Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فلاحو غزة بين عين على الزرع وأخرى على المعدات الإسرائيلية

تعد المنطقة الحدودية أرضاً خصبة لكن العمل فيها يستوجب اتباع شروط أربعة

تمنع إسرائيل زراعة الأشجار في المنطقة الحدودية باعتبار أنها تحجب الرؤية وتعرقل عمليات المراقبة (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ينثر المزارع سعيد حبوب القمح في أرضه المتاخمة للشريط الحدودي الفاصل بين غزة وإسرائيل وعيناه تتنقل تارة على مكان توزيع الحبوب وأخرى صوب المعدات العسكرية الإسرائيلية التي تتحرك خلف السياج الحدودي وهي تراقبه وتحاول أن تمنعه من التقدم تجاهها.

ويعمل المزارع بحذر شديد ويعد خطواته التي يمشيها، فبعد دخوله إلى أرضه يسمح له الجيش الإسرائيلي بالعمل في مساحة 500 متر فقط، يقدرها سعيد بحوالى 2000 خطوة، ولهذا السبب يحسب الرجل عدد الأمتار التي يخطوها، ويدرك أن اقترابه من مسافة 300 متر من الشريط الحدودي يعني أنه أعطى الجنود إذناً بإطلاق النار عليه بشكل مباشر ومن دون إنذار مسبق.

المنطقة العازلة والتنسيق

ويفصل غزة عن إسرائيل شريط حدودي يمتد على طول 41 كيلومتراً وبعمق مقسم إلى جزأين، الأول منطقة عازلة متلاصقة مع السياج الحدودي وعرضها يصل إلى 300 متر، ويمنع الاقتراب منها بشكل نهائي، أما الثاني فمنطقة مقيدة الوصول وهي بعمق متفاوت بين 300 و 1500 متر، ويسمح فيها بممارسة أنشطة الزراعة، وبحسب متابعين "تسلب المنطقتان الحدوديتان نحو 17 في المئة من إجمال مساحة القطاع".

وتعد المنطقة مقيدة الوصول مخالفة لـ "اتفاق أوسلو" بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، والتي تنص على أن تكون المساحة الأمنية العازلة بعمق 300 متر فقط على طول حدود قطاع غزة، لكن تل أبيب وسعت تلك المساحة بعد سيطرة "حماس" على الحكم في غزة لدواع أمنية.

وفي أي حال تقع أرض المزارع سعيد ضمن المناطق مقيدة الوصول، ويحتاج قبل دخولها إلى إذن مسبق من الجانب الإسرائيلي، وعادة ما تتولى اللجنة الدولية للصليب الأحمر عملية التنسيق لدخول المزارعين لأراضيهم، ويكون السماح لهم بالعمل فيها ضمن شروط محددة يمنع تجاوزها.

أرض خصبة من دون شجر

وبعد حصول سعيد والمزارعين رفقاء عمله على إذن بدخول أراضيهم، بدأوا ينثرون القمح والشعير ضمن المساحة المخصصة لهم، ليس حباً في هذه البذور ولكن لأنه ممنوع عليهم زراعة أي نوع من الأشجار المثمرة، ويتم ذلك تحت مراقبة فوهات بنادق ورشاشات جنود الجيش الإسرائيلي وتحليق طائراته المسيرة المتواصل فوق المكان.

وبحسب مدير دائرة البستنة الشجرية في وزارة الزراعة فضل الجدبة فإن المناطق الحدودية تعد أكثر المناطق خصوبة وجودة في غزة، كما أن طبيعة المياه فيها تناسب معظم المحاصيل، لكن إسرائيل تحرم غزة من ممارسة النشاط الزراعي فيها بحرية وتمنع زراعة الأشجار.

ويقول المزارع "إننا نفضل غرس المحاصيل الحقلية في هذه المناطق، أولاً لأننا نادراً ما نتمكن من الوصول إليها لرعاية غرسنا، وثانياً كون التربة طينية ولا تحتاج المحاصيل إلى الري مما يقلل وجودنا فيها وأيضاً تعرضنا للخطر".

4 شروط

أربعة شروط وضعتها إسرائيل على العم سعيد قبل دخوله إلى أرضه، وهي أن يدخلها في وقت معين عند السابعة صباحاً ويغادرها في ساعة محددة بعد الـ 11 صباحاً، وأن يعمل في مساحة معينة لا تتجاوز 500 متر من الأرض، وألا يصطحب معه أي شيء سواء معدات أو مساعدين له.

وعلى مضض وافق المزارع على تلك الشروط، فالأراضي الصالحة للزراعة في غزة محدودة جداً وتقدر بحوالى 180 ألف دونم فقط، منها 90 ألف دونم تقع في المنطقة مقيدة الوصول، بحسب بيانات وزارة الزراعة في غزة.

أمضى سعيد نحو ساعتين من عمله في فلاحة التربة وغرسها، وبينما يمارس نشاطه الزراعي كان الخوف على حياته يتملك قلبه، فصوت إطلاق النار لم يتوقف للحظة، وكذلك حركة المعدات العسكرية مستمرة.

هلع وترقب

ويشير بيده صوب الحدود وهو يتحدث "نخاطر بحياتنا كي نحرث ونزرع الأرض، فهاهم أمامنا وفي أية لحظة يمكن أن يطلقوا النار وقنابل الغاز، وهذه الأرض تعرضت للتجريف والقصف وأصيب ابني فيها وحرمنا منها كثيراً، لكن لم نتركها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما كان العم سعيد منهمكاً في نثر حبوب القمح أطلق جنود إسرائيليون قربه خمس رصاصات، فتوقف عن عمله ورفع يديه ثم أدار نفسه ببطء شديد ثلاث مرات، وأوضح أن الطلقات النارية هذه تعني تفتيشاً من بعد عبر أجهزة إلكترونية.

"خلال فترة العمل يتعرض المزارع لكثير من المضايقات ويحدد له مكان عمله بناء على أعيرة نارية يطلقها الجنود باتجاهه"، وبحسب سعيد الذي أمضى عمله، وبعد حوالي نصف ساعة أطلق الجنود 10 أعيرة نارية، حينها أخذ استراحة حتى يؤذن له بمواصلة مهمته.

هكذا يقضي سعيد عمله خلال الساعات المحددة له، ويؤكد أن المزارعين يواجهون أخطاراً كبيرة قد تؤدي إلى فقدان الحياة أو تعرضهم للإصابات بفعل ما يسميه "الاعتداءات الإسرائيلية".

وتعد أنشطة الزراعة مصدر رزق سعيد الوحيد مع نحو 30 ألف مزارع يمتهنون هذا العمل عند المناطق الحدودية، ودائماً ما يتعرضون لانتهاكات، لكن أكثر ما ينغص على المزارعين عملهم أن يأمرهم الجيش بالانسحاب من المكان خلال فترة الحصاد على رغم حصولهم على إذن مسبق.

ومن أبرز الانتهاكات بحق المزارعين التي وثقتها وزارة الزراعة بالتعاون مع المؤسسات الحقوقية إطلاق النار وقنابل الغاز وقذائف المدفعية ورش المبيدات الحشرية السامة، إضافة إلى فتح سدود المياه لإغراق المحاصيل.

ويقول الجدبة إن "إسرائيل تتعمد التضييق على المزارعين وتعمل على قصف التربة بالصواريخ الثقيلة، وكذلك تجعل الدبابات التي يصل وزنها إلى 70 طناً تتجول في المكان مما يؤدي إلى قتل الكائنات الحية".

ويضيف الجدبة أن زراعة هذه الأراضي سيكون لها تأثير واضح في الناتج القومي في غزة وسيزيد بنسبة 25 في المئة، مما يسهم في تدعيم السلة الغذائية والاقتصاد، ومن أجل ذلك يجب أن يتوفر الاستقرار الأمني.

ضرورة

لكن إسرائيل ترى في منعها هذا "ضرورة أمنية"، فبحسب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية غسان عليان فإن قرار منع زراعة الأشجار عند الحدود له أسباب أمنية، منها أنها تمنع الرؤية وعمليات المراقبة.

أما بالنسبة إلى إجراءات الجنود فيوضح أن الأنشطة كافة الهدف منها التأكد من أن الوضع الأمني يسير بشكل صحيح ولا توجد خروقات تسبب كوارث أمنية.

المزيد من تقارير