توسعت دائرة الحديث عن الغش مع اقتراب امتحانات البكالوريا في الجزائر، ففي حين شهدت الأعوام الماضية إجراءات عقابية لمواجهة الوضع، اقتصر الأمر هذه المرة على التذكير بالعقوبات فقط، ما يوحي بأن الجهات الوصية تراقب مدى تراجع الظاهرة وفشل الحل العقابي أو نجاحه.
تذكير وتحذير وترقب
أعلمت وزارة التربية المرشحين لامتحانات البكالوريا كافة بأن العقوبات الجزائية ذاتها التي أقرتها السلطات في حال الغش لا تزال سارية المفعول للسنة الثانية على التوالي، مذكرة بأنه إذا ما أدى نشر أو تسريب مواضيع أو أجوبة الامتحانات المدرسية الرسمية إلى الإلغاء الجزئي أو الكلي للامتحان أو المسابقة، فإنه سيتم تسليط عقوبات جزائية تصل إلى حد السجن المؤقت من سبع إلى 15 عاماً مع دفع غرامة مالية أدناها 10 ملايين دينار (حوالى 750 دولاراً) وأقصاها 150 مليون دينار (عشرة آلاف دولار)، مع مصادرة كل الأجهزة والبرامج والوسائل المستعملة في ارتكاب جريمة الغش، وغلق الموقع أو الحساب الإلكتروني، وغلق محل ومكان الاستغلال، كما تشمل العقوبة الإدارية الإقصاء مباشرة لمدة 5 أعوام كاملة بالنسبة إلى المرشحين النظاميين، في حين يصل الإقصاء إلى عشر سنوات بالنسبة إلى الممتحنين الأحرار.
وأضافت الوزارة أن العقوبات الجزائية في حال الغش في الامتحانات المدرسية الرسمية ستكون السجن من سنة إلى ثلاث سنوات مع دفع غرامة مالية تصل إلى 30 مليون دينار (نحو 2000 دولار) لكل من يقوم قبل أو أثناء الامتحانات بنشر أو تسريب مواضيع أو أجوبة الاختبارات، في حين سيتم تسليط عقوبة السجن من خمس إلى عشر سنوات مع دفع غرامة مالية أقصاها 100 مليون دينار (حوالى 6700 دولار) ضد المتورطين في نشر أو تسريب مواضيع أو أجوبة الامتحانات الرسمية المدرسية من فئة الأشخاص المكلفين تحضير أو تنظيم الامتحانات الرسمية.
لا تساهل مع الغشاشين
ودعت الجهة الوصية العاملين في قطاع التربية إلى ضرورة تكثيف الجهود لمحاربة وإحباط كل محاولات الغش في الامتحانات المدرسية عموماً، وامتحان شهادة البكالوريا على وجه الخصوص، بغية إضفاء مصداقية أكبر على الشهادات المدرسية الممنوحة للناجحين، مشددة على أن السلطة القضائية لن تتساهل مع الغشاشين وسيتم تسليط أقصى العقوبات عليهم.
إلى ذلك، أبرزت المفتشة المركزية بوزارة التربية سامية منصوري، لدى حلولها ضيفة على برنامج "ضيف الصباح" للقناة الإذاعية الرسمية، أنه على الأولياء توعية أبنائهم وعدم تشويش أفكارهم بالمواضيع التي تطرح على منصات التواصل الاجتماعي، داعية إلى عدم الانسياق وراء الإشاعات والأخبار المغلوطة التي تهدف إلى ضرب مصداقية امتحانات نهاية السنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في السياق، يعتقد الباحث في الإعلام والاتصال الجامعي عبد الرحمن بوثلجة في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن هذه العقوبات "غرضها الردع والتقليل إلى أقصى حد من الغش في الامتحانات، بالتالي إضفاء مزيد من المصداقية على امتحانات البكالوريا لمكانتها الخاصة، باعتبارها فاصلاً بين مرحلة التربية ومرحلة التعليم العالي والبحث العلمي، كما أن هذه العقوبات ربما تدفع الطلاب إلى الاجتهاد أكثر في سياق رفع المستوى والنجاح عوض التفكير في أساليب مشينة وملتوية". مضيفاً أن البحث في أسباب اللجوء إلى الغش من طرف المتخصصين النفسيين والتربويين والاجتماعيين "ضروري، والأكيد أن التوصيات التي يقدمونها ستطبقها الجهات المعنية في الواقع من أجل مكافحة الغش جنباً إلى جنب مع العقوبات الرادعة المنصوص عليها في القانون".
مساس بالسيادة
الحقوقي عابد نعمان يقول لـ"اندبندنت عربية" إن مسألة الغش لها جذور قديمة، وشكلت نوعاً من التراكم الذهني بالنسبة إلى الأستاذ أو ولي التلميذ، أو التلميذ بحد ذاته، بخاصة مع التطور في وسائل التواصل والاتصال، وهنا نتذكر قضية الطبيب الذي زرع جسماً غريباً في أذن طالب ليتمكّن من استقبال المعلومات الواردة له من خارج مركز الامتحان كمثال حي، وعليه فإن العقوبات مسألة مبدئية من زاوية مقاومة ومكافحة الظاهرة، لأن امتحانات البكالوريا مهمة.
وأشار إلى أن القضاء على أسباب الغش يتطلب تغييراً طويل الأمد للذهنيات والوعي، ويبدأ من شفافية مسابقات التوظيف، على اعتبار أن "الأستاذ الذي تمكّن من اجتياز مسابقة التوظيف بطرق الغش لن ننتظر منه أن يكون شفافاً في الاختبارات، ونزيهاً في توزيع النقاط على الطلاب، ولن ننتظر منه أيضاً أن يكون نزيهاً في امتحان البكالوريا، سواء كان حارساً أو مراقباً أو مصحح أوراق"، بالتالي فإن العقوبات أمر "لا بد منه بالتوازي مع تعزيز الوعي والشفافية والنزاهة في كل مفاصل المنظومة التربوية".
عقوبة السجن جنون
في المقابل، يعتبر الكاتب عبد العزيز عمراني في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن الغرامات المالية عقوبة معقولة نوعاً ما، على الرغم من أنها ستؤثر في الطبقة الهشة من المجتمع، أما الحديث عن السجن "فهذا أمر جنوني"، وفق تعبيره. وقال، "صحيح أن المجتمع تحكمه مجموعة قوانين وقواعد يخضع لها الأفراد حتى تتحقق العدالة بينهم، لكن لا يجب نسيان أن المقبل على شهادة البكالوريا فرد مراهق لم ينضج بعد، ولا يدرك خطورة ما قد ينتظره، والسجن سيفسد نفسيته".
وأوضح أنه "يجب التفكير في بناء شباب طموح لديه نظرة واسعة، ويتطلع لبناء مستقبله ومستقبل بلاده، عبر تكوينه وتعليمه جيداً، بحسب معايير راقية، فمن غير العادل أن نضع الشاب في محيط لا يشجع على الدراسة، ثم ننتظر منه أن ينجح في شهادة غير معترف بها". وشدد على ضرورة البحث عن أسباب اللجوء إلى الغش وتدني المستوى التربوي أولاً قبل التعليمي، ثم "نفتح قوسين في الأخير لنقول إن المنظومة التربوية والتعليمية تحتاج إلى إعادة بناء من جديد، مع دراسة كل النقائص المتعلقة بجودة التعليم وليس بجودة المكان الذي نتعلم فيه".