Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رؤية من الداخل لخطاب بوتين السنوي إلى الأمة

نشطاء "الجبهة الشعبية لعموم روسيا" عماد سياساته الداخلية

ملخص

لعل قراءة سريعة لما بين سطور ما تضمنه خطاب #بوتين إلى الأمة، يمكن أن تكشف عما تعكسه كلماته من عظيم إدراكه لأن ما يجري اليوم من أحداث يحدد مصير الدولة.

تباينت الآراء تجاه الخطاب السنوي الذي ألقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا العام، بقدر تباين مواقف وآراء الداخل الروسي من أهم قضايا العصر الداخلية والخارجية على حد سواء، وإن بدا أن هناك ما يشبه الإجماع تجاه كثير من كل هذه القضايا مجتمعة. ولعل ما استهل به بوتين خطابه الأخير من حديث حول تطورات "العملية العسكرية الروسية" في أوكرانيا والمواجهة مع الولايات المتحدة والدول الغربية مجتمعةً، جاء متقدماً في هذا الخطاب على ما عداه من قضايا داخلية، بما كان يجعله دائماً، بمثابة "استراتيجية عمل" للمؤسسات التشريعية والتنفيذية في كثير من خطاباته السنوية السابقة، وبلغ عددها 18 خطاباً، وذلك ما كشف بوتين عن أسبابه في ما أوجزه من "تفاصيل" ما استطاعت الدولة الروسية تحقيقه على صعيد الصمود ضد كل ما جرى فرضه ضدها من عقوبات سياسية واقتصادية، ناهيك عما تحققه في الفترة الأخيرة من تقدم عسكري في وجه تحالف الولايات المتحدة وبلدان "الناتو" وغيرها من البلدان الغربية، وثمة ما يشير إلى أن ردود أفعال القاعة التي اتسعت لحوالى 1500 من ممثلي المجتمع الروسي بكل أطيافه من نواب الجمعية الفيدرالية (مجلسَي الاتحاد والدوما)، وأعضاء الحكومة والمحافظين وناشطي "الجبهة الشعبية لعموم روسيا"، كانت بمثابة "ترمومتر" قياس المزاج العام لسامعي بوتين، ومعرفة أهم القضايا التي ينشغلون بها أكثر في مثل هذه الفترة التي قال بوتين إنها "واحدة من أخطر المراحل التي تمر بها روسيا في تاريخها المعاصر".

ومن هنا نستطيع القول إن الأجواء العامة وعلى رغم ما بدا من مشاعر الثقة بالنفس وقدرات الوطن، والإصرار على المضي في الطريق الذي أعلنه بوتين، تعكس بعضاً مما يراود كثيرين من قلق، تجاه ما يشهده العالم من تصعيد متعمد ضد الدولة الروسية من جانب الإدارة الأميركية وحلفائها ممن يزيد عددهم على 50 دولة، وما يساورها من رغبة دفينة في نفوس قياداتها إزاء إنزال الهزيمة بروسيا والإطاحة بزعيمها بوتين، وذلك ما يضيفه كثيرون بوصفه أحد أهم عناصر القوة والصمود التي تتزايد في الداخل الروسي يوماً بعد يوم، استناداً إلى تاريخ سابق وتقاليد راسخة قديمة.
ولعل القراءة السريعة لما بين سطور ما تضمنه خطاب بوتين إلى الأمة، يمكن أن تكشف عما تعكسه كلماته من عظيم إدراكه لأن ما يجري اليوم من أحداث يحدد مصير الدولة والوطن، وذلك ما يلقى تأييداً من جانب الغالبية الساحقة من أبناء هذا الوطن.

وذلك ما جرى التعبير عنه بمقاطعة الرئيس بالتصفيق 53 مرة، والتصفيق وقوفاً لفترات طويلة أربع مرات، ولكل من هذه المرات دلالاتها ومغزاها، لا سيما ما كان منها تعبيراً عن الحب والتقدير، كما حدث لدى الإشارة تارةً إلى سكان المناطق الأربع التي جرى ضمها إلى روسيا في اعقاب العملية العسكرية التي بدأت في مثل هذه الأيام من العام الماضي، وما قاله بوتين حول أن روسيا لن تتخلى عن أبناء ومواطني هذه المناطق "الجديدة"، وكذلك لدى إشارته إلى بطولات القوات المسلحة وغيرها من الوحدات والفصائل العسكرية تارةً أخرى، والإعراب عن التأييد والمباركة كما حدث لدى الاعلان عن تعليق العمل بمعاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية تارةً ثالثة، والتأكيد على مواصلة العملية العسكرية حتى تحقيق أهدافها تارةً رابعة.

وعلى رغم من أن بوتين أسهب في الحديث عن "العملية الروسية العسكرية في أوكرانيا"، إلا أنه لم يطرح أي حلول يمكن مناقشتها مع "الطرف الآخر"، ربما انطلاقاً من سابق إعلانه غير مرة عن أهداف "عمليته العسكرية"، وشروطه التي تتمثل في ضرورة الانطلاق من "الواقع الراهن على الأرض"، أي الاعتراف بحقوق روسيا التاريخية في ما جرى ضمه من أراض، أما عن الشروط التي طرحها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومنها العودة إلى حدود 1991، للقبول بالجلوس إلى مائدة المفاوضات، فلا أحد يعتقد في روسيا في مجرد تناولها على محمل الجد، على اعتبار أن ذلك يعني ضمناً إنزال الهزيمة بروسيا التي قد تعني عملياً "القضاء عليها والغاءها من الوجود".

أما عن "ماهية الحلول" فثمة ما يوحي بأنها غابت أيضاً في ثنايا "إغفال" بوتين الإشارة إلى الحدود التي يبتغيها، رداً على ما قاله زيلينسكي حول شرط "العودة الى حدود 1991"، اي إعادة القرم والمناطق التي ضمتها روسيا في جنوب شرقي أوكرانيا، وعلى رغم ما سبق وأشارت إليه مصادر رسمية روسية كثيرة حول أن الحدود التاريخية الإدارية للمناطق الجديدة التي جرى ضمها إلى روسيا، هي ما يمكن أن تنتهي إليه "العملية الروسية العسكرية الخاصة"، كان هناك مَن يشير في الوقت ذاته إلى استعداد بوتين لضم مزيد من الاراضي، إنطلاقاً مما قاله حول أن "إمدادات الغرب لأوكرانيا بالأسلحة بعيدة المدى، سيقابله مضي القوات الروسية إلى ما هو أبعد من أجل إبعاد القوات الأوكرانية"، أما عن التهديد بمزيد من الإمدادات العسكرية للقوات الأوكرانية، والتلويح باحتمالات "استخدام الأسلحة النووية التكتيكية"، فقد جرى الرد عليها في أكثر من مناسبة سابقة، فضلاً عما سارع دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي إليه من إعلان لاحق حول استعداد روسيا لاستخدام الأسلحة النووية، رداً على ما قد يتهددها من أخطار.

ومن اللافت في هذا الصدد أن كل ما أعلن عنه بوتين من قرارات وتوجهات تزيد من قدرات روسيا العسكرية، يلقى قبولاً بنسبة كبيرة تفوق "المتوقع"، ما يعني إدراك الغالبية في المجتمع الروسي مغبة ما يتهدد روسيا من أخطار "ضياع الدولة"، وإعادتها إلى ما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي، أو على أفضل تقدير على النحو الذي حدده الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بقوله "إنها لن تتعدى كونها دولة إقليمية كبرى"، وليست "دولة عظمى".

ولم يكن الرئيس الروسي ليمضي في تعداد "مصادر الأخطار التي تهدد وجود الوطن"، دون تعداد عناصر القوة، وما يختزنه الوطن من قدرات، ومنها ما يطالب به من إعداد الكفاءات المهنية المتقدمة لمواجهة ما يجابه روسيا من أخطار، والكشف عما ينتظر المواطنين من زيادة في الأجور والمكافآت، والتوسع في توفير المساكن، إلى جانب ما جرى تحديده من امتيازات للمتفوقين من أبناء الوطن، فضلاً عن تدابير الدعم الاجتماعي للعاملين في المجمع الصناعي العسكري وتطوير القوات المسلحة وإمدادها بأحدث الأسلحة والمعدات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وفي هذا الصدد استعاد بوتين بعضاً من ذكريات الماضي الأليم الذي عاشته روسيا في تسعينيات القرن الماضي التي لطالما شهدت تحولها إلى مُصدّر للمواد الخام من غاز ونفط وأخشاب، فضلاً عما شهدته من اتساع نطاق ظاهرة هروب الأموال والأيدي العاملة إلى الخارج، وسقوط رجال الأعمال في شرك اقتناء العقارات واليخوت والطائرات التي أعلنت بلدان غربية عدة عن مصادرتها في الفترة الأخيرة، وهو ما كان بوتين حذر منه غير مرة، وطالب بوتين هؤلاء بضرورة العودة إلى الوطن مع أبنائهم ممن كانوا هاجروا إلى الخارج، للإسهام في بنائه وتسخير ما اكتنزوه من أموال لخدمة مصالح روسيا، وعاد بوتين إلى مناشدتهم العودة بأموالهم إلى الوطن لتشييد المدارس والمستشفيات والمصانع، مؤكداً أنهم سيلقون كل الدعم من جانب الدولة، وصارحهم بالقول إن أياً من بسطاء المواطنين لم يشعر بالأسف أو الأسى لما تعرضوا له من كوارث ومآس بمصادرة ممتلكاتهم في الخارج. 
أما عمن سماهم بـ"الخونة" من أبناء روسيا، فأسهب بوتين في الحديث عن ضرورة التفرقة بين الذين باعوا أنفسهم والوطن مقابل المال، وبين من غادروا الوطن في اللحظات الحرجة من تاريخه هرباً من "التعبئة الجزئية"، وهم من قال إنه "يتركهم لضمائرهم". لكنه عاد وطالب بوضع حد لاستمرارهم في أعمالهم "عن بعد، عبر الإنترنت"، في المؤسسات الروسية التي يتقاضون منها مرتباتهم. وكان مجلس الدوما تناول هذه القضية من منظور ضرورة سن ما يلزم من تشريعات وقوانين تسمح بإنزال العقاب بكل من ينتقد منهم سياسات البلاد، أو كما قال ميدفيديف "بعدم السماح لهم بالعودة إلى الوطن"، وتوقف كثيرون في روسيا أمام ما قاله بوتين بهذا الصدد، على اعتبار أنه كما يبدو "مطلب شعبي" كان مجلس الدوما سبق وناقشه في يناير (كانون الثاني) الماضي، بوصفه "أمراً يتعلق بكثيرين من رموز المعارضة الروسية في الخارج ومن انضم إليهم من نجوم الفن والثقافة ممن سارعوا إلى مغادرة روسيا في أعقاب بداية "العملية العسكرية" في أوكرانيا، ويذكر هؤلاء أن فياتشيسلاف فولودين رئيس مجلس الدوما كان أول من طرح فكرة مصادرة أموال وممتلكات "أولئك الذين يهينون روسيا من الخارج" على حد تعبيره. ونقلت الصحف والأجهزة الإعلامية عنه قوله إن المواطنين الذين ينتقدون السلطات الروسية الذين يعيشون في الخارج "يشعرون بالإفلات من العقاب" لأنهم يعتقدون أن "العدالة لا يمكن أن تصل إليهم"، وأشار فولودين إلى "أن التصريحات التي تهين سكان روسيا الاتحادية والجيش يمكن اعتبارها دعوات إلى التطرف أو تشويه سمعة الجيش الروسي وما إلى ذلك"، وقال بضرورة تعديل المواد ذات الصلة من القانون الجنائي للسماح بمصادرة ممتلكات هؤلاء المواطنين.

غير أن ذلك كله يتراجع اليوم أمام ما تعيشه روسيا من "تجييش للمشاعر" و"الدعوة إلى مزيد من دعم الجبهة الداخلية"، و"التصدي لكل الدعوات الانهزامية"، التي تصدر عن عدد من رموز المعارضة في الخارج، وهو ما يستند بالدرجة الأولى إلى جهود "الجبهة الشعبية لعموم روسيا"، التي كان بوتين أول من بادر إلى طرح فكرة تشكيلها، وأعلن عن قيامها في مايو (أيار) 2011 من مدينة فولغاغراد (ستالينغراد سابقاً)، التي تعتبرها روسيا رمزاً للوطنية والصمود، ومن اللافت أن بوتين يعتمد على هذه الجبهة وناشطيها على نحو أوسع نطاقاً مما تعتمد فيه الدولة على حزبها الحاكم "الوحدة الروسية".

 ومن الملاحظ أيضاً في هذا الصدد تعاظم دور الجبهة الشعبية ليس فقط في الداخل الروسي، بل وكذلك في "المناطق الجديدة" (الأوكرانية سابقاً)، لا سيما على صعيد المواجهة مع القوات الأوكرانية، في منطقة الدونباس بجنوب شرقي أوكرانيا.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات