ’الدلالة‘، وهي سيدة مشاغبة دورها الوقوف في طابور الجمعية للتسابق والحصول على عدد أكبر من الفراخ بسعر الجمعية، ثم تقوم بتوزيعها على السيدات في المنازل بسعر أعلى مقابل عدم تعرضهم للزحام في الجمعية".