ظاهرة ارتفاع الجريمة تجتاح المغرب بشكل مقلق. فالإحصاءات المحلية والدولية تشير إلى تنامي نسب الإجرام خلال السنوات الأخيرة وسط تخوف شعبي ودعوات إلى ضرورة الحد من هذا التنامي وخطورته. فقد اهتز الرأي العام مرات عدة على وقع جرائم اغتصاب وسطو مسلح وعمليات قتل خطيرة خلال العقد الأخير.
إحصاءات
كشفت الإدارة العامة للأمن الوطني المغربية إحصاءات خاصة بالجريمة في الفترة بين 15 مايو (أيار) 2015 إلى 14 مايو 2018، حين مثُل 1636824 شخصاً أمام مكتب المدعي العام كجزء من خطة العمل لمنع الجريمة والمعاقبة عليها.
وقد بلغت نسبة دقة قمع الجريمة حوالى 92 في المئة وضُبطت حوالى 80 ألفاً من الأدوات الحادة والسكاكين، وما يقارب السبعة آلاف سيارة ونحو ثمانية آلاف دراجة نارية استخدمت في جرائم، كما ألقي القبض على حوالى 465458 شخصاً من المطلوبين لدى السلطات، لارتباطهم بجرائم فردية وجرائم اقتصادية ومالية وجرائم سرقة وتهريب مخدرات والهجرة السرية، إضافة إلى اعتقال 1125 شخصاً لمشاركتهم في الجرائم الإلكترونية.
وقد كشف موقع "نامبيو" (المتخصص في جمع بيانات الجريمة عبر العالم) أن مؤشر الجريمة في المغرب يأتي ضمن المستويات المعتدلة في العالم، وصنف الموقع المغرب في المرتبة 37 على المستوى العالمي، وفق قاعدة بياناته الخاصة بالجريمة لعام 2019، كما احتل المغرب المرتبة الحادية عشرة أفريقياً من حيث مستوى الجريمة، والمرتبة الرابعة على المستوى العربي.
عدد جرائم القتل
وخلص تقرير مكتب المخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة، الذي صدر خلال الأسبوع الماضي، إلى ارتفاع عدد جرائم القتل في المغرب، حيث وصلت نسبتها إلى 2.1 من كل 100 ألف حالة وفاة، وأوضح التقرير أن عدد جرائم القتل وصل خلال عام 2017 إلى 761 حالة من مجموع 464 ألف جريمة قتل عبر العالم، وعرف عدد حالات القتل ارتفاعاً مقارنة بعام 2016 الذي بلغ فيه 594، في حين لم يتعد 89 عام 1990.
وأضاف التقرير الأممي أن 29 في المئة من جرائم القتل يقوم بها إما شريك حميم أو أحد أفراد العائلة، بينما تصل نسبة جرائم القتل التي ترتكب تحت تأثير الكحول إلى 19 في المئة، وعمليات السرقة التي تنتهي بالقتل إلى ثمانية في المئة، أما نسبة القتل في إطار الجريمة المنظمة فبلغت ثلاثة في المئة.
تحليل الأسباب
يَخلص مراقبون إلى تنامي ظاهرة الإجرام في المغرب ويرجعونه إلى فشل السياسات المعتمدة سواء العامة منها أو الخاصة بأجهزة الأمن. ويقول رشيد لمناصفي الخبير في علم الإجرام في اتصال مع "اندبندنت عربية" من السويد، إن "ارتفاع نسب الجريمة في المغرب خلال العقد الأخير يعود لسببين يكمن أولهما (وهو السبب الرئيسي) في فشل السياسات التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة في المغرب"، مؤكداً أنه "جرى تعيين أشخاص غير مؤهلين وليست لديهم استراتيجية طويلة الأمد للتصدي لتنامي الجريمة"، ويوضح لمناصفي أن "الهدف الرئيسي لأولئك المسؤولين خلال فترة حكمهم، هو خدمة مصالحهم الشخصية، فيخلطون بين البزنس والسياسة، والدين بالسياسة، من دون التفكير في حاجات الشعب الأساسية المرتبطة بالعمل والوظائف والصحة والعدالة والأمن".
أما السبب الثاني بحسب الخبير لمناصفي، فيتمثل في ما وصفه "بعجز الأجهزة الأمنية من درك وقوات مساعدة وجهاز الاستخبارات والشرطة"، موضحاً أن تلك "الأجهزة الأمنية تعمل بطريقة عتيقة، أكل عليها الزمن، وأن من بين مكامن العجز تلك، كثرة التكليفات والمهام المنوطة برجال الأمن، والتي تجمع بين العمل المكتبي والتحقيقات الميدانية"، ويضرب لمناصفي في حديثه أمثلة على ما يصفه بالعجز، مشيراً إلى "عدم توافر فرق للتدخل السريع في كل حي، تتألف من عناصر من القوات الخاصة مثلاً، والتي لا نراها إلا في الاستعراضات، إضافة إلى التشكيل الضعيف والقديم لرجال الأمن، إذ لا نرى السيارات والكلاب المدربة إلا في الاستعراضات، خلافاً للواقع".
ويدعو لمناصفي إلى تمديد فترة التشكيل والدراسة لرجال الأمن وتحسين مستوى ذلك التدريب.
تطور لافت
من جهته، قال أحمد بن محمد وهو موظف متقاعد، إنه "لا يمكن إنكار التطور المهم في طرق عمل قوات الأمن المغربية من أجل الحد من الإجرام، عبر تبني آليات واستراتيجيات مرحلية، فضلاً عن التجاوب السريع نسبياً مع المواطنين. وعلى سبيل المثال ألقت سلطات الأمن القبض على عدد كبير من المجرمين بعد أن وضع رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لهؤلاء وأرفقوا الصور بنص تحذيري من ارتكابهم أعمالاً إجرامية في مناطق معينة في المغرب".
لكن في المقابل، فإن سرعة نقل أخبار الأعمال الإجرامية على وسائل التواصل والمواقع الإلكترونية، توحي بتنامي الجريمة في المغرب وتزايد خطورتها. ويضيف أحمد "لم نكن نسمع قبل عقود عن الوحشية التي نشهدها الآن، عمليات اغتصاب وقتل وسطو مسلح، وخير دليل على ذلك مذبحة شمهروش التي ذهبت ضحيتها سائحتان إسكندنافيتان، والطريقة البشعة التي قتلت فيها الشابة حنان في مدينة الرباط في الفترة الأخيرة بعد اغتصابها، وتوثيق العملية بفيديو ونشره على الإنترنت".
آليات العمل الأمني والقانوني
كانت خطة عمل منع الجريمة ومكافحتها جزءاً مهماً من الاستراتيجية التي اعتمدتها الإدارة العامة للأمن الوطني خلال الفترة الممتدة بين أعوام 2015 و2018 حين ركزت عملها على النهج الاستباقي المتمثل في اعتقال الأشخاص المطلوبين قبل ارتكاب جرائمهم. وتقول الإدارة العامة للأمن الوطني إنها "تبنت في حربها على الجريمة خطة عمل تستند إلى إنشاء ألوية تدعم ضباط الشرطة القضائية والتدخل السريع، بما في ذلك 13 لواء للتدخل الإقليمي، ومجموعات البحث والتدخل المنشأة في مدينتي فاس وسلا (يعتبران بؤرتين للجريمة والإرهاب)، إضافة إلى إنشاء 19 وحدة استخباراتية جنائية لدراسة وتحليل الاتجاهات والأساليب الإجرامية الجديدة ووضع مؤشرات للتقارب بينها على المستوى الوطني".
وقد عمل المغرب منذ سنوات على تعديل القوانين بهدف الحد من الجريمة والتأقلم مع التطور الحاصل في الجرائم، وقد عدل القانون الجنائي في وقت سابق، بينما تعمل الحكومة حالياً على تعديل قانون المسطرة الجنائية. وفي هذا السياق قال وزير العدل المغربي محمد أوجار إن "مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي من المرتقب أن تصادق عليه الحكومة، يعتبر من أهم مشاريع القوانين المنظمة للعدالة الجنائية، لارتباطه الوثيق بمجال حماية الحقوق والحريات ومكافحة الجريمة وتحقيق أمن الأفراد والممتلكات، بالتالي فهو يقوم على معادلة صعبة لأنه يوازن بين ضرورة مكافحة الجريمة وضرورة حماية حقوق وحرية الأفراد".
حلول مقترحة
ويجمل رشيد لمناصفي آليات القضاء على الجريمة في "تتبع أساس الإشكال وليس إيقاف المجرمين فقط، بل توفير الخدمات الأساسية للشعب، وتوفير المناخ المناسب لعناصر الأجهزة الأمنية كافة من مرتبات مناسبة ومراقبة وساعات عمل محددة في ثماني ساعات والحد من الترحيلات، إضافة إلى توظيف رجل الأمن المثقف والمتوازن والمحب للمهنة".