يرتبط حلول شهر فبراير (شباط) من كل عام في الجزائر باشتعال سوق الدروس الخصوصية، خصوصاً تلك التي تعنى بالأقسام النهائية المقبلة على امتحان شهادة البكالوريا وتبرز تساؤلات حول ارتفاع أسعار هذه الدروس والظروف التي تقام فيها.
وأصبحت الظاهرة أمراً واقعاً على رغم تأكيد وزارة التربية الوطنية أن نشاط الدروس الخصوصية غير مرخص وليس قانونياً لأنه يخل بالتزامات الأستاذ المهنية ويفتح المجال أمام التلاعب بنتائج الامتحانات من خلال التركيز على دروس معينة وتقديمها في الامتحانات، إضافة إلى التعليم في أماكن غير مرخصة بعيدة من القيمة المعنوية للأستاذ والتلميذ.
وذكرت وزارة التربية أن منح الدروس الخصوصية طريقة للكسب غير المرخص به لأنه يمثل جمعاً بين وظيفتين يمنعه القانون عندما يتعلق بممارستها في أماكن عشوائية وفضاءات غير مناسبة كالمستودعات وغيرها.
استثمار مربح
ويجد قسم كبير من الأساتذة أن فتح أقسام للدروس الخصوصية يعد استثماراً مربحاً يدر عليهم أموالاً تفوق راتبهم الشهري، بحيث تشهد هذه المراكز تنافساً كبيراً، في حين يعمد بعض الأساتذة إلى تحويل منازلهم أو أجزاء منها إلى قاعات لتعليم التلاميذ مساءً مقابل مبلغ مالي في ظل الرواج الكبير الذي تشهده هذه الدروس، كما يتم استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للأمر من خلال الإعلانات التي ينشرها الأساتذة بهدف استقطاب أكبر عدد من التلاميذ مع تقديم عروض مميزة.
ويبرر أساتذة كثر لجوءهم إلى التعليم خارج المدارس الحكومية بالظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء الأسعار وعدم تحسن الظروف المعيشية في ظل الأجور الزهيدة التي يتقاضونها مقارنة بنظرائهم في الدول الأخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتزاحم كلف الدروس الخصوصية في الجزائر مستلزمات العيش الأساسية للعائلات، بحيث تتراوح ما بين 30 و60 دولاراً شهرياً بحسب المادة العلمية.
وتعتمد العائلات على الدروس الخصوصية أو دروس الدعم من أجل تحسين المستوى التعليمي لأبنائها وضمان نجاحهم في الشهادات الرسمية وحصولهم على أرقام عالية تسمح لهم بالالتحاق بجامعات جيدة والتخصص في المواد العلمية، وذلك بسبب التراجع الملحوظ في قطاع التعليم بالجزائر خلال الأعوام الأخيرة.
تنصل من المسؤولية
من جهة أخرى، حذرت المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ مرات عدة مما وصفته بـ"تهديدات" الدروس الخصوصية وانحرافها عن خطها الأساس وطلبت من السلطات المعنية تقنينها رسمياً وفرض ضوابط وشروط لها تحمي التلاميذ في أوقات الدراسة.
وكشفت المنظمة عن استقبال شكاوى عدة من قبل أولياء التلاميذ تتعلق بعدم تقديم المعلومة كاملة من طرف بعض الأساتذة في المؤسسات التربوية وتوجيه التلاميذ نحو الدروس الخصوصية لاستيعاب وتدارك ما يحتاجون إليه، وبات بعض مديري المؤسسات يشتكون تصرفات لا أخلاقية تصدر عن بعض الأساتذة المقصرين في واجبهم، مؤكدة أن الدروس الخصوصية تسهم في تعزيز الفوارق الطبقية بين التلاميذ والإخلال بتكافؤ الفرص.
ودعت المنظمة السلطات المعنية إلى ردع المتجاوزين الذين يستغلون حاجة التلاميذ لرفع الأسعار وفرض ممارسات تتنافى مع أخلاقيات التعليم وإشراك وزارة التجارة وكذلك الداخلية والجماعات المحلية من خلال البلديات والدوائر الإدارية في عملية الردع.
من جهته، قال المنسق الوطني السابق للمجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني (كناباست) نوار العربي إن "ظاهرة الدروس الخصوصية مردها توقف الأولياء عن متابعة المسار الدراسي لأبنائهم".
وأوضح العربي لـ"اندبندنت عربية" أن معظم الأولياء أصبحوا يلجأون إلى الدروس الخصوصية لتعليم أبنائهم هروباً من تحمل مسؤولية المتابعة اليومية لما يتلقاه أبناؤهم في المدارس أو الثانويات.
وأضاف أن طبيعة الاختبارات في المدارس الحكومية التي تعتمد على الحفظ والاسترجاع بنسبة كبيرة فرضت على الأولياء اللجوء إلى الدروس الخصوصية لمنح أبنائهم فرصة لفهم واستيعاب ما تم تلقينهم إياه، مشيراً إلى الظروف السيئة التي يعيشها الأستاذ بصفة عامة بسبب ضعف تكوينه للتعامل مع التلاميذ وفهم نفسيتهم.
آليات العلاج
لدى استماعهم إلى وزير التربية عبدالحكيم بلعابد في إطار دراسة مشروع قانون تسوية الموازنة لسنة 2020، شدد أعضاء لجنة المالية في المجلس الشعبي الوطني على ضرورة إعطاء المكانة التي تليق بالأستاذ "باعتباره حاملاً لرسالة نبيلة" من خلال الإسراع بالإفراج عن القانون الأساسي للأستاذ والتكفل بتحويل بعض الأساتذة لتقريبهم من مقار سكنهم.
وأبدى النواب استياءهم من الوضعية التي آلت إليها المؤسسات التربوية، مما يستدعي، بحسبهم، تهيئة وترميم وصيانة هذه المؤسسات في أقرب الآجال، ملحين على ضرورة توفير الظروف اللائقة لسير الدروس واستيعاب التلاميذ من خلال تغيير روح المنظومة التربوية ونمطها كتخفيف البرامج التعليمية وتعميم استعمال الألواح الإلكترونية وتوفير التدفئة والوجبة الساخنة والنقل المدرسي، كما طالب بعض النواب بضرورة الإسراع في عمليات إنجاز وتسلم المؤسسات التربوية، بدلاً من استغلال المدارس ذات البنايات الجاهزة.
في السياق، أكد أعضاء اللجنة ضرورة معالجة المشكلات المتعلقة بالاكتظاظ وإيجاد آلية للقضاء على الدروس الخصوصية، إضافة إلى إيلاء مناطق الجنوب أهمية خاصة، واقترحوا في المقابل تعزيز رقمنة القطاع وتحيين القوانين الأساسية وتكييفها مع انشغالات مستخدمي القطاع وإعادة بعث التربية البدنية والتشكيلية في التعليم الابتدائي، مطالبين باستحداث مناصب خاصة بأساتذة متخصصين في هذه المواد من أجل احتواء عاطلي معاهد التربية البدنية.