Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا ينتظر السودان من خلافات البرهان وحميدتي؟

هناك قوى سياسية تسعى إلى إطالة أمد التفاوض وتطعن في أي اتفاق حتى تحتفظ بمواقعها ونفوذها

بدت المواقف المتباينة تظهر إلى الواجهة بين البرهان وحميدتي  منذ توقيع "الاتفاق الإطاري" (اندبندنت عربية- حسن حامد)

ملخص

في كل مرحلة من عمر #الفترة_الانتقالية بدا #المكون_العسكري متحداً لكن ليصب جام تذمره على #المكون_المدني الذي يبادله الجفاء على إثر الخلافات حول القضايا الرئيسة.

على مدى ثلاث سنوات هي عمر الفترة الانتقالية في السودان، ظهر عدد من أشكال الإجماع التي تركز على ضرورة تنحي العسكر عن السلطة، وخلقت هذه الرغبة حالات خلاف كبيرة بين المدنيين والعسكريين، وعندما آن الأوان لتنفيذ هذا المطلب ظهر الخلاف المكتوم إلى العلن بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو حميدتي، وفي الضفة الأخرى لم يكن هناك وئام بين المدنيين إذ إن الخلافات ظهرت منذ البداية ولا تزال الاصطفافات على أشدها.

وفي كل مرحلة من مراحل الفترة الانتقالية بدا المكون العسكري متحداً، لكن ليصب جام تذمره على المكون المدني الذي يبادله الجفاء على إثر الخلافات حول القضايا الرئيسة، مثل المطالبة بتنحي العسكر وتسليم السلطة إلى المدنيين وتنفيذ بنود "اتفاق جوبا" للسلام بحذافيره.

ومع الإعلان عن اقتراب حل مجلس السيادة وتشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة البرهان، فمن المتوقع أن ينوبه رئيس هيئة الأركان العامة الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين، وفي حال غيابه سيكون نائبه الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي، بحكم الأقدمية التراتبية في الجيش وفترة الخبرة التي أمضاها في الخدمة العسكرية، وقال البرهان إنه سيستمر في مهماته السيادية إلى حين التوافق على المستوى السيادي الجديد واختيار رئيس للوزراء.

وعندما انعقد العزم على الشروع في ترتيبات المرحلة الجديدة التي تعقب مغادرة المكون العسكري السلطة وتسليمها إلى حكومة مدنية تدير البلاد خلال مرحلة انتقالية جديدة تستمر عامين إلى حين إجراء انتخابات عامة في البلاد، وجد قائد قوات الدعم السريع الفريق حميدتي أنه ضمن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي سيضم القيادات العسكرية في الجيش والمدير العام للشرطة والمدير العام لجهاز الاستخبارات العامة، متساوياً في العضوية معهم ومن دون أن يتميز عليهم بصفة أخرى، مما يعني تقليص صلاحياته وربما إخراجه من المعادلة السياسية.

وجاءت الترتيبات متزامنة مع نشاط حميدتي في تحركاته الداخلية والخارجية، وما وصف بأنه استخدام لنفوذه ومنصبه السيادي والدستوري كونه نائب رئيس مجلس السيادة، وأظهر بعضها تضارباً واضحاً مع سياسة قيادة القوات المسلحة.

مواقف متباينة

بدت المواقف المتباينة تظهر بين البرهان وحميدتي حول "الاتفاق الإطاري" منذ أن وقعا عليه في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الماضي مع عدد من الأطراف المدنية والحركات المسلحة، وبالنسبة إلى البرهان وحميدتي فالأول يدعم توسيع قاعدة المشاركة، بينما يتمسك الثاني بالأطراف التي نص الاتفاق الإطاري على مشاركتها في العملية السياسية، أي قوى الثورة وقوى الانتقال والحركات المسلحة، لكن القوى السياسية التي يدافع عنها القائد الأعلى للقوات المسلحة والأطراف الأخرى التي يدافع عنها نائبه مترددة في الانضمام إلى الحكومة وقطاع واسع منها يريد الحكم منفرداً، وآخرين يحاولون استغلال هذا الخلاف لتطوير خططهم السياسية الخاصة للخروج من هذه الفترة الانتقالية بمكاسب كبيرة، فعلى سبيل المثال أعلن رئيس "حزب الأمة القومي" فضل الله برمة ناصر ضمن "قوى إعلان الحرية والتغيير" رفض ما سماه بـ "إغراق الاتفاق الإطاري" بقوى سياسية لا تؤمن بالتحول المدني الديمقراطي، وهو يعني بشكل خاص "حزب الأمة" جناح مبارك الفاضل المهدي الذي أعلن رغبته في الالتحاق بالعملية السياسية الجارية في البلاد واستعداده للتوقيع على "الاتفاق الإطاري".

