Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الطب الشرعي في المغرب "بلا أطباء" والعدالة على المحك

عددهم لا يتجاوز 30 مختصاً معظمهم في المدن الكبرى والمهنة لا تجذب الخريجين بسبب ضعف المردود المادي عن كل جثة

دور الطبيب الشرعي يبدأ من مكان الجثة إلى أن يتم التشريح الطبي (وكالة الأنباء المغربية)

ملخص

تواجه مهنة #الطب_الشرعي في المغرب تحديات وإكراهات اجتماعية وقانونية وتنظيمية عدة تجعلها أمام مصير "غامض"

لا يتجاوز عدد #الأطباء_الشرعيين في #المغرب 30 طبيباً حاصلين على شهادة التخصص في هذا المجال

تواجه مهنة الطب الشرعي في #المغرب تحديات وإكراهات اجتماعية وقانونية وتنظيمية عدة تجعلها أمام مصير "غامض"، بالتالي تضع فك "شيفرة الجرائم" وفحص الجثث ومساعدة العدالة في معرفة الحقيقة أمام رهان صعب ومحك حقيقي.

ولا يتجاوز عدد الأطباء الشرعيين في المغرب 30 طبيباً حاصلين على شهادة التخصص في هذا المجال، معظمهم في المدن الكبرى مثل الرباط والدار البيضاء، بينما البقية يزاولون المهنة من دون تخصص، الأمر الذي يثير إشكالات عدة في خصوص شهادات الوفيات وغيرها من القضايا.

طبيب الموتى

يعتقد كثيرون بأن مهمة الطبيب الشرعي تنحصر فقط في فحص جثث الموتى وتسليم شهادات الوفاة، غير أن الواقع يظهر أن مهماته عدة ومختلفة، كما أنه ليس طبيباً للموتى فقط، بل هناك قضايا يتعامل فيها مع الأحياء أيضاً.

حول هذه المسألة يقول الدكتور الطيب حمضي طبيب وباحث في السياسات والنظم الصحية إن الطبيب الشرعي يعتبر نقطة التقاء بين ممارسة الطب وتحقيق العدالة، مبرزاً أنه "عندما تحتاج العدالة إلى أدلة وبراهين تتطلب خبرة طبية، فإن الحاجة تكون ماسة إلى تدخل الطبيب الشرعي".

ووصف حمضي الطبيب الشرعي بأنه "عين العدالة ويدها في الطب"، شارحاً أنه يكلف بمهمة تحديد أسباب الوفيات العنيفة الناجمة عن جرائم أو حوادث سير، أو الوفيات المشكوك بها، بخاصة تلك التي تقع خارج البيوت إلى أن يثبت العكس.

وتابع أن "دور الطبيب الشرعي يبدأ من مكان الجثة إلى أن يتم التشريح الطبي، ويحدد أسباب الوفاة ويقدر وقت حدوثها، كما يستعين بالتطور التكنولوجي والتحاليل على السموم وأنسجة الجثة من أجل تنوير العدالة ومساعدتها، وبعدها يتم ترتيب المسؤوليات عن الوفاة".

مع الأحياء أيضاً

ليس الموتى وحدهم من يتعامل معهم الطبيب الشرعي، فالأحياء يحتاجون أيضاً إلى خدماته المهنية، إذ يقول حمضي إن "من مهمات هذا الطبيب مثلاً تحديد سن شخص لم تستطع العدالة تحديد عمره، فيتكفل بتحديد السن التقريبية للمعني بالأمر".

وأردف أن "الطبيب الشرعي أيضاً مكلف بتقييم الحال النفسية لمرتكب الجريمة ودرجة المسؤولية القانونية للجاني عند ارتكابها، وغيرهما من المهمات التي تساعد المحكمة في اتخاذ القرار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفت إلى أنه "عندما يقع خطأ طبي مثلاً تحتاج العدالة إلى تدخل الطبيب الشرعي لتوضيح حجم هذا الخطأ وسياقه ومدى آثاره الصحية، كما أنه يسهم في تطور فهم الأمراض والجرائم، وهو من يحدد التسممات وأنواعها".

وذكر حمضي أن "عدد الأطباء الشرعيين في المغرب قليل جداً، مما يدفع إلى ضرورة توفير كثر منهم لسد العجز الحاصل"، مشيراً إلى أن "القوانين المتعلقة بهذه المهنة تم تغييرها بعد الدراسة التي أنجزها المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية تعنى بحقوق الإنسان)".

دراسة رسمية

وسبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن أصدر دراسة بعنوان "أنشطة الطب الشرعي بالمغرب: الحاجة إلى إصلاح شامل"، رصدت "أهمية دورها من أجل ضمان الولوج إلى محاكمة عادلة قائمة على إعمال حقوق الدفاع والضحايا".

واستعرضت الدراسة الرسمية المجالات الثلاثة لأنشطة الطب الشرعي، وهي الأنشطة المتعلقة بالوفيات بما في ذلك التشريح والفحص الخارجي للجثث، والمجال الثاني شواهد الطب الشرعي من كل الأنواع بما في ذلك تلك المسلمة للنساء والأطفال ضحايا مختلف أشكال العنف، والمجال الثالث يتعلق بالخبرة الطبية.

الدراسة نفسها استعرضت عدداً من الاختلالات التي تواجه الطب الشرعي من بينها "ضعف التكوين وتقادم البنيات التحتية ومعدات العمل، إضافة إلى اختلالات مرتبطة بحوكمة القطاع"، داعية إلى ضرورة تقوية التكوين بالنسبة إلى مختلف المتدخلين من خلال توظيف أساتذة في الطب الشرعي واستحداث أقسام الطب الشرعي في المراكز الاستشفائية.

معوقات مهنية ومالية

وعدا ما استعرضه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يواجه الطب الشرعي في المغرب تحدياً كبيراً يتمثل في النقص الفادح بكوادره، بحيث لا يكفي هذا العدد لآلاف الحالات التي تتطلب تدخل الطبيب الشرعي، الأمر الذي يدفع أحياناً إلى الاستعانة بأعوان ومساعدين لا يمتلكون التخصص اللازم لاستصدار شهادات الوفاة.

العدد الضئيل للأطباء الشرعيين يفسره الطبيب الشرعي المتقاعد حسن مكناسي بأسباب عدة، أولها أن المهنة ليست جاذبة بالنسبة إلى أجيال الأطباء المتخرجين في كليات الطب الذين يفضلون تخصصات طبية أخرى "أكثر ربحاً".

وتابع أن الدافع الثاني الذي يسبب عدم الإقبال على مزاولة مهنة الطبيب الشرعي بالمغرب يتمثل في ضعف التعويضات المالية عن كل جثة يفحصها ويشرحها كيفما كانت حالها، إذ إن المبلغ يصل إلى 200 درهم (20 دولاراً) للجثة الواحدة.

هذه الإكراهات التي يتحدث عنها الطبيب الشرعي السابق تطرقت إليها أسئلة متكررة لنواب برلمانيين وجهوها إلى وزير العدل، أجملوا من خلالها هذه المشكلات "متمثلة في ضعف التكوين وقلة المتخصصين في المجال وهزالة التعويضات والفراغ القانوني على مستوى تنظيم الخبرة الجينية وغيرها من الصعوبات"، قبل أن يطالبوا الحكومة بضرورة التدخل لتقوية مهمات الطب الشرعي في البلاد وتطويرها.

استدراك حكومي

وحاولت الحكومة المغربية تدارك هذه الإكراهات والتحديات التي تقف أمام نجاعة الطب الشرعي في البلاد من خلال المصادقة في مايو (أيار) الماضي على مشروع مرسوم قانون يتعلق بتدارك النقص في عدد الأطباء الشرعيين الحاصلين على شهادات التخصص.

بلاغ سابق للحكومة تطرق إلى ما يتضمنه مرسوم القانون من أحكام تنظيمية وتطبيقية تروم اعتماد تدابير تشريعية ومؤسساتية جديدة قصد تعزيز آليات العدالة الجنائية، خصوصاً ما يرتبط بمجال النهوض بقطاع الطب الشرعي.

وسجلت الحكومة دخول قانون تنظيم ممارسة مهمات الطب الشرعي حيز التنفيذ منذ 19 مارس (آذار) 2020، بهدف تجاوز المعوقات التي تقف حجر عثرة أمام تطور مهنة الطب الشرعي، خصوصاً أن "معظم الممارسين لا يتوافرون على أي تكوين تخصصي معترف به على رغم مراكمتهم تجربة مهمة من خلال العمل في مكاتب حفظ الصحة والمرافق الصحية التابعة لقطاع الصحة".

المزيد من تقارير