بينما يرى الحزب الشيوعي السوداني بأن "الاتفاق الإطاري يلتف على مطالب ثورة ديسمبر في الإصلاح الأمني وإلغاء اتفاق جوبا المعيب وتفكيك نظام البشير، وأبقى على أحداث الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) وقراراته التي وافقت عليها قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي من دون توفير تهيئة المناخ".

وأشار عبر بيان نشره المكتب السياسي للحزب إلى أن "من أهداف التسوية القفز مباشرة إلى الانتخابات للوصول إلى السلطة عبر تزويرها"، وفي حال مضت هذه الترتيبات نحو الإيفاء ببنود "الاتفاق الإطاري" وتنفيذها سواء بالوصول إلى منطقة وسطى أو حل يرضي معظم الأطراف أو تنزيلها كأمر واقع، فإن الانتخابات تحتاج إلى صياغة أساس دستوري قبل نهاية العامين المحددين، وهذا يقتضي مراعاة عنصرين أساسيين، الأول الاستفادة من التجربة السيئة للاستقطاب الحاد والمحاصصات السياسية على أساس إثني ومناطقي، فهناك قوى سياسية تسعى إلى إطالة أمد التفاوض وتطعن في أي اتفاق حتى تحتفظ بمواقعها ونفوذها، والثاني وضع حد زمني تقام فيه الانتخابات مع الالتزام به، فيمكن خلال العامين المحددين، إذا لم تكن هنالك استعدادات وإجراءات واضحة، أن ينقض عليها العسكر بإجراءات مثل التي حدثت في الـ 25 من أكتوبر 2021، أو من قوات أخرى داخل الجيش، خصوصاً مع عمليات دمج الحركات المسلحة التي يحتاج أفرادها إلى تدريبات طويلة في نظام مستقر حتى لا يتعرض الجيش نفسه إلى انشقاق.

دمج "الدعم السريع"

 ظل البرهان يؤكد دعمه للاتفاق الإطاري الذي وقعه العسكريون مع تنظيمات "تحالف قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي"، وتأتي أهميته من أنه يحتوي على بند دمج "قوات الدعم السريع" في القوات المسلحة.

وفي منتصف فبراير (شباط) الجاري وضع البرهان شرط دمج قوات "الدعم السريع" في الجيش حتى يتسنى له المضي في الحل السياسي، وذكر في مناسبة اجتماعية بولاية نهر النيل أن "من يزايدون بخصوص الجيش نقول لهم إن القوات المسلحة السودانية تأسست منذ عام 1925، وعمرها نحو 100 عام ومواقفها معروفة، فهي مؤسسة قديمة وراسخة، والجيش ليس جيش البرهان ولا غيره، إنما جيش السودان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبهذا نجد أن دمج الحركات بما فيها "الدعم السريع" أصبح مصدر قلق للمدنيين والعسكريين والحركات المسلحة، فهو بالنسبة إلى الحركات المسلحة مطالبة تسعى إليها منذ توقيع اتفاق سلام جوبا في الثالث من أكتوبر 2020، وأما بالنسبة إلى حميدتي فهو يرى أن قواته فوق مستوى الحركات الأخرى بوصفه النائب الأول، ولدورها الذي عمقه النظام السابق وعمل على تجذره في موازاة القوات المسلحة.

أما بالنسبة إلى المدنيين فإن تياراً من الطبقة السياسية المكونة من الأحزاب السياسية تحكم تحركها محاولة تحديد نيات حميدتي والتخطيط بهدف إجهاضها حتى لو أدى ذلك إلى الاتفاق مع البرهان، وتيار آخر يرى أنه بما أن حميدتي الآن ضد البشير وأعضاء النظام السابق وأن البرهان هو الأقرب لتلك الفئة، فإن الاتفاق مع الأول يعني إجهاض خطط الثاني.

هذه التعديلات ودمج الدعم السريع من شأنها أن تنزع عن حميدتي صفته الأولى كنائب رئيس مجلس السيادة، مما يعني أن هناك ترتيبات لاستبعاده نزولاً عند الاتفاق الإطاري.

عضو مجلس السيادة الانتقالي ياسر العطا طالب بدمج الحركات المسلحة والدعم السريع في القوات المسلحة "إذ ليس هناك دولة ديمقراطية حديثة محترمة بها جيشان".

تغذية الخلافات

وهناك أيضاً مسألة ذات صلة بما يجري وهي نفخ النخب السياسية في تصعيد الخلافات بين رئيس مجلس السيادة ونائبه، وقد ظهر ذلك عندما بدأ حميدتي تواصله مع الخارج، كما غذت تحركاته بعض الآراء الداخلية بأنه "زعيم المهمشين"، لأنه قادم من إقليم دارفور وبهذا فهو يكمل منظومة يروج لها بأنها لإنصاف الهامش، بدأ ترتيبها بالتعيين من طريق الترضيات وتشمل وزير المالية جبريل إبراهيم وبعض أعضاء مجلس السيادة من منطقة جبال النوبة والنيل الأزرق.

وبناء على ذلك لم يحاول حميدتي تصعيد الخلاف وإنما "رمى باللوم على الإسلاميين وأنهم وراء محاولات الوقيعة بين الجيش وقوات الدعم السريع حتى يعودوا للسلطة"، وإضافة إلى القوى السياسية التي تعد نفسها قوى وطنية مخلصة وأخرى توصف بأنها انتهازية، يقف بين الرجلين براغماتيون من الجيش والأجهزة الأمنية ولاؤهم للجيش، بينما يغيب التكنوقراط عن المشهد السياسي لزهدهم فيه ولأنهم جربوا من قبل بذل النصح بأن على الحكومة الانتقالية أن تختار سياسة أكثر واقعية وتطبقها تدريجياً نسبة لمحدودية الإمكانات والقدرات أيضاً، ولحاجة الدولة إلى إعادة هيكلتها سياسياً واقتصادياً.

تنفيذ الترتيبات

من المتوقع أن تخمد الخلافات بين البرهان ونائبه الذي قيل إنه نصح بعدم التصعيد مع البرهان، وإن استمر في هدوئه وإلقاء اللوم على جهات أخرى وتهدئة نشاطه الخارجي فربما يستعيد موقعه إلى أن تسنح له فرصة أخرى يظهر فيها أقوى من وضعه الحالي، ثم يتخذ وضعية الهجوم مستهدفاً العسكر والسياسيين معاً.

والكرة الآن في ملعب الجيش الذي يمكن أن ينزع إلى التهدئة مع قائد "قوات الدعم السريع" من دون أن يخسر مكانته، بل إن الفرصة لترسيخ وجوده كمؤسسة لحماية أمن البلاد وحدوده وسيادته أكبر مما يحاول تنفيذه سياسياً، وتكمن الفرصة في تنفيذ الترتيبات الأخيرة بتشكيل "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" وتسلم قوى مدنية انتقالية الحكم، ولكن من دون مصادمات مع أية جهة سواء كانت "الدعم السريع" أو الحركات المسلحة.

 ومن المقرر أن تمضي الترتيبات كما هو مرسوم لها، لكن خشية البرهان الكبرى هي من أن ترك مساحة للقوى المدنية لممارسة الحكم يمكن أن يخلق فراغاً جراء صراعاتها وخلافاتها المتواصلة وتكالبها على السلطة، وعندها يمكن أن تنقض "قوات الدعم السريع" على السلطة لا لتقليص المدنيين الذي لا يحتاج إلى كل هذه القوات، ولكن لإجبار الجيش على القبول بهم كشركاء، وهذا التفكير الباطني هو ما حرك الأحداث الظاهرة في الساحة الآن، وربما يعلم البرهان أنه كلما كان أداء الجيش توافقياً من غير قوة واضحة، كلما زادت شراسة التنظيمات العسكرية الأخرى، وهذه هي الرسالة العابرة للخلافات بين البرهان وحميدتي، كما كانت عابرة للحدود التنظيمية بين المدنيين والعسكريين.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